تعد العمارة فناً يعكس تاريخ الشعوب وثقافتهم وظروف معيشتهم في مختلف الأزمنة؛ ولبيوت الطين في نجد انعكاس لتراث المنطقة وعمق تاريخي يظهر تفاصيل صعوبة الحياة في تلك الفترة التي واجهها أهلها بحلول ذكية ضمنت استدامة الحياة وتسهيلها عبر بيوتهم الطينية.
ومنازل الطين أحد أهم الشواهد على تاريخ المنطقة منذ القدم، حيث تتواجد في أغلب المناطق السعودية، خصوصاً نجد، التي كان يشتهر أهلها ببنائها بمواد بسيطة من الطبيعة الصحراوية نفسها، ومن النخيل الذي كان مصدر غذاء وبناء، لتعكس منازلهم البيئة المحيطة بهم.
استخدم الطين مادة أساسية في بناء البيت، ومادة الطين تتميز بأنها مادة عازلة للحرارة أثناء فصل الصيف ويكون البناء بالطين عادة إما على شكل عروق أو مداميك من اللبن تسمى (اللبِن) ومفردها لَبِنَة، وهي ما يستعاض عنه حالياً بالطوب.
أما عن كيفية بناء بيت الطين، فأولاً تُحدد قطعة الأرض حيث سيُبنى البيت، من ثم توضع خيوط لتحديد الأساسات، وبعد ذلك يُحفر في الأرض بعمق معين ويُبدأ بوضع الأساس المسمى «وثر»، وهو من الحجارة والطين.
ويعد قصر «المصمك» الذي يقع في منتصف العاصمة السعودية الرياض، أحد أبرز الشواهد على التطور الذي شهده البناء بالطين، حيث بُني بالكامل بـاللبن (الطوب الطيني) ولا يزال صامداً حتى اليوم منذ أكثر من 120 سنة، ليكون دلالة على صلابة المباني الطينية وجودتها في تلك الفترة، والتي كانت تحمي من البرد والحر والأمطار وغيرها من العوامل البيئة التي شهدتها المنطقة.
ونظراً لأهمية الحفاظ على الإرث التاريخي لمنازل الطين والمحافظة على عمقها التاريخي، أقامت «بينالي الدرعية» ورشة عمل للشباب الناشئين من عمر 8 إلى 11 سنة، لتعليمهم طريقة البناء بالطين ليحافظوا على تراث أجدادهم ويعرفوا تفاصيل الحياة الصعبة في تلك الأزمنة.
وركزت الورشة على شرح المواد الأساسية المستخدمة في البناء، وتفاصيل استخراجها، وكيفية البناء بها من الصفر، إذ تتطلب العملية استخدام العديد من المواد المستخرجة من الطبيعة الصحراوية وكيفية دمجها سوية لصنع الطوب الطيني لبناء المنازل.
وقالت المهندسة المعمارية نجود العنبري مقدمة الورشة إن بيوت الطين تحكي قصة احتواء الإنسان للطبيعة التي حوله، وفي كل مناحي الحياة، فكل المواد المستخدمة كانت من الأرض التي يعيش بها الإنسان في تلك الفترة، بل تطور الموضوع ليتحول إلى علم به العديد من التفاصيل في استخدام المواد الصحيحة ما أدى إلى تطور البناء في تلك الفترة لتبقى هذه المنازل شامخة وشاهدة على تفاصيل تلك الحقبة.
وأضافت العنبري أن المنازل في نجد تختلف في بنائها على حسب موقعها الجغرافي واتجاه الرياح، ما يعكس الخبرة التي تكونت خلال السنوات من البنائين والتي تطورت بسبب تجاربهم المختلفة في بناء منازل الطين ما صنع بيئة مميزة مليئة بالروحانية تعكس العودة للطبيعة والاندماج معها.
وأكملت العنبري أن ما ألهم الناس في تلك الفترة لاستخدام هذه المواد، هو التأمل في الطبيعة التي حولهم بالإضافة إلى قوافل التجارة التي كانت تمر في نجد بتلك الفترة ما شكل رؤية واضحة وتفاصيل انعكست على المنازل في تلك الفترة وأسهمت في تطويرها بشكل مستمر.
وذكرت العنبري أن ورشة العمل التي قدمتها للأطفال برزت أهميتها في نقل تراث الأجداد للجيل الناشئ، وتكوين صور أعمق لهم، من خلال عيش التجربة ومعرفة المواد البسيطة المستخدمة في بناء المنازل التي عاش بها أجدادهم، حيث تفاعلوا بشكل جيد مع الورشة وأظهروا فضولاً في معرفة تفاصيل أكبر عن تلك الحقبة، بالإضافة إلى اكتشاف بعضهم لمواهب لم يكونوا على علم بها مثل النحت.
وتحتوي الدرعية أحياءً كاملة مبنية من الطين أبرزها الطريف، وستنتهي قريباً من مشروع «بوابة الدرعية» الذي سيبنى به أكبر مدينة طينية بالعالم، تضم مكتبة وأسواقاً وأماكن للاحتفالات العامة وستُبنى بالكامل بالطريقة التقليدية لتكون انعكاساً للحياة قديماً، لكن بطابع حديث.
بيوت الطين... تعكس تفاصيل الماضي وتصنع إرث الحاضر
بيوت الطين... تعكس تفاصيل الماضي وتصنع إرث الحاضر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة