«مصالح العالم» تكبّل قبضة العقوبات

تهديدات بحزمة جديدة مرتقبة من أوروبا إلى كوريا

العلم الروسي يرفرف فوق البنك المركزي في موسكو (رويترز)
العلم الروسي يرفرف فوق البنك المركزي في موسكو (رويترز)
TT

«مصالح العالم» تكبّل قبضة العقوبات

العلم الروسي يرفرف فوق البنك المركزي في موسكو (رويترز)
العلم الروسي يرفرف فوق البنك المركزي في موسكو (رويترز)

رغم ضخامة التهديدات التي وجّهتها القوى الغربية إلى روسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية، فإن كثيراً من المؤسسات الدولية والخبراء شككوا في قدرة العقوبات الفعلية المفروضة حتى الآن على ردع روسيا - في المدى القريب على الأقل، كون اقتصاد الأخيرة أقوى وأكثر صلابة من تلك العقوبات... وفي ذات الوقت لفت محللون ومراقبون إلى أن قدرة الغرب على التهديد مكبَّلة إلى حد بعيد بما تعانيه دول العالم من أزمات تخص حالة التعافي من أسوأ الأزمات الاقتصادية الدولية منذ الحرب العالمية الثانية.
وتركزت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وأستراليا وكندا واليابان على البنوك وأفراد من النخبة الروسية، بينما أوقفت ألمانيا التصديق على خط أنابيب غاز من روسيا.
وخلال الساعات الماضية، أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، أن العقوبات الجديدة للاتحاد الأوروبي ستتضمن منع وصول البنوك الروسية لأسواق المال الأوروبية. وتشمل الإجراءات تجميد الأصول الروسية في الاتحاد الأوروبي وحظر دخول القطاعات الاقتصادية الروسية المهمة لمجالات التكنولوجيا الرئيسية والأسواق. ويشار إلى أن الاتحاد الأوروبي يعد أكبر شريك تجاري لروسيا، وفقاً للمفوضية.
كما قال جيمس كليفرلي، وزير الدولة بوزارة الخارجية البريطانية، إن بلاده ستردّ على قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، شن عملية عسكرية في أوكرانيا بأكبر وأقسى حزمة من العقوبات على موسكو، وإن بعضها يبدأ سريانه يوم الخميس (أمس). وقال كليفرلي لتلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي): «ستكون هذه أكبر وأقسى حزمة من العقوبات الاقتصادية التي شهدتها روسيا على الإطلاق... لكننا سنعلن أيضاً إجراءات عقابية أخرى خلال الأيام المقبلة».
وبدورها، ذكرت وكالة «يونهاب» الكورية الجنوبية أن الرئيس الكوري مون جيه – إن، أعلن أمس (الخميس)، أن بلاده ستشارك في فرض عقوبات اقتصادية على روسيا بسبب عملياتها العسكرية في أوكرانيا. ونقلت الوكالة عن الرئيس قوله إنه يجب ضمان سيادة أوكرانيا واستقلالها وسلامة أراضيها.
ولن يتمكن المستثمرون الأميركيون من شراء سندات الدين الروسية الصادرة بعد الأول من مارس (آذار). وسيكون أيضاً مستحيلاً بالنسبة للدولة الروسية الوصول إلى الأسواق المالية الأوروبية لإعادة تمويل دينها. وقال الخبير الاقتصادي كان نازلي، وهو مدير محفظة متخصصة في ديون الدول الناشئة في شركة «نوبيرغر بيرمان» الاستثمارية، إن «روسيا ستلجأ الآن إلى مصادر وطنية وإلى سوقها الخاصة لتمويل نفسها»، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.
ويوضح أنه «لو كان الأمر متعلّقاً بسوق ناشئة على غرار تركيا أو جنوب أفريقيا مثلاً، اللتين تعتمدان بشكل كامل على السوق المالية لتمويل عجز الميزانية، فإن المشكلة ستكون أكبر... لكن بما أن وضع روسيا المالي متين، فإن هذه القيود تولّد بالطبع تكاليف إضافية وتعيق قدرتها على تكوين احتياطات، لكنّ ذلك لن يكون مزعجاً بالنسبة إليها».
وترى الخبيرة الاقتصادية لدى مصرف «يو بي إس» السويسري، آنا زادورنوفا، أن الآثار المالية للقيود المفروضة على الإصدارات الجديدة للديون السيادية محدودة بسبب مستوى الدين العام المنخفض (16% من الناتج المحلي الإجمالي)، وعائدات الميزانية الأعلى من المتوقع (خصوصاً بفضل عائدات قطاع النفط والغاز مع ارتفاع الأسعار حالياً)، وقدرة السوق المحلية على استيعاب الديون المستقبلية المقومة بالروبل».
لكن الولايات المتحدة أوضحت كذلك أن العقوبات المتفق عليها وتلك التي قد تُفرض لن تستهدف تدفقات النفط والغاز. وقال مسؤولون في الإدارة الأميركية لـ«رويترز» إنه من غير المتوقع أن تستهدف الإدارة قطاع النفط الخام والوقود المكرر في روسيا بعقوبات بسبب مخاوف تتعلق بالتضخم والأضرار التي يمكن أن تُلحقها بحلفائها الأوروبيين وأسواق النفط العالمية والمستهلكين الأميركيين.
وحتى لو فرضت الولايات المتحدة عقوبات على النفط الروسي، فقد تظل روسيا تجد سوقاً لخامها. فقد باتت الصين وجهة التصدير الروسية الأولى بعد تطبيق العقوبات عقب الاستيلاء على شبه جزيرة القرم عام 2014.
وقال بايدن يوم الثلاثاء، إنه من «الأهمية بمكان» أن تعمل إدارته على الحد من أي زيادة في أسعار الغاز الأميركية بسبب الأزمة الأوكرانية. وأضاف في تصريحات بالبيت الأبيض: «أريد الحد من الألم الذي يشعر به الشعب الأميركي في محطات التزود بالوقود... فهذا أمر بالغ الأهمية بالنسبة لي».
وقال مسؤولون في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لـ«رويترز» إنه من غير المتوقع أن تفرض الإدارة عقوبات على قطاع النفط الخام والوقود المكرر في روسيا بسبب مخاوف بشأن التضخم والأضرار التي يمكن أن تُلحقها بحلفائها الأوروبيين وأسواق النفط العالمية والمستهلكين الأميركيين.
وتراهن الولايات المتحدة على أن السماح باستمرار تدفق النفط من روسيا، ثالث أكبر منتج للنفط الخام في العالم، حتى لو عمد الرئيس فلاديمير بوتين إلى غزو أوكرانيا غزواً شاملاً، سيساعد في الحد من ارتفاع الأسعار العالمية ويساعد في حماية المستهلكين الأميركيين من زيادة أسعار البنزين. ويعتمد المسؤولون الأميركيون أيضاً على إمدادات النفط المحلية الهائلة -فالولايات المتحدة هي أكبر منتج للنفط في العالم- وستساعد الجهود المنسقة مع الدول الحليفة لزيادة الإمدادات في تخفيف تأثير الأزمة الأوكرانية.
وقال مسؤول لـ«رويترز» لم يكشف عن هويته لأنه غير مصرح له بالحديث علانية عن المسألة: «نظراً لأن أسواق النفط عالمية -ولأن الولايات المتحدة هي نفسها دولة منتجة للنفط- فهناك سبب للاعتقاد بأننا سنكون قادرين على تجاوز هذا (الأزمة الأوكرانية) دون الكثير من الضرر، ولكن بالتأكيد هذا شيء سنواصل مراقبته عن كثب».
وقال مسؤولون أميركيون إن هناك مجموعة من الخيارات المتعلقة بالنفط قيد الدراسة إذا نفذت روسيا غزوها -ومنها إيقاف ضريبة البنزين الأميركية مؤقتاً والاستفادة من احتياطيات النفط الاستراتيجية للبلاد وتقييد صادراتها النفطية. وقال المسؤول دون الخوض في التفاصيل إن «جميع الخيارات» ما زالت مطروحة.


مقالات ذات صلة

«كوب 29» في ساعاته الأخيرة... مقترح يظهر استمرار الفجوة الواسعة بشأن تمويل المناخ

الاقتصاد مفوض الاتحاد الأوروبي للعمل المناخي فوبكي هوكسترا في مؤتمر صحافي على هامش «كوب 29» (رويترز)

«كوب 29» في ساعاته الأخيرة... مقترح يظهر استمرار الفجوة الواسعة بشأن تمويل المناخ

تتواصل المفاوضات بشكل مكثّف في الكواليس للتوصل إلى تسوية نهائية بين الدول الغنية والنامية رغم تباعد المواقف في مؤتمر المناخ الخميس.

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد أشخاص يقومون بتعديل لافتة خارج مكان انعقاد قمة المناخ التابعة للأمم المتحدة (أ.ب)

أذربيجان تحذر: «كوب 29» لن ينجح دون دعم «مجموعة العشرين»

استؤنفت محادثات المناخ التابعة للأمم المتحدة (كوب 29)، يوم الاثنين، مع حث المفاوضين على إحراز تقدم بشأن الاتفاق المتعثر.

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد سفينة شحن في نهر ماين أمام أفق مدينة فرنكفورت الألمانية (رويترز)

«المركزي الألماني»: خطط ترمب الجمركية نقطة تحول في التجارة العالمية

أعرب رئيس البنك المركزي الألماني عن خشيته من حدوث اضطرابات في التجارة العالمية إذا نفّذ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خططه الخاصة بالتعريفات الجمركية.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الاقتصاد لافتة للبنك المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)

ناغل من «المركزي الأوروبي»: تفكك الاقتصاد العالمي يهدد بتحديات تضخمية جديدة

قال عضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، يواخيم ناغل، إن هناك تهديداً متزايداً بتفكك الاقتصاد العالمي، وهو ما قد يضع البنوك المركزية أمام تحديات تضخمية جديدة.

«الشرق الأوسط» (فرنكفورت)
الاقتصاد يقف المشاركون وموظفو الأمن خارج مكان انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في باكو (إ.ب.أ)

الدول في «كوب 29» لا تزال بعيدة عن هدفها بشأن التمويل المناخي

كانت عوامل التشتيت أكبر من الصفقات في الأسبوع الأول من محادثات المناخ التابعة للأمم المتحدة (كوب 29)، الأمر الذي ترك الكثير مما يتعين القيام به.

«الشرق الأوسط» (باكو)

السعودية تنضم لمبادرة الشراكة الدولية لتعزيز اقتصاد الهيدروجين وخلايا الوقود

مسؤولون بوزارة الطاقة السعودية بعد الإعلان عن الانضمام لمبادرة الشراكة الدولية لتعزيز اقتصاد الهيدروجين (وزارة الطاقة السعودية)
مسؤولون بوزارة الطاقة السعودية بعد الإعلان عن الانضمام لمبادرة الشراكة الدولية لتعزيز اقتصاد الهيدروجين (وزارة الطاقة السعودية)
TT

السعودية تنضم لمبادرة الشراكة الدولية لتعزيز اقتصاد الهيدروجين وخلايا الوقود

مسؤولون بوزارة الطاقة السعودية بعد الإعلان عن الانضمام لمبادرة الشراكة الدولية لتعزيز اقتصاد الهيدروجين (وزارة الطاقة السعودية)
مسؤولون بوزارة الطاقة السعودية بعد الإعلان عن الانضمام لمبادرة الشراكة الدولية لتعزيز اقتصاد الهيدروجين (وزارة الطاقة السعودية)

أعلنت وزارة الطاقة السعودية انضمام المملكة إلى مبادرة الشراكة الدولية لتعزيز اقتصاد الهيدروجين وخلايا الوقود، وذلك ضمن مساعي البلاد لدعم الجهود الدولية لتطوير هذا القطاع.

وبحسب بيان نشرته الوزارة، يُمثّل انضمام المملكة لهذه الشراكة خطوةً جديدة تؤكد الدور الريادي الذي تنهض به السعودية، ضمن الجهود الدولية الرامية إلى تعزيز الاستدامة، وابتكار حلول متقدمة في مجالات الطاقة النظيفة. كما يدعم طموح المملكة بأن تصبح أحد أهم منتجي ومصدّري الهيدروجين النظيف في العالم والوصول للحياد الصفري بحلول عام 2060، أو قبله، في إطار نهج الاقتصاد الدائري للكربون، وحسب توفر التقنيات اللازمة.

ويؤكّد انضمام المملكة إلى هذه الشراكة رؤيتها الراسخة حيال دور التعاون الدولي وأهميته لتحقيق مستقبل أكثر استدامة للطاقة، كما أنه يُسهم في تحقيق أهداف مبادرتي «السعودية الخضراء» و«الشرق الأوسط الأخضر»، اللتين تهدفان إلى تقليل الانبعاثات الكربونية، إضافة إلى دعم المساعي الدولية لتحفيز الطلب العالمي على الهيدروجين النظيف، والإسهام في وضع اللوائح والمعايير لتعزيز اقتصاد الهيدروجين النظيف، وفقاً للبيان.

كما تمثل الشراكة الدولية لتعزيز اقتصاد الهيدروجين وخلايا الوقود منصة رئيسة لتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء لتسريع تطوير ونشر تقنيات الهيدروجين وخلايا الوقود والإسهام في تحقيق تحول عالمي متوازنٍ وفاعلٍ نحو أنظمة طاقة نظيفة وأكثر كفاءة. وتعمل الشراكة على تبادل المعرفة بين الأعضاء، ودعم تطوير البحوث والتقنيات ذات الصلة بالإضافة إلى التوعية والتعليم حول أهمية الهيدروجين النظيف ودوره المحوري في تحقيق التنمية المستدامة.

وفي هذا الإطار، أوضحت الوزارة أن المملكة تحرص على أن تكون عضواً فاعلاً في العديد من المنظمات والمبادرات الدولية ذات العلاقة بإنتاج الوقود النظيف والوقود منخفض الانبعاثات، مثل: مبادرة «مهمة الابتكار»، والاجتماع الوزاري للطاقة النظيفة، ومنتدى الحياد الصفري للمنتجين، ومبادرة الميثان العالمية، ومبادرة «الحد من حرق الغاز المصاحب لإنتاج البترول بحلول عام 2030»، والتعهد العالمي بشأن الميثان، والمنتدى الريادي لفصل وتخزين الكربون، وغيرها من المبادرات.