رحيل سامي كلارك صاحب الأغنية العابرة للأجيال واللغات

... وانطفأ الصوت الذي يصرخ «هيّا طر يا غريندايزر»

سامي كلارك في البدايات
سامي كلارك في البدايات
TT

رحيل سامي كلارك صاحب الأغنية العابرة للأجيال واللغات

سامي كلارك في البدايات
سامي كلارك في البدايات

يصح تسمية سامي كلارك بأنّه مطرب كل الأجيال، وهو كذلك عابر للغات بأغنياته، التي تجاوزت حسبما يقول هو نفسه 800 أغنية. في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، عندما اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية وأخذ يشتد إوارها، كان نجم الفنان يحلّق عالياً، جاب المسارح، خارج لبنان وداخله أيضاً، متجاوزاً الحواجز والمخاطر، وحصد الحب والجوائز العالمية. في التسعينات، خفت ظهور كلارك قليلاً، وإن لم يتوقف عن إجراء المقابلات والغناء. عند وفاته أمس الأحد، بدا وكأن كلارك لم يمح أبداً من الذاكرة. ثمة أغنيات تصنع وجدان الشعوب. وأعمال سامي كلارك كانت من هذا النوع، الذي تكرره وتدندنه، حتى دون أن تعرف من يغنيه.
توفي سامي كلارك، صاحب الصوت الجهوري النقي، أمس عن 73 عاماً، في مستشفى «القديس جورجيوس» في بيروت، بعد مشكلات مزمنة في القلب، وخضوعه لعميلة القلب المفتوح عام 2019. لم تسعفه أكثر من سنوات قليلة. وبمجرد أن أُعلن عن وفاته، احتل في لبنان ترند رقم واحد على «تويتر»، رغم غيابه عن الشاشات في السنوات الأخيرة. رثاه فنانون، وموسيقيون وإعلاميون، ومحبون شباب، واستعاد هؤلاء فيديوهاته وأغنياته ويتذكرون أيام الزمن الجميل، حسب ما رددوا. مع أنّ كلارك اشتهر في أصعب أيام لبنان وأشدها حلكة.
ولد سامي كلارك عام 1948، في ضهور الشوير في لبنان، اسمه الأصل سامي حبيقة. درس في الكونسرفتوار، وتخصص في الفنون الجميلة والتمثيل. من ثمّ درس فن الغناء والاستعراض في النمسا. غنى في البدء باللغة الإنجليزية، وكان ذلك في الستينات، وجال خارج لبنان. غيّر اسمه تسهيلاً لتداوله باللغات الأجنبية. مع مطلع الثمانينات بدأ يغني العربية بالمحكية اللبنانية، وبفضل ألحان إلياس الرحباني، وعمله مع الكاتب والملحن جوزيف حنّا حلّق في المهرجانات العالمية. نال الجوائز الأولى في مهرجان في ألمانيا عام 1979. وفي النمسا عام 1980. وثلاثة جوائز أولى في بلغاريا عام 1981. ويقول كلارك إنّه كان يشعر أنّه يمثل العرب أجمعين بوجوده بين عشرات الدول في هذه المهرجانات، نادراً ما يتمثل العرب فيها.
هو كاتب وموسيقي وملحن، صاحب صوت أوبرالي يصدح دون كبير جهد، وأغنيته شغلت بحرفية وسعت دائماً إلى البساطة والوصول لقلوب الناس. تمرس في الغناء الأجنبي، وحين أراد الانتقال إلى العربية تدرّب ليكسب حنجرته شرقيتها، فتتلمذ على يد الكبير زكي ناصيف، ومايك حرو.
شارك ضيف شرف في أربعة أفلام سينمائية أدى في كل منها، عدداً من الأغنيات، بعضها تحولت إلى علامة فارقة في رحلته الفنية، وهي فيلم «لعبة النساء» مع هويدا ومادلين طبر سنة 1982، وفيه غنّى أغنيته الشهيرة، البهيجة «قومي نترقص يا صبية»، وفيلم «الممر الأخير»، و«حسناء وعمالقة»، و«آخر الصيف»، الذي أدى فيه أغنية أخرى بارزة له هي «موري، موري» من ألحان إلياس الرحباني.
وإذا كانت أغنياته مثل «قلتيلي ووعدتيني» و«آه، آه، آه، على هالأيام، آه آه ما عاد فينا ننام»، و«لمن تغني الطيور» قد خلبت الكبار، فإنّ الشارات التي غناها للمسلسلات الكرتونية، وكان يعتقد، هو نفسه، أنّها ستمر عابرة، أصبحت من بين الأكثر شهرة على الإطلاق. فهو معروف بصوته القوي الذي يبدأ به المسلسل الكرتوني بنسخته العربية «غريندايزر». ويردد الكبار والصغار في العالم العربي، هذه الشارة، كما النشيد مع سامي كلارك «عليّ، علي بطل فيلد. هيا طر يا غريندايزر. عدّوك فاحذر، سلّح نفسك، ناضل في الدفاع». كما اشتهر بشارة مسلسل كرتوني آخر هو «جزيرة الكنز». ولذلك علق الإعلامي نيشان بمجرد الإعلان عن وفاة كلارك بالقول: «الرُسوم مُتحرِكَة وَصَوْتُكَ عابِرٌ للأجيال. وداعاً سامي كلارك».
غنى كلارك بلغات منها، اليونانية والألمانية، والروسية، والإيطالية إضافة إلى العربية والإنجليزية. وفي سجله جوائز كثيرة من مهرجانات موسيقية عالمية في بلدان عدة بينها ألمانيا وفرنسا واليونان والنمسا.
نعى وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى الفنان الأوبرالي سامي كلارك، وقال في بيان النعي: «لا يزال الموت يطوي من الزمن الجميل قامة بعد قامة. ولا يزال الفن اللبناني ينزف غياباً إثر غياب».
وجاء في نعي الوزير «سامي كلارك صاحب الصوت الأوبرالي الذي حجزت حنجرته للبنان حيزاً واسعاً في مجال الأغنية الأجنبية ومنها (تيك مي ويث يو) وفي مجال الرسوم المتحركة «غريندايزر» وصوته فيها لا ينمحي من ذاكرة العرب. ترجل اليوم عن صهوة صوته وألحانه وحضوره الأنيق، ليستوطن تراث هذا البلد وذاكرة أجياله، وليبقى كالياسمين، إذا ذبل زهره بقي عطره».
وكتبت إليسا كلمة وجدانية في فراقه قائلة: «الله يرحمك سامي كلارك، طفولتنا وشبابنا كانوا على صوتك وفنك ونجاحاتك». وكذلك فعلت نانسي عجرم: «وداعاً سامي كلارك وشكراً على أجمل الأعمال والذكريات». أما كارول سماحة فكتبت «الله يرحم الفنان اللبناني سامي كلارك اللي رسم بأغاني الحلوة مرحلة طفولتنا البريئة ببلدنا لبنان».
بقي سامي كلارك يظهر على الساحة الفنية من خلال حفلات أحياها ضمن فرقة ثلاثية هي «العصر الذهبي» جمعته مع الفنانين عبده منذر والأمير الصغير. وظل الصوت الذي لا يستغنى عنه ولا يستبدل في «غريندايزر»، وكان قد عمل على نسخة جديدة في الشارة، أطول من السابقة لتبدو أكثر وهجاً مع الملحن الإماراتي إيهاب درويش.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».