رويدا رفه... من «التعلم الذاتي» إلى مشاركة الحناجر العالمية

العازفة السعودية صاحبت البيانو في عمر 8 سنوات... وعزفت على مسارح «إكسبو دبي» و«المرايا»

TT

رويدا رفه... من «التعلم الذاتي» إلى مشاركة الحناجر العالمية

بعمر 8 سنوات، أدركت عازفة البيانو السعودية رويدا رفه، باكراً، أسس العزف الموسيقي، لتبدأ رحلة التعلم الذاتي بشغف عالٍ، وحين لم تكن توجد معاهد موسيقية في السعودية ولم يكن من «يوتيوب» أو تطبيقات تمهد طرق التعلم الذاتي، كما اليوم. لكنها استطاعت بعد جهد سنوات مشاركة الحناجر العالمية، ووقفت على أهم المسارح.
الطفلة التي كانت تستوقفها كلاسيكيات الموسيقى وأزرار البيانو، شاركت يوم الجمعة الماضي، مع النجمة العالمية إليشيا كيز، على «مسرح المرايا»، الذي يعد تحفة معمارية عالمية في العلا (شمال غربي السعودية)، وبعد الحفل مباشرة تحدثت عن تجربتها بالقول إن «مشاركة المسرح مع فنانة عالمية هي إضافة كبيرة، خصوصاً أن ذلك يحدث في بلادي، تحديداً في العلا التي هي عروس الجبال والمكان الرائع بكل المقاييس».
وتشير رويدا لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنها بذلت الكثير من الجهد للوصول إلى هذه الفرصة، حين عزفت للمرة الأولى في سن مبكرة، قبل نحو 20 عاماً. وتضيف: «تعلمت العزف من الكتب التي كنت أشتريها عند السفر، فلم تكن هناك مصادر للتعلم ذاك الحين. أما الآن فالفرص كبيرة ومتاحة، ومن الضروري أن يكون الإنسان مستعداً لاقتناصها».
تشكل رويدا مع أخيها غسان رفه، ثنائياً متناغماً على المسرح، فهي تعزف البيانو وهو يعزف الكمان. وقد حيتهما النجمة العالمية سوياً، مع دخولها إلى المسرح، تعبيراً عن إعجابها بهذا الثنائي السعودي الشاب القادم من جدة ليجد فرصته الكبيرة في العلا، وهنا تقول: «أنا وأخي نشأنا في عائلة تحب الموسيقى وتقدر الفن، وهناك تناغم جميل ما بين آلتي البيانو والكمان».
عزفت رويدا أشهر مقطوعات بيتهوفن، بما فيها مقطوعته الخالدة «لأجل ليزا»، قائلة «أحب الموسيقى الكلاسيكية، وأعتبرها مدرسة وفناً عميقين». وتؤكد أن اهتمامها بالكلاسيكيات يشمل كل جوانب حياتها، وهو ما يمتد إلى مظهرها والفساتين التي تلبسها على خشبة المسرح، في مظهر يقارب أميرات ديزني.
وفي شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، عزفت رويدا برفقة أخيها عازف الكمان على مسرح ساحة الوصل في دبي، ضمن احتفالات اليوم السعودي لإكسبو 2020 دبي، معبرة عن اعتزازها بهذه المشاركة وحضور الوفود الرسمية إلى الحفل الكبير الذي تضمن خطابات وعروضاً جسدت ثقافة المملكة وموروثها الغني.
وتحاول العازفة الشابة رويدا رفه، اقتناص الوقت لإكمال طريقها الموسيقي الواعد، إلى جانب عملها في إدارة الموارد البشرية بكل ما يتضمنه من مهام واجتماعات متواصلة، إلا أنها تبقى حريصة على الحفاظ على شغفها الموسيقي المتقد، قائلة: «طالما الإنسان لديه طموح والتزام، سيصل لوجهته».
وتؤمن رويدا بأن الطريق اليوم بات ممهداً للجيل السعودي الجديد لتعلم الموسيقى واحترافها، مع الاهتمام الحكومي بضرورة التعليم الموسيقي، وإدراجه في التعليم العام، وتصميم المناهج في التربية الموسيقية، وتأهيل الكوادر فيها، مع حزمة من المبادرات لتطوير التربية الموسيقية في مدارس رياض الأطفال ومراحل التعليم العام في المملكة.
كان محمد الملحم، الرئيس التنفيذي لهيئة الموسيقى السعودية، قد عقد قبل شهرين لقاءً تحت عنوان «التعليم الموسيقي»، أوضح خلاله أن الهيئة ستكون النواة لدعم المعاهد ومراكز التدريب للإسهام في تطوير تعليم الأطفال، والهواة والمحترفين، إضافة إلى تعزيز مهام إدارة الأعمال من خلال دورات مكثفة تتيح لممارسيها مساعدة الفنانين بالارتقاء بما يقدمونه بشكل احترافي بعيداً عن الاجتهاد الذي قد يتسبب بعدم الوصول للهدف المنشود.
ويركز النهج التشغيلي لاستراتيجية هيئة الموسيقى بالدرجة الأولى على الإسهام في تحقيق رؤية المملكة 2030. ومن خلالها خرجت الهيئة بخمس ركائز، من ضمنها التعليم، الذي يبدأ من التعليم العام بمراحله المختلفة، بالتعاون مع الجامعات لتخريج مدربين متخصصين للدخول في التعليم العام مستقبلاً، بالتعاون مع وزارة التعليم لإدخال الموسيقى ضمن المنهج الدراسي، ورفع الذائقة الموسيقية لدى الجيل الجديد.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».