أكثر ما يهم صناع مسلسل «جوقة عزيزة» المنتظر عرضه في رمضان، هي الرسالة. فالمقصود تأكيد الصلة العميقة بين الفن والحياة، باعتبار الفنون منارة معرفية، من دونها يصبح العالم قاتماً. تدخل «الشرق الأوسط» كواليس العمل، من خلال حديث مع كاتبه خلدون قتلان ونجمته نسرين طافش بدور «الفنانة عزيزة» المحاطة برجال المخابرات والأمن والمجتمع والفن، وأحد نجومه، اللبناني وسام حنا بدور الضابط الفرنسي المتوغل في ليالي السهر آنذاك، عشرينات القرن الماضي.
إنها قصة أشخاص يشكلون «جوقة عزيزة» الفنية، إلى شخصيات أخرى هم «ناس عاديون»، يسكنون في «شارع المرقص» الدمشقي ويتفاعلون مع أحداثه. فالفن والصخب قد يشكلان إزعاجاً للبعض، وهناك من يصطاد بالماء العكر ويرغب في إسكات النغمات. إثر المضايقات، يصبح لـ«عزيزة» مسرحها الخاص، وتبدأ بالانتشار والتأثير في الحياة الفنية السورية.
يستند المؤلف وكاتب السيناريو والحوار خلدون قتلان إلى بحوث تاريخية معمقة لاستعادة حقبة من تاريخ دمشق الزمن الجميل، شاهدة على النهضة الفنية. يبدأ حديثه بالتأكيد على أن «الفن هو رافع للذائقة، لا عيب فيه ولا حرام، وهذا ما نحاول تبنيه في المسلسل».
تجري القصة في شارع دمشقي يسمى «شارع البدوي»، أطلق عليه «شارع المرقص» في ذلك الزمن. يشرح الكاتب: «تاريخياً، وجدت في هذا الشارع مدرسة الرقص الشرقي الوحيدة في دمشق. نسجت حكاية افتراضية مفادها أن عزيزة كانت مديرة هذه المدرسة. القصة بأكملها متخيلة، تعرض فصلاً من تاريخ دمشق تدور أحداثه في مكان وزمان واضحي المعالم».
يعود إلى المراجع، ليقول: «تأثر أهل الفن في بلاد الشام بذلك العصر بحالة الفن المصري الحاضرة في المسلسل عبر تسمية أعلامها آنذاك، كـ«سلطانة الطرب» منيرة المهدية وعزيزة عيد. ورغم ظاهرة النجومية السائدة في مصر، حضنت سوريا مدارس فنية مؤثرة، كمدرسة حلب الكبيرة، لكنها كانت ضئيلة الانتشار. كذلك تأثر الفن المصري بالسوري، عبر لقاء محمد عبد الوهاب بمحمد الفقش الذي أعطاه الكثير من الموسيقى، في مرحلة تاريخية متأخرة عن المرحلة الزمنية المطروحة في العمل».
كل هذا الشرح التاريخي ليقول كاتب مسلسلات «زهرة النرجس»، و«البقعة السوداء»، و«بواب الريح»، و«قناديل العشاق» وغيرها، أن المسلسل يضع إصبعه على جرح نازف إلى اليوم، هو نظرة البعض للفنون على أنها مرفوضة وحرام. يتحدث عن «غربة الفن في بلاد الشام» ويقول إنها بدأت مع غربة رائد المسرح العربي «أبو خليل القباني» الذي يحضر في العمل بشخصية «المشخصاتي»، كحضور شخصية «سلامة الأغواني» المنفي أيضاً في العام 1929، بعدما أزعجت أغنياته الفرنسيين، كما أزعج الصوت الفني لـ«أبو خليل القباني» الوالي العثماني، فأصدر حكماً بنفيه.
«جوقة عزيزة» يرد الاعتبار للفن في بلاد الشام بعد تغريبه. يخيف كاتبه أن المعاناة لا تزال نفسها حتى اليوم، «وهنا تكمن الخطورة. الفن حالة تنويرية، وهذا ما يحاول بعض شخوص المسلسل تعميمه. هو محاكاة للناس عبر التمثيل والموسيقى والغناء، ففي «الجوقة» ثمة رقص واستعراض وأغنيات شعبية تتماشى مع السياق الدرامي، وأيضاً مسرحيات يعرضها المشخصاتي على الجمهور، مع ابنه الذي يؤدي أدواراً نسائية، كون العنصر النسائي كان خارج المشهد في تلك الأيام».
الإشراف العام لنايف وديالا الأحمر، والإنتاج لـ«غولدن لاين» التي خاضت تحضيرات ضخمة كبناء حارة شامية قديمة بكامل تفاصيلها، ويتولى المخرج تامر إسحق الانتباه إلى الدقة والجمال الدرامي على مستوى الصورة. يراه النجم اللبناني الوحيد المشارك في العمل، وسام حنا، «سباقاً يعلم خفايا الأمور، وصاحب بصمة كبيرة في الأعمال التاريخية والشامية». الموسيقى للموسيقار السوري إياد الريماوي، المستند إلى مراجع تاريخية كبرى وصولاً إلى جامعة هارفرد، لندرة المواد الموسيقية في العشرينات، فيما تصميم الأزياء للوسي موسان.
المسلسل مبني على كركتيرات: سلوم حداد بشخصية «حمدي حميها»، قائد «جوقة عزيزة»، مع ابنه عازف الكمان «عزت أزيرة» (وائل زيدان). يعدد قتلان الأدوار اللافتة، منها هبة دور بشخصية «منيرة فرفش معنا»، يزن خليل بشخصية «شكري الطشت» ولا يستثني أحداً...
توضح نسرين طافش لـ«الشرق الأوسط» أن المسلسل لا يضيء على حياة السهر فقط، بل على حقبة العشرينات وجوانبها السياسية والفنية والمعيشية والاقتصادية، متناولاً قصصاً إنسانية نبيلة وصراعات وحكايات حب.
نسألها هل «أخافتها» الشخصية وكيف تنظر إلى جرأتها وتأثيرها في كبار النافذين في البلد؟ تنظر إليها بشغف وتؤكد إعجابها بها: «عزيزة الراقصة والمغنية، أول امرأة تفتح مسرحاً لجميع أنواع الفنون باسمها. وهي أيضاً فاتنة عصرها وسلطانة الفن في زمنها، تمتلك سحراً خاصاً يؤثر في الجميع. من موهبتها، تصل إلى ما لم يستطع الآخرون الوصول إليه في حقبة تعتبر الفن منافياً للعادات. الجرأة هنا فكرية تتعلق بالمضمون والطرح، والدراما التي تدفن رأسها في الرمال تغرق في تكرار نفسها».
وظيفة الفن إثارة الجدل الفكري، تقول النجمة السورية. تساعدها توجيهات المخرج وعمق النص على تقديم الشخصية بشفافية وإحساس عال. لا تنظر إلى المنافسة الرمضانية بكونها «معركة» ولا تلهث لكسب الجولات: «أبحث عن التنوع في الشخصيات وعن أدوار أخلع بها جلدي. يعني لي تقديم العمل بمزاج عال ومحبة وزوايا جديدة. الناس يتنظرون ما لم يقدمه الممثل بعد، وإلا تشابهت الأدوار وحل الملل».
يؤدي وسام حنا شخصية «الضابط الفرنسي» المسؤول عن منطقة الشام. يتحدث لـ«الشرق الأوسط» عن تأثير جيش الانتداب في الجوانب الثقافية والفنية والعسكرية والاقتصادية، ودخول الضباط الفرنسيين عالم الفن والحياة الليلية لغايات قد تشمل التجسس. يقول: «الدور إضافة كبيرة لي، فهذه تجربتي الأولى على مستوى الدراما المحض سورية. دور يقربني من الناس في سوريا، خصوصاً أن كل مواصفات النجاح متوافرة؛ الإنتاج والإخراج والنص، وأكثر من مائة شخصية».
لمحته المنتجة ديالا الأحمر في الشخصية، فغمره فخر لتقدير شركة إنتاج سورية كبيرة موهبة من لبنان. تطلب الدور جهداً هائلاً، فصعوبته في اللهجة الجديدة على وسام حنا، وهي خليط بين الفرنسية والسورية واللهجة البيضاء. كلماته الأخيرة: «النجاح هو إثبات النفس بين الأسماء الكبيرة، وبتوفيق الله سأنجح».
«جوقة عزيزة» مع سلوم حداد ونسرين طافش يرفع الذائقة الفنية
«الشرق الأوسط» في كواليس المسلسل الرمضاني
«جوقة عزيزة» مع سلوم حداد ونسرين طافش يرفع الذائقة الفنية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة