«طويق» يجسد صوراً فنية تجمع بين الحضارة والتاريخ

معرض «طويق» للفنان محمد العنقري يجسد تفاصيل الجبل بحلة فنية
معرض «طويق» للفنان محمد العنقري يجسد تفاصيل الجبل بحلة فنية
TT

«طويق» يجسد صوراً فنية تجمع بين الحضارة والتاريخ

معرض «طويق» للفنان محمد العنقري يجسد تفاصيل الجبل بحلة فنية
معرض «طويق» للفنان محمد العنقري يجسد تفاصيل الجبل بحلة فنية

كانت جبال طويق وقممها الاستثنائية بين عينيه منذ ولد، عاش جاراً لتلك التضاريس وصاحب صخورها، فمن قرية «الحريَق» التي تبعد 180 كيلومتراً عن العاصمة السعودية الرياض نشأ ابن القرية محمد العنقري ووثق تضاريس جبال طويق المجاورة من عدسته بصور احترافية باتت مصدراً فنياً يرسم أهم المعالم الحضارية في المملكة.
من وسط مزرعة عائلة العنقري في قريته «حريَق» نشأ الفنان محمد، ونافذته تطلع على جبال طويق والطبيعية المحيطة به من أودية ومزارع مما ولد فيه الاهتمام بتأمل الطبيعية وتصويرها في أبهى أوقاتها.

المناظر الطبيعية في السعودية بعدسة محمد العنقري

وبأحلام فنية شاءت لها الأقدار أن تتحقق، افتتح الفنان محمد العنقري الاثنين، معرض «طويق» الفني الذي يحتوي على 21 عملاً، تكون خلال سبع سنوات من الالتقاطات المميزة لجبال طويق، وشملت عدة قمم وزوايا في أكثر من وقت خلال سنة مما يجعل صور معرض طويق ملهمة وشاملة للجبل وتفاصيله. ويستقبل المعرض زواره بصالة نايلا جاليري في العاصمة السعودية الرياض ومن المتوقع أن يستمر حتى الخامس من مارس (آذار) الحالي.
ويوضح محمد العنقري لـ«الشرق الأوسط» أنّ «طويق كان جاراً لي منذ النشأة، وكان أحد أحلامي تخصيص معرض فني لصور (طويق) بنمط مختلفة وشامل». وتابع: «لا أعتقد أنّ هناك العديد من الصور الاحترافية والفنية التي تخص جبل طويق في السعودية رغم كونه معلماً حضارياً مهماً، مما جعل افتتاح معرض (طويق) أحد أهم الأهداف السابقة».

منظر طبيعي بعدسة محمد العنقري

ومنذ عام 2009، تعرفت يدا العنقري على الكاميرا وتفاصيلها، وورث من والده حب توثيق اللحظات فبدأ التصوير من باب التوثيق والأرشفة البسيطة. ومع بداية عام 2012، ركز محمد على الطبيعية وتصوريها حتى تخصص في تصوير المناظر الطبيعية في شتى أنحاء العالم.
ومع تنوع التضاريس الجغرافية في المملكة كتب الفنان محمد العنقري بداياته في تصوير الطبيعية، حيث بدأ مشاوره الفني من الشمال الغربي السعودي ما بين تبوك وأملج العلا والتقط خلالها صوراً طبيعية استثنائية. ومن بعد عام 2017، كان له نصيب من الطبيعية النرويجية والأميركية والإيطالية التي كانت تعتمد رحلاته إليها على تصوير المناظر الطبيعية لا أكثر.
ومع مرور جائحة «كورونا» واحترازاتها كانت أرض المملكة هي مصدر الطبيعية الحرة في صور محمد العنقري حيث يجد في الصحراء رونقاً خاصاً يمتزج بين القسوة والجمال، ويعتمد في التقاطاته على لحظات معينة بإمكانها اختصار معاني التأمل وتهذيب الذات.
وساهم الفنان محمد العنقري من خلاله صوره على نشر الطبيعية الغنية التي تحتضنها المملكة، حيث حصد العديد من التعليقات المبهرة، خصوصاً على صور جبال العلا التي تتميز بتفردها، كما دفعت صور الفنان على تحفيز العديد من الأشخاص إلى زيارة الطبيعة الموثقة واكتشافها.
ومع افتتاح معرض طويق الذي يعدّ الأول من نوعه للفنان محمد العنقري، فإنه يهدف إلى تكوين كتاب كامل عن جبل طويق ويحتوي على كل تفاصيله من قمم وصخور حتى يعد الكتاب مرجعاً ثقافياً وفنياً سعودياً.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».