عمرو موسى: منطقتنا لا تتحمل دولة نووية

أكد لـ«الشرق الأوسط» الحاجة لاجتماع عربي رفيع المستوى بعد قمة واشنطن لتحديد خطة عمل المستقبل

عمرو موسى: منطقتنا لا تتحمل دولة نووية
TT

عمرو موسى: منطقتنا لا تتحمل دولة نووية

عمرو موسى: منطقتنا لا تتحمل دولة نووية

أكد عمرو موسى الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية في حوار خاص لـ«الشرق الأوسط» أهمية انعقاد القمة الخليجية التشاورية، والتي اعتبرها تمهيدا مطلوبا جاء قبل انعقاد القمة الخليجية مع الرئيس الأميركي باراك أوباما في واشنطن يوم 13 الشهر الجاري. وقال موسى إنه يحق لدول الخليج وقادتها الحديث باسم العرب في قضايا اليمن وسوريا وفلسطين وليبيا، وكذلك منع الصدام الإقليمي المحتمل وتدخل إيران في الشأن العربي. واعتبر «عاصفة الحزم» رسالة لكل من يريد التلاعب بالأمن القومي العربي، مشيرا إلى أن «إعادة الأمل» صياغة وإجراء مهم لصالح الشعب اليمني.
كما وصف الحوار اليمني المقبل بالرياض بـ«الضرورة» لترتيب الأوراق والتوصل لتوافق ينهي النيران المشتعلة في اليمن.
وإلى نص الحوار..

* كيف ترى أهمية انعقاد القمة الخليجية التشاورية في الرياض اليوم، في ظل التطورات المتلاحقة التي تشهدها المنطقة وتداعيات أزمة اليمن؟
- يمكن اعتبار انعقاد هذه القمة الخليجية التشاورية مهمة للغاية، نظرا لكونه يأتي قبل اجتماع دول الخليج مع الرئيس الأميركي، لأن هناك أكثر من قضية لا بد أن تكون مطروحة للنقاش؛ منها الآثار المترتبة على الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الغربية.. هذا الموضوع مهم خصوصا أن عددا من المظاهر السلبية بدأت تظهر في المنطقة استعدادا لتلك المرحلة القادمة وهي ظواهر غير مطمئنة.
* مثل ماذا؟
- ليس فقط التنافس الإقليمي، إنما يلوح في الأفق صدام إقليمي محتمل طبقا لما نراه من مؤشرات.. الوضع في اليمن بصفة خاصة، ونظام الأدوار التي تتناثر هنا وهناك، مع العلم أن الشائع الآن هو الدور الإيراني في اليمن. وهذا جاء بعد ما ذكره بعض كبار المسؤولين الإيرانيين من أنهم يسيطرون على السياسة في صنعاء، وقد سبق أن أشرت إلى ذلك في أكثر من تصريح أن هذه التصريحات الإيرانية التي أطلقها بعض كبار النظام الإيراني أنهم يسيطرون على القرار في بعض العواصم العربية شملت إهانة للعالم العربي الكبير ونظامه.. وبالتالي أرى أن الملف اليمني جسد صراعا أو بدايات له، وأتصور أنه سيكون مطروحا خلال اللقاء الخليجي الأميركي.
كذلك الوضع في سوريا والعراق، خاصة أن هناك اقتراحا أميركيا بتقسيم العراق، وهو الأمر الذي أكده نائب الرئيس الأميركي جو بايدن منذ عدد من الشهور. وأذكرك بما سبق أن قلته في حوار سابق لجريدة «الشرق الأوسط» إن تقسيم العراق «وصفة شر»، وإن تنفيذ هذه الخطة بالشكل المطروح من شأنه إطلاق حرب أهلية وليس تهدئة الأمور، إنما تهديد يطال كل العراقيين سواء كانوا عربا أو أكرادا سنة أو شيعة أو أي تقسيمات أخرى لأن كلها مؤسفة للغاية، ومن شأن مثل هذا التقسيم أن يزيد الأمور اشتعالا. وعليه أرى دورا مهما لدول الخليج في هذا الشأن لإقناع الولايات المتحدة بأن هذا التقسيم المطروح للعراق يهدد الدول العربية القريبة منه.
ولذلك أرى أهمية بالغة للقمة الخليجية الأميركية في هذا التوقيت، وإن كنت أرجو أن يتلو ويسبق هذا الاجتماع لقاء عربي على مستوى رفيع للتحدث في الموقف العربي بصفة عامة إزاء التحديات الإقليمية الضخمة ودور الدول العظمى، وأعتقد أنه من الأهمية بمكان أن تتحدث الدول الخليجية باسم الدول العربية في موضوع فلسطين، وبأنه لا يجب أن يترك هكذا إذا أردنا أن نكون جادين في حديثنا عن الأمن والاستقرار.
وعندما نتحدث عن سوريا وفلسطين وليبيا واليمن هذا شأن عربي شامل، ومن الممكن أن يمثلنا فيه دول الخليج. وأرجو بعد ذلك أن تعرض كل نتائج اللقاء الخليجي الأميركي على كل الدول العربية في اجتماع سياسي على مستوى رفيع أيضا لتبادل وجهات النظر والتفاهم على وجهة المرحلة القادمة في ضوء ما سوف يفهمه قادة دول الخليج حول النوايا والمواقف الأميركية.
* كيف يمكن فك اشتباك الصدام الإقليمي المحتمل في ظل سطوة كل من إيران وتركيا على بعض العواصم وإشعال الأزمات بها.. لأن الواضح أن الأدوار للإشعال وليست للبناء أو المساعدة؟
- هذا يحتاج، للأهمية، لاجتماع رفيع المستوى لمجموع الدول العربية للحديث بصوت واحد مشرقا ومغربا وجنوبا، والاتفاق على كيفية مواجهة هذه التحديات خاصة في اليمن وسوريا وليبيا، وأن تكون البداية من دول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، فسوف يكون لها فرصة للحديث الصريح مع الرئيس الأميركي.
* هل تتوقع أن يتحول الاتفاق الإطاري بين إيران والغرب إلى توقيع نهائي أم تتوقع حدوث مطبات قد تخلقها إيران لإطالة أمد الحوار والحصول على أكبر قدر من المكاسب؟
- هذه مسألة تتعلق بالتفاوض، ومحاولة كل طرف أن يحصل على مكاسب بعينها. إنما وصول إيران إلى اتفاق نووي مع الغرب فهذا أعتبره أمرا إيجابيا، ويجب أن يكون كذلك على طول الخط حتى ينسحب هذا التفاهم على السياسة الإقليمية، ويكون بداية للاتفاق على ضرورة إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، وأن نصل إلى إطار محدد لحل هذا الموضوع؛ بما في ذلك إسرائيل، لأن المنطقة لا تتحمل وجود دولة نووية حتى ولو كانت واحدة، خاصة في ظل التحديات الخطيرة التي تمر بها المنطقة.
* يعقد في الرياض منتصف الشهر الجاري حوار يمني– يمني، هل تتوقع حدوث نقلة سياسية نوعية في هذا الملف الأزمة؟
- هذه أنباء إيجابية، لأن الحوار اليمني–اليمني مؤشر صحي. وهذا أمر مفروض، وأتصور أنه من بين الأمور التي طرحت مؤخرا خلال لقاء خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس عبد الفتاح السيسي في الرياض أمس (أول من أمس).
* ماذا فهمت من حواركم مع وزير الخارجية اليمني السابق أبو بكر القربي، هل من أمل يلوح في الأفق؟
- في الحقيقة أنني استقبلت عددا من الساسة اليمنيين الذين قاموا بزيارة مصر مؤخرا، وعلى رأسهم كان لقائي مع الدكتور القربي، وتحدث معي عن كيفية الحل وأنه يعتزم زيارة السعودية وقتها، وكانت خطوة جيدة وقد شجعته عليها.
* ما هو تقييمكم لما بين «عاصفة الحزم» و«إعادة الأمل»؟
- كلاهما يكمل الآخر: «عاصفة الحزم» كانت موجهة إلى عمل عسكري ثار حوله لغط عن من الذي وراءه ومن الذي يدعم حركة التمرد الشاملة في اليمن، وخاصة بعد إعلان إيران أنها تدير الأمور في صنعاء، وبالتالي كان الموضوع خطيرا للغاية وكان لا بد من عمل يكون رسالة بأن المسألة ليست بهذه السهولة، وأن العرب ليسوا بهذا الضعف وأن الاستسلام لمثل هذه الأمور أمر غير مطروح.. ولذلك كانت مشاركة مصر في هذا التحالف أمرا مهما، وكذلك كل من المغرب والأردن، لأن الرسالة يجب أن تكون جماعية لرفض أي مشروع يفرض نفسه على أي عاصمة عربية.
أما «إعادة الأمل» فهي التطور الطبيعي بعد العمليات العسكرية، لأن القصد منها كان علاج المشكلة وليس مجرد تحقيق انتصار أو هزيمة، وهذه المعالجة موجهة إلى الأمن العربي، وعليه جاءت المبادرة التنموية تعالج أصل المشكلة، وهو حالة الفقر الشديد الذي يعاني منه اليمن.
* ماذا عن زيارتكم لبيروت؟
- للمشاركة في مؤتمر اقتصادي يعقد سنويا ويجمع كثيرين من الساسة والاقتصاديين ورجال الأعمال، وهو تجمع مهم وإيجابي، ولذا أعتبره «دافوس» عربيا.
* وما هي عناوين المشاركة التي تقوم بها؟
- ثلاثة محاور، هي أبعاد وانعكاسات الموقف في الشرق الأوسط والعالم العربي، والموقف إزاء الإرهاب، إضافة إلى تداعيات الاتفاق الإيراني النووي مع الغرب.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.