هل يمهّد تقبل موقف روسيا في أوكرانيا لرفع شروط تطال الاتحاد الأوروبي نفسه؟

الأوروبيون قد يعوّضون ضعفهم العسكري في وجه بوتين بحاجة الصين إلى قوتهم الاقتصادية

جنود أميركيون من اللواء 82 المجوقل لدى وصولهم إلى جنوب بولندا يوم الخميس (إ.ب.أ)
جنود أميركيون من اللواء 82 المجوقل لدى وصولهم إلى جنوب بولندا يوم الخميس (إ.ب.أ)
TT

هل يمهّد تقبل موقف روسيا في أوكرانيا لرفع شروط تطال الاتحاد الأوروبي نفسه؟

جنود أميركيون من اللواء 82 المجوقل لدى وصولهم إلى جنوب بولندا يوم الخميس (إ.ب.أ)
جنود أميركيون من اللواء 82 المجوقل لدى وصولهم إلى جنوب بولندا يوم الخميس (إ.ب.أ)

عندما التقى «رجل روسيا القوي» الرئيس فلاديمير بوتين بالزعيم الصيني شي جينبينغ، قبل يوم من افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين الأسبوع الماضي، بدا واضحا حاجته الشديدة إلى دعمه، بعدما ظهر أن خطته جراء افتعال الأزمة مع أوكرانيا، «لا تعمل» كما يشتهي.
بوتين، الذي جعل من مسائل توسّع حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وطلبه إعادة الوضع في بلدان أوروبا الشرقية التي انضمت إليه، كما كان عليه قبل عام 1997، ومعارضته انضمام أوكرانيا، حججه الرئيسية وراء تصعيده العسكري بعد حشده لأكثر من 100 ألف جندي على حدودها، إلا أن الرئيس الروسي لم يتمكن من الحصول سوى على جملة واحدة من نظيره الصيني. إذ جاء في بيانهما المشترك، أن «كلا البلدين يعارضان التوسّع المستمر لحلف الناتو، ويعتقدان أنه يجب أن يتخلى عن آيديولوجية الحرب الباردة». وهذه جملة بدت ضعيفة وقاصرة عن تلبية طموح بوتين الأكثر تشدداً، في حين أن الإشارة إلى أوكرانيا لم ترد أيضا سوى مرة واحدة في البيان.

تشير معظم التحليلات إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «راهن» على «إخفاقات» سياسات الرئيس الأميركي جو بايدن في أفغانستان، ورغبة الإدارات الأميركية في تحاشي التورط في حروب جانبية، والابتعاد عن مشاكل منطقة الشرق الأوسط، لحشد طاقات الولايات المتحدة في مواجهة الصين.
كذلك راهن بوتين على «الانقسامات» بين أعضاء «ناتو»، في ظل المناقشات حول دوره ووظيفته ومستقبله، وتبرم الأميركيين من «تقاعس» أعضائه على الوفاء بالتزاماتهم المالية فيه، وكذلك على قلة رغبة الأوروبيين بالدخول في حروب جديدة تنهي Jعصر السلام» الذي عاشته القارة طوال 75 سنة، ولذا حاول استغلال هذه «الفرصة» لفرض مطالبه.
غير أن رد الفعل الصارم من الأميركيين والأوروبيين على مطالب سيد الكرملين، شكل صدمة ما كان يتوقعها. هذا الأمر أوقعه في مأزق، تشير كل الدلائل إلى أنه بات أمام خيارات صعبة للخروج منه، أحلاها مر. فالمطالبة بإغلاق الباب أمام انضمام أي عضو جديد إلى «ناتو»، من شأنه ليس فقط انتهاك الميثاق الأساسي للحلف، بل ولميثاق الأمم المتحدة وميثاق الأمن الأوروبي الذي حدّث ميثاق باريس ووقعت عليه روسيا نفسها، تشير صراحة إلى «أنه لا يمكن لأي دولة اعتبار أي جزء من القارة الأوروبية منطقة نفوذ لها». وهو بالضبط ما يسعى إليه بوتين عندما طالب «بضمانات أمنية»، عندما اتهم الغرب بتطويق روسيا.
تحليلات أخرى تشير إلى أن الرئيس الروسي، الذي يجيد مراقبة «تناقضات» خصومه، يحاول أيضاً استغلال بعض التحليلات الغربية، التي تدعو إلى إغلاق أبواب «ناتو»، بحجة أنه لم يعد يفي بالتعهد الذي قطعه عام 2008 بأن أوكرانيا وجورجيا ستنضمان في النهاية إلى الحلف، لأنهما «لن تنضما إليه في أي وقت قريب». فلماذا لا نقدم هذا التنازل لبوتين، لتفادي الهجوم العسكري الروسي، لا سيما أن زحف «ناتو» نحو حدود روسيا كان أحد المصادر الرئيسية للخلاف مع موسكو على مر السنين؟

- هاجس دول غربية التوجه إلى الحدود
ثمة مَن يرى أن الأخذ بهذه الحجج سيكون «مكافأة» لبوتين، عبر إلقاء اللوم على «ناتو». في حين أن مراجعة سلوكه منذ «صعود» روسيا تحت قيادته، تظهر أن خوفه الأساسي هو ظهور دول ناجحة ديمقراطية غربية التوجه على حدود روسيا، وخاصة، أوكرانيا التي يعتبرها جزءا من الأمة الروسية، وفق خطابه الشهير والمطول العام الماضي.
هكذا غزا بوتين جورجيا عام 2008 لإجهاض حكومتها الديمقراطية، وهاجم عام 2014 أوكرانيا وسلخ شبه جزيرة القرم منها وضمها إلى روسيا. يومذاك، لم يكن هناك دبابات ولا نشر لصواريخ أميركية أو أطلسية على أراضي أوكرانيا، رغم نشر روسيا صواريخ «إسكندر» في كالينينغراد، الجيب الروسي داخل الحدود الشرقية لـ«ناتو». بيد أن سلوك روسيا «العدواني والانتقامي»، كان السبب في شعور جيرانها بالحاجة إلى التطلع نحو الغرب، بما فيها أعضاء الحلف.
هنا يناقش العديد من الخبراء والمحللين وبعض المسؤولين الأميركيين السابقين والحاليين، بأنه من الخطأ افتراض أن بوتين سيعود عن تهديداته، من خلال التأكيد فقط على أن عضوية أوكرانيا وجورجيا، ليست مطروحة على الطاولة. ويرجحون بدلا من ذلك، أن تسليمه تلك الورقة، ستكون بمثابة تنازل وعلامة ضعف، تمهيدا لرفع شروط جديدة بحيث تشمل أي عضو في الاتحاد الأوروبي أيضاً. ثم إن مشكلة تلك البلدان مع بوتين، لم تكن عضويتها في «ناتو»، بل توقها لعلاقات وثيقة مع الاتحاد الأوروبي، وهي ما دفعه للتدخل في جورجيا وأوكرانيا.
بوتين يدرك أن الولايات المتحدة هي التي تقف عائقا أمام عودته لاعباً رئيسياً في أوروبا. ويرغب في استغلال تركيزها الاستراتيجي على الصين، التي تشكل الخطر الأساسي على مصالحها وموقعها الدولي، لفرض شروطه على القارة... عله يعيد عقارب الساعة إلى الوراء.
هذا الأسبوع، كان لافتاً سلوكه المهين بروتوكولياً مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في اجتماعهما ومؤتمرهما الصحافي المشترك، وقول المتحدث باسم الكرملين إن الاتفاق على خريطة طريق لخفض التوترات مع أوكرانيا لن يتم إلّا مع «الجهة الحقيقية»، في إشارة إلى الولايات المتحدة.
هذا يعني أن المقايضة تكون مع واشنطن، في ظل إدراكه ضعف الأوروبيين البنيوي عن بناء استقلالية أمنية، وحاجتهم المستمرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية للحماية الأميركية. غير أن حقيقة أن دولا أخرى ترغب في الانضمام لـ«ناتو»، دليل على الكلفة التي سيدفعها بوتين، وعلى نجاح الحلف في تأمين الحماية لأعضائه، على الرغم من المناقشات التي تدعو إلى قياس ما الذي حققه انضمام دول أوروبية صغيرة إلى الحلف، من فوائد اقتصادية وتنموية واجتماعية لها.

- ضعف أوروبا الأمني
أوروبا التي دفعت ثمنا باهظا في الحرب العالمية الثانية، مع مقتل أكثر من 36 مليون أوروبي، بات إنفاقها العسكري منذ عقود حذرا جدا. واليوم ومع تصاعد الضغط الروسي، يواجه الأوروبيون حقيقة مؤلمة، هي أن عليهم الاعتماد على القوة الأميركية في مواجهة أي أزمة كبيرة تمس القارة. ومع افتقارهم لأوراق الضغط على طاولة المفاوضات، يمكن لروسيا ببساطة أن تتجاهلهم. هذه حقيقة يدركها قادة الاتحاد الأوروبي، ليتحوّل معها الرئيس الأميركي إلى «الصوت الأكثر موثوقية» في مواجهة بوتين. ولذا قال جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الأوروبية الخارجية، «كان لدينا الاختيار، إمّا أن نستثمر بجدية في قدراتنا الجماعية لنكون فاعلين، أو نقبل أن نتحول إلى هدف لا طرف في السياسة الخارجية»، حسب وكالة «أسوشييتدبرس».
بعد الحرب العالمية الثانية، كان على ألمانيا وفرنسا بناء تماسك اقتصادي يجعل من الحرب أمرا مستحيلا. ورغم نمو الاتحاد الأوروبي وتحوله قوة اقتصادية عالمية، فإنه لم يطور قوة أمنية ودفاعية ونفوذا وازنا. وفي المقابل، جعل نصر الولايات المتحدة الحاسم في الحربين العالميتين، ومن ثَم تطويرها ترسانتها النووية وإطلاق إنفاقها العسكري لمواجهة الاتحاد السوفياتي، الاعتماد على قوتها أمراً سياسياً خارج النقاش في أوروبا. وتحوّل «ناتو» (أسّس عام 1949) برئاسة أميركية دائمة، إلى مظلة عسكرية تقودها واشنطن، وتؤمن الحماية للقارة التي انصرفت إلى تنميتها الداخلية، مبتعدة حتى عن الوفاء بتسديد مساهمتها المالية فيه.
حسب بوريل «غالباً ما يصف الناس الاتحاد الأوروبي بأنه عملاق اقتصادي، لكنه قزم سياسي ودودة عسكرية. أعلم أن هذا التعبير مبتذل، إلا أنه كالعديد من الكليشيهات، فيه العديد من عناصر الحقيقة».
هذا ما أظهرته على أي حال «حروب البلقان»، وفشل جهود الأوروبيين في زيادة الإنفاق الدفاعي الأوروبي أو حتى في دمج أنظمة الأسلحة، فضلا عن صعوبات عملية صنع القرار داخل الاتحاد الأوروبي. ومع توسع «الاتحاد»، بات لكل دولة على حدة، الحق في استخدام حق النقض في قضايا السياسة الخارجية والدفاع. وهو ما استغله بوتين تماماً عندما استقبل الأسبوع الماضي فيكتور أوربان، رئيس الوزراء المجري اليميني المتطرف، المهتم بتوثيق علاقاته بموسكو بأمل الحصول على إمدادات الغاز منها، بينما يبحث الأوروبيون كيفية الاستغناء عنه. وغني عن القول إن الناتج المحلي للاتحاد الأوروبي يتجاوز الولايات المتحدة، ومع ذلك ينفقون معا أقل من نصف ما تنفقه واشنطن على الدفاع. ومنذ عقود يضغط الرؤساء الأميركيون على الزعماء الأوروبيين لزيادة إنفاقهم وتقليص اعتمادهم على الجيش الأميركي. ووصف الرئيس السابق دونالد ترمب مرارا «ناتو» بأنه حلف «مضى عليه الزمن» داعياً إلى حله أو إعادة النظر بدوره. وحتى الرئيس الحالي جو بايدن - الذي حاول «طمأنة» الحلفاء - لا يبدو بعيدا عن ممارسة تلك الضغوط. لكنه عندما يرمي الكرة في ملعبهم، بهدف «توحيدهم» قبالة روسيا، يرى البعض أنه يرغب في المقابل بالحصول على موقف داعم في مواجهة الخصم الصيني، رغم عدم إشارته المباشرة لدور الحلف في «المواجهة»، التي تتصاعد حرارتها في منطقة المحيطين الهادي والهندي، أي خارج «اختصاص» عمل الحلف «الأطلسي».
من جانب آخر، في ندوة استضافها معهد «أميركان إنتربرايز» المحافظ قال جون ميرشايمر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو، الذي يجادل بأن على واشنطن تقليص التزاماتها تجاه الحلف، «هناك ثلاث مناطق في العالم مهمة من الناحية الاستراتيجية للولايات المتحدة: أوروبا وشرق آسيا ومنطقة الخليج. لكن هل هناك قوة مهيمنة إقليميا في إحدى هذه المناطق؟». ويضيف: «أحد أسباب وجود قواتنا في أوروبا إبان الحرب الباردة هو أن التهديد السوفياتي كان يتركز فيها. اليوم لا توجد قوة مهيمنة إقليمية في أوروبا، أو في الأفق، كما لا توجد قوة مهيمنة إقليمية في الخليج... لكن هناك بالفعل قوة إقليمية مهيمنة في آسيا وهي الصين. هذا يعني أن على الولايات المتحدة تركيز كل قوتها العسكرية في شرق آسيا. هذا هو ما يهم حقاً. أوروبا لا تهم كثيرا على الإطلاق».

- الصين لن تخاطر بشراكتها الأوروبية
قد تكون مطالبة واشنطن الأوروبيين ودول «ناتو» بهذا «الثمن»، فرصة لتعويض تخلفهم الأمني والدفاعي، عبر ممارسة ضغوط سياسية واقتصادية على الصين، ولجم روسيا من ورائها. وعن «قمة» بوتين مع الزعيم الصيني للحصول على دعم اقتصادي، يعينه في مواجهة احتمال تعرضه لعقوبات غربية، يرى تقرير لـ«مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات» أن الرئيس الروسي لم ينجز الكثير. وبدا واضحا أن الصين لا تريد المخاطرة بالإضرار بعلاقاتها المتوترة أصلاً مع أوروبا، لا سيما بالنظر إلى المخاوف المتزايدة بشأن التباطؤ الاقتصادي السريع في الصين. فالصادرات الصينية إلى الاتحاد الأوروبي وبريطانيا مجتمعة، تبلغ 10 أضعاف الصادرات إلى روسيا. ومع القيود المتزايدة على نقل التكنولوجيا والاستثمارات الصينية، فضلا عن الدعوات القوية لتقليل الاعتماد على سلاسل التوريد من الصين، فإن آخر ما يريده الزعيم شي، هو أن يواجه الاقتصاد الصيني عقوبات محتملة إذا دعم علنا غزو أوكرانيا.
ورغم حاجة الصين إلى الطاقة، فإن روسيا تعتمد على الصين أكثر بكثير من اعتماد الأخيرة عليها، فيما موسكو قد تكون بحاجة يائسة لزبائن جدد لنفطها وغازها إذا فُرضت عليها عقوبات. وهنا يشير معلقون صينيون إلى خطر تنفير الشركاء الأوروبيين، الذين تعد أهميتهم الاقتصادية لتنمية الصين أكبر بما لا يقاس مما تقدمه روسيا. وبعيدا عن حرص شي حالياً، على تجنب تخريب الألعاب الأولمبية الشتوية، فهو لا يريد أن يُجر إلى صراع بعيد، في ظل بيانات اقتصادية مفاجئة، كشفت مؤخراً عن تصدعات خطيرة في النموذج الاقتصادي الصيني، ما أثار الشكوك بصعود هذا النموذج.
ثم إن أي هجوم روسي على أوكرانيا ورد الفعل الغربي بعقوبات، قد يصدم أسواق الطاقة والسلع الأخرى ويؤثر بشدة على المعنويات الاقتصادية العالمية. ومع تشديد الحزب الشيوعي الصيني على أن الاستقرار الاقتصادي لا يزال يمثل أولوية قصوى لهذا العام، فإن الحرب المحتملة في أوروبا يمكن أن تسرّع التباطؤ الاقتصادي السريع أصلاً في الصين، وتجعل أهداف النمو المتفائلة للغاية أقل قابلية للتحقيق. وهذا بدوره من شأنه أن يقوض أحد أهم أهداف الزعيم الصيني، الطامع بخمس سنوات جديدة في المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي الصيني خلال أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
بالتالي، يرى البعض فرصة للولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين لاستغلال احتكاكات العلاقة الصينية الروسية، عبر التهديد باستهداف المصالح الاقتصادية للصين في أوروبا. فالتناقض الناشئ عن اعتماد الصين الاقتصادي المتزايد على أوروبا وعلاقاتها الوثيقة مع روسيا، بعدما أصبح بوتين أكثر عدوانية في علاقاته مع الغرب، يمنح واشنطن وحلفاءها الأوروبيين نفوذاً قد يكون حاسما في توحيد الأوروبيين ضده. فاللعب على هذا الاختلاف في المصالح الروسية والصينية، وتحذير الصين علنا، من تدخلها في شؤون «ناتو» ودعم العدوان الروسي في أوروبا، قد يعطي الأوروبيين موقعا مهما، خاصةً إذا ما هددوا بإعادة تقييم تعاونهم الاقتصادي مع الصين، بما في ذلك التزاماتهم بـ«مبادرة الحزام والطريق» ما لم تتراجع بكين عن دعم بوتين.


مقالات ذات صلة

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

حصاد الأسبوع لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ

رائد جبر (موسكو)
حصاد الأسبوع يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

حياة مغلفة بـ«هم الاستقلال»، سواءً عن المستعمر القديم في السنوات الأولى، أو تشكيل «الدولة المستقلة» طوال فترتَي الشباب والشيخوخة، لم تثنِ عبد الرحمن محمد عبد

محمد الريس (القاهرة)
حصاد الأسبوع لقطة جوية لمدينة هرجيسا (من منصة أكس)

«أرض الصومال»... إقليم «استراتيجي» يبحث عن هدف صعب

بين ليلة وضحاها، غزا إقليم «أرض الصومال» - «الصومال البريطاني» سابقاً - عناوين الأخبار، ودقّ ذاكرة المتابعين، إثر إعلان توقيعه مذكرة تفاهم تمنح إثيوبيا منفذاً

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)
لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)
TT

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)
لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ مستوياتها منذ تفكّك الاتحاد السوفياتي السابق، وجرى تقويض كل قنوات الاتصال السياسية والدبلوماسية والأمنية. وحتى «الخط الساخن» الذي طالما عوّل عليه البلدان لمواجهة الظروف الطارئة وتجنّب الانزلاق إلى احتكاكات مقصودة أو غير مقصودة، جرى تجميده كلياً. كانت تلك، وفقاً لمسؤولين روس، أسوأ أربع سنوات في العلاقات، ولقد تحوّلت فيها الولايات المتحدة إلى خصم مباشر، و«شريك رئيس في الحرب الهجينة ضد روسيا». ولم ينعكس التدهور فقط في ملفات أوكرانيا والأمن الاستراتيجي والوضع في أوروبا - وهي القضايا المركزية التي تشغل بال الكرملين - بل أيضاً امتد في تأثيره بعيداً عن الجغرافيا الحيوية لروسيا... ليصل إلى الملفات الإقليمية الساخنة في الشرق الأوسط التي شهدت تصعيداً متواصلاً فاقم تأجيج الأزمة في العلاقات.

بمجرد اتضاح نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، بدأ محللون روس في وضع «سيناريوهات» للتقارب مع الإدارة الجمهورية الجديدة في واشنطن. ولطالما كان ينظر في موسكو للرئيس المنتخب دونالد ترمب على أنه «قادر على إعادة تشغيل العلاقات مع موسكو»، والتوصل إلى تسويات أو «صفقات» حول القضايا الأكثر خلافية.

بيد أن الكرملين كان قد خاض تجربة مريرة مع ولاية ترمب الأولى، عندما بدا الرئيس - المتهم بالتعاون سرّاً مع روسيا - عاجزاً عن مواجهة تركة باراك أوباما الثقيلة في العلاقة مع موسكو. لذلك لم ينجح التفاؤل الروسي في حينه، ولا الخطوات المحدودة التي انتهجها ترمب في تحسين العلاقات جدياً، ووضع «سيناريوهات» للتعاون في ملفات دولية أو إقليمية. بل بالعكس من ذلك، فقد واجهت روسيا في ولاية ترمب السابقة أضخم رُزم عقوبات فرضتها واشنطن. ومن ناحية ثانية، فشل الطرفان أيضاً في تحسين شروط التعاون حيال ملفات إقليمية مهمة، فتدهور الوضع حول إيران بعد انسحاب ترمب من الاتفاقية النووية، وتراجع الأخير عن تنفيذ تعهد الانسحاب من سوريا.

ثلاثة أفخاخ

بناءً عليه، بدت موسكو أكثر حذراً هذه المرة وهي تستقبل أنباء فوز ترمب الساحق. وحقاً، تجنّبت تعليق آمال جدية، بانتظار ما ستقدم عليه الإدارة الجديدة من خطوات عملية فور تسلم الرئيس منصبه رسمياً في يناير (كانون الثاني) المقبل.

لكن هذا لم يمنع التوقّعات المتشائمة، التي غلبت على العلاقة، من البروز بشكل مباشر أو غير مباشر. والحال أن موسكو تبدو حالياً ضعيفة الثقة بقدرة «ترمب الجديد» على تجاوز التغيّرات الكبرى التي شهدتها الأوضاع الإقليمية والدولية خلال السنوات الأخيرة. وفي هذا الإطار، أجمل أليكسي بوشكوف، عضو مجلس الشيوخ الروسي وأحد خبراء السياسة المقربين من الرئيس فلاديمير بوتين، المأزق الذي يواجه ترمب بأنه يشتمل على «ثلاثة أفخاخ صعبة».

الفخ الأول، بطبيعة الحال، هو ملف أوكرانيا: فلقد استثمرت الولايات المتحدة بالفعل الكثير في أوكرانيا لدرجة أنها ما عادت تعرف كيفية الخروج من هذه الأزمة. وهنا لا تتوقف موسكو كثيراً عند الوعود الانتخابية لترمب بإنهاء الحرب في 24 ساعة. ويتساءل بوشكوف: «هل ستتخلى واشنطن عنها مثل أفغانستان؟ لم يعد يمكنها ذلك». أو تكمل ما بدأته الإدارة الديمقراطية؟ عندها... وكما حذّر ترمب بحق، فإن هذا قد يؤدي إلى صراع نووي مع روسيا. تدرك موسكو حجم الصعوبات التي تواجه ترمب في هذا الملف.

أما الفخ الثاني، فهو شرق أوسطي. وهنا - حسب بوشكوف - «لا يمكن لترمب التراجع عن دعم إسرائيل بسبب وجود لوبي قوي جدّاً مؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة. لكنه لا يستطيع دعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو علناً في كل ما يفعله، لأن هذا يضرّ بمكانة الولايات المتحدة في العالم العربي (...) ولأن المخطط الأميركي لمصالحة إسرائيل مع جيرانها ما زال موضع شك. لقد حاولت الولايات المتحدة إخراج إسرائيل من عزلتها في المنطقة... لكن هذا المدخل لم يعد يعمل. وعلاوة على ذلك: يُصرّ العالم العربي على إقامة الدولة الفلسطينية، وهو ما ترفضه إسرائيل بشكل قاطع. إذن فهذا أيضًاً فخ».

وأما الفخ الثالث فهو تايوان. ووفقاً لبوشكوف: «من الممكن أن تصبح قضية تايوان فخاً كبيراً للولايات المتحدة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل ستدعم أوروبا الأميركيين إذا دخلت الولايات المتحدة في صراع مع الصين؟ لقد قوّضت أوروبا نفسها اقتصادياً بشدة بالفعل بسبب انفصالها عن روسيا. وإذا فتحت أيضاً معركة مع الصين، التي يبلغ حجم تجارة الاتحاد الأوروبي معها تريليون دولار أميركي، فمن المرجح أن ينهار الاقتصاد الأوروبي ببساطة».

قنابل موقوتة

السياسي الروسي يرى أن «الأفخاخ الثلاثة» تمثل قنابل موقوتة بالنسبة إلى دونالد ترمب... مهما كانت طبيعة التركيبة النهائية لفريقه الرئاسي، أو خطواته الأولى على صعيد السياسة الخارجية.

فضلاً عن ذلك، يرى بوشكوف، أن ترمب الذي تعهد بإيلاء القدر الأكبر من الاهتمام للإصلاح الداخلي، سيواجه صعوبة كبرى في إيجاد توازن بين الانكفاء إلى الداخل من أجل تحسين الأداء الاقتصادي ومواجهة الهجرة و«إعادة أميركا عظيمة» بقدراتها واقتصادها ومستوى المعيشة لشعبها، وبين العمل بسرعة لتنفيذ وعود انتخابية بإنهاء حروب وتقليص التوتر في أزمات خارجية. ويضيف متسائلاً: «كيف يمكن أن تكون أميركا عظيمة مجدّداً... وهي تنكفئ في السياسة الدولية؟».

تبدو موسكو حالياً ضعيفة الثقة بقدرة «ترمب الجديد» على تجاوز

التغيّرات الكبرى التي شهدتها الأوضاع الإقليمية والدولية خلال السنوات الأخيرة

تباين حيال التسوية في الشرق الأوسط

لا يبدو أن موسكو تثق كثيراً بقدرة ترمب على لعب دور نشط لإنهاء الحرب على غزة ولبنان، ودفع الإسرائيليين إلى التوصّل لحلول سياسية تعيد الهدوء - ولو نسبياً - إلى الشرق الأوسط.

وهنا، يذكر خبراء أن المدخل الأميركي السابق قام على أساس تعزيز اتفاقات تطبيع وفرض سلام من نوع خاص، لا يؤدي إلى تسوية سياسية حقيقية تنهي العنف في المنطقة وتنزع ذرائعه.

وترمب نفسه أعرب خلال فترة ولايته الرئاسية الأولى عن نيته التوسط في حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لكنه أظهر لاحقاً التقارب مع إسرائيل من أجل كسب دعم المانحين الرئيسيين والناخبين الرئيسيين، وخاصة الصهاينة المسيحيين الإيفانجيليين.

بحسب خبراء، هذا الموقف يتوافق مع النهج القائل: «أميركا تفعل ما تريد، وبالتالي أصدقاء أميركا يفعلون ما يريدون». مع الإشارة هنا إلى أن هذا النهج المائل إلى عقد «صفقات» ينصّ على «امتيازات خاصة للحلفاء كدفعة مقابل الأمن». غير أن موسكو ليست مقتنعة بأن هذا المدخل سيعزّز طريق الحلول النهائية للمنطقة.

ومقابل القناعة الروسية بالعودة إلى الآليات التي توافر عليها نوعٌ من الإجماع الدولي، كإحياء «الرباعية الدولية» وتوسيعها بضم بعض الأطراف الإقليمية المهمة (المملكة العربية السعودية ومصر وجامعة الدول العربية)، وأيضاً العودة إلى مبادئ التسوية القائمة على أساس رفض التوسّع الجغرافي للاحتلال، وإعلاء «مبدأ حل الدولتين» ووضع خرائط طريق جديدة بينها «المبادرة العربية للسلام»، فإن مدخل ترمب يقوم على عقد صفقات سريعة للتهدئة، وترك المناطق أمام «برميل بارود» قابل للانفجار مجدداً في أي وقت.

في هذا الإطار لا يتوقّع خبراء روس أن تكون التسوية في الشرق الأوسط بين أولويات الحوار المنتظر مع الإدارة الأميركية الجديدة، بالنظر إلى أن هذا الموضوع فيه تباعد واسع في وجهات النظر، ولا يدخل ضمن الملفات التي قد يكون بوسع الطرفين التوصل إلى صفقات حولها.

وفي الوقت ذاته، ترى موسكو - وفقاً لتحركات محدَّدة برزت في سوريا، ومن خلال حوارات مكثفة أجريت غالباً خلف أبواب مغلقة مع الجانب الإسرائيلي - أن بوسعها لعب دور أساسي في تأكيد دورها بضمان أمن إسرائيل من جهة سوريا وإيران مستقبلاً. وهو ما يعني أن هذا الموضوع قد يكون جزئياً على طاولة حوار روسي - أميركي في وقت لاحق.

تأهب للحوار حول سوريا

في هذه الأثناء، لدى الأوساط الروسية نظرة إيجابية، ولكن حذرة، بشأن احتمالات سحب ترمب القوات الأميركية من سوريا إبان ولاية ترمب الجديدة.

موسكو تتذكر الإرادة الأميركية في الانسحاب من سوريا إبان ولاية ترمب السابقة، لكن يومذاك كان التهديد الإرهابي ما زال نشطاً، والخطوط الفاصلة ومناطق النفوذ لم تكن قد تبلورت بشكل شبه نهائي. لذا يرى خبراء روس أن ترمب عندما يتكلّم عن سحب القوات حالياً فهو ينطلق من واقع ميداني وسياسي جديد. وبالتالي، سيكون حذراً للغاية عند مناقشة هذه المشكلة مجدداً.

أيضاً، ونظراً لوعود ترمب الانتخابية المتكررة، يُرجح أن ترغب واشنطن في سحب قواتها من سوريا، لكن لا يبدو لموسكو أن هذه القضية ستكون مُدرجة على جدول الأعمال ضمن أولويات التحرك الأميركي حالياً.

لقد قوبلت خطط ترمب لسحب القوات في السابق بمقاومة مفتوحة، خاصة من «القيادة الوسطى» الأميركية وشخصيات، مثل بريت ماكغورك، الذي عمل مبعوثاً خاصاً لمكافحة «داعش» حتى أواخر عام 2018، واستقال قبل شهرين من انتهاء فترة ولايته، مباشرة بعد قرار إدارة ترمب سحب القوات من سوريا في 19 ديسمبر (كانون الأول) 2018. بعدها عيّن جو بايدن، الرئيس الأميركي المنتخب، عام 2020، ماكغورك منسقاً لمجلس الأمن القومي الأميركي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، واكتسبت سياسة واشنطن في سوريا لدعم حزب العمال الكردستاني «وحدات حماية الشعب» زخماً.

حالياً يعود الملف إلى دائرة النقاش، ولقد برز بشكل واضح خلال اجتماعات «جولة آستانة للحوار» التي انعقدت أخيراً. وأكد المبعوث الرئاسي الروسي ألكسندر لافرنتييف إلى سوريا في ختام الاجتماعات أن موسكو منفتحة على الحوار مع الإدارة الأميركية الجديدة فور تشكيلها، لبحث الملفات المتعلقة بسوريا. وقال الدبلوماسي الروسي: «إذا كانت هناك مقترحات، فإن الجانب الروسي منفتح، ونحن على استعداد لمواصلة الاتصالات مع الأميركيين».

وفي هذا المجال، تنطلق موسكو من قناعة بأنه لا يمكن التوصل إلى بعض الحلول الوسط إلا من خلال المفاوضات المباشرة. وهي هنا مستعدة للاستماع إلى وجهات النظر الأخرى، وربما تقديم بعض الضمانات التي تحتاج إليها واشنطن لتسريع عملية الانسحاب ودعم التسوية في سوريا برعاية روسية تضمن مصالح الأخيرة.