أوكرانيا المعاصرة... رهينة روايتين لتاريخ علاقاتها مع روسيا

مدينة كييف... عاصمة أوكرانيا وكبرى مدنها وأعرقها (رويترز)
مدينة كييف... عاصمة أوكرانيا وكبرى مدنها وأعرقها (رويترز)
TT

أوكرانيا المعاصرة... رهينة روايتين لتاريخ علاقاتها مع روسيا

مدينة كييف... عاصمة أوكرانيا وكبرى مدنها وأعرقها (رويترز)
مدينة كييف... عاصمة أوكرانيا وكبرى مدنها وأعرقها (رويترز)

بينما تتركز أنظار العالم على الحرب المتواصلة في أوكرانيا، وتحصي التداعيات «المدمرة» المحتملة على روسيا وجارتها الأقرب، يغيب عن المشهد جزئيا، البعد التاريخي لعلاقة ظلت على مدار قرون ملتبسة بين موسكو وكييف.
لعل مقالب التاريخ وضعت طموحات الهيمنة السياسية والتوسع الجغرافي للرئيس فلاديمير بوتين أمام إعادة كتابة صفحات لهذه العلاقة، بين أن تكون كييف تحديداً هي «أم المدائن» الروسية، وأنها كانت عاصمة إمبراطورية وليدة قبل ألف سنة، ورواية الكرملين البديلة حول أنه لا وجود في التاريخ لأوكرانيا من دون الشقيق الروسي الأكبر.
على مدى قرون دلّت دروس التاريخ على أن الإمبراطورية الروسية كانت تضعُف وتتقلص إذا خسرت أوكرانيا. وينسب البعض إلى القائد العسكري الروسي الماريشال ميخائيل كوتوزوف، الذي قاد المواجهة مع جيوش نابليون بونابرت في 1812 ونجح في هزيمتها، متعاوناً مع «الجنرال ثلج» أقوى أسلحة روسيا، مقولة ظلت تحدد على مدى قرون شكل العلاقة بين روسيا وأوكرانيا «روسيا هي سيف الإمبراطورية، وأوكرانيا هي الدرع».
وحقاً، قد لا تكون روسيا قادرة على خسارة درعها وهي تواجه الضغوط الغربية المتزايدة عليها. لكنّ أقدار أوكرانيا وضعتها أمام واقع ينفي تاريخها... ليعزّز الفكرة الروسية بـ«شعب واحد ودولة واحدة» التي تنفي وجود الدولة الأوكرانية وتسعى إلى «محوها عن الخريطة» كما يردد زيلينسكي.
قال ألكسندر دوغين، أحد أبرز مفكري العصر الحديث في روسيا: «قبل الاتحاد السوفياتي، لم تكن أوكرانيا ولا بيلاروسيا موجودتين كدولتين منفصلتين، إلا في إطار إمارتي غاليسيا - فولينيا وبولوتسك في العصور الوسطى». ثم يضيف: «تتكون أراضي الكيان السياسي الجديد (أوكرانيا)، الذي نشأ عام 1991، من أقاليم وشعوب غير متجانسة كلياً». ويخلص إلى أن «صيغة النورماندي واتفاقيات مينسك (لتسوية الأزمة الأوكرانية)، تهدف في الواقع فقط إلى خفض التصعيد. ولكن على المدى الطويل وحتى على المدى المتوسط لا تحل أي شيء... وبناءً عليه لا يمكن أن يكون هناك سوى حل واحد لهذا الوضع: تقسيم أوكرانيا إلى قسمين، مع الاعتراف بالسيادة السياسية لكلا النصفين -الضفة اليمنى الغربية لأوكرانيا، ونوفوروسيا (روسيا الجديدة) مع منح وضع خاص لكييف. عاجلاً أم آجلاً سيحدث هذا التقسيم».
هذا هو جوهر العملية العسكرية الجارية، كما يقول خبراء في موسكو. وما يُذكر أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان قد عزز هذه الرؤية في أكثر من موقع عندما قال إن «أوكرانيا الحديثة هي نتاج خالص للحقبة السوفياتية، وقد تشكلت -بمعظمها- على أراضي روسيا التاريخية، وليست نتاج تطور تاريخي يعود إلى قرون خلت».
في المقابل، ترى أوكرانيا المعاصرة نفسها على أنها الوريث السياسي لـ«كييف روس» أو «روس الكييفية»، التي أسّسها في القرن الحادي عشر الميلادي الأمير ياروسلاف الحكيم كأول دولة سياسية للسلاف الشرقيين. جاء ذلك بعدما وحّد ياروسلاف الإمارات الواقعة بين بحر البلطيق والبحر الأسود، وفي رد غير مباشر على مقالة الرئيس الروسي، قال وزير خارجية أوكرانيا دميترو كوليبا: «بصفتنا أحفاداً مباشرين لروسيا القديمة فإننا لا ننكر حق بيلاروسيا وروسيا الحديثة في تأكيد الروابط التاريخية المشتركة. إن ما نعارضه بشكل قاطع هي المحاولات الروسية الحالية لاستخدام تاريخ كييف روس كأداة لخدمة أساطير بوتين الحديثة والمطالبات الإقليمية غير المشروعة».
وفي السياق ذاته، في رفضها لمقولة بوتين «روسيا وأوكرانيا شعب واحد»، تؤكد السردية الأوكرانية حقيقة أنه رغم المشترك التاريخي والتقارب بين البلدين فإن مساري الشعبين الأوكراني والروسي كانا مختلفين عبر التاريخ، وبذا نتجت عنهما ثقافتان ولغتان وتطلعات قومية مختلفة، من دون أن ينتقص من ذلك نجاح روسيا في التحوّل إلى إمبراطورية أخضعت الأراضي الأوكرانية لنفوذها وحوّلتها إلى جزء منها في القرن السابع عشر.


مقالات ذات صلة

روسيا وأوكرانيا في صميم هموم البرلمان الأوروبي الأكثر يمينية

حصاد الأسبوع من لقاء أوربان - بوتين في موسكو (رويترز)

روسيا وأوكرانيا في صميم هموم البرلمان الأوروبي الأكثر يمينية

مطلع الشهر الماضي ذهب الأوروبيون إلى صناديق الاقتراع لتجديد عضوية البرلمان الأوروبي، فيما أجمعت الآراء على وصفها بأنها أهمّ انتخابات في تاريخ الاتحاد،

شوقي الريّس (بروكسل)
حصاد الأسبوع أكثر ما يثير قلق الخائفين على إرث «الريغانية» من فانس مواقفه في السياسة الخارجية

ترمب اختار فانس للدفع بـ«الترمبية» قدماً... وتغيير هوية حزب ريغان

لسنوات عدة، كان الحزب الجمهوري الأميركي يمرّ بتغيير جذري، حيث يتبنى بشكل متزايد الشعبوية الاقتصادية في الداخل والانعزالية في الخارج، ويغيّر مواقفه في العديد من

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع الرئيس ترمب وزوجته ميلانيا وجي دي فانس وزوجته أوشا خلال مؤتمر الحزب الجمهوري في ميلووكي (أ.ف.ب)

«حزب ترمب الجمهوري»... جديد الأولويات ومتعدد الأعراق

> أورين كاس، المستشار الاقتصادي السابق لحملة المرشح الجمهوري الرئاسي السابق السيناتور ميت رومني الرئاسية، توقّع في سنوات سابقة «نشوء تيار محافظ متعدّد الأعراق

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
حصاد الأسبوع صورة لداخل مجلس النواب الأردني (الديوان الملكي)

الأردن على طريق الانتخابات النيابية المقبلة

يتوجه الأردنيون في العاشر من سبتمبر (أيلول) المقبل لاختيار مجلسهم النيابي العشرين، الذي خصص من مقاعده 41 مقعداً للأحزاب من أصل 138 مقعداً، في تجربة هي الأولى من

محمد خير الرواشدة (عمّان)
حصاد الأسبوع ميلونشون يحيي مناصريه اليساريين (آ ف ب /غيتي)

«صراع الأضداد» في فرنسا يحمى وطيسه

فرنسا غارقة اليوم في أزمة سياسية - مؤسساتية لم تعرف مثيلاً لها منذ ستينات القرن الماضي التي أفضت وقتها وتحديداً يوم 28 أبريل (نيسان) 1969 إلى استقالة رئيس الجمهورية، الجنرال شارل ديغول، مؤسس «الجمهورية الخامسة» الذي كان في السلطة في عامه الحادي عشر. وما بين ذلك التاريخ واليوم، تَعاقب على السلطة سبعة رؤساء: جورج بومبيدو وفاليري جيسكار ديستان وفرنسوا ميتران وجاك شيراك ونيكولا ساركوزي وفرنسوا ميتران والرئيس الحالي إيمانويل ماكرون الذي انتُخب لولاية أولى ربيع عام 2017. وخلال هذه العهود، استقر في قصر الأليزيه رؤساء من اليمين ومن اليسار وعرفت فرنسا ثلاث مراحل مما يسمى «التعايش» أو «المساكنة» بين رئيس للجمهورية ينتمي إلى معسكر سياسي ورئيس حكومة من معسكر آخر.


روسيا وأوكرانيا في صميم هموم البرلمان الأوروبي الأكثر يمينية

من لقاء أوربان - بوتين في موسكو (رويترز)
من لقاء أوربان - بوتين في موسكو (رويترز)
TT

روسيا وأوكرانيا في صميم هموم البرلمان الأوروبي الأكثر يمينية

من لقاء أوربان - بوتين في موسكو (رويترز)
من لقاء أوربان - بوتين في موسكو (رويترز)

مطلع الشهر الماضي ذهب الأوروبيون إلى صناديق الاقتراع لتجديد عضوية البرلمان الأوروبي، فيما أجمعت الآراء على وصفها بأنها أهمّ انتخابات في تاريخ الاتحاد، الذي منذ أكثر من سنتين تشتعل حرب على تخومه وتهدد باتساع دائرتها وإيقاظ أشباح الماضي الذي قام المشروع الأوروبي بهدف وأده، وهذا بينما تتنامى داخل حدوده القوى التي منذ ثمانية عقود أفرزت أقسى الحروب التي شهدتها القارة في الأزمنة الحديثة. ولقد جاءت النتائج لتؤكد الصعود المطّرد للموجة اليمينية المتطرفة التي كانت قد أمسكت بزمام الحكم منذ سنتين في إحدى الدول الأعضاء الكبرى المؤسسة، إيطاليا، وأصبحت قاب قوسين من الوصول إلى سدّة الرئاسة الفرنسية... فيما بدت جذورها راسخة في العديد من البلدان الأعضاء الأخرى. ولكن، على الرغم من الصاعقة التي ضربت الصرح السياسي الفرنسي، ظل صعود هذه الموجة دون منسوب الطوفان الذي كانت تنذر به الاستطلاعات ويهدد - وفقاً لأفضل الاحتمالات - بجنوح المركب الأوروبي عن مساره التأسيسي. أمام هذا المشهد المعقد، كان القرار الأول الذي اتخذه البرلمان الجديد في جلسته الافتتاحية يوم الثلاثاء الفائت بعد انتخاب رئيسة له، تأكيد الدعم لأوكرانيا وترسيخ الانقسام الحاد بين الكتل السياسية الذي لم يشهد له مثيلاً منذ تأسيسه في عام 1979.

صور بارديلا مرفوعة خلال حملة الانتخابات الفرنسية (إيبا/شاترستوك)

يتّسم البرلمان الأوروبي الجديد الذي افتتح ولايته الاشتراعية العاشرة هذا الأسبوع في العاصمة البلجيكية بروكسل بكونه الأكثر تشرذماً، على صعيد الكتل التي تشكلت داخله بعد انتخابات التاسع من الشهر الماضي، والأكثر جنوحاً نحو اليمين. إذ أصبح أكثر من نصف أعضائه ينضوون تحت الرايات اليمينية المحافظة واليمينية المتطرفة. بيد أن عجز القوى المتطرفة عن الانصهار ضمن كتلة واحدة، أدّى إلى تشكيل 8 كتل سياسية، للمرة الأولى منذ عشرين سنة، تتصدرها كتلة الحزب الشعبي الأوروبي الذي يضمّ 26 في المائة من الأعضاء. وحقاً، ينذر هذا التشرذم بولاية يتخلّلها المزيد من النقاش الحاد، يصعب فيها التوازن عند الاستحقاقات الحسّاسة ويتعذّر الاتفاق، ذلك أن القوى المعتدلة التي كانت تشكل مجتمعة 70 في المائة من أعضاء البرلمان الأول عام 1979، ما عادت تمثّل اليوم أكثر من 45 في المائة فقط.

أهمية الاستقرار السياسي

تعدّ هذه الولاية على جانب كبير من الأهمية بالنسبة للاستقرار السياسي داخل الاتحاد، خاصةً بعد صعود اليمين المتطرف والزلزال الذي نجم عن الانتخابات الأخيرة في فرنسا، حيث لا يزال المخاض مستمراً لتشكيل حكومة جديدة. وفي حين تجهد القوى المعتدلة للتأكيد بأنها تمكّنت من صدّ الموجة اليمينية المتطرفة - مع خشية كثيرين من أن تكون هذه آخر فرصة لقطع الطريق أمام الانقلاب السياسي الكبير - تكثّف هذه القوى مساعيها لفرض حظر على التعامل مع بعض القوى اليمينية المتطرفة التي تصنّفها قريبة من روسيا، وتعمل على منعها من تولّي مناصب حساسة في المؤسسات الأوروبية.

كتلة الحزب الشعبي الأوروبي تضم اليوم في البرلمان الجديد 188 عضواً، تليها كتلة الحزب الاشتراكي التي تتكوّن من 136 عضواً لا يتجاوزون نسبة 20 في المائة من المجموع للمرة الأولى منذ انطلاق البرلمان. وتأتي في المرتبة الثالثة كتلة «وطنيون من أجل أوروبا» اليمينية المتطرفة بـ84 عضواً، التي يقودها رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان وزعيمة «التجمّع الوطني» الفرنسي مارين لوبان، ثم تأتي في المرتبة الرابعة الكتلة اليمينية الأخرى التي تتزعمها رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني وتضمّ 87 عضواً تحت شعار «المحافظون والديمقراطيون من أجل أوروبا»... التي فشلت حتى الآن كل محاولات ضمّها إلى كتلة الحزب الشعبي الأوروبي. أما الكتلة الأخيرة التي تتجاوز بقليل 10 في المائة من مجموع أعضاء البرلمان، فهي الكتلة الليبرالية الوسطية، التي كانت أكبر الخاسرين في الانتخابات الأخيرة بعدما فقدت المرتبة الثالثة التي كانت تحتلها عادةً بين الكتل السياسية في البرلمان الأوروبي.

"تشكّك أوساط برلمانية أوروبية في قدرة الكتلة اليمينية المتطرفة الجديدة على التأثير داخل البرلمان"

البرلمان الأكثر جنوحاً نحو اليمين

بذلك يكون هذا البرلمان الجديد الأكثر جنوحاً نحو اليمين في تاريخ الاتحاد الأوروبي. ويبقى الذكور يشكلون فيه أكثرية الأعضاء (60 في المائة)، مع أن بعض البلدان، مثل قبرص، لم تنتخب أي رجل للبرلمان الجديد، بينما تشكّل النساء ثلث الأعضاء المنتخبين في كلٍ من ألمانيا وإيطاليا.

من ناحية أخرى، كان التطور اللافت والمفاجئ في المعسكر اليميني المتطرف نجاح رئيس الوزراء المجري أوربان في لمّ شمل القوى اليمينية المتطرفة القريبة من موسكو ضمن كتلة برلمانية جديدة «وطنيون من أجل أوروبا». ولقد قامت هذه الكتلة على أنقاض كتلة «الهوية والديمقراطية»، وتضمّ كلاً من الحزب الليبرالي النمساوي و«التحالف المدني» الذي يقوده رئيس الوزراء التشيكي السابق أندريه بابيس، إلى جانب حزب «فوكس» الإسباني، وحزب «الرابطة» الإيطالي بزعامة ماتّيو سالفيني، واليمين الهولندي المتطرف، وحزب «التجمع الوطني» الفرنسي بزعامة مارين لوبان.

ويعود الفضل في تشكيل هذه الكتلة الجديدة، التي تعمّدت تهميش رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، إلى أوربان وحلفائه في أوروبا الشرقية. ويهدف هذا التجمع الجديد إلى التأثير في سياسات البرلمان الأوروبي وعرقلة مشروع الاندماج الذي يتجه نحو توسعة جديدة للاتحاد تشمل دول البلقان وبعض بلدان القوقاز، إلى جانب أوكرانيا.

رئيس الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني (رويترز)

دور فيكتور أوربان

وتأتي هذه الخطوة أيضاً، وسط تزايد القلق بين الشركاء الأوروبيين من الدور الذي يلعبه فيكتور أوربان في الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد، وجولاته على كييف وموسكو وبكين في «مهمة سلام» لم تكلفه بها الدول الأعضاء التي وجهت إليه انتقادات شديدة واتهمته بخدمة مصالح الكرملين، وبدأت أخيراً بمقاطعة الاجتماعات الوزارية التي تنظمها الرئاسة المجرية.

هذا، وكان «التجمّع الوطني» الفرنسي الذي تقوده لوبان، والذي يشكّل القوة الرئيسية في هذه الكتلة الجديدة بعد حصوله على 30 مقعداً في انتخابات الشهر الماضي، قد تريّث في الإعلان عن انضمامه إلى الكتلة في انتظار نتائج الدورة الثانية من الانتخابات الاشتراعية الفرنسية التي كان يأمل أن يحصل فيها على الغالبية المطلقة ويكلّف نجمه الصاعد الشاب جوردان بارديلا تشكيل الحكومة الجديدة. إلا أنه بعد ظهور النتائج النهائية للانتخابات الفرنسية وتراجع «التجمع الوطني» إلى المرتبة الثالثة، صرّح بارديلا - الذي كان قد انتُخب عضواً في البرلمان الأوروبي – بـ«أن أعضاء (التجمع الوطني) في البرلمان الأوروبي الجديد سيلعبون دورهم كاملاً ضمن كتلة كبيرة سيكون لها تأثير واضح على موازين السلطة ومعادلاتها في أوروبا». وتعهّد بارديلا، بالتالي، مواصلة العمل من أجل «منع إغراق بلدان الاتحاد بالمهاجرين، ورفض السياسات البيئية المتطرفة، ومصادرة السيادة الوطنية».

وما يُذكر أنه على الرغم من تغيّب بارديلا عن الاجتماع التأسيسي للكتلة الجديدة، فإنه انتُخب رئيساً لها بالإجماع، يعاونه ستة نواب للرئيس، تبرز من بينهم المجرية كينغا غال كنائبة أولى.

تشكيك بإمكانية توحيد اليمين

في أي حال، تشكّك أوساط برلمانية أوروبية في قدرة هذه الكتلة اليمينية المتطرفة الجديدة على التأثير داخل البرلمان الجديد، وتستبعد نجاحها في العمل بتوجيهات موحدة في ضوء اختلاف مصالحها وأهدافها الخاصة. وكانت الكتلة السابقة «الهوية والديمقراطية»، التي قامت على أنقاضها الكتلة الجديدة، وكان ينتمي إليها حزب «البديل من أجل ألمانيا» - الذي طُرد منها بسبب التصريحات النازية لزعيمه - دائماً معزولة من القوى البرلمانية الأخرى، بما فيها الكتلة التي تتزعمها ميلوني. وهنا نشير إلى أنه رغم الانسجام العريض بين مواقف ميلوني ومواقف أوربان من معظم الملفات الأوروبية، فإن الزعيمين يختلفان بوضوح حول الحرب الدائرة في أوكرانيا؛ إذ تصطف ميلوني ضمن الموقف الرسمي للاتحاد، بعكس حليفها اللدود في الائتلاف الحكومي الذي ينافسها على زعامة المعسكر اليميني المتطرف في إيطاليا، زعيم حزب «الرابطة» ماتيو سالفيني.

جدير بالذكر، أن البرلمان الأوروبي الجديد انتخب في جلسته الافتتاحية يوم الثلاثاء الماضي المالطية روبرتا متسولا، من الحزب الشعبي، رئيسة لنصف الولاية الاشتراعية حتى مطلع عام 2027. ونالت متسولا، التي كانت ترأس البرلمان السابق منذ وفاة الإيطالي دافيد ساسولي، 562 صوتاً من أصل 720، وهذا رقم قياسي لم يحصل عليه أي من الرؤساء السابقين؛ الأمر الذي يدلّ على أنها حصلت أيضاً على تأييد عدد من نواب اليمين المتطرف بجانب تأييد الكتلتين الكبريين اللتين تتوافقان عادة على توزيع المناصب القيادية في مؤسسات الاتحاد.

ولقد قالت متسولا في كلمتها قبل البدء بالاقتراع السري: «أدعوكم إلى التمسك والالتزام بمبادئنا وقيمنا التأسيسية، والدفاع عن سيادة القانون، وعن الإنسانية في الشرق الأوسط ورفض اجتياح أوكرانيا». وشددت، كما فعلت عند انتخابها للمرة الأولى، على إعطاء البرلمان الأوروبي صلاحية اقتراح التشريعات المقصورة حالياً على المفوضية.