حتى الساعة، لم يُعرف بعد ما إذا كانت الحرب التي بدأتها روسيا على أوكرانيا، ستلقي بظلالها على احتمالات تجديد الاتفاق النووي مع إيران، خصوصاً أن مسؤولين أميركيين كانوا قد أشاروا إلى أن حظوظ النجاح أو الفشل لا تزال متساوية. ومع انشغال إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، في الرد على أكبر أزمة دولية يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية، يُتوقع أن تتعرض إدارته لمزيد من الضغوط الخارجية والداخلية، في مواجهة «الحلف» الذي بدا أن أضلاعه المثلثة، روسيا والصين وإيران، تتناغم في ما بينها.
عودة كبير المفاوضين الإيرانيين، علي باقري كني، إلى طهران «للتشاور»، على أمل العودة إلى فيينا، لإبلاغ بقية أعضاء الوفود التي بقيت في العاصمة النمساوية، بـ«القرار السياسي» الذي ستتخذه القيادة الإيرانية، تخوف بعض الأوساط الأميركية من أن يكون سلبياً. في المقابل قال آخرون إن تطورات الأزمة الأوكرانية، قد لا تغيّر كثيراً في المقاربة التي تعتمدها إدارة بايدن في مفاوضاتها في فيينا، لأنها تريد هذا الاتفاق.
ورغم قول المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس، مساء الأربعاء، إن «هناك تقدماً كبيراً» في الأيام الأخيرة، فإنه حذّر من أنه لم يتم الانتهاء من أي اتفاق. غير أن اجتياح روسيا لأوكرانيا، وفرض الدول الغربية عقوبات غير مسبوقة على موسكو، طرح تساؤلات عن مصير تلك المفاوضات، في ظل الحديث عن هذا «التحالف».
تمسك بايدن بالاتفاق
يقول ريتشارد غولدبيرغ، كبير المستشارين في معهد الدفاع عن الديمقراطيات والمدير السابق لقسم محاسبة إيران عن أسلحة الدمار الشامل في مجلس الأمن القومي: «لسوء الحظ، لم نرَ أي مؤشر حتى الآن على أن إدارة بايدن قلّصت تعاونها مع روسيا فيما يتعلق بالمحادثات النووية الإيرانية». وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «لا تزال كل الدلائل تشير إلى أنه يمكن الإعلان عن صفقة في أي يوم، وقد تؤدي إلى مساعدة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على صرف انتباه العالم عن غزوه أوكرانيا».
ويضيف أن الحديث عن حلف ثلاثيّ، لم يغيّر حقيقة أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يحافظان على تحالفهما في المفاوضات الجارية، ويدعمان بقوة الوصول إلى أي اتفاق مع إيران. لكن ما هو غير واضح هو ما إذا كان سيتم رفع العقوبات التي تستهدف نقل الأسلحة من روسيا إلى إيران كجزء من الصفقة أم لا. ويرى غولدبيرغ أن الأمل الوحيد لتخلي إيران عن برنامجها النووي هو من خلال الضغط الاقتصادي الأقصى، المدعوم بالتهديد باستخدام القوة العسكرية. ومن المؤسف أن إدارة بايدن تخلت عن هذا المسار منذ أكثر من عام، وعرضت بدلاً من ذلك دفع «أموال الابتزاز» الإيرانية، لتأجيل الأزمة لعام أو عامين.
وتحدثت أوساط أميركية عن أن فشل المفاوضات سيطرح اتخاذ إجراءات ضد البرنامج النووي الإيراني في ظل تقديرات بأن طهران قد نفّذت «اختراقاً» كبيراً، لإنتاج ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع سلاح نووي خلال أسابيع قليلة فقط. في المقابل تشير تقديرات أخرى إلى أن إيران ربما تحتاج لسنوات من الخبرة اللازمة لإنتاج قنبلة وإطلاقها.
اتفاق وليس معاهدة
غير أن نجاح المفاوضات، في حال حصوله، قد لا يؤدي إلى إمكانية السماح بتحويله أميركياً، إلى اتفاق حقيقي وناجز، ناهيك بوصفه معاهدة، من مجلس الشيوخ الأميركي. فقد نجح الجمهوريون بدعم من بعض الديمقراطيين، في إبلاغ إدارة بايدن بأن مصيره قد يكون شبيهاً باتفاق عام 2015 الذي أنجزته إدارة الرئيس السابق باراك أوباما.
فالكونغرس لم يوافق قط على الاتفاقية الأصلية، التي لم تصفها إدارة أوباما بالمعاهدة، وتوقيعها كان من صلاحيات الرئيس. وبدلاً من ذلك، أقرّ المشرّعون قانون مراجعة الاتفاقية النووية الإيرانية، الذي يمنح المشرعين 30 يوماً لمراجعة وربما رفض أي اتفاق نووي مستقبلي مع إيران قبل منح أي تخفيف للعقوبات. وفيما تستعد إدارة بايدن لوصف الاتفاق الجديد بأنه ليس أكثر من إعادة العمل بالاتفاقية الأصلية، أوضح الكونغرس أنه يستعد للتصويت عليها، اعتماداً على قانون المراجعة أعلاه، الذي يتضمن أيضاً الحصول على شهادة رئاسية كل 90 يوماً، للإبلاغ عن كيفية التزام إيران بشروط أي اتفاقية. ونُقل عن أحد مساعدي أعضاء الكونغرس، ترجيحه تقديم الإعلان عن الصفقة الأسبوع المقبل، لكن هناك تغييرات كافية في المسودة، الأمر الذي يُلزم إدارة بايدن بإخضاعها لقانون مراجعة الاتفاق النووي الذي أقره الكونغرس.
لا ضمانات أميركية للعودة عن الاتفاق
قضية رفع العقوبات كانت واحدة من أكثر القضايا الجوهرية التي نوقشت في المفاوضات، خصوصاً تحديد العقوبات الأميركية التي سيتم رفعها مقابل عودة إيران إلى الاتفاق النووي. إيران التي كانت تطالب برفع كل العقوبات، تلقت رداً أميركياً يؤكد أن «خطة العمل الشاملة المشتركة» تنطبق فقط على الإجراءات «المتعلقة بالبرنامج النووي»، وليس تلك المفروضة على الحروب بالوكالة لإيران، أو انتهاكات حقوق الإنسان أو برنامج الصواريخ الباليستية. ولم تُعرف بعد «التسوية» التي يمكن التوصل إليها في هذه القضية، رغم أن مسؤولين إيرانيين أشاروا في تصريحات إلى «العقوبات النووية» التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترمب، عندما انسحب من الاتفاق عام 2018، في إشارة إلى احتمال قبولهم بهذا «التمييز» بين العقوبات، لكنهم عادوا للمطالبة برفع «جميع العقوبات». في المقابل بدت إيران أنها تخلت عن مطلبها بأن يتم «ضمان» عدم عودة الإدارة الجديدة عن الاتفاق الجديد، بعدما أكد المفاوضون الأميركيون استحالة توفيره. وانعكس ذلك في تصريحات قادة الكونغرس بمجلسي الشيوخ والنواب من الحزبين، الذين أكدوا أن هذا الأمر مخالف لقوانين عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية في الولايات المتحدة.