أسماء المنور «تنوّر» الشاشة... بكنزَيْها

استضافتها جيسيكا عازار في «40» فأذهلتها بحديثها وغنائها

أسماء المنور وجيسيكا عازار في الحلقة
أسماء المنور وجيسيكا عازار في الحلقة
TT

أسماء المنور «تنوّر» الشاشة... بكنزَيْها

أسماء المنور وجيسيكا عازار في الحلقة
أسماء المنور وجيسيكا عازار في الحلقة

تحضر الفنانة المغربية أسماء المنور إلى استوديو برنامج «40» بصحبة كنزين: الصوت والشخصية. تملأ مكانها، ورغم قلقها من فكرة الأسئلة الأربعين، تتجاوز «الامتحان» بثقة في النفس. تلتقي مع محاورتها جيسيكا عازار بارتدائهما قميصين باللون الأبيض، وتضحكان للمصادفة. تلتقيان أيضاً بالارتياح بعضهما إلى بعض، ومداراة الودّ من الطرفين. فالإعلامية اللبنانية تقدّر ضيفتها وتُظهر ذهولاً بحنجرتها، والضيفة الآتية من المغرب بعد ساعات سفر طويلة تُزين الحلقة ببديع الصوت الذهبي.
يعرض تلفزيون «دبي» حلقات منفصلة من البرنامج عن الحلقات التي تعرضها «إم تي في» اللبنانية. فنجاحه يوسّع انتشاره. أربعون سؤالاً، بدأتها جيسيكا عازار بما يريح ضيفتها قبل الانتقال إلى ما قد يُربك. ليست أسماء المنور ممن يهوين اللون الأحمر، وهو إشارة إلى السؤال المحرج في الحلقة. تسرّ لمحاورتها أنها لا تجده لوناً مفضلاً ولا يستهويها جرس الإنذار الكامن في ذروته. تبقى متيقظة من السؤال الأول إلى السؤال الأخير. لن تسمح لسؤال بأن يتمادى ويصبح فخاً. تلجمه، فلا يخرج عن كونه دردشة لطيفة.

الفنانة المغربية أسماء المنور في «40»

تسألها عن القلق، هل هو سرّ النجاح؟ أسماء المنور ناضجة بما يكفي لوضع الأمور في نصابها. للنجاح في رأيها عوامل؛ القلق الميّال إلى الحرص أحدها، وحين يصبّ في الاتجاه الصحيح، فأهلاً به. لا تجيب لتنفّذ المهمة المطلوبة منها. تجيب لأنه لديها ما تقوله. قلّما تتجاوز الدقيقتين، مدّة كل سؤال. وأمام الأسئلة المحرجة، كالعلاقة بطليقها وشائعة منعه من رؤية ابنهما، تتجنّب الأخذ والرد على طريقتها: «الموضوع شخصي، فإن رددتُ سيردّ، ولن تنتهي دوامة الردود. الناس ليسوا أغبياء ليصدقوا بأنّ أماً تحرم طفلاً من والده. والقوانين أيضاً موجودة». نقطة، انتهى.
تبني رابطاً نبيلاً بين الأمومة والفن، فالأمومة تكثّف شغفها الفني وإحساسها المرهف. لأسماء المنور ابنٌ من نِعم السماء، يدعى آدم، تناديه «دودو». إصابته بنوع من التوحّد جعلتها في البداية تتساءل: «لِمَ أنا؟». تشارك تجربتها بجرأة لتُشعر مَن هم في حالتها أنهم ليسوا وحدهم. تقول لجيسيكا عازار بأنها شعرت بداية بعدم رضا، «استغفر الله». وقتٌ قليل، فتقبّلت: «لرب العالمين حكمته». يمنحها ابنها قوة، بعدما ظنّت بأنها مَن يمنحه القوة: «كمية الدروس التي يعلّمني إياها لا تُحصى».
لم يؤيد والدها رغبتها في أن تصبح نجمة. ثم اقتنع. شرط كل الآباء: «لا تهملي الدراسة». انطلقت أسماء المنور من عائلة متواضعة مادياً، ثرية بالقيم والحب. شعرت في بداياتها بأنّ الله يمنحها هدية، هي الصوت، فإنْ قدّرتها وحافظت عليها، ستتغيّر حياتها. قناعتها راسخة: لا تضع نفسها في منافسة ولا تكترث لمن هي نجمة المغرب الأولى أو نجمة الخليج الأولى، ولا للأعلى أجراً بين النجمات: «ضدّ التصنيف، خصوصاً أننا من ثقافات مختلفة. لسنا فناجين قهوة لتستوي المقارنة. الكل أول من موقعه وجمال فنه».
تغنّي للراحلة ذكرى رائعتها: «الأسامي هي هيّ، والقلوب تغيّرت». جيسيكا عازار في دهشة، «ويلي راح من عمري راح». كدهشتها وضيفتها تغنّي «المحكمة»، تحفتها مع كاظم الساهر. «كن منصفاً يا سيدي القاضي»، فتروي المصادفة التي جمعتهما وموافقتها على الفور بأداء «الديو» قبل قراءة الكلمات والاستماع إلى اللحن. يكفي أنه القيصر.
لها جمهور في العراق ستهديه أغنية عراقية، وجمهور في لبنان ينتظرها بأغنيتها اللبنانية من ألحان مروان خوري. «المهم أن أتقن اللهجة»، مع وعد بالعملين قريباً. تغنّي لوائل كفوري «البنت القوية»، وعازار تساعدها حين تكاد تنسى الكلمات، «يا ويلي من حبها، سكّر على مربّى». ولفرط إعجابها بالصوت الكبير، تقترح عليها التوقف عن طرح الأسئلة لإكمال الحلقة بالغناء. تذكّرها ضيفتها بالسفر لما يزيد على عشر ساعات، وعازار لا تأبه إلا للروعة.
لم تحوّل الحلقة ذريعة لخرق خصوصيتها. ترد على سؤال محاورتها عن مؤسسة الزواج بأنها أيضاً سبب في فشلها. تطلّقت قبل عشر سنوات بعد زواج استمرّ لنصف هذه المدة، فلم تستغل إطلالتها لجلد الزوج ورجمه. تستغني عمّا يبدو أنه سيُسبب المتاعب، وتجيب بانتباه عمّا تراه مناسباً لإيضاح مواقفها. تُبرر لعازار أنها تعبت من تحمّل المسؤولية منذ صغر سنها، وحين وصلت إلى الزوج، كانت قدرتها على حمل الهموم قد نفدت. لا ترى الزواج مسألة مغرية، لكنه موقف شخصي لم تعممه. «ماذا لو وجدتِ من يهتم بكِ ويخفف عنكِ القلق؟»، تسألها وتنتظر الجواب السعيد: «عندها قد أفكر بالزواج. عندها فقط».
ترافقها أحلام، كأن تغنّي للأطفال وتُطلق ماركة لبيع الأحذية باسمها. تستمد هذا الشغف من الوالد، فقد كان مهتماً بالأزياء، فغرس فيها البذرة. تضحك وهي تقول إنها تنفق المال الكثير على شراء الأحذية، من منطلق الحب، لا المبالغة في اقتناء الأشياء. على المستوى الإنساني، توجّه حبها تحديداً للأطفال. تخبر محاورتها بأنهم نقطة ضعفها ومن لا يمكن إخضاعهم للمساومة. خمسة أيام وهي تتابع مأساة الطفل ريان في البئر. وانفطر قلبها على ابن بلدها. وقلوبنا جميعاً، يا للهول.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».