أصبح الاتفاق في مفاوضات فيينا الرامية لإحياء الاتفاق النووي الإيراني «على مرمى حجر» بعد 11 شهراً من المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، وفي حين أكدت الأطراف المفاوضة على اقترابها من النهاية، رفضت طهران «تعجل» الغرب للوصول إلى تسوية دون مراعاة «الخطوط الحمر».
وقال مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أمس، إن من المتوقع التوصل لاتفاق مطلع الأسبوع، بشأن إحياء الاتفاق لعام 2015. وصرح للصحافيين في بروكسل «يحدوني الأمل أن يكون بإمكاننا التوصل (لاتفاق) مطلع الأسبوع».
وجاء ذلك، بعد ساعات من اتصال هاتفي أجراه بوريل، الذي يترأس اللجنة المشتركة في الاتفاق النووي، بوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان بشأن اجتماع مرتقب بين وزراء خارجية القوى المنضوية في اتفاق العام 2015، أي فرنسا، وبريطانيا، وروسيا، والصين، وألمانيا، بالإضافة إلى الولايات المتحدة.
وقال عبداللهيان، إن «حضور وزراء الخارجية في فيينا والإعلان عن اتفاق نهائي مرتبط بمراعاة للخطوط الحمر المعلنة من قِبل إيران، بما يشمل الضمانات الاقتصادية»، لكنه حذّر من أن «استعجال الطرف الغربي لا يمكن أن يحول دون مراعاة الخطوط الحمر لإيران». وزاد «أنا مستعد للذهاب إلى فيينا عندما يقبل الغربيون خطوطنا الحمر المتبقية»، مضيفاً «مستعدون لإنجاز اتفاق جيد فوراً»، حسبما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية عن الخارجية الإيرانية.
ونسبت الخارجية الإيرانية إلى بوريل قوله، إن محادثات فيينا «في مسار التقدم والوصول إلى النتيجة النهائية»، وقال «نعتقد أن الاتفاق المرتقب يأخذ معظم طلبات الجمهورية الإسلامية في إيران، بعين الاعتبار».
ورغم التأكيد على «الاتفاق الجيد»، لكن المسؤولين الإيرانيين تجنّبوا خلال الفترة الماضية تقديم مواصفات محددة بشأن الاتفاق رغم تأكيدهم على ضرورة اتخاذ الغرب «قرارات سياسية» من الغرب بشأن مطالبها في رفع العقوبات وضمانات عدم تكرار الانسحاب الأميركي وتبعاته، إضافة إلى تسوية قضايا مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
صورة نشرها غروسي قبل مغادرة فيينا إلى طهران أمس
لكن عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، النائب إبراهيم رضائي، قال لوكالة «إيسنا» الحكومية، إن الاتفاق الجيد هو الذي يفضي إلى رفع جهاز «الحرس الثوري» الموازي للجيش الإيراني، من قائمة المنظمات الإرهابية وإزالته من قائمة العقوبات.
وفي فيينا، أعلنت رئيسة الوفد البريطاني، ستيفاني القاق، أن الدبلوماسيين الأوروبيين الذين يجرون مفاوضات في فيينا سيعودون إلى عواصمهم للتشاور، مشيرة إلى أن التوصل إلى اتفاق بات في متناول اليد. وقالت القاق على «تويتر»، «نحن قريبون. مفاوضو الثلاثي الأوروبي سيغادرون لفترة وجيزة لإطلاع الوزراء على الوضع. مستعدون للعودة قريباً».
وعلى الرغم من تغريدة الدبلوماسية البريطانية على «تويتر»، قال مصدران مطلعان لـ«رويترز»، إنه لم يتم التوصل لاتفاق حتى الآن، في حين قال مسؤولون أوروبيون وإيرانيون، إن كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني باقٍ في فيينا.
لاحقاً، قال السفير الروسي لدى المنظمات الدولية، ميخائيل أوليانوف، إن «المفاوضين الأوروبيين قد عادوا إلى العواصم لأنهم يعتقدون أنهم قد أنجزوا مهمتهم»، حسب «رويترز». وقال أوليانوف للصحافيين «في حدود ما أعلم، الإيرانيون غير مستعدين لمحادثات مباشرة (مع الولايات المتحدة)». ومضى قائلاً «سيكون لدينا اتفاق ربما في منتصف الأسبوع المقبل. نتحدث عن الخطوات الأخيرة قبل اجتياز خط النهاية».
وواصل المنسق الأوروبي إنريكي مورا مشاوراته مع رؤساء الوفود المفاوضة، والتقى باقري كني، قبل أن يجتمع مع وفود الثلاثي الأوروبي (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا) حسبما غردت ستيفاني القاق.
وكتبت القاق، وهي مديرة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في تغريدة أخرى باللغة الفارسية، إن مفاوضي الثلاثي الأوروبي أجروا محادثات «بنّاءة» مع باقري كني والعضو الآخر البارز في الوفد الإيراني مهدي صفري، نائب الشؤون الاقتصادية لوزير الخارجية.
أتت هذه التطورات، غداة تأكيد الولايات المتحدة، أن إبرام الاتفاق النووي ممكن «قريباً»، لكن مع تبقي بعض النقاط الشائكة. وكررت نائبة المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية جالينا بورتر، أن المفاوضين أحرزوا «تقدماً مهماً»، محذرة من أنه «لن يكون لدينا اتفاق ما لم تحُل بسرعة المسائل المتبقية».
وكان فيليب إيريرا، المدير العام للشؤون السياسية والأمنية في الخارجية الفرنسية ورئيس وفد بلاده، قد نشر صورة جماعية على «تويتر» تجمع زملاءه في وفود الثلاثي الأوروبي؛ وهو ما أعطى انطباعاً بانتهاء المفاوضات. وتعزز ذلك بعد تغريدة السفير الروسي ميخائيل أوليانوف الذي أشار في تغريدة إلى مشكلات «صغيرة نسبياً» تحول دون الاتفاق، مستبعداً انهيار المحادثات.
وعلى نقيض هذا التفاؤل، كان المنسق الأوروبي أكثر حذراً عندما أشار في تغريدة إلى أنه «لا تزال بعض القضايا ذات الصلة مفتوحة والنجاح غير مضمون في مثل هذه المفاوضات المعقدة».
ونقلت وكالات حكومية في طهران عن مسؤول في الفريق المفاوض، أن «نشر الصور التذكارية لبعض الوفود لا تعني نهاية المفاوضات»، مشيراً إلى استمرار عملية التفاوض. وقال المسؤول «المفاوضات لم تنجز بعد، ما زلت هناك قضايا لم نتوصل إلى اتفاق حولها مع أميركا». وذلك بعدما قال المتحدث باسم الخارجية، سعيد خطيب زاده، إن «الأخبار الجيدة السابقة لأوانها لا تعوّض التوصل لاتفاق جيد».
ومن القضايا الباقية جهود الوكالة الدولية للطاقة الذرية لحل المسائل المرتبطة بمواد نووية تشتبه الوكالة في أن إيران لم تعلن عنها. وعثر عليها المفتشون الدوليون على آثار يورانيوم في ثلاثة مواقع قديمة لم تعلن إيران عنها في المفاوضات التي انتهت باتفاق 2015 ولا بعده، في حين تطالب بالوصل إلى موقع رابع، وأشارت مراراً إلى أن طهران لم تقدم أجوبة كافية.
وتريد إيران إغلاق ملف التحقيق الذي تجريه الوكالة كجزء من اتفاق، لكن القوى الغربية تقول، إن الأمر يتجاوز حدود الاتفاق النووي، الذي لم تكن الوكالة الدولية طرفاً موقّعاً عليه.
وتوجه المدير العام لـ«الطاقة الذرية» رافائيل غروسي مساء أمس إلى طهران، وسيجري اليوم محادثات مع رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية محمد إسلامي ومسؤولين آخرين، على أمل التوصل لتسوية على عملية تؤدي إلى إنهاء التحقيق؛ مما قد يمهد الطريق لاتفاق أوسع نطاقاً، حسبما ذكر دبلوماسيون.
وقبل مغادرة فيينا، نشر غروسي صورة من لحظة وصوله إلى الطائرة وكتب على «تويتر»، «أسافر إلى طهران اليوم لعقد اجتماعات مع المسؤولين الإيرانيين غداً لمعالجة الأسئلة العالقة في إيران. هذا وقت حرج، ولكن النتيجة الإيجابية للجميع ممكنة».
وأكد غروسي، الأربعاء، أن الوكالة «لن تتخلى أبداً عن أي إجراءات... لسبب سياسي»، معتبراً أن إقفال الملف رهن تقديم إيران تفسيرات «واضحة».
ويستعد غروسي لتقديم تقرير جديد بشأن البرنامج النووي الإيراني في ظل انتهاكاتها لالتزامات فيينا إلى مجلس محافظي الوكالة الدولية الذي يلتئم شمل أعضائه الـ35، بعد غد (الاثنين)، في الاجتماع الفصلي.
وكانت الوكالة الدولية، أول من أمس، أفادت في تقريرها الفصلي، بأن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب يتزايد إلى درجة أن المواد قطعت معظم الطريق المطلوب لصنع قنبلة نووية حسب المعايير الشائعة.
وبحسب التقرير، يشمل محزون إيران من اليورانيوم 33.2 كلغ من اليورانيوم بنسبة 60 في المائة، وهو ما يشكل زيادة قدرها 15.5 كيلوغرام.
وتحدد الكمية المطلوبة لصنع قنبلة بنحو 25 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب بنسبة 90 في المائة، مع أن الدبلوماسي الكبير شكك في موثوقية ذلك. وقال دبلوماسي كبير لـ«رويترز»، إن مخزون إيران يبلغ نحو ثلاثة أرباع الكمية المطلوبة لتصنيع قنبلة نووية واحدة لو كان التخصيب بدرجة أكبر، حسبما هو معروف على نطاق واسع.
ويختلف الخبراء حول تقدير الكمية ودرجة النقاء المطلوبة لتطوير الأسلحة. وبحسب تقديرات خبراء «معهد العلوم والأمن الدولي»، فإن 40 كلغ من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المائة، تكفي لصنع قنبلة نووية مباشرة، دون الحاجة إلى رفع نسبة التخصيب فوق 90 في المائة.
كان اتفاق 2015 النووي بين إيران والقوى العالمية يهدف إلى تقليص قدرة إيران على امتلاك مواد انشطارية تصلح للاستخدام في الأسلحة النووية.
وسحب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب بلاده من الاتفاق في 2018، وأعاد فرض عقوبات اقتصادية قاسية على طهران. وردت إيران على ذلك بانتهاك الكثير من قيود الاتفاق.
مفاوضات فيينا تقترب من الاتفاق... وطهران ترهنه بـ«الخطوط الحمر»
غروسي يلتقي المسؤولين الإيرانيين لحل القضايا العالقة... ومفاوضو الثلاثي الأوروبي يتشاورون مع عواصمهم
مفاوضات فيينا تقترب من الاتفاق... وطهران ترهنه بـ«الخطوط الحمر»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة