باسم رزق لـ«الشرق الأوسط»: جنّبتُ نفسي التلوث الفني

ألَّف موسيقى الاحتفال بيوم التأسيس في السعودية

الملحن والمؤلف الموسيقي باسم رزق
الملحن والمؤلف الموسيقي باسم رزق
TT

باسم رزق لـ«الشرق الأوسط»: جنّبتُ نفسي التلوث الفني

الملحن والمؤلف الموسيقي باسم رزق
الملحن والمؤلف الموسيقي باسم رزق

وقع اختيار شركة «Executive Visions EMI» الأميركية، بفرعها في دبي، على الملحن والمؤلف الموسيقي باسم رزق، لخوض التحدي. الوقت قياسي: 15 يوماً فقط! والمشروع ضخم: تأليف مقطوعة موسيقية أوركسترالية ملحمية، بروح شرقية تُعزف طوال 20 دقيقة في احتفالية يوم تأسيس المملكة العربية السعودية.
لوهلة، لفحه الخوف، وخشي من ظلم المقارنات. فقد جمع شركة الإنتاج العالمية تعاون مستمر مع واحد من أعظم الملحنين، مؤلف موسيقى أهم أفلام السينما، الألماني هانز زيمر. 18 ساعة عمل يومياً، والنتيجة مذهلة. مرّت المقطوعة في يوم التأسيس بفخامة المبدعين.
مسألتان لا تقلّان أهمية عند باسم رزق الذي تلتقيه «الشرق الأوسط»: اختياره في لحظة تاريخية متمثلة بيوم التأسيس، وثقة شركة عالمية به. مدير الشركة في فرعها العربي، هو اللبناني عمر صعب. اقترح اسم رزق، المعروف فنياً باسم «الباسم». وضعه أمام تحدٍّ: الرجاء التسليم في 15 يوماً. وصل الليل بالنهار لإنجاز تحفته.

باسم رزق في الاستوديو مع المخرج الأميركي غريغ هولفورد

نقل التلفزيون السعودي المشهد: ألعاب نارية ضخمة، نحو 3500 درون، والموسيقى شاهدة على عظمة اللحظة. تملأ المُسيَّرات السماء، وتشكّل لوحات ساحرة. «شيء لا يُصدَّق»، يقول، كأنه لا يزال عالقاً هناك. حضر المخرج الأميركي غريغ هولفورد ليتابع مع باسم رزق مسار التأليف. ساعات في الاستوديو أخرجت مقطوعة للتاريخ.
وفي السعودية أيضاً، مشروع آخر. تعرض قناة «إس بي سي» برنامج «صوتك أقوى»، النسخة العربية من «الفورما» العالمية «Beat me if you can». يصف العمل بالصعب، فتولي توزيع الأغنيات وفق الإيقاعات السعودية، مهمة دقيقة وخاصة. شهران ونصف شهر، تقريباً، والزوج لم يرَ زوجته، ورد الخال، كما تفترض الأشواق. يصبح استوديو التسجيل بيتاً آخر، ولمّة أخرى.
باسم رزق ليس ممن يطاردون الضوء. يتخذ لنفسه مسافة مما يسميه «التلوث». بدأ عازفاً على العود في أوروبا، ولم يعش ما يكفي في لبنان للتورّط في أزمته الفنية. كان يطلق على عطائه اسم «الفن الملتزم»، وهو يعلم أنها تسمية خاطئة. يقصد به الفن النخبوي خارج التجاري السائد، فيقول: «نشأتُ على هذه المدرسة، وهي اليوم مدرسة قديمة. لا أزال أنتمي إليها، فلا أكترث للضوء. نحن الموسيقيين لسنا نجوماً بمعنى (Stars). نعمل في الفن ولا نلاحق بهرجته».
في داخله غضب، يلتقي مع براكين زوجته النجمة الثائرة. بالنسبة إلى باسم رزق: «الفنان الحقيقي من مؤلف موسيقي أو ممثل أو مخرج... أبعد من أن ينال حقه في لبنان». يراها «عملية وقت، فإن ظهرتَ على الشاشة فأنت موجود. وجودك رهن المرحلة». ينتقد إهمال التاريخ الفني لأسماء كبيرة، وضرب عرض الحائط بهم: «لبعضهم 40 سنة في الفن، فيأتي مَن يفضّل عليهم الوجوه الجميلة. قلتُ هذا الكلام قبل سنوات، ويبدو أنّ الحالة ميؤوس منها. في لبنان، الأمور تزداد سوءاً. لا فارق بين الانهيار الاقتصادي والهبوط الفني».
يسيّج له عالماً قد يطلق عليه صفة «التقوقع». لكنه تقوقع خلاق، يريح الفنان ويجنّبه شظايا الكراهية. يفضّل استثمار الوقت في صناعة النغمات. يستغرب تخرّج المئات في معاهد الموسيقى، ومع ذلك، قلّة فقط تلمع. يميز بين 3 أصناف من المشتغلين بالموسيقى: «صنفٌ يكتفي بتعلّمها، وهذا لا يذكره التاريخ؛ صنفٌ متعمّق بالتأليف، أكاديمي، قد يذكره التاريخ إن ترك عملاً مؤثراً؛ وصنفٌ عبقري، فريد الموهبة».
باسم رزق من الصنف الثالث. يعترف بأنه مُغامر، لا يخشى التجارب. يعزف العود منذ سنّ الرابعة، واحترف في المراهقة. كان أول مَن عزفه بيد واحدة، وأدخل الإيقاعات عليه. جريء أيضاً في صناعة الموسيقى التصويرية لمسلسلات درامية. يقول إن التميّز يشترط قبول المخاطرة أحياناً: «فالمهم أن نقدّم مستوى فنياً عالياً». يحضّر موسيقى تصويرية أوركسترالية لمسلسل «بيوت من ورق» من إنتاج زياد شويري، وبطولة يوسف الخال. تألّق بموسيقاه في مسلسل «أسود»، ولفت مزيداً من الأنظار إليه. يرفض تقديم موسيقى قد يُلمَح فيها تشابه مع أعماله السابقة أو مع آخرين. ينتقي نوتات لم تولد بعد ويمنحها الحياة.
يمرّ على زواجه من ورد الخال 6 سنوات. يربط هذه المرحلة من حياته بقرار مصيري اتخذه حينها، هو التوقف عن إحياء حفلات العود. كانت القاعات تمتلئ في أوروبا وهو يعزف من دون غناء. وحين شعر بأنّ المزاج العالمي يتغيّر، والجماهير تفضّل الاستسهال، تراجع. والتراجع مردّه احترام الآلة: «منحني العود حياتي، وأعطاني التقدير في عمر صغير. توقفتُ عن الحفلات؛ لأنني أرفض أن ينتقص أحد من قيمته».
ساعات إلهام باسم رزق من الرابعة والنصف فجراً حتى السابعة صباحاً: «أشعر بتفتّح ذهني، فأنجز بساعتين ما قد يتطلب ساعات». ثم يمضي نهاراته في الاستوديو. يذكر قولاً لأستاذه في العود منير بشير، رداً على سؤال عن لقاء فنانَيْن تحت سقف واحد، هو وورد الخال: «مشعوطان لا يلتقيان»، و«الشعطة» الفنية هي عبقرية الإنسان وأمزجته. «لكننا نلتقي بكثير من الوفاق. ورد خطيرة في إبداء الرأي ودقيقة الملاحظة. تقنعني بإبهار».



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».