يتشكّل حراك فني جديد في الرياض تحت مسمى «ثُلوثَين»، وهي جماعة ناشئة تؤمن بأنّ «الفن رحلة للذات، تحتفي بالتواصل والإبداع البشري، والمجتمع الداعم يسخّر تلك الرحلة». كما تفيد مؤسسته الفنانة إلهام الدوسري، عبر لقاءات تقام كل أسبوعين، تُعرّف الفنانين الناشئين على أهل الخبرات الفنية وتربطهم معاً وتبحث عن مبتغاهم، وبدأ هذا المشروع متنقلاً بين أحياء الرياض، ليستقر أخيراً في استوديو «سدرة» الثقافي الفني، بحي جاكس في الدرعية. «ثُلوثَين» يتخذ اسمه من يوم الثلاثاء، الذي يصادف اللقاءات كل أسبوعين، في محاولة جادة لكسر عزلة الفنان، بناءً على تجربة ذاتية عاشتها الدوسري في بدايتها الفنية قبل أكثر من 10 سنوات، قائلة: «كان من الصعب عليّ حينها الوصول للجماعات الفنية أو لمجموعة من الفنانين ليكونوا بمثابة الموجهين والداعمين في بداياتي».
وتوضح الدوسري لـ«الشرق الأوسط»، قائلة إنّها بعدما قررت التفرغ للفن، وجدت أنّ المشكلة ما زالت باقية وتواجه المغمورين والناشئين في الوسط الفني أو في المجالات الإبداعية الأخرى، مما دفعها لتأسيس «ثُلوثَين»، الذي دخل قبل أيام شهره الثالث. مشيرة إلى أنّ الفنانين يشتركون في رغبة الحوار والحديث عن الحراك الثقافي والفني الحاصل في المجتمع الآن، ومعرفة أين تسير الوجهة. ويركز «ثُلوثَين» على جمع الفنانين المغمورين في الرياض وتسليط الضوء عليهم، وهنا تقول الدوسري: «أعتقد أنّ الحراك الحقيقي من الناحية الثقافية والاجتماعية ينبع من هؤلاء الذين يصنعون الفن بعيداً عن متطلبات السوق»، مشيرة لجهودها في دفعهم للاهتمام بالجانب التجاري وتعلّم آليات تسويق أعمالهم، ذات الأصالة والعمق الفني.
أين تكمن أهمية ذلك؟ تجيب: «تصبّ أهداف وسبب وجود (ثلوثين) في الأهداف الثقافية الفنية الاجتماعية على الصعيد الوطني، تحت رؤى وزارة الثقافة وهيئاتها المعنية، في خلق وعي فني ثقافي محلي متين، يستقي من موروثاته الثقافية والاجتماعية والشفوية، بروح أبناء العصر، ليس فقط في أعماله الفنية الإبداعية، بل في ممارساته المهنية والأخلاقية أيضاً، ينافس الثقافات والممارسات السائدة والغربية، ويبني رؤية خاصة يعتز بها ولا يتكئ فيها على غيره».
وتُبدي الدوسري أهمية بالغة بنقل التجارب المهنية في مجالات تنوعت بين المالية والتسويق والإعلام والكتابة، خلال فترات متقطعة من تجربتها الشخصية في الفن، وهو ما ترجعه لكون هذه التجارب علّمتها الكثير مما لا تُعلمه المؤسسات الفنية والأكاديمية. وتردف: «من المهم توجيه الفنانين وسد تلك الفجوة في بناء الفنان المهني التاجر، يداً بيد مع بناء الجهود الحكومية والمؤسسية لخططها الحالية وطويلة المدى. بل تقع تلك المسؤولية على عاتق الممارسين في المشهد الفني ليبدعوا طرقاً جديدة وهادفة لتحسين وبناء مجال فني حيوي ومثرٍ».
وعن المجالات التي تحتويها لقاءات «ثلوثين» حتى الآن، تفيد الفنانة إلهام الدوسري بأنّها تشمل: الفنون البصرية، والتصوير الفوتوغرافي، وصناعة الأفلام، والموسيقى، والكتابة، والرقص، والمجال البحثي والأكاديمي في الفن، من مستويات مبتدئة ومتوسطة ومتمرسة. وتضيف أنّه «مع نمو (ثلوثين) وتحولها السريع، تغيّر بعض أهدافها لتتأقلم مع حاجة أفرادها واتساع مجالاتهم الإبداعية وتنوعها، أو حاجة المكان، إلّا أنّ ما بقي من تلك الأهداف هو تحفيز البيئة الجاذبة للفنانين من مختلف المجالات الإبداعية لحاجة بعضهم إلى بعض، ومشاركة حب التساؤل حول الفن، وقراءة محطاتنا المختلفة وإعادة قراءتها، قراءة إنتاجنا ودراسته والكتابة عنه».
لكن كيف يبدو مجتمع «ثلوثين»؟ تجيب الدوسري: «أفرادها المتكررون ملتزمون في العطاء وليس فقط الحضور ومشاركة الحوارات وبناء العلاقات. لديهم شغف وفضول المعرفة والتساؤل، وبحاجة على مشاركتها مع الآخر. يحملون تجارب غنية بجهود فردية أو جماعية فنية واجتماعية في مجالاتهم الإبداعية».
وبسبب البعد الثقافي لأهداف «ثلوثين» وحواراتها، تقول الدوسري: «يهمنا أن نوسع دائرة فناني «ثلوثين»، ونرحب بالمثقفين المهتمين بقراءات متعمقة للمجتمع والفرد السعودي ونموه من خلال الفن بشكلٍ عام، وممن قد يعدون أنفسهم هاوين أو محبين للفنون وليس بالضرورة فنانين، وهذا ما سنعمل على إضافته في تواصلنا مع المهتمين في مواقع التواصل، فهم مكسب للمجتمع».
يشار إلى أنّ إلهام الدوسري هي نحاتة وفنانة مفاهيمية (بحثية) مستقلة ومتعددة الممارسات الفنية، وكاتبة مقيمة في الرياض، يرتكز عملها على أبحاث في مجالات التصميم الحضري والنساء والنظرية الاجتماعية، بالإضافة إلى التمعن في الحياة في السعودية في مرحلة ما قبل الإنترنت. وهي وُلدت ونشأت في الولايات المتحدة الأميركية، وعادت إلى الرياض طالبة في المرحلة المتوسطة، منتصف عقد التسعينات.