السودانيون يحتفلون بعيد الحب في «مليونية احتجاجية»

مواكب تمهيدية ودعائية في معظم المدن

TT

السودانيون يحتفلون بعيد الحب في «مليونية احتجاجية»

خرجت مواكب تمهيدية في السودان، أمس، تحضيراً لموكب اليوم (الاثنين) الذي يصادف يوم «عيد الحب» العالمي، وأعدت لجان المقاومة الشعبية التي تقود حراك الشارع، ترتيبات خاصة للموكب الاحتجاجي المعلن عنه منذ فترة لتجعل منه يوماً استثنائياً في «مليونية احتجاجية»، تتشارك فيه الاحتجاجات المطالبة بالسلطة المدنية، وأيضاً احتفاءً بالمحبين لبعضهم البعض أثناء المواجهات التي تقع مع الأجهزة الأمنية والتي راح ضحيتها العشرات ومئات المصابين، وذلك في شكل جديد من أشكال المواجهة مع السلطة العسكرية. وينتظر بتزامن أعياد الحب مع مواكب الاحتجاج، أن تشهد البلاد أشكالاً جديدة من الاحتجاج، يرتدي خلالها المحتجون «اللون الأحمر»، وأن يتبادلوا خلالها الهدايا متجاهلين عنف الأجهزة الأمنية ضدهم.
وقالت لجان المقاومة في بيان إن المواكب الدعائية للموكب المقرر اليوم، تتضمن مخاطبات توعوية في الميادين داخل الأحياء، وحملة توزيع قصاصات ورق للإعلان عن الموكب والدعوة له، ووقفات احتجاجية مناهضة للاعتقالات التعسفية، في الأحياء بمدن أم درمان، والخرطوم، والخرطوم بحري، وغيرها من مدن البلاد المختلفة.
وربط المحتجون بين الموكب الاحتجاجي الذي يصادف «عيد الحب» (فالنتاين داي)، وقالوا إن موكبهم اليوم يفترض أن يكون «موكب سقوط الانقلاب»، في إشارة لتولي الجيش السلطة في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ليهدوا لأحبائهم «أحلى هدية»، وهي استعادة الحرية والعدالة والسلام الذي ضاع بعد 25 أكتوبر الماضي.
وحث بعضهم في تغريدات على صفحاتهم بمواقع التواصل الاجتماعي خطيباتهم للتلاقي في المواكب، وقالوا: «نتلاقى في الثورة نحمل الدبدوب الأحمر»، توقعوا أن يكون أحد أفضل الاحتجاجات لتزامنه مع عيد الحب.
وقابل السوادنيون الانقلاب العسكري بمواكب احتجاجية انطلقت منذ يومه الأول ولم تتوقف حتى الآن، وفقاً لجداول احتجاج معلنة مسبقاً، تجاوز عددها أكثر من عشرين موكباً، أفلحت في الوصول للقصر الرئاسي أكثر من مرة. وبرغم العنف المفرط الذي استخدمته الأجهزة العسكرية ضدها، وأدى لمقتل أكثر من 79 محتجاً، وإصابة أكثر من ألفين، معظمهم بالرصاص الحي وعبوات الغاز المسيل للدموع التي توجه مباشرة ومن أماكن قريبة لصدور المحتجين السلميين.
ويطالب المحتجون بعودة الجيش لثكناته، وتكوين حكومة كفاءات مستقلة، وإكمال هياكل الانتقال، ومحاسبة العسكريين الضالعين في قتل المحتجين، والإعداد لانتخابات حرة نزيهة. وينتظر أن يخرج اليوم مئات الآلاف من المحتجين، وهم يحملون نفس الرايات، ويرددون نفس الهتافات، ليتجهوا نحو القصر الرئاسي مجدداً، برغم التوقعات بتزايد وتيرة العنف.
ويأتي موكب اليوم بعد ساعات من تصريحات قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، باستعداده للتخلي عن السلطة حال الوصول للتوافق بين القوى السياسية، وفتح حوار مع لجان المقاومة، واعتبار الشباب هم صناع الثورة ووقودها، وإعلانه فتح تحقيق في عمليات القتل التي حدثت أثناء المواجهات، ونفيه المطلق لإصداره تعليمات بقتل المحتجين، واستعداده لتحمل المسؤولية حال ثبوت إصداره لتلك التعليمات.
ومنذ انطلاقة ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018 شاركت النساء والفتيات بكثافة في الثورة، ما جعل المهتمين بمتابعة أخبار وتطور الثورة السودانية، يصفونها بأنها «ثورة النساء»، وكان الشباب من الجنسين إبان الاعتصام الشهير الذي أدى لإسقاط نظام الرئيس المعزول عمر البشير يهتفون لبعضهم مازحين ومخاطبين رأس النظام المعزول: «ستسقط ونعرس كنداكة»، والكنداكة مصطلح مأخوذ من ملكات النوبة السودانيات، ويطلق على الثائرات. ولم تخفت مزح العلاقات و«الممازحات» بين الثوار والثائرات طوال أيام الثورة، ويتوقع أن تكون مواكب اليوم استمراراً لتلك الممازحات.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.