شاشة الناقد

مشهد من «الحارة»
مشهد من «الحارة»
TT

شاشة الناقد

مشهد من «الحارة»
مشهد من «الحارة»

الحارة 1-2
* إخراج: باسل غندور
* الأردن (2021)
* النوع: غانغسترز
* مهرجانات: لوكارنو، لندن، روتردام
يحذّر الفيلم المُشاهد عبر «ڤويس أوڤر»: «بدّك تصدق نص يللي بتشوفو وتلتين يللي بتسمعو» هذا قبل أن ينطلق في حكاية تفاجئنا على صُعد عدة تحت مظلة إخراج محترف ومدروس.
هذا فيلم من خمسة أجزاء تنتقل فيما بينها بسلاسة وتحتوي على العديد من الشخصيات التي يؤديها ممثلون جيّدون في ابتكار اللحظة التي يعيشونها مستمدّين، ولا بد، من إدارة المخرج الجديد (أول عمل) باسل غندور.
في البداية، يبدو لك الفيلم أنه عمل يتوسط المسافة بين أفلام الحارة والفتوّة المصرية في الخمسينات والستينات، وبين أفلام مارتن سكورسيزي الأولى (Mean Streets مثلاً)، لكن سرعان ما يتبدّى أن للفيلم إصالة معالجة وقدرة على سرد الأحداث المختلفة في سلاسة وواقعية في التشكيل بحيث ينبري كعمل مستقل. انتماؤه لسينما الغانغستر هو انتماء نوعي وليس استنساخي.
علي (عماد عزمي) شخصية يعيش خيالاً دائماً يستغله ليمنح نفسه رصيداً في الحارة التي يعيش فيها (في عمّان). في الجزء الأول (تحت عنوان «خلطة») نتعرّف عليه متحدّثاً على الهاتف مع لا أحد. يمثّل بغية إثارة فضول عربيين سائحين يتوسم إنهما سيستجيبان له عندما يعرض عليهما التوجّه معه إلى الملهى الليلي الذي سيقبض منه عمولته. الملهى تحت إشراف رئيس عصابة من البلطجية يديرهم عبّاس (منذر رياحنة) والفتاة التي تعمل تحت إدارته مباشرة (ميساء عبد الهادي). علي يحب لانا (بركة رحماني) حبّاً صادقاً، لكن والدتها أصيل (نادرة عمران) تريد تزويجها لآخر. لا يلج الفيلم هنا القصّة العاطفية المعتادة في الأفلام العربية الأخرى لأن الأم، صاحبة صالون للسيدات، ستتجه إلى عبّاس ليتصرف مع علي وهو يقوم بما يتوجب القيام به: علقة ساخنة وسط الشارع ومن دون تدخل أحد كون عبّاس معروفاً بقوّته وبطشه.
بعد العلقة سيدّعي علي أنه سيترك الحارة إلى إسطنبول (الجزء الثاني) ويكسب موافقة لانا على الذهاب معه، لكن الأحداث تلج به في الجزء الثالث («بيت الشوارب») إلى كيفية انتقامه من عبّاس (قطع لسانه) وسرقة ماله. اكتشاف لانا الأمر يعيدها إلى بيت أمها باكية، وعندما يحاول التواصل معها تقتله الأم من دون قصد (الجزء الرابع «قبر مكشوف») وتتصل بمطلّقها لكي يتخلص من الجثّة. في هذا الوقت في الجزء الخامس («كش ملك») تتعقد المسائل أكثر بدخول كل الشخصيات دروباً ملتوية لكي تحمي نفسها، بما في ذلك محاولة انقلاب من بعض رجال عبّاس تحبطها هنادي التي لا تبتسم مطلقاً طوال الفيلم.
في الفيلم الكثير من المفارقات والتفاصيل وكلها تنزل في أماكنها بلا تردد أو ارتباك. هذا فيلم جديد في صفاته كلها وتحت إدارة وتنفيذ رجل لا جدوى معه البحث عن هنات البداية. المشروع بذاته (الحارة وأحداثها وشخصياتها ومآلات كل ما يدور فيها) مُعالج بدراية. لا يتولّى الفيلم بنصب إعلان يقول إن الأحداث حقيقية، لكن منوال العمل صادق ما بين علاقة المخرج بالفيلم وعلاقة الفيلم بما يمكن أن يكون واقعاً حتى ولو صدّقنا نصف ما نراه وثلثي ما نسمع.
التعليق الصوتي (لا تشير البطاقة إلى من قام به لكن المفترض أن يكون زوج أصالة هو من يحكي القصّة) مكتوب جيداً على صعيد شرح بعض المواقف من دون السقوط في الكشف عن حيثية ما يدور ثم تكراره مشهدياً.
موسيقى ناصر شرف في مكانها. بعضها يبدو متأثراً بموسيقى أفلام أميركية، لكن معظمها أصيل ومستعان به في الوقت والمكان الصحيحين. تصوير جستِن هاملتون (حقق غالباً أفلاماً قصيرة وفيديو) منغمس في الواقعية ويدير التصوير الليلي (النسبة الغالية في الأحداث) بدراية كاملة. ولن تجد، في طي كل ذلك، تمثيلاً يفبرك العواطف أو يقع تحت منوال العمل التلفزيوني الذي نراه في أعمال عربية أخرى عديدة. وكما يبتعد المخرج عن تنميط فيلمه ينجح في تجنيب ممثليه تلك النمطية أيضاً.

‫Uncharted ‬
* إخراج: ‪روبِن فلايشر
* الولايات المتحدة (2022)
* النوع: مغامرات
* عروض: تجارية
‫لمن يرغب في استبدال هذا الفيلم بكتاب يقرأه، أنصح بقراءة كتاب لورنس برغرين الصادر في العام الماضي تحت عنوان In Search of a Kingdom. لماذا؟ لأنه يدور عن الرحّالة البريطاني سير فرنسيس دريك (Drake) الذي عاش ومات في القرن السادس عشر والذي يستعير الفيلم المذكور أعلاه اسمه موحياً بأن أحد بطليه هو حفيد المغامر البحري الراحل منذ 426 سنة. ‬
لمن يصرّ على مشاهدة هذا الفيلم الركيك تأليفاً والمستوحى من لعبة فيديو تم إنتاجها قبل 15 سنة وأمل شركة صوني وصانعي الفيلم كبير في تحويل «مجهول» (والمقصود هو «منطقة مجهولة») إلى آلة ضخ مال جديدة. للأسف، ولأن الفيلم من الركاكة إلى حد كبير، فإن هذا الأمل يبدو آيلاً للتنفيذ بسبب نجاح تجاري واسع حصده الفيلم منذ إطلاقه قبل أسبوعين.
توم هولاند يحمل اسم ناتان دريك وهو لص و«بارمان» ومؤرخ وقت الحاجة يتحوّل إلى مغامر عندما يلتقي باحثاً ومغامراً آخر اسمه ڤكتور سوليڤان (مارك وولبرغ) ويتفقان على الاشتراك سوية في مغامرة البحث عن مليار دولار من الذهب المدفون من أيام الجد الأكبر.
ما يلي هذا التمهيد انطلاق الاثنين (تنضم إليهما الممثلة صوفيا آلي) والثلاثة يسافرون إلى بلدان كثيرة (حسنة الفيلم الوحيدة هو تعدد المناظر الخارجية) بحثاً وتنقيباً. لن يهم إذا ما كان الثلاثة وطأوا سنغافورة أو هونولولو (معظم التصوير تم ما بين ألمانيا وإسبانيا) لأن المدن لا تعني لهذا الفيلم إلا نوعاً من الديكورات الضرورية. وبعض تلك المواقع تختلف عن الواقع. هي غرف سرية وأماكن يتمنى الثلاثي أن يجد فيها وثائق وخرائط ودلالات تقرّبهم إلى المهمّة التي هم بصددها. بعد مخاطر والعديد من الحوارات التي تنساق كما لو كانت ترجمة صوتية للعب الأطفال وهم يقذفون بالماء كل على الآخر خلال السباحة في مياه ضحلة. خلال ذلك يبرهن الفيلم، كما سواه من أفلام مغامرات سابقة، بأن نظرية الجاذبية ليست صحيحة. تستطيع، لو كنت توم هولاند أو مارك وولبرغ، أو داخل سيارة فن ديزل في أحد أفلامه، أن تطير كما تشاء. لا تخف أن تسقط أرضاً ستنقذك برامج الكومبيوتر في الوقت المناسب.
ما لا تستطيع إنقاذه هو فكرة سطحية وتقليد بليد لمغامرات إنديانا جونز وتمثيل رديء مبرمج ومسكون بحب الإعلان عن الذات.


مقالات ذات صلة

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.