على مر التاريخ ألهمت السُّحب الشعراء والفنانين والموسيقيين والمصورين، كما كانت مصدر إلهام علمي وتأمل فكري. وقد عني العرب منذ القدم بالغيوم، وكان توقف الشعراء عند هذه الظاهرة الطبيعية تجسيداً للصراع بين البقاء والفناء، وتوقاً إلى إنهاء الجدب، وإرواء الأرض، وإحياء المكان.
اليوم يدرك المجتمع العلمي الدور الحيوي الذي تؤديه السُّحب في تنظيم توازن الطاقة والمناخ والطقس في الأرض. وتؤكد المنظمة العالمية للأرصاد الجوية ضرورة فهم السُّحب للتنبؤ بأحوال الطقس، ونمذجة آثار تغير المناخ في المستقبل، والتنبؤ بتوافر موارد المياه.
وكان التنبؤ الأفضل بالظروف المناخية والكوارث الطبيعية من أجل التخفيف من آثارها والاستعداد لها، من الاهتمامات الرئيسية لعلماء «كاوست». ففي عام 2007 طوّر فريق بحثي من الجامعة أداة حسابية لتنفيذ الأساليب غير البارامترية تؤدي إلى تحسين التنبؤ بالظروف المناخية والظواهر الطبيعية الشديدة.كما نجح أخيراً علماء «كاوست»، ضمن فريق بحثي دولي، في تطوير نموذج لمحاكاة السُّحب، يتضمن نشأة السُّحب وتطورها استناداً إلى العمليات الفيزيائية في الغلاف الجوي، متفوقاً في دقته على النماذج الأخرى.
يقول تورستن هيدريش، وهو طالب دكتوراه في «كاوست» وأحد المشاركين في الفريق الدولي: «يُسلط نموذجنا الضوء على أحوال الغلاف الجوي والعمليات الديناميكية الحرارية، إضافة إلى ديناميكيا الموائع التي تحكم حركة الهواء في الغلاف الجوي. وهذا يُتيح لنا إمكانية محاكاة الظواهر السحابية بقدرٍ أكبر من الواقعية مقارنة بالوسائل السابقة».
والديناميكية الحرارية تُعنَى بخواص انتقال الشكل الحراري للطاقة وتحولاته إلى أشكال أخرى، مثل تحول الطاقة الحرارية إلى طاقة ميكانيكية، كما أن ديناميكيا الموائع تتعامل مع سيلان السوائل والغازات وتدفقها.
ويمكن لنموذج الفريق الدولي الاستعانة بالمعلومات المتوافرة عن خصائص الغلاف الجوي في وقتٍ معين - من ناحية الحرارة والرطوبة والرياح - واستخدامها في محاكاة عملية تكوُّن السُّحب، وهو ما يتيح إمكانية التنبؤ بالظواهر السحابية الوشيكة.
يقول هيدريش: «يستطيع نموذجنا، مثلاً، محاكاة عملية تكوُّن السُّحب الركامية من خلال دراسة التدرجات الحرارية المختلفة في الغلاف الجوي. فهذه التدرجات تؤدي إلى حدوث انقلاباتٍ حرارية على ارتفاعات معينة، وهي السبب في تكون القمة المُسطحة التي تمتاز بها السُّحب الركامية. يمكننا أيضاً تصميم نماذج محاكاة للعواصف الرعدية الخارقة، وهو أمرٌ لم يسبق التطرق إليه».
يُذكر أن السُّحب الركامية هي نوع من أنواع السُّحب الطويلة والكثيفة، قاعها غامق اللون، وأحياناً تسبب الأمطار الرعدية والعواصف الشديدة، نتيجة عدم استقرار في الغلاف الجوي.وفي سبيل إعداد هذا النموذج، تعين على الفريق استجلاء عددٍ من العمليات الفيزيائية، مثل التكثف والتبخر، والتفاعلات التي تحدث بين الكميات الفيزيائية، كالحرارة والرطوبة في إطار عملية المحاكاة.
كان التحدي الرئيسي الذي واجهه الفريق، بحسب هيدريش، هو تحديد العوامل التي تُسهِم في تكوّن أنواعٍ معينة من السُّحب. ويضيف: «استطعنا تحديد العوامل الفيزيائية في نموذج المحاكاة بطريقة أتاحت لنا تشكيل تكوينات سحابية محددة دون توافر معلومات محددة».
صمم هذا النموذج تورستن هيدريش والدكتور دومينيك ميشيلز من «كاوست»، بالتعاون مع باحثين من جامعة آدم ميتسكيفيتش في بولندا، وجامعة نيومكسيكو في الولايات المتحدة، وشركة «غوغل» للذكاء الصناعي Google AI.
نموذج أدق لمحاكاة السُّحب والتنبؤ بظواهرها الوشيكة
طوّره فريق دولي يضم باحثين من «كاوست»
نموذج أدق لمحاكاة السُّحب والتنبؤ بظواهرها الوشيكة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة