ليبيا أمام تكرار «سيناريو» الانقسام

التنازع على السلطة يعيد فتح أبواب الصراع

صورة أرشيفية لإحدى جلسات مجلس النواب الليبي
صورة أرشيفية لإحدى جلسات مجلس النواب الليبي
TT

ليبيا أمام تكرار «سيناريو» الانقسام

صورة أرشيفية لإحدى جلسات مجلس النواب الليبي
صورة أرشيفية لإحدى جلسات مجلس النواب الليبي

يأمل قطاع واسع من الليبيين وضع حد للمراحل الانتقالية التي عايشوها قبلاً، بإجراء انتخابات تضمن وجود رئيس شرعي للبلاد. إلا أن الأجواء، التي تمر بهم بعد تكليف حكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا، خلفاً لحكومة «الوحدة الوطنية» بقيادة عبد الحميد الدبيبة، يراها سياسيون تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» عاصفة توشك أن تفتح أبواباً من الصراع، لا يعلم إلا الله مداه، وبأي كيفية سينتهي.
الملمح الأول لما ستجري عليه الأمور في الآتي من الأيام، يعد تكرار ما قد سبق من وجود حكومتين متنازعتين على السلطة. ولئن كانت الحكومتان هذه المرة تتمركزان في غرب ليبيا، فإن كلاً من رئيسيهما يتمسك بـ«شرعيته»، ويمضي في تنفيذ خططه وبرامجه.
ومكمن الخطر في هذه المعضلة، أن الجميع سيتحسس مسدسه؛ لأن الطرفين يعتصمان خلف كتائبهما المسلحة، وربما يحتكمان إلى قوة السلاح، إذا لزم الأمر؛ ما سيبقي ليبيا رهينة تنازع جديد تجتر فيه آلم الانقسام، وتستعيد سيناريوهات الماضي.
هنا، يرى سياسيون ليبيون، أن الأسلم للبلاد والعباد إقدام الدبيبة على تسليم السلطة سلمياً لغريمه باشاغا. لكن، إذا تعذّر ذلك «فإن ليبيا ذاهبة إلى فصل آخر من تأزم القضية»، تضيع على أثره سدى جهود بذلتها أطراف محلية وإقليمية ودولية، طوال عقد ونيف، لتبدأ من جديد رحلة البحث عن «الخلاص».
قبل أن يُقدم مجلس النواب الليبي، عن منح الثقة لحكومة فتحي باشاغا، خلال انعقاده في مدينة طبرق بأقصى شرق البلاد على مدار يومين، كانت تحذيرات المواليين لعبد الحميد الدبيبة ساخنة. كذلك كانت لهجة الوعد والوعيد متصاعدة، بعدما هدّد ما يسمى بـ«تجمع قادة ثوار ليبيا» الداعم له باستخدام السلاح، وطالبه بألا يسلّم السلطة لحكومة باشاغا، ومضى متوعداً «أيدينا على الزناد، ونحن على أهبة الاستعداد للدفاع عن ثورتنا، وصون دماء شهدائنا الأبرار».
«التجمع» دافع عن الحكومة، التي قال إنها «نِتاج مؤتمر جنيف الذي رعته الأمم المتحدة وأشرفت عليه»، قبل أن يحذر البعثة الأممية هي الأخرى من «التدخل السافر والمستفز في شؤون البلاد». إلا أن البرلمان، الذي أعلن أن كثرة من نوابه تلقوا «تهديدات بالقتل»، لم يلتفت لأي تحذيرات، مفضلاً وضع الجميع أمام الأمر الواقع، ووافق لتوه على الحكومة في جلسة رأت جبهة الدبيبة، أنه اعتراها أعمال «تزوير وتلاعب». وللعلم، ضمت التشكيلة الحكومية الجديدة، التي تحمل اسم «الاستقرار الوطني»، ثلاثة نواب لرئيس الوزراء و30 وزيراً، إضافة إلى ستة وزراء دولة.
وسبق أن تسلمت حكومة الدبيبة، المؤقتة، السلطة عقب انتخابها من أعضاء «ملتقى الحوار السياسي» الليبي، في الخامس من فبراير (شباط) 2021، إثر مباحثات رعتها الأمم المتحدة لأكثر من سنة بين تونس وجنيف.
انقسامات حول الحكومتين
بدا من الساعات الأولى على منح الثقة للحكومة الجديدة أن جميع الليبيين ينتظرون الذي يقع حالاً. ولكن على الرغم من ذلك تحدث باشاغا بثقة عن أنه سيتسلم السلطة سلمياً، ويمارس مهامه من طرابلس. وفي المقابل، ظل الدبيبة يتوعد بمعاقبة «مَن يتجرأ على الاقتراب من أي مقر حكومي»، متهماً رئاسة المجلس، بأنها «انتهجت التزوير للتمديد». وأكد محمد حمودة المتحدث باسم «الوحدة الوطنية» في لقاء مع «الشرق الأوسط»، أن الحكومة «لن تتخلى عن مهامها، وتدعو الجميع لإجراء الانتخابات في منتصف العام الحالي».
مدافعون عن حكومة «الوحدة» من بينهم عبد الرحمن السويحلي، الرئيس السابق للمجلس الأعلى للدولة، رأى أن الموافقة على حكومة باشاغا، «ليست إلا قفزة في الهواء؛ هي والعدم سواء». والسويحلي، الذي ينتمي إلى مصراتة - مدينة الدبيبة وباشاغا - التي يتوقع أن تلعب دوراً محورياً إمّا في استيعاب التوتر أو تصعيده، زاد من انتقاده، وقال، إن كل ما صدر عن مجلس النواب «باطل ومخالف للإعلان الدستوري والاتفاق السياسي». وتمسك ببقاء حكومة حتى إنجاز الانتخابات في يونيو (حزيران) المقبل.
من جهة ثانية، انضم خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، إلى رؤية السويحلي، متهماً «النواب» أيضاً بمخالفة الاتفاق السياسي لكونه انفرد بالقرار دون إشراكه فيه، متوعداً بـ«اتخاذ ما يلزم من إجراءات تجاه هذه المخالفات». أما الشيخ علي مصباح أبو سبيحة، رئيس «المجلس الأعلى لقبائل ومدن فزان» (جنوب ليبيا)، فقد ذهب إلى أن ما يجرى على الأرض الآن، «ليس مفاضلة بين باشاغا والدبيبة»، بل إن القضية، من وجهة نظره، تتمثل فيما سمّاه «الاستهتار بإرادة الشعب والضحك عليه واستغفاله»، وأرجع ذلك لـ«جملة من المخالفات القانونية وقعت في جلسة منح الثقة».
بالتوازي، وجد قرار مجلس النواب بمنح الثقة لباشاغا، مَن يدافع عنه باعتبار أنه الجسم السياسي الوحيد المنتخب في ليبيا، وأن جميع إجراءاته كانت «قانونية واتسمت بالشفافية، وتم بث الجلسة على الهواء». وأيضاً، لكونه وجد ضرورة لعزل حكومة «الوحدة الوطنية»؛ لأنها «فشلت في إدارة شؤون البلاد، وأخفقت في إجراء الانتخابات». وهنا تمنى علي التكبالي، النائب عن مدينة طرابلس المركز، أن تكون حكومة «الاستقرار الوطني» اسماً على مسمى. وأردف «تصويت مجلسه عليها أنقذ ليبيا من الانقسام، وعلى الجميع أن يقبلوا بالأمر ويعملوا من أجل توحيد الصف».
الرهان على الانتخابات
ليبيون كثيرون ضاقوا ذرعاً بما يحدث من تجاذبات ومناكفات بين الأجسام السياسية المسيطرة على المشهد راهناً، ويدعون إلى رحيلها. لكن هذا لا يتأتى إلا بإجراء انتخابات سريعة، وهو ما عبّر عنه جمال الفلاح، رئيس «المنظمة الليبية للتنمية السياسية»، الذي اعتبر هذه الأجسام السياسية ومنها مجلس النواب و«المجلس الأعلى للدولة» سلطات فاقدة للمشروعية ومغتصبة لإرادة الشعب الليبي في الانتخابات.
وفسر الفلاح، في حديثه إلى «الشرق الأوسط» موافقة مجلس النواب على تشكيل حكومة جديدة بأنه «هروب للأمام وزيادة تأزيم وإطالة للمرحلة». وتابع «سيترتب على هذا القرار انقسام آخر وانسداد في العملية السياسية في حال لم يسلّم الدبيبة السلطة بشكل سلمي»، واستطرد قائلاً إن الأخير «ما زال متمسكاً بخريطة الطريق الأممية الهادفة إلى إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية متزامنة».
الفلاح، الذي ينتمي إلى مدينة بنغازي، دافع عن وجهة نظره بأن مجلس النواب «سبق له خرق خريطة الطريق عندما وضع القوانين الانتخابية منفرداً، وأخلّ بضرورة تزامن الانتخابات البرلمانية مع الرئاسية». وأضاف «هذا أحد أسباب فشل إجراء الاستحقاق في موعده الذي كان مقرراً قبل نهاية عام 2021... والآن يريد التنصل من المسؤولية، ويحملها لحكومة (الوحدة الوطنية) فقط... لكن الاثنين تشاركا في إفشال الانتخابات».

موضع البعثة الأممية
على صعيد متصل، مبكراً سجلت حكومة «الوحدة الوطنية» ملاحظات على سيتفاني ويليامز، المستشارة الأممية إلى ليبيا، وبدت غير راضية عن موقفها، ووصفتها بأنها «تتسم بالغموض» وتنحاز إلى الساعين للإطاحة بها.
أما ستيفان دوجاريك، الناطق باسم الأمم المتحدة، فامتنع عن التورط في صراع داخلي، واكتفى بالقول، إنها «تتابع عن كثب التطورات السريعة في ليبيا، وآخرها قرار منح الثقة لحكومة الاستقرار». ثم، بعد يومين من قرار البرلمان، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن قلقه إزاء التقارير التي تفيد بأن تصويت مجلس النواب على منح الثقة لحكومة باشاغا «لم يرقَ إلى مستوى معايير الشفافية والإجراءات المتوقعة، وشمل أعمال ترهيب قبل الجلسة».
دوجاريك نقل عن الأمين العام أنه يواصل متابعته عن كثب للتطورات في ليبيا، بما في ذلك جلسة البرلمان، التي شهدت تصويتا بالثقة على تشكيل حكومة جديدة، مجدداً التأكيد على «أهمية الحفاظ على الوحدة والاستقرار الذي تحقق بشق الأنفس» منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في أكتوبر (تشرين الأول) 2020.
كذلك، لفت الناطق الأممي إلى أن ويليامز، تعتزم دعوة لجنة مشتركة من مجلس النواب و«المجلس الأعلى للدولة» في أقرب وقت ممكن، للاجتماع من أجل وضع أساس دستوري توافقي من شأنه أن يؤدي إلى انتخابات وطنية في أقرب وقت ممكن. ودعا جميع الجهات الفاعلة إلى «الامتناع عن اتخاذ أي إجراءات من شأنها تقويض الاستقرار وتعميق الانقسامات في ليبيا».
هذا، لم تسلم البعثة الأممية للدعم في ليبيا، من الانتقادات طوال السنوات العشر الماضية، وراهناً، ينظر أنصار حكومة الدبيبة، إلى ويليامز، بأنها كمن يمسك العصا من المنتصف. بيد أن الأخيرة، التي تقول إنها بذلت محاولات لتجنب أي تصعيد، التقت الدبيبة وباشاغا في لقاءين منفصلين، ودعتهما إلى «الحفاظ على الاستقرار» في البلاد، وإجراء انتخابات «في أقرب وقت ممكن»، من دون أن تتخذ موقفاً من الصراع الجاري بينهما حول منصب رئيس الوزراء.
تحرك مستقل
بعيداً عن جبهة باشاغا، اجتمعت رغبة الدبيبة والمشري في المضي قدماً باتجاه كيفية إجراء العملية الانتخابية في أسرع الآجال الممكنة. ووسط حملة من التشكيك وحالة ممزوجة من القلق والمخاوف تسود ليبيا، تحدث المشري عن إعداده لـ«قاعدة دستورية» يجرى على أساسها الاستحقاق المنتظر، وذلك في شهر يونيو المقبل. أما الدبيية، الذي يرفض تسلم السلطة التنفيذية إلا لحكومة جديدة بعد الانتخابات البرلمانية، فيرى إمكانية إجراء هذا الاستحقاق في نصف العام الحالي، على أن تضطلع بذلك المفوضية العليا للانتخابات بحيث تكون كل دائرة منفصلة إذا لزم الأمر. وهو ما يثير رفض واستغراب المناوئين له، فيتساءلون «كيف لسلطة تنفيذية منتهية الصلاحية لعب دور السلطة التشريعية في سن القوانين»؟
للخروج من المأزق التشريعي، طرح الدبيبة إمكانية الاستعانة بقانون انتخابات «المؤتمر الوطني العام» السابق لسنة 2012، وقانون انتخاب مجلس النواب لسنة 2014، إضافة إلى القانون الأخير الصادر عن البرلمان؛ وذلك لانتخاب مجلس نواب جديد، بدلاً من المجلس الذي يترأسه عقيلة صالح.
متابعون يرون أن رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» بهذا التوجه يستهدف مجلس النواب، علماً بأن التعديل السابق على قانون الانتخابات الأخير الذي أقرّه الأخير، اشترط إجراء الاستحقاق الرئاسي أولاً على أن يجرى «البرلماني» عقب ذلك بـ30 يوماً. ويلفت هؤلاء إلى أن سلطات طرابلس، منذ الانقسام الذي ضرب ليبيا عام 2014، لم تصغ إلى تعليمات وقرارات برلمان طبرق، خصوصاً إذا تواكبت مع أي خلافات؛ لذا يتوقعون أن «تصير ليبيا كجزر منعزلة، حال تمسك كل من الدبيبة وباشاغا بموقعه، لكنهم يرون أن الرهان في قادم الأيام، سيكون على المصرف المركزي بالعاصمة، وإلى أي حكومة سينتمي، ويدعمها مالياً».
الموقف الدولي
في هذه الأثناء، بدا الصوت الدولي خافتاً رغم الانزعاج الداخلي، حيال المتغير الطارئ في خريطة السياسة الليبية، باستثناء القاهرة التي بادرت مبكراً بالتأكيد على دور مجلس النواب، باعتباره «الجهة التشريعية المنتخبة، والمعبرة عن الشعب، والمنوط به سن القوانين، ومنح الشرعية للسلطة التنفيذية، وممارسة دوره الرقابي عليها».
وبعد يوم من نيل حكومة باشاغا الثقة، خرجت وزارة الخارجة الروسية عن صمتها ورحبت بقرار البرلمان، وأكدت «استعدادها للتعاون معها، للمضي في تسوية سياسية شاملة للأزمة الليبية». وجاء الموقف الروسي، على خليفة إدانة حكومة الدبيبة الهجوم الروسي على أوكرانيا، ووصفها إياه بأنه «انتهاك للقانون الدولي». وسارعت وزارة الخارجية الروسية، بتوضيح موقفها مما يجري في ليبيا، وقالت، إن قرار البرلمان هناك «خطوة مهمة في تجاوز الأزمة التي طال أمدها في البلاد على أساس التوصل إلى اتفاق وطني ضمن حوار بيني شامل».

من الكيب إلى باشاغا... الأزمة الليبية تتنقل في «قطار الحكومات»
> لم يُتح لليبيا أن تستريح وتدخل إلى آخر مراحلها الانتقالية. فمنذ اندلاع «ثورة 17 فبراير (شباط)» عام 2011، وقطار السياسة الذي يمر بمنعطفات خطرة لم يصل إلى محطته بعد، ولا تزال تتوالى عليه حكومات جديدة منذ تولي الراحل عبد الرحيم الكيب، وصولاً إلى فتحي باشاغا، الذي منح مجلس النواب حكومته الثقة، منتصف الأسبوع الماضي، وكل منها يحدوه الأمل في الوصل بليبيا إلى بر الأمان.
وهنا ترتيب زمني لتوليها:
في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2011 أدت حكومة (الراحل) الدكتور عبد الرحيم الكيب، اليمين الدستورية بتكليف من «المجلس الانتقالي الليبي»، لتكون أول حكومة بعد «ثورة 17 فبراير». وأعلن الكيب، عقب ثلاثة أشهر من الإطاحة بالقذافي، تشكيل حكومته معتمداً فيها على الكفاءات من مختلف مناطق ليبيا، لتنهي بذلك مهام «المكتب التنفيذي» الذي ترأسه الراحل الدكتور محمود جبريل. تشكيلة الكيب ضمت عدداً من المفاجآت التي تهدف إلى محاولة تهدئة الخصومات بين الفصائل المنتمية للمناطق المختلفة، كان أهمها إسناد حقيبة الدفاع إلى أسامة الجويلي، رئيس المجلس العسكري لمدينة الزنتان. ولكن، بعد أحد عشر شهرا أمضاها في السلطة منذ اختياره، استقال الكيب... وسلم حكومته طوعاً إلى علي زيدان.
يوم 14 نوفمبر 2012 تولى علي زيدان رئاسة الحكومة بشكل رسمي خلفاً للكيب، واستمر في إدارة شؤون البلاد مع تصاعد أعمال الاقتتال وتنامي دور الميليشيات المسلحة بالعاصمة، لدرجة وصلت إلى خطفه شخصياً عندما كان يشغل المنصب في 10 أكتوبر (تشرين الأول) 2013، على أيدي ميليشيات «غرفة عمليات ثوار ليبيا»، لكن أمكن تحريره بعد ساعات. ولكن يوم 11 مارس (آذار) 2014 صوّت «المؤتمر الوطني العام» بحجب الثقة عن حكومة زيدان وتكليف وزير الدفاع عبد الله الثني بمهام رئيس الحكومة لحين انتخاب رئيس وزراء جديد.
ثم في 12 مارس من العام ذاته أدى الثني اليمين الدستورية رئيساً مؤقتاً للحكومة لحين انتخاب رئيس وزراء دائم، غير أنه ظل في هذا المنصب حتى الآن، مدعوماً بشرعية مجلس النواب، علماً بأن حكومته لا تحظى باعتراف دولي.
جاء تولي الثني إدارة البلاد بعدما سحب «المؤتمر الوطني العام» الثقة من زيدان، على خلفية تصريحات لمسلحين في شرق البلاد قالوا فيها، إن ناقلة محملة بالنفط كانت راسية في ميناء خاضع لسيطرتهم، أفلتت من سيطرة البحرية الليبية ودخلت المياه الدولية.
في حينه، تعهد نوري أبو سهمين، رئيس «المؤتمر الوطني العام» في جلسة أذاعها التلفزيون الحكومي، بدعم رئيس الوزراء المؤقت والامتناع عن عرقلة عمله، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث مع تصاعد الخلافات وتفاقم الأزمات بين غرب ليبيا وشرقها.
ويوم 25 أغسطس (آب) 2014 أقال «المؤتمر الوطني العام» الثني، وكلف بدلاً منه عمر الحاسي. والحاسي - المنتمي إلى تيار الإسلام السياسي - كُلف تشكيل ما سمي حينها بحكومة «الإنقاذ»، غير المعترف بها دولياً التي أعلنتها «فجر ليبيا» بمدينة طرابلس، في الوقت الذي أعلن النفير والتعبئة العامة بكافة مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية.
بعد ذلك، في مطلع أبريل (نيسان) 2015 سلم الحاسي رئاسة حكومة «الإنقاذ» لنائبه خليفة الغويل، في خطوة وصفها بأنها دليل «على الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة». وهو ما وُصِف بـ«نكاية» في معسكر شرق ليبيا، والبرلمان المنتخب برئاسة عقيلة صالح. وظلت حكومة الثني، غير المعترف بها في شرق البلاد، على حالها مدعومة من مجلس النواب، تتنازع السلطة مع حكومة «الوفاق الوطني» التي تشكلت في فبراير (شباط) عام 2016 بموجب «اتفاق الصخيرات». وهو الاتفاق الذي وقّع في المغرب يوم 17 ديسمبر (كانون الأول) عام 2015 بدعم أممي.
ومع تنامي الأزمات وانقسام البلاد بين حكومتين طرحت الأمم المتحدة خريطة طريق جديدة رعتها المبعوثة الأممية بالإنابة حينها ستيفاني ويليامز، أسفرت عن خروج حكومة «الوحدة الوطنية» برئاسة عبد الحميد الدبيبة، إلى النور، وظلت تصارع المناكفات، سعياً لحصولها على نيل الثقة من مجلس النواب.
ومطلع مارس (آذار) الحالي، منح مجلس النواب الثقة لحكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا، لتكون بديلة لحكومة «الوحدة الوطنية» برئاسة الدبيبة الذي يرفض التخلي عن السلطة إلا «لسلطة منتخبة».



لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.