الفائز بجائزة «هيئة المتاحف» السعودية يوثق قصص الحياة بـ200 ألف صورة

حلمي السقاف لـ «الشرق الأوسط»: صوري الـ7 الفائزة استلهمتها من ضجيج جدة البلد

من الصور التي توّجت حلمي السقاف بجائزة التصوير الفوتوغرافي وتُعرض حالياً بجدة
من الصور التي توّجت حلمي السقاف بجائزة التصوير الفوتوغرافي وتُعرض حالياً بجدة
TT

الفائز بجائزة «هيئة المتاحف» السعودية يوثق قصص الحياة بـ200 ألف صورة

من الصور التي توّجت حلمي السقاف بجائزة التصوير الفوتوغرافي وتُعرض حالياً بجدة
من الصور التي توّجت حلمي السقاف بجائزة التصوير الفوتوغرافي وتُعرض حالياً بجدة

كل قصة عابرة هي مشروع صورة... هذا ما يراه المصور السعودي حلمي السقاف، الذي توجته هيئة المتاحف بجائزتها للتصوير الفوتوغرافي في مسابقة مفتوحة، جمعت 41 فناناً وفنانة، ليتنزع الجائزة نظير 7 صور التقطها من عدة مواقع غرب السعودية، مع افتتاح معرض التصوير الفوتوغرافي «حان الوقت»، الذي يقام حالياً بمدينة جدة.
تحمل صور السقاف الفائزة العديد من القصص التي وثقها لتكون بمثابة العنوان لها، منها «لا يسعنا إلا أن نتخيّل من جاب شوارع البلد الداخلية في الأجيال الماضية، البلد، جدة، 2019». وأخرى تقول «النظر من أسفل البحر، رابغ، السعودية 2019». وثالثة بعنوان «نتعلم تخصيص الوقت لشخص ما، ثول، السعودية 2020». وأخرى بعنوان «ليالي رمضان في البلد بينما يمر شخص في صمت، جدة، 2019».
يحكي السقاف لـ«الشرق الأوسط» قصته مع التصوير، التي بدأت منذ ولادته لعائلة من الفنانين والموسيقيين والمصورين الفوتوغرافيين، حيث تعرّض للفن في سن مبكرة جداً، ليحصل على كاميرته الأولى (فيشر - برايس كوداك) من والديه وهو طفل في سن الرابعة من عمره، إلا أنه لم يبدأ العمل مصوراً احترافياً إلا عام 2004.
وفي 1999. بدأ السقاف رحلة توثيق شبه يومية لقصص الحياة التي تستوقفه، مؤكداً أنه تمكن من التقاط نحو 200 ألف صورة خلال أكثر من عشرين عاماً مضت، ما بين محطات حياته اللافتة وكذلك القصص التي يشاهدها بالشارع والتفاصيل التي تستوقفه ويرى فيها حكاية ترويها الصورة.
يقول: «أي شخص يستطيع أن يلتقط مليون صورة وربما أكثر، لكن قد لا تكون بجودة احترافية أو خالية من المضمون، وهي أمور اهتممت بها في تصويري التوثيقي». والسقاف الذي يمتلك كاميرتين إحداهما للعمل وأخرى لحياته الخاصة، يجد شغفه في تصوير المباني والتصاميم العمرانية، إلى جانبه عمله في التصوير التجاري المتعلق بأسلوب الحياة «لايف ستايل».
ولأن جدة البلد، أو جدة التاريخية، تستهويه كمصور، يصف ذلك بظرافة قائلاً: «الثلاثي الثابت لدي في منطقة البلد بجدة: البليلة والكبدة والصور، وبعض الأحيان أستغرق ساعة أو ساعتين لأجل التقاط صورة واحدة». ويشير السقاف إلى استمتاعه بالمدن المزدحمة لكونها تتيح له رؤية الناس وتأمل تفاصيل الحياة المحيطة بهم والتي تحركهم في اتجاه ما.
درس السقاف علوم الحاسب الآلي، وخلال دراسته عمل في وظيفة إضافية مساعد مصور، وكان يُطلب منه حينها تصوير منتجات معينة، ولم يكن عمره يتجاوز آنذاك حدود الـ23 عاماً، وبعد تخرجه في عام 2005. بحث عن وظيفة بتخصصه، إلا أنه ظل مطلوباً كمصوّر، ليتأكد أن هذا مجاله وشغفه، ويستثمر بشراء كاميرا احترافية ومعدات تصوير بنحو 10 آلاف دولار.
وتلتقط ممارسة السقاف الفنية الحياة اليومية في السعودية، لتأتي مستوحاة من بيئته المباشرة، حيث نرى في أعماله العين الثاقبة والتفاعل بين الإنسان والعمارة والشعور بالتكوين الهادئ، كسمات متكررة، ويلعب السقاف بعناصر المقياس والشكل ليؤكد على العلاقة الحميمة داخل السرد الحضري المنعزل.
إلى جانب ذلك، فإن حلمي السقاف هو مصور متخصص في التصوير الفوتوغرافي للهندسة المعمارية والصناعية لشركات عالمية مثل: إيكيا، ونيسان، وبيبسي، وسيكو، وسوني. وشركات محلية مثل: بنك إن سي بي، بادجيت، الاتصالات السعودية، جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، الهيئة السعودية للسياحة والآثار، بلدية جدة. إلى جانب عمله مع وكالات إعلان دولية، مثل: تي بي دبليو إيه، وميماك-أوغيلفي، وغيرها.
وجاء تتويج السقاف ضمن معرض التصوير الفوتوغرافي «حان الوقت»، الذي افتتحته هيئة المتاحف في معرض أثر بجدة، الأسبوع الماضي، وبتنظيم من المجلس الفني السعودي (ساك)، وهو الحدث الذي يقدّم رؤية سعودية عالمية للفن الفوتوغرافي المعاصر بهدف التعبير عن الواقع بمشاركة مجموعة متميزة من الفنانين البارزين محلياً ودولياً.
واستلهمت فكرة معرض «حان الوقت» من عنوان: «الصرخة الحاشدة» التي اختارتها زيلدا تشيتل، المقيّمة على المعرض رغبة منها في دراسة الطرق المختلفة للرؤية والوجود في هذا العالم، والنظر إلى التوازن المطلوب، ورفع درجة الوعي به، من أجل التعايش مع الطبيعة، حيث ينتقل المعرض بين المجال العاطفي والبيئي والروحي والعلمي؛ لإيجاد التوازن بين الإنسانية والطبيعة، وبين الفنانين.
ويدمج المعرض الفنانين السعوديين بنظرائهم من المصورين العالميين من مختلف دول العالم، إذ شارك من السعودية كل من فهد بن نايف، ومعاذ العوفي، ومنال الضويان، ومروة المقيط، ومحمد الفرج، في حين شارك من سوريا؛ أسامة سعيد، وسارة سعيد.
ومن المملكة المتحدة؛ يان وانغ بريستون، وآندي غولدزورثي، وسوزان درجس. ومن هولندا؛ فان دير مولن والجوهرة جيجي. ومن مصر لورا الطنطاوي، ولورنزو فيتوري من إيطاليا، ومن كندا؛ إدوارد بورتينسكي، ومونيكا ألكازار - دوارت.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».