الأزمة الاقتصادية تذكّر الإيرانيين بموجة الجفاف الكبرى منذ 70 عامًا

تزايد الإنفاق على الحروب وتراجع الأمل في رفع فوري للعقوبات الدولية فاقما التضخم

«الباسيج»، وهي قوات شبه عسكرية تتكون من متطوعين من المدنيين أسسها الخميني في نوفمبر 1979 وتتبع الحرس الثوري الإيراني (الباسدران) الذي يتبع بدوره سلطة المرشد الأعلى خامئني، خلال التدريبات خارج العاصمة طهران (أ.ب)
«الباسيج»، وهي قوات شبه عسكرية تتكون من متطوعين من المدنيين أسسها الخميني في نوفمبر 1979 وتتبع الحرس الثوري الإيراني (الباسدران) الذي يتبع بدوره سلطة المرشد الأعلى خامئني، خلال التدريبات خارج العاصمة طهران (أ.ب)
TT

الأزمة الاقتصادية تذكّر الإيرانيين بموجة الجفاف الكبرى منذ 70 عامًا

«الباسيج»، وهي قوات شبه عسكرية تتكون من متطوعين من المدنيين أسسها الخميني في نوفمبر 1979 وتتبع الحرس الثوري الإيراني (الباسدران) الذي يتبع بدوره سلطة المرشد الأعلى خامئني، خلال التدريبات خارج العاصمة طهران (أ.ب)
«الباسيج»، وهي قوات شبه عسكرية تتكون من متطوعين من المدنيين أسسها الخميني في نوفمبر 1979 وتتبع الحرس الثوري الإيراني (الباسدران) الذي يتبع بدوره سلطة المرشد الأعلى خامئني، خلال التدريبات خارج العاصمة طهران (أ.ب)

لماذا يتذكر بعض الإيرانيين هذه الأيام موجة الجفاف الكبرى التي ضربت البلاد عقب الحرب العالمية الثانية؟ الإجابة التي وردت في تقارير وشهادات، حصلت «الشرق الأوسط» على جانب منها، تبدو بسيطة: تدهور اقتصادي متزايد يضغط على ملايين الإيرانيين لأول مرة منذ نحو سبعة عقود.
وبينما أشاعت قيادات في نظام طهران أن الاتفاق النووي المزمع مع الدول الكبرى سوف يؤدي لانفراجة تنقذ البلاد من أزمتها المالية، بدأت نذر خلافات في هرم السلطة بعد أن اتضح أنه لا يوجد ارتباط مباشر بين توقيع الاتفاق ورفع العقوبات الدولية المفروضة على هذا البلد منذ سنوات، وأدت لخسائر بمليارات الدولارات.
يقول أحدث تقرير أعده معارضون إيرانيون بناء على ما قالوا إنها إحصاءات رسمية، إن عدد الأفراد الذين يعيشون تحت خط الفقر ارتفع بنسبة 150 في المائة خلال الفترة بين عامي 2003 و2012، وذلك رغم تضاعف عائدات النفط الإيراني خلال الفترة نفسها. والسبب يرجع، وفقا للتقرير، إلى عدة سياسات، منها تمويل حروب الميليشيات التي تديرها إيران في عدد من البلدان العربية من بينها العراق وسوريا واليمن، والإنفاق على البرنامج النووي، والفساد.
لأول مرة، منذ الاحتجاجات الضخمة في 2009 ضد النظام الإيراني، يعود نشطاء المعارضة في الداخل والخارج لتنظيم الوقفات الاحتجاجية وتنظيم المظاهرات احتجاجا على التضخم. يقول شاهين قبادي، أحد زعماء المعارضة، من منفاه في أوروبا: «تفيد المعلومات من داخل البلاد بأن القوة الشرائية للعمال انخفضت منذ عام 2005 بنسبة 73 في المائة». ويضيف في رده على عدد من أسئلة «الشرق الأوسط»: «معدل البطالة في إيران خرج عن السيطرة. هذا يذكر الإيرانيين بسنوات الجفاف في الماضي».
وتمول إيران حروبا لمصلحتها في المنطقة تقدر بمليارات الدولارات. وتفيد مصادر معارضة من الداخل الإيراني، في اتصال عبر الإنترنت، بأن مشكلة معرفة الأرقام الدقيقة لتمويل هذه الحروب تتعلق بالنظام المالي المتبع من جانب السلطة في طهران، وقدرات مجلس الشورى (البرلمان) المحدودة، بالإضافة إلى قمع أي صوت معارض في الداخل، خاصة من بين أولئك الذين يثيرون قضية إدارة أموال الدولة، والمطالبة بكشف حسابات الإنفاق الداخلي والخارجي.
ومع ذلك، وفقا لمصادر أخرى، بدأت تظهر بعض الأصوات من داخل النظام نفسه تتساءل عن المخصصات المالية وأين تذهب، وجدوى منح حكومات ومتمردين في العراق وسوريا واليمن أموالا ضخمة بينما قيمة العملة المحلية تتآكل والانتعاش المنتظر من وراء الاتفاق النووي يبدو بعيد المنال. وقالت المعلومات إن شبح التململ من الأزمة الاقتصادية وسياسات الرئيس حسن روحاني، المنتخب منذ عامين، انعكس على نظام العضوية في «مجلس صيانة الدستور» الذي يعد بمثابة سلطة عليا في البلاد.
رغم النظام الرئاسي في إيران فإن السلطات الفعلية تقع بين يدي مرشد الثورة، علي خامنئي. وكان ينبغي إنهاء عضوية عدد من نواب البرلمان، ممن يشغلون مواقع في «مجلس صيانة الدستور»، لكن مصدرا في المعارضة في طهران أفاد ردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» بالقول إن الظروف المرتبكة التي يمر بها النظام، وعلاقة المرشد والرئيس بأجنحة الدولة، دفعت قادة كبارا للمطالبة بتأجيل فتح هذا الأمر للنقاش، وهو أمر قوبل بالرفض من جانب كثير من نواب البرلمان ممن يقفون ضد الوصاية على أعمالهم بوصفهم جهة تشريعية ورقابية يفترض أن تكون مستقلة.
وأضاف المصدر نفسه أن الحديث عن الأزمة الاقتصادية أصبح من العوامل المشتركة التي تجمع كثيرا من الإيرانيين سواء كانوا في السلطة أو في الشارع، مع ملاحظة أن «أصوات المعارضة في الداخل مقموعة، كما هو معلوم.. العديد من قادة المعارضة بمن فيهم الإصلاحيون والمعتدلون لا يستطيعون إلقاء الكلمات في الأماكن العامة، كما كان الحال في عام 2009».
ومن منفاها في الخارج، واصلت قيادات معارضة عقد الفعاليات السياسية والإعلامية للتحذير من خطر الطريق الذي يسير فيه حكام طهران على الإيرانيين ودول المنطقة والعالم. وفي هذا الإطار، وبعد يومين من حديث بـ«الفيديو كونفرنس» لزعيمة المعارضة مريم رجوي، أمام لجنة بالكونغرس الأميركي، عقد السيد قبادي مؤتمرا صحافيا عبر الإنترنت، الليلة قبل الماضية، بمناسبة عيد العمال ومرور عامين على تولي الرئيس روحاني الحكم خلفا للرئيس أحمدي نجاد.
وقال قبادي إنه بعد مرور نحو عامين على اختيار روحاني رئيسا، ونظرا لما قطعه من وعود بتحسين الظروف الاقتصادية للشعب الإيراني كمحور لجهود حكومته.. «فإننا إذا ألقينا نظرة سريعة على الوضع لن نرى أي تحسن في أوضاع العمال الإيرانيين، بل على العكس فقد تدهورت أوضاعهم سريعا وبشكل حاد».
وفي ما يتعلق بالقول الذي يطلقه البعض في داخل البلاد عن أن الأزمة الراهنة تذكر الإيرانيين بموجة الجفاف التي وقعت قبل نحو سبعين سنة، وأدت لأزمة خانقة في عموم إيران، قال قبادي: «نعم.. منذ موجة الجفاف التي ضربت البلاد عقب الحرب العالمية الثانية، لم يكن العمال الإيرانيون بهذا الفقر الذي نراه اليوم. المستقبل أسوأ إذا استمرت سياسات النظام على هذه الشاكلة. الحل ليس في إصلاحه ولكن في استبدال نظام جديد به».
ويعد تدفق مياه الأمطار، وما تسفر عنه من جداول تأتي من أعلى قمم الجبال معظم شهور السنة تقريبا في مناطق واسعة بإيران، أحد أهم مصادر الدخل للفلاحين وسكان الأرياف. لكن البلاد تعرضت ثلاث مرات لندرة الأمطار، كانت أسوأها في أواخر أربعينات القرن الماضي، إلى جانب مرتين أخريين واحدة في السبعينات والأخرى في عام 2000. وترتبط ذكريات الجفاف بتشريد ملايين المواطنين.
ويشبه العديد من المعارضين الإيرانيين الأزمة الاقتصادية الراهنة بسنوات الجفاف التي اقترنت في أذهان الإيرانيين بما يشبه «الكابوس» و«التفكير في كيفية مواجهة الخطر من شظف العيش والفقر».. و«حين نقول إننا نتعرض، في الوقت الحالي، للجفاف فهذا يعني أن ملايين العمال والقرويين (المزارعين) يعانون من مأساة في المعيشة بسبب السياسات الاقتصادية للنظام. في الماضي، كان نقص الأمطار يعبر عن خسارة ملايين الأطنان من القمح. واليوم توجد خسائر ضخمة، ليس لنقص الأمطار، لكنها ترجع لأخطاء في إجراءات الدولة وتوجيه الأموال لإرضاء طموحات القادة بينما الشعب يعاني من العوز».
السيد قبادي استند إلى إحصاءات رسمية، وإلى ما قال إنها تصريحات لمسؤولين إيرانيين أيضا، للتدليل على تفاقم الأوضاع الاقتصادية، مشيرا إلى غياب الأمان الوظيفي وتأخر الرواتب الشهرية. وقال: «لقد أقر مسؤولون في النظام بأن 90 في المائة من العمال في البلاد يعيشون تحت خط الفقر، بينما أكثر النسبة الباقية لا تتجاوز الخط إلا بقدر ضئيل». وأضاف أنه، وطبقا للإحصاءات الرسمية، تبلغ القوة العاملة في إيران نحو 64 مليونا، بينما النسبة القادرة على العمل من السكان تصل إلى 41 مليونا، وذلك إضافة إلى 1.2 مليون من القوة العاملة الذين يدخلون السوق سنويا.. و«مع ذلك، وبحسب ما توضح الإحصاءات الرسمية، فإن عدد العاملين ثابت عند 21 مليونا.. يمكن القول بعبارة أخرى إن أكثر من نصف النسبة القادرة على العمل من السكان عاطلون عن العمل».
واتهم قبادي نظام الرئيس روحاني باتباع سياسة ظالمة بحق ملايين العمال، وعلى سبيل المثال، كما يقول، تقدم الرئيس للبرلمان بمشروع قانون تحت مسمى إزالة كل العقبات التي تعرقل الإنتاج، وعليه قام مجلس صيانة الدستور الأسبوع الماضي بالتصديق على مشروع القانون، الذي يزيل في حقيقته العقبات التي تحول دون فصل العمال عن عملهم، ويدعم فرض العقود المؤقتة كأمر واقع.
وقال إن الأسباب التي أدت إلى هذا التدهور هي سياسات النظام، لأنه يجري إنفاق ثروة الشعب ورأس ماله على أعمال القمع وأدواته، وعلى تصدير التطرف والإرهاب، بالإضافة إلى السعي نحو تصنيع السلاح النووي.. «ورغم كل المشكلات الاقتصادية، تمت زيادة مخصصات القوات القمعية في الموازنة بنسبة 53 في المائة».
وتناول تقرير أعده معارضون إيرانيون وصول انتقادات من جانب قيادات في النظام إلى سمع الرئيس روحاني، على خلفية الإنفاق المالي الكبير على أجهزة الأمن والأجهزة شبه العسكرية مثل فيلق القدس الذي يدير حروبا بالوكالة في عدة بلدان بالمنطقة، آخرها اليمن. وقال التقرير إن الرئيس بعد أن استمع إلى هذه الانتقادات رد بأن هذا النوع من الإنفاق المالي له الأولوية في موازنة الدولة، وهو أمر مقدم على أي شيء آخر، حتى لو بلغت نسبة الإنفاق على هذا البند كامل مخصصات موازنة الدولة.
ومن جانبه، قال السيد قبادي في رده على الأسئلة، إن «نظام رجال الدين (حكم طهران) ينفق مبالغ فلكية على تصدير الإرهاب والتطرف»، مشيرا إلى تصريح لمبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا مؤخرا، خلال لقاء خاص في واشنطن، أفاد فيه بأن إيران تمنح سوريا 35 مليار دولار سنويا.
وأضاف قبادي الذي يشغل عضوية «لجنة العلاقات الخارجية في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية»، بأن بعض التقديرات تشير إلى إنفاق نظام طهران نحو 300 مليار دولار على البرنامج النووي على مدى السنوات الماضية.
وتطرق أيضا إلى ما زعم أنها تقارير عن الفساد في الداخل أسهمت في تدهور الأوضاع في هذا البلد الغني بالنفط والثروات الطبيعية، مشيرا إلى أن «أنباء الفساد باتت أمرا معتادا في إيران.. الكثير من طبقات النظام متورطة في هذا». واستعان قبادي بما قال إنها إفادات سابقة من وزير الداخلية الإيراني تشير إلى استفحال الفساد في عموم البلاد، منها «تسجيل أكثر من 3 آلاف شركة بعنوان واحد، وكذلك تسجيل ما يزيد على 4 آلاف شركة بكود واحد».
ويعني مثل هذا الأمر تسرب مليارات الدولارات بعيدا عن خزانة الدولة، منها على سبيل المثال التهرب من سداد الضرائب من تلك الشركات. وعلى الجانب الآخر، كما يذكر قبادي، فقد زادت عمليات التهريب إلى داخل البلاد.. «بحيث أصبحت قيمتها تتجاوز 25 مليار دولار سنويا، وبات من المعلوم في إيران أن الطرف الأساسي المتورط في تلك العمليات هو قيادات في الحرس الثوري وغيره من الأجهزة والهيئات الحكومية».
وفي زيارة سابقة لـ«الشرق الأوسط» إلى مدن إيرانية منها «طهران» و«شيراز» و«قم»، فإن سلطات المرشد خامنئي تبدو أكبر من الرئيس المنتخب. ومن السهل ملاحظة ذلك سواء في الكلمات الافتتاحية للمؤتمرات الرسمية التي تبدأ عادة بكلمة المرشد لا الرئيس، أو في صور المرشد المعلقة في الميادين والشوارع الرئيسية. ويقول أحد زعماء الطلاب المعارضين عقب مشاركته في فعاليات قرب السكن الطلابي المواجه لـ«البارك ترفيه» في شارع الدكتورة فاطمة بطهران: «لا يمكن انتقاد المرشد». وأضاف في إفادة عبر الإنترنت: «إذا انتقدت خامنئي تكون مخالفا للدين، بينما هو القائد الفعلي للدولة».
وقال السيد قبادي ردا على الأسئلة: «في العام الماضي جرى الكشف عن سيطرة خامنئي على نحو 95 مليار دولار من خلال ما يعرف بـ(اللجنة التنفيذية لأوامر الإمام)». لكن لا يوجد ما يؤكد مثل هذه المزاعم من مصادر مستقلة. ومع ذلك يضيف قبادي أن هذا بعض من الإمبراطورية المالية الضخمة التي يديرها المرشد، مشيرا إلى أن العديد من المؤسسات التي تخضع إدارتها لسلطات خامنئي تعفى من الضرائب، مثل «مؤسسة المستضعفين»، وغيرها، قائلا إن الحرس الثوري الإيراني (الذي يخضع للمرشد أيضا) يسيطر على جزء كبير من شرايين الحياة في اقتصاد الدولة.
ومن جانبه، تضمن التقرير الذي أعدته المعارضة ما قال إنها شهادات عن تدهور الوضع الاقتصادي جاءت على لسان مسؤولين إيرانيين في الأيام الأخيرة، من بينهم رئيس البرلمان، علي لاريجاني، الذي نسب إليه اعترافه بأن 42 في المائة من خريجي الجامعات في إيران لا يجدون فرص عمل، إضافة لاعتراف آخر من رئيس غرفة الصناعة والتجارة والتعدين في البلاد ذكر فيه أن 40 في المائة فقط من وحدات الإنتاج والوحدات الصناعية هي التي تعمل.
وقال قبادي عن هذه القضية: «نعم.. لا يزال إغلاق المصانع ووحدات الإنتاج مستمرا. هذا يؤدي إلى ارتفاع عدد العاطلين عن العمل أكثر من السابق»، مشيرا إلى أن منظومة العمال والتشغيل تحت سياسة نظام الحكم في إيران لا تحظى بأقل قدر من الحماية القانونية». وأضاف: «لا توجد أي ضمانات تمنع أصحاب العمل، وأكثرهم مسؤولون في الحكومة أو في الحرس الثوري، من فصل العمال عن عملهم، أو حرمانهم من حقوقهم».
وتضمن التقرير المكتوب باللغة الإنجليزية أنه طبقا لإحصاءات وزارة العمل الإيرانية فإن 93 في المائة يعملون بعقود مؤقتة، وسبعة في المائة فقط يعملون بعقود رسمية، وأن «الفجوة بين الطبقات الاجتماعية اتسعت في السنوات الأخيرة، وازدادت بمقدار 30 مرة إلى حد جعل إيران تتصدر قائمة الدول التي تتسع فيها الفروق بين الطبقات الاجتماعية على مستوى العالم»، ونتج عن هذا ارتفاع نسبة الاضطرابات والاحتجاجات.
ووفقا لإحصاءات المعارضة فقد قامت القوى العاملة في البلاد بالتصعيد ضد سياسات النظام، وجرى، على مدى العام الماضي فقط، تنظيم نحو 1300 من الإضرابات والاعتصامات والمظاهرات.. «وبعد أن كان عددها في شهر مارس (آذار) 120، زاد إلى أكثر من 250 احتجاجا الشهر الماضي».
وخلال اليومين الماضيين نظمت تجمعات عمالية مظاهرات جديدة بسبب الظروف المعيشية الصعبة وتأخر صرف الأجور، من بينهم عمال في قطاع صناعة المرطبات والبتروكيماويات والحديد والصلب، كان من بين هذه الفعاليات مظاهرة لعمال مصنع «بامجال» بعد أن تأخرت رواتبهم لأكثر من شهرين.
ومن جانبه، يتهم النظام الإيراني المعارضة في الداخل والخارج بالتهويل والمبالغة، ويقول أحد الدبلوماسيين الإيرانيين ممن عملوا لسنوات في مكتب رعاية المصالح الإيرانية بالقاهرة (السفارة) إن «بعض الأشخاص الذين يطلقون على أنفسهم اسم معارضة هم في الحقيقة يعملون ضد مصلحة الدولة والشعب الإيراني»، مشيرا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، عبر الهاتف، إلى أن الاتهامات الموجهة إلى نظام طهران «غير صحيحة»، وأن المركز الاقتصادي لبلاده «قوي جدا».
لكن عددا من المراقبين الغربيين، خاصة أولئك الذين عملوا بالقرب من الملف الإيراني في السنوات الأخيرة، يرون في اندفاع النظام الإيراني نحو توقيع الاتفاق النووي قبل نهاية يونيو (حزيران) المقبل، يعكس وجود أزمة اقتصادية كبيرة، ويعكس أيضا رغبة من النظام في التخلص من العقوبات الدولية، رغم أن التوصل لمثل هذا الاتفاق ما زال أمرا سابقا لأوانه.
وبحسب المصادر الغربية فإن إيران يبدو أنها تماطل في مسائل جوهرية تتعلق بالاتفاق بشأن برنامجها النووي على رأسها مسألة الإخطار المسبق بتوقيت وصول المفتشين الدوليين، ورفضها دخول المفتشين للمواقع العسكرية، والنسب المسموح بها في ما يتعلق بالتخصيب وغيرها. وقالت وندي شيرمان، مساعدة وزير الخارجية الأميركي، خلال زيارتها الأخيرة للهند، إنه يجب تسوية مزيد من التفاصيل بشأن المفاوضات النووية مع إيران، وإن هناك عدة تطورات على الصعيد الدولي من شأنها أن تخرج هذه المفاوضات عن مسارها.
وفي الداخل الإيراني، بحسب المصادر، تتزايد الشكوك بين قادة النظام، خاصة جماعة المرشد خامنئي، بشأن إمكانية التوصل لرفع فوري للعقوبات بمجرد توقيع الاتفاق النووي، بعد أن خرجت تسريبات غربية تقول إن العقوبات المفروضة على طهران لأسباب ترتبط بالإرهاب وانتهاك حقوق الإنسان، ستظل كما هي دون تغيير، مما يعني استمرار وجود عراقيل أمام الشركات الدولية في العمل في هذا البلد المتهم بنشر الفوضى والتطرف في المنطقة.



غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

TT

غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)
مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)

في المنطقة الجنوبية من الساحل الفلسطيني على البحر المتوسط، على مساحة لا تزيد على 360 كيلومتراً مربعاً، بطول 41 كم، وعرض يتراوح بين 5 و15 كم، يعيش في قطاع غزة نحو مليوني نسمة، ما يجعل القطاع البقعة الأكثر كثافة سكانية في العالم.

تبلغ نسبة الكثافة وفقاً لأرقام حديثة أكثر من 27 ألف ساكن في الكيلومتر المربع الواحد، أما في المخيمات فترتفع الكثافة السكانية إلى حدود 56 ألف ساكن تقريباً بالكيلومتر المربع.

تأتي تسمية القطاع «قطاع غزة» نسبة لأكبر مدنه، غزة، التي تعود مشكلة إسرائيل معها إلى ما قبل احتلالها في عام 1967، عندما كانت تحت الحكم المصري.

فقد تردد ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، في احتلال القطاع بعد حرب 1948، قبل أن يعود بعد 7 سنوات، في أثناء حملة سيناء، لاحتلاله لكن بشكل لم يدُم طويلاً، ثم عاد واحتله وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان عام 1967.

خيام النازحين الفلسطينيين على شاطئ دير البلح وسط قطاع غزة الأربعاء (إ.ب.أ)

في عام 1987، أطلق قطاع غزة شرارة الانتفاضة الشعبية الأولى، وغدا مصدر إزعاج كبيراً لإسرائيل لدرجة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إسحاق رابين، تمنى لو يصحو يوماً ويجد غزة وقد غرقت في البحر.

لكن غزة لم تغرق كما يشتهي رابين، ورمتها إسرائيل في حضن السلطة الفلسطينية عام 1994 على أمل أن تتحول هذه السلطة إلى شرطي حدود. لكن هذا كان أيضاً بمثابة وهم جديد؛ إذ اضطرت إسرائيل إلى شن أولى عملياتها العسكرية ضد غزة بعد تسليمها السلطة بنحو 8 سنوات، وتحديداً في نهاية أبريل (نيسان) 2001.

وفي مايو (أيار) 2004، شنت إسرائيل عملية «قوس قزح»، وفي سبتمبر (أيلول) 2004، عادت ونفذت عملية «أيام الندم». ثم في 2005، انسحبت إسرائيل من قطاع غزة ضمن خطة عرفت آنذاك بـ«خطة فك الارتباط الأحادي الجانب».

بعد الانسحاب شنت إسرائيل حربين سريعين، الأولى في 25 سبتمبر (أيلول) 2005 باسم «أول الغيث»، وهي أول عملية بعد خطة فك الارتباط بأسبوعين، وبعد عام واحد، في يونيو (حزيران) 2006، شنت إسرائيل عملية باسم «سيف جلعاد» في محاولة فاشلة لاستعادة الجندي الإسرائيلي الذي خطفته «حماس» آنذاك جلعاد شاليط، بينما ما زالت السلطة تحكم قطاع غزة.

عام واحد بعد ذلك سيطرت حماس على القطاع ثم توالت حروب أكبر وأوسع وأضخم تطورت معها قدرة الحركة وقدرات الفصائل الأخرى، مثل «الجهاد الإسلامي» التي اضطرت في السنوات الأخيرة لخوض حروب منفردة.

ظلت إسرائيل تقول إن «طنجرة الضغط» في غزة تمثل تهديداً يجب التعامل معه حتى تعاملت معها «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) بانفجار لم تتوقعه أو تستوعبه إسرائيل وجر حرباً دموية على غزة، وأخرى على لبنان، وسلسلة مواجهات باردة في جبهات أخرى في حرب تبدو نصف إقليمية، وما أسهل أن تتحول إلى نصف عالمية.

أبرز الحروب

«الرصاص المصبوب» حسب التسمية الإسرائيلية أو «الفرقان» فلسطينياً:

بدأت في 27 ديسمبر (كانون الأول) 2008، وشنت خلالها إسرائيل إحدى أكبر عملياتها العسكرية على غزة وأكثرها دموية منذ الانسحاب من القطاع في 2005. واستهلتها بضربة جوية تسببت في مقتل 89 شرطياً تابعين لحركة «حماس»، إضافة إلى نحو 80 آخرين من المدنيين، ثم اقتحمت إسرائيل شمال وجنوب القطاع.

خلفت العمليات الدامية التي استمرت 21 يوماً، نحو 1400 قتيل فلسطيني و5500 جريح، ودمر أكثر من 4000 منزل في غزة، فيما تكبدت إسرائيل أكثر من 14 قتيلاً وإصابة 168 بين جنودها، يضاف إليهم ثلاثة مستوطنين ونحو ألف جريح.

وفي هذه الحرب اتهمت منظمة «هيومان رايتس ووتش» إسرائيل باستخدام الفسفور الأبيض بشكل ممنهج في قصف مناطق مأهولة بالسكان خلال الحرب.

«عمود السحاب» إسرائيلياً أو «حجارة السجيل» فلسطينياً:

أطلقت إسرائيل العملية في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 باغتيال رئيس أركان «حماس»، أحمد الجعبري. واكتفت إسرائيل بالهجمات الجوية ونفذت مئات الطلعات على غزة، وأدت العمليات إلى مقتل 174 فلسطينياً وجرح 1400.

شنت «حماس» أعنف هجوم على إسرائيل آنذاك، واستخدمت للمرة الأولى صواريخ طويلة المدى وصلت إلى تل أبيب والقدس وكانت صادمة للإسرائيليين. وأطلق خلال العملية تجاه إسرائيل أكثر من 1500 صاروخ، سقط من بينها على المدن 58 صاروخاً وجرى اعتراض 431. والبقية سقطت في مساحات مفتوحة. وقتل خلال العملية 5 إسرائيليين (أربعة مدنيين وجندي واحد) بالصواريخ الفلسطينية، بينما أصيب نحو 500 آخرين.

مقاتلون من «كتائب القسام» التابعة لـ«حماس» في قطاع غزة (أرشيفية - «كتائب القسام» عبر «تلغرام»)

«الجرف الصامد» إسرائيلياً أو «العصف المأكول» فلسطينياً:

بدأتها إسرائيل يوم الثلاثاء في 8 يوليو (تموز) 2014، ظلت 51 يوماً، وخلفت أكثر من 1500 قتيل فلسطيني ودماراً كبيراً.

اندلعت الحرب بعد أن اغتالت إسرائيل مسؤولين من حركة «حماس» اتهمتهم أنهم وراء اختطاف وقتل 3 مستوطنين في الضفة الغربية المحتلة.

شنت إسرائيل خلال الحرب أكثر من 60 ألف غارة على القطاع ودمرت 33 نفقاً تابعاً لـ«حماس» التي أطلقت في هذه المواجهة أكثر من 8000 صاروخ وصل بعضها للمرة الأولى في تاريخ المواجهات إلى تل أبيب والقدس وحيفا وتسببت بشل الحركة هناك، بما فيها إغلاق مطار بن غوريون.

قتل في الحرب 68 جندياً إسرائيلياً، و4 مدنيين، وأصيب 2500 بجروح.

قبل نهاية الحرب أعلنت «كتائب القسام» أسرها الجندي الإسرائيلي شاؤول آرون، خلال تصديها لتوغل بري لجيش الاحتلال في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وما زال في الأسر.

«صيحة الفجر»:

عملية بدأتها إسرائيل صباح يوم 12 نوفمبر عام 2019، باغتيال قائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، بهاء أبو العطا، في شقته السكنية في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وردت «حركة الجهاد الإسلامي» بهجوم صاروخي استمر بضعة أيام، أطلقت خلالها مئات الصواريخ على مواقع وبلدات إسرائيلية.

كانت أول حرب لا تشارك فيها «حماس» وتنجح إسرائيل في إبقائها بعيدة.

طفل فلسطيني يسير أمام أنقاض المباني في مدينة غزة (أ.ف.ب)

«حارس الأسوار» أو «سيف القدس»:

بدأت شرارتها من القدس بعد مواجهات في حي الشيخ جراح، واقتحام القوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى ثم تنظيم مسيرة «الأعلام» نحو البلدة القديمة، وهي المسيرة التي حذرت «حماس» من أنها إذا تقدمت فإنها ستقصف القدس، وهو ما تم فعلاً في يوم العاشر من مايو (أيار) عام 2021.

شنت إسرائيل هجمات مكثفة على غزة وقتلت في 11 يوماً نحو 250 فلسطينياً، وأطلقت الفصائل أكثر من 4 آلاف صاروخ على بلدات ومدن في إسرائيل، ووصلت الصواريخ إلى تخوم مطار رامون، وقتل في الهجمات 12 إسرائيلياً.

 

«الفجر الصادق» أو «وحدة الساحات»:

كررت إسرائيل هجوماً منفرداً على «الجهاد» في الخامس من أغسطس (آب) 2022 واغتالت قائد المنطقة الشمالية لـ«سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، تيسير الجعبري، بعد استنفار أعلنته «الجهاد» رداً على اعتقال مسؤول كبير في الحركة في جنين في الضفة الغربية، وهو بسام السعدي.

ردت «حركة الجهاد الإسلامي» بمئات الصواريخ على بلدات ومدن إسرائيلية، وقالت في بيان إنها عملية مشتركة مع كتائب المقاومة الوطنية وكتائب المجاهدين وكتائب شهداء الأقصى (الجناح العسكري لحركة فتح)، في انتقاد مبطن لعدم مشاركة «حماس» في القتال. توقفت العملية بعد أيام قليلة إثر تدخل وسطاء. وقتل في الهجمات الإسرائيلية 24 فلسطينياً بينهم 6 أطفال.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام خريطة لغزة خلال مؤتمره الصحافي في القدس ليلة الاثنين (إ.ب.أ)

«السهم الواقي» أو «ثأر الأحرار»:

حرب مفاجئة بدأتها إسرائيل في التاسع من مايو 2023، باغتيال 3 من أبرز قادة «سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة)، أمين سر المجلس العسكري لسرايا القدس، جهاد غنام (62 عاماً)، وقائد المنطقة الشمالية في السرايا خليل البهتيني (44 عاماً)، وعضو المكتب السياسي أحد مسؤولي العمل العسكري في الضفة الغربية، المبعد إلى غزة، طارق عز الدين (48 عاماً).

وحرب عام 2023 هي ثالث هجوم تشنه إسرائيل على «الجهاد الإسلامي» منفرداً، الذي رد هذه المرة بتنسيق كامل مع «حماس» عبر الغرفة المشتركة وقصف تل أبيب ومناطق أخرى كثيرة بوابل من الصواريخ تجاوز الـ500 صاروخ على الأقل.

... ثم الحرب الحالية في السابع من أكتوبر 2023.