مع دخول المفاوضات النووية مع إيران لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015 شوطها الأخير، يبدو أن دور السفير الروسي ميخائيل أوليانوف يتزايد ويتحول إلى دور محوري. فالسفير الذي أخذ على عاتقه منذ بداية المفاوضات دور «المتحدث غير الرسمي» باسم المفاوضين من خلال تغريداته المنتظمة والوحيدة حول سير المحادثات، يبدو أنه يلعب الآن دور «الوسيط غير الرسمي» بين الأطراف الغربية والطرف الإيراني.
ورغم أن أوليانوف لا يحب تلقيبه بـ«الوسيط»، ويشدد على أن الاتحاد الأوروبي بممثله إنريكي مورا هو الوسيط الرسمي، فإن دوره لم يعد خافيا. وهو اعترف بوساطته هذه بُعيد انطلاق الجولة السابعة التي شهدت عودة وفد إيراني جديد بمواقف أكثر تشددا، بعد 5 أشهر من توقف المفاوضات. وبفضل «تدخل» أوليانوف وإقناعه الطرف الإيراني بتليين مواقفه، استمرت المحادثات.
والآن ومع وصول المفاوضات إلى نقطة «حساسة»، تكثف هذا الدور الروسي خاصة في اليومين الماضيين، وبشكل عام منذ استئناف الجولة الثامنة للمفاوضات يوم الثلاثاء الماضي بعد توقف لأكثر من 10 أيام عادت فيها الوفود إلى العواصم للتشاور، و«اتخاذ قرارات سياسية». فأوليانوف يمضي اليومين الماضيين بعقد اجتماعات ثنائية مع الإيرانيين ثم مع الأميركيين ثم الأوروبيين. ولا يبدو أنه «ناقل» رسائل فقط، بل أيضا استنادا إلى ما كان اعترف بالدور الذي لعبه سابقا بتليين موقف الإيرانيين، فهو من دون شك يحاول إيجاد حلول وسط.
ويبدو أن هذا تحديدا ما يقوم به بجولاته المكوكية وجلساته الطويلة مع كل طرف في اليومين الماضيين. فمنذ استئناف المفاوضات يوم الثلاثاء الماضي، يبدو أن الأطراف الغربية قدمت ورقة رسمية لإيران باقتراحات تتضمن حل آخر الخلافات العالقة، والتي تمنع اختتام المحادثات وتتويجها باتفاق. وفيما عادت الأطراف الغربية باقتراحات جديدة، لم يكشف الطرف الإيراني عن أفكاره هذه التي من المفترض أنه ناقشها في طهران، إلا قبل يومين عندما قدم حزمة مقترحات جديدة، يبدو أنها جاءت رداً على الحزمة الغربية.
ولم تصدر إشارات بعد من الأوروبيين أو الأميركيين حول موقفهم من الحزمة الإيرانية المقدمة، ولكن من الواضح أن الرد الإيراني يشير إلى عدم رضا على الحزمة الغربية. وقد علق مستشار الوفد الإيراني محمد مرندي والذي يرافق الوفد إلى فيينا، في تصريحات أدلى بها لوسائل إعلام مقربة من النظام الإيراني، بالقول إن «حزمة الرسائل التي سلمتها الدول الغربية ليست كافية»، ولكنه اعترف في الوقت نفسه أنها «خطوة إلى الأمام»، مع أنها «تترك العديد من الأسئلة من دون إجابات».
ويشير تعليق الطرف الإيراني على أن مسألة الضمانات التي يطالب بها ما زالت تشكل عائقا أمام تحقيق اختراق في المحادثات. وهذه الضمانات يريدها الإيرانيون للتأكد من أن أي إدارة مستقبلية لن تتخلى من جديدة عن الاتفاق. ويستحيل على الولايات المتحدة تقديم تعهد مماثل، وهو ما يكرره الغربيون. وقال مسؤول رفيع في الخارجية الأميركية قبل إعادة استئناف الجولة، إن هذه الضمانات يستحيل قانونيا تقديمها، لأنه لا يمكن لأي إدارة أن تجبر الإدارة التي تخلفها على الالتزام باتفاقية معينة. ولكنه أضاف أن الضمانات التي يمكن للطرف الأميركي تقديمها هي أن إدارة بايدن ستبقى ملتزمة كليا بالاتفاق، ما دام أن إيران ملتزمة به من طرفها.
وكان مصدر أوروبي قال لـ«الشرق الأوسط» قبل استئناف هذه الجولة، إن مسألة الضمانات ما زالت من القضايا الأساسية العالقة، وإنها ستبقى على الطاولة حتى النهاية، وإنه رغم أنه لا يوجد حل لها بعد، فإن المفاوضين يحاولون العمل على إيجاد صيغة ما تكون مقبولة من الطرف الإيراني، وإن «أفكارا» طرحت في هذا الخصوص. ولكن هذه «الأفكار» على ما يبدو من الرد الإيراني قبل يومين، ليست كافية.
ولكن تمهل الأطراف الغربية بالرد، يعني أن «الوسيط غير الرسمي» أوليانوف نجح على الأقل حتى الآن بإقناع الغربيين والإيرانيين بأن هناك طريقا وسطا يمكن سلوكه للإكمال في المفاوضات واختتامها سريعا.
ومن المفارقة، أن تزايد «اعتماد» أطراف التفاوض في فيينا على المبعوث الروسي، جاءت في وقت تتزايد فيه التوترات الغربية الروسية على خلفية الأزمة الأوكرانية. وحتى الآن، ما زال المفاوضون قادرين على تخطي هذه التوترات التي باتت تلقي بظلالها على المحادثات في فيينا، وتزيد أكثر بعد الشعور بالتعجل والإلحاح في إنهاء المفاوضات، كما علق أحد الدبلوماسيين قبل يومين.
ولكن الطرف الإيراني بحسب ما نقلت وكالة «إرنا» الرسمية عن مصادر مقربة من الوفد المفاوض، يقول إن «أي تطورات خارج المحادثات الجارية في فيينا، ليس لها أي تأثير على أجندة المفاوضات». أما أوليانوف الناشط على تويتر ليس فقط في تحديثاته المنتظمة عن سير المفاوضات، بل أيضا في انتقاداته اللاذعة للغربيين وتعاملهم مع الأزمة الأوكرانية، يقول إن المسألتين منفصلتان، وإن التركيز في فيينا على الملف الإيراني.
وحتى إنريكي مورا الغائب تقريبا عن تويتر، دخل في الحرب الكلامية الروسية الغربية، وكتب بعد يوم من استئناف المفاوضات في فيينا، معلقا حول إرسال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف رسالة إلى كل من دول الاتحاد الأوروبي الـ27 ليتابع بالقول إنه تلقى ردا واحدا جاءه من المفوض الأوروبي للشؤون الخارجية جوزيف بوريل. وتابع مورا يقول: «هذا مثال يظهر وحدة الاتحاد الأوروبي، ويذكر روسيا أنها عندما تتجاهل الاتحاد الأوروبي وتدعي أنه لا علاقة له تكون ساعية في إضعافنا».
وفيما لم تغب المناوشات الغربية الروسية عن أجواء فيينا والمفاوضات النووية مع إيران، فهي ما زالت لم تؤثر عليها بشكل مباشر، وما زال أوليانوف يلعب دورا «إيجابيا»، على الأقل حتى الآن.
روسيا تنشّط دبلوماسيتها في مراحل «حاسمة» من «مفاوضات فيينا»
الغربيون يدرسون حزمة مقترحات إيرانية
روسيا تنشّط دبلوماسيتها في مراحل «حاسمة» من «مفاوضات فيينا»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة