«طائرة الصحراء» تحط في العلا محملة بالكائنات الأسطورية

سلطان بن فهد لـ «الشرق الأوسط» : ألهمتني المصائد التي رُصدت في عدة مواقع سعودية

«طائرة الصحراء 2022»  كما تبدو من الأعلى
«طائرة الصحراء 2022» كما تبدو من الأعلى
TT

«طائرة الصحراء» تحط في العلا محملة بالكائنات الأسطورية

«طائرة الصحراء 2022»  كما تبدو من الأعلى
«طائرة الصحراء 2022» كما تبدو من الأعلى

لطالما كانت المخلوقات الأسطورية موضوعاً شائعاً في الفن والأدب، ربما لأنها تثير رغبة الاكتشاف والتخيّل، وهذا ما شد الفنان السعودي سلطان بن فهد، ليشكل عمله الفني المُبهر الذي أسماه «طائرة الصحراء 2022»، تيمناً بفكرة المصائد الصحراوية، المسماة بالإنجليزية Desert Kites لتترجم إلى «الطائرات الورقية الصحراوية»؛ حيث ألهمه الاسم الإنجليزي تعبيراً عن المنشآت الصخرية التي لا تتضح معالمها إلا بالارتفاع جواً، وهو ما دفعه لاختيار هذا الاسم اللافت لعمله الذي يُعرض حالياً ضمن أعمال معرض «ديزرت إكس العلا 2022».
ويبدو ربط الطائرة بهذا العمل عجيباً، رغم استناد سلطان بن فهد للمسمى الإنجليزي؛ حيث يقف المتلقي أمام عمل لا يطير ولا يحاكي الشكل التقليدي للطائرات ذات الأجنحة، وهنا يشير الفنان لتسمية الجَمل بـ«سفينة الصحراء» على الرغم من كونه يسير في الصحراء وليس البحر، في مفارقة يراها تثير الأسئلة والدهشة، وتدعو للتفكير فيما وراء العمل ذاته.
يوضح سلطان بن فهد لـ«الشرق الأوسط» أن طائرة الصحراء يتجاوز طولها 40 متراً ولا تتضح معالمها عند الوقوف أمامها مباشرة، بل يتطلب الأمر ارتفاعاً، لرؤيتها بوضوح من الأعلى. مبيناً أن فكرة العمل تقوم على استحضار ذكرى المصائد الأثرية التي رُصدت في عدة مواقع في السعودية، وتم اكتشافها بالطائرات قبل عدة عقود، لأن أحجامها كبيرة ويبلغ طول بعضها مئات الأمتار، ما يتطلب رؤيتها بالطيران على مسافة مرتفعة.
ويشير إلى أن المؤرخين رجحوا أن تكون هذه الآثار هي مصائد لحيوانات، وبعضها تبدو أشبه بالمدافن، إلا أن فكرة المصائد استهوته وجعلته يفكر بكيفية عملها. ويضيف: «عندما وصلتني دعوة المشاركة في (ديزرت إكس العلا)، الذي يأتي هذا العام بعنوان (سراب)، فكرت بعمل يتماشى مع طبيعة العلا وجمالها، مع إيماني بأنه من غير الممكن أن يضاهي أي عمل فني جمال خلق الله في العلا».
واستلهم الفنان تفاصيل عمله من مشاهدته لأربعة حيوانات وكائنات أسطورية توضع فوق مقابر العلا التاريخية لحماية أصحابها في مرحلة ما بعد الممات، كما كان يؤمن بذلك الأنباط والعرب القدامى الذين استوطنوا العلا، وهذه الكائنات هي؛ النسر، الأسد، الميدوسا (وجه امرأة ذات ثعابين في شعرها)، وسنفكس (تمثال لأسد بوجه إنسان، مثل أبو الهول).
ويحاكي سلطان بن فهد هذه الكائنات في وسط العمل، بشكل لافت، على اعتبار أنه تم صيدها في الأساطير التي استحضرتها العُلا، من خلال جزء، لونه أخضر لافت، للإيحاء بوجود الماء والطعام الذي يغري هذه الكائنات للدخول في المصيدة التي تقع في آخر الوادي، وتثير فضول مرتاديها لاكتشاف تفاصيلها.
ويحاول الفنان خلال عمله أن يخلق تجربة فريدة من نوعها للمتلقي، فبمجرد وُلوجه داخل العمل يشعر بالانعزال عن العالم من حوله، وعندما يصل إلى النهاية يجد منطقة للجلوس، أشبه بمنطقة تأمل، في مكان يقارب شكل الوعاء، صممه ليحاكي مظهر المواد الطبيعية، وداخله الحيوانات والكائنات الأسطورية المُتخيّلة في منطقة الحِجر بالعلا، وفق الأساطير القديمة.
ويردف: «حاولت أن أجعل المتلقي ينفصل بصرياً حال دخوله، ليشعر أنه في مكان معزول تماماً عن الصحراء والعالم الخارجي، وكذلك من يصل إلى الداخل يلاحظ أن الصوت يبدو مُكبراً وكأنه يضع السماعات على أذنيه أو ربما فقد الصوت من حوله، ليجلس بهدوء تام، يدفع البعض لاعتبارها رحلة تأمل».
وإلى جانب طائرة الصحراء، فإن معرض «ديزرت إكس العلا 2022» العالمي، الذي انطلق الأسبوع الماضي في العلا بنسخته الثانية، يضم كثيراً من الأعمال المدهشة، وهو يأتي على غرار المعرض المقام في وادي «كوتشيلا» بكاليفورنيا، ما يتيح فرصة عميقة لتحاور الفن مع الصحاري الخلابة في العُلا، واستنطاق المكان بالفنون المحاكية للطبيعة.
وتضم قائمة الفنانين المشاركين في المعرض 5 فنانين من السعودية. هم؛ شادية عالم، ودانة عورتاني، وسلطان بن فهد، وعبد الله العثمان، وأيمن زيداني. إلى جانب 10 فنانين عرب وعالميين؛ سيرج أتوكووي كلوتي، وكلاوديا كومتي، وشيزاد داود، وجيم دينيفن، وستيفاني دومر، وزينب الهاشمي، وأليشيا كوادي، وشيخة المزروع، وخليل رباح، ومونيكا سوسنوسكا.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».