توقيف العشرات خلال تظاهرات منددة بالعنصرية في أميركا

استمرار التوتر رغم اتهام ضباط بمقتل غراي

توقيف العشرات خلال تظاهرات منددة بالعنصرية في أميركا
TT

توقيف العشرات خلال تظاهرات منددة بالعنصرية في أميركا

توقيف العشرات خلال تظاهرات منددة بالعنصرية في أميركا

أوقف عشرات الأشخاص بعد أعمال عنف وقعت في مدن على الساحل الغربي للولايات المتحدة مساء أول من أمس على هامش تظاهرات كانت تندد بالعنصرية إثر مقتل شاب من السود في بالتيمور التابعة لولاية ميريلاند (شرق).
وفي أوكلاند القريبة من سان فرانسيسكو (غرب)، عاد الهدوء أمس غداة أعمال عنف وقعت في نهاية تظاهرة نظمت تحت شعار التنديد بالتصرفات القاسية لعناصر الشرطة. وتحدثت الشرطة عن اعتقال نحو عشرة أشخاص. وأوضحت الشرطة في بيان أن أشخاصا من مجموعة تضم 300 إلى 400 متظاهر كانوا متوجهين نحو وسط المدينة، «قاموا بعدد من أعمال التخريب»، فحطموا واجهات متاجر وكتبوا شعارات وأشعلوا نارا ورفضوا التفرق. وقد اضطرت الشرطة إلى طلب تعزيزات في المساء قبل أن يستتب الهدوء.
وفي سياتل (شمال غرب) أيضا، اعتقل 16 شخصا خلال تظاهرة نظمت من دون تصريح وشهدت أعمال عنف وأصيب خلالها ثلاثة من عناصر الشرطة بجروح، كما أوضحت شرطة المدينة.
وسارت هذه التظاهرة بعد مسيرات سلمية نظمت تحت شعار «حياة السود غالية». وقد انتشر كثيرا هذا الشعار المناهض للعنصرية بعد مقتل فريدي غراي (25 عاما) في بالتيمور إثر إصابته بجروح خطرة خلال نقله في حافلة للشرطة. وبدأ المتظاهرون بتخريب المتاجر والسيارات ثم إلقاء الحجارة والزجاجات على الشرطة.
ووجهت المدعية العامة في بالتيمور مارلين موسبي أول من أمس اتهامات جنائية ضد ستة من ضباط الشرطة في قضية مقتل غراي الشهر الماضي. وكان غراي تعرض إلى إصابة خطيرة في الرقبة بينما كان راكبا في سيارة فان تابعة للشرطة. وتشغل موسبي التي تبلغ من العمر 35 عاما منصبها منذ أربعة أشهر فقط وهي أميركية من أصول أفريقية. وفاجأ قرار موسبي السريع بتوجيه الاتهامات للضباط عددا كبيرا من سكان المدينة التي شهدت أسوأ اضطرابات مدنية في عقود ليلة الاثنين الماضي. ورغم توجيه الاتهامات للضباط، استمر حظر التجول ساريا لليوم الرابع في المدينة وذلك اعتبارا من العاشرة مساء أمس حتى الخامسة صباحًا.
واتهم المدعون قائد سيارة الشرطة الضابط سيزار جودسون بالقتل من الدرجة الثانية استنادا إلى مزاعم بأنه أظهر لا مبالاة تجاه غراي بعد اعتقاله يوم 12 أبريل (نيسان) الماضي. وتوفي غراي في وقت لاحق في المستشفى.



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.