عين «حزب الله» على المقاعد السُنّية في الانتخابات المقبلة

توقعات بإيصال 10 نواب حلفاء له

TT

عين «حزب الله» على المقاعد السُنّية في الانتخابات المقبلة

تسود الساحة السنية حالة من الإرباك، على ضوء توجيه «حزب الله» عينه على المقاعد السنية التي كان يشغلها تيار «المستقبل»، في وقت لا تبدو زعامات المناطق قادرة على ملء فراغ القوة المركزية السنية بالكامل، خصوصاً أنها لا تملك التمويل الكافي لإدارة المعركة الانتخابية في كل لبنان.
ويقابل هذا الانكفاء السني اندفاع القوى المخاصمة تقليدياً لتيار «المستقبل»، خصوصاً «حزب الله» لاقتناص مقاعد سنية إضافية، تعزز وجوده البرلماني بعدما تراجعت حظوظه بالحصول على أكثرية إثر انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، والانهيارات الاقتصادية والاجتماعية المتلاحقة.
المتابعون للاستحقاق الانتخابي يعتبرون أن «حزب الله» يرى الوقت مواتياً، ليخرق الساحة السنية بأقل جهد وأدنى كلفة من أي وقت مضى. ويتوقع الخبير الانتخابي كمال فغالي أن «يرفع حزب الله تمثيله السني إلى 10 نواب بالحد الأدنى، من خلال قدرته على دعم حلفاء له في الدوائر التي كانت تشكل قاعدة سنية صلبة لتيار «المستقبل»، وهو رقم يوازي 40 في المائة من النواب السنة. ويشير فغالي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن الحزب «سيحصد في دائرة عكار مقعداً سنياً، وفي طرابلس مقعداً آخر أو اثنين إذا نجح في تركيب لائحة تضم النائبين الحاليين الحليفين له فيصل كرامي وجهاد الصمد، مع مرشح جمعية «المشاريع الإسلامية» طه ناجي، وذلك عبر تمويل لائحة هؤلاء الذين لديهم قوة تجيير شعبية ستكون فاعلة هذه المرة في غياب الحريري وتيار «المستقبل» عن المعركة.
ويعد نواب «اللقاء التشاوري» الستة حالياً، قريبين من «حزب الله» وهم: عدنان طرابلسي (جمعية المشاريع - بيروت)، وفيصل كرامي (طرابلس)، وجهاد الصمد (الضنية)، وعبد الرحيم مراد (البقاع الغربي)، وأسامة سعد (صيدا) ووليد سكرية (البقاع الشمالي).
قد يحتاج الحزب إلى جهد سياسي ومالي أوسع لاستقطاب المقاعد الإضافية في دائرتي الشمال الأولى والثانية (عكار وطرابلس)، فيما تبدو الأمور متاحة بشكل أكبر في دوائر أخرى، بحسب ما يقول فغالي، معتبراً أن معركة بيروت «هي الأسهل على (حزب الله) مع خلو الساحة السنية من منافس قوي». ويقول: «إذا تمكنت جمعية المشاريع (حلفاء حزب الله والنظام السوري) من تشكيل لائحة موحدة، عندها سيجير الحزب عدداً من أصواته (الشيعة) للمرشحين السنة، بدل دعم المرشح الإنجيلي للعونيين (التيار الوطني الحر)، أو المرشح الدرزي (للنائب طلال أرسلان)، وبذلك سيحصد مقعداً سنياً جديداً بأقل تقدير، وقد يكون له مقعدان إضافيان مع النائب الحالي عدنان طرابلسي».
ويجزم الخبير الانتخابي كمال فغالي بأن المقعد السني الثاني في دائرة بعلبك ــ الهرمل، الذي يشغله حالياً نائب تيار «المستقبل» بكر الحجيري، سيؤول إلى «حزب الله» من دون الحاجة إلى معركة في هذه الدائرة.
الحضور الانتخابي القوي لـ«حزب الله» في الانتخابات المقبلة لا يعني قبول الشارع السني له داخل بيئته، بل هو نتاج واقع سياسي أرخى بثقله على اللبنانيين. ويعتبر السياسي اللبناني خلدون الشريف أن «تمدد نفوذ حزب الله سياسياً وانتخابياً، هو جزء من فقدان التوازن الداخلي». ويؤكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «الانكفاء السني الذي تعيشه الساحة اللبنانية سيستفيد منه (حزب الله) بشكل كبير».
وإذ يتخوف الشريف من «إطلاق يد إيران في إدارة شؤون هذا البلد»، يؤكد أن «أهم أسس وجود لبنان والاقتصاد اللبناني قائم تاريخياً على الحضور العربي بشكل عام والخليجي بشكل خاص».



واشنطن واستراتيجية الـ«لا استراتيجية» في الشرق الأوسط

بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)
بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)
TT

واشنطن واستراتيجية الـ«لا استراتيجية» في الشرق الأوسط

بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)
بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)

بعد عام على هجمات 7 أكتوبر (تشرين الأول)، تتخبط منطقة الشرق الأوسط في موجة تصعيد مستمر، من دون أي بوادر حلحلة في الأفق. فمن الواضح أن إسرائيل مصرة على الخيارات العسكرية التصعيدية، ضاربة بعرض الحائط كل المبادرات الدولية للتهدئة، ومن الواضح أيضاً أن الولايات المتحدة وإدارة الرئيس جو بايدن، إما عاجزتان عن التأثير على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وإما غير مستعدتين لممارسة ضغوطات كافية عليه للتجاوب مع دعواتها لوقف التصعيد. هذا في وقت تعيش فيه الولايات المتحدة موسماً انتخاباً ساخناً تتمحور فيه القرارات حول كيفية تأثيرها على السباق الرئاسي.

السؤال الأبرز المطروح حالياً هو عما إذا كان هناك استراتيجية أميركية ما حيال ملف الشرق الأوسط، انطلاقاً من الحرب الدائرة منذ عام. فقد واجهت الإدارة الحالية انتقادات حادة بسبب غياب منطقة الشرق الأوسط عن لائحة أولوياتها منذ تسلم بايدن السلطة. ولكن الأمور منذ 7 أكتوبر 2023 تغيرت جذرياً.

تحدثت «الشرق الأوسط» إلى غيث العمري، المستشار السابق لفريق المفاوضات الفلسطيني خلال محادثات الوضع الدائم وكبير الباحثين في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، الذي رأى أن الإدارة الأميركية سعت فعلياً إلى عدم إعطاء الأولوية لمنطقة الشرق الأوسط، وحوّلت تركيزها ومواردها إلى أولويات أخرى. ويقول العمري: «جاءت هجمات 7 أكتوبر لتفاجئ الولايات المتحدة التي لم تكن مستعدة لها، والتي افتقرت لما يلزم لمواجهة أزمة بهذا الحجم». ويرى العمري أن الولايات المتحدة اعتمدت منذ السابع من أكتوبر وحتى تاريخنا هذا على سياسة «مجزأة مبنية على رد الفعل»، مضيفاً: «إنها لم تتمكن من رسم المشهد الاستراتيجي أو ممارسة النفوذ على حلفائها الإقليميين».

امرأة تعرض صورة لجنود إسرائيليين بعد استعادتهم لموقع كفرعزّة إثر هجمات 7 أكتوبر 2023 (د.ب.أ)

تحدثت «الشرق الأوسط» أيضاً إلى جون الترمان، المسؤول السابق في وزارة الخارجية ومدير برنامج الشرق الأوسط في معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية، فقال: «فشلت إدارة بايدن بالتأكيد في تحقيق العديد من أهدافها في العام الماضي، ولكن في الوقت نفسه لم تندلع حرب إقليمية كبيرة بعد». ويعرب الترمان عن «دهشته» من أنه ورغم «الإخفاقات»، فإن الولايات المتحدة «لا تزال هي النقطة المحورية للدبلوماسية الإقليمية».

وفيما تدافع إدارة بايدن عن أدائها بالقول إنها أظهرت الردع من خلال إرسال تعزيزات أميركية إلى المنطقة، إلا أن العمري يختلف مع هذه المقاربة، لافتاً إلى أن نشر هذه الأصول العسكرية ربما ساهم في المراحل المبكرة من الحرب «في ردع إيران و(حزب الله) من الانخراط في تصعيد كبير، إلا أنه فشل في ردعهما إلى جانب وكلائهما كالحوثيين من الانخراط في أنشطة خبيثة على مستوى منخفض». وأضاف: «لقد تسبب ذلك في زيادة الضغط، وأدى في النهاية إلى انتقال الحرب إلى لبنان وربما مناطق أخرى».

الدبلوماسية «هي الحل»

في خضم التصعيد، تبقى إدارة بايدن مصرة على تكرار التصريحات نفسها من أن الحل الدبلوماسي هو الحل الوحيد، محذرة من توسع رقعة الصراع في المنطقة. وعن ذلك يقول الترمان إن بايدن يريد حلولاً دبلوماسية؛ «لأن الحلول العسكرية تتطلب هزيمة شاملة لأحد الأطراف. ونظراً للرّهانات العالية لكلا الجانبين، فإن الحل العسكري بعيد المنال، وسينجم عنه المزيد من الموت والدمار أكثر بكثير مما شهدناه حتى الآن».

أما العمري فيرى أن التركيز على الدبلوماسية هو أمر مناسب؛ لأنه «في نهاية المطاف، تنتهي الحروب وستكون هناك حاجة إلى حل دبلوماسي»، مضيفاً: «عندما يأتي (اليوم التالي)، يجب أن تكون الأسس لترتيبات دبلوماسية جاهزة».

إلا أن العمري يحذر في الوقت نفسه من أن الدبلوماسية وحدها غير كافية إذا لم تكن مدعومة بقوة واضحة، بما في ذلك القوة العسكرية، ويفسر ذلك قائلاً: «إذا لم تتمكن الولايات المتحدة من إقناع خصومها بأنها مستعدة لاستخدام قوتها لإيذائهم، وحلفائها بأنها مستعدة لفعل ما يلزم لمساعدتهم، فإن نفوذها تجاه الطرفين سيكون محدوداً».

تجميد الأسلحة لإسرائيل

سقوط أعداد هائلة من المدنيين في حربي غزة ولبنان منذ بدء العمليات الإسرائيلية للرد على هجمات 7 أكتوبر 2023، دفع الكثيرين إلى دعوة بايدن لوضع قيود على الأسلحة الأميركية لإسرائيل، بهدف ممارسة نوع من الضغوط على نتنياهو لوقف التصعيد، لكن الترمان يرفض النظرة القائلة بأن تجميد الأسلحة سيمهد للحل، ويفسر قائلاً: «إذا اعتمدت إدارة بايدن هذه المقاربة، أتوقع أن يعترض الكونغرس بشدة، وقد تكون النتيجة عرضاً للضعف والهشاشة في سياسة البيت الأبيض، بدلاً من صورة تقديم حلول». ويحذّر الترمان من أن خطوة من هذا النوع من شأنها كذلك أن تدفع إسرائيل إلى «الشعور بمزيد من العزلة التي قد تولّد بالتالي شعوراً أكبر بعدم الالتزام بأي قيود».

الرئيس الأميركي جو بايدن خارجاً من البيت الأبيض ليستقل الطائرة إلى نيويورك (أ.ب)

ويوافق العمري مع هذه المقاربة، مشيراً إلى أنه «من غير الواضح أن أي وسيلة ضغط ستنجح»، فيقول: «إسرائيل تشعر بأنها مهددة وجودياً، مما يجعلها أقل استعداداً لتقبل أي تأثير خارجي». ويوفر العمري نظرة شاملة عن مقاربة الإدارة الأميركية في غزة ولبنان التي تحد من الضغوط التي ترغب في ممارستها على إسرائيل، فيفسر قائلاً: «رغم أن الولايات المتحدة غير راضية عن بعض جوانب سير الحرب، خصوصاً فيما يتعلق بالخسائر البشرية بين المدنيين، فإنها تدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بعد السابع من أكتوبر». لهذا السبب يشير العمري إلى أن الولايات المتحدة تحتاج إلى تحقيق توازن في الضغط بطرق يمكن أن تغير سلوك إسرائيل «دون تقييد قدرتها على تحقيق الهدف المشروع المتمثل في هزيمة (حماس)»، مضيفاً: «هذا التوازن ليس سهلاً».

بالإضافة إلى ذلك، يذكّر العمري بطبيعة العلاقة التاريخية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والتي «تتجاوز القضية الإسرائيلية - الفلسطينية»، فيقول: «الولايات المتحدة تستفيد استراتيجياً من هذه العلاقة، بما في ذلك الفوائد المتعلقة بالتهديدات الإقليمية الأخرى مثل الأنشطة الإيرانية. وبذلك، فإن الولايات المتحدة لديها مصالحها الاستراتيجية الخاصة التي يجب أن تُؤخذ بعين الاعتبار».

أي حل في نهاية النفق

رغم التصعيد المستمر، تعمل الولايات المتحدة على بناء استراتيجية تضمن عدم خروج الأمور عن السيطرة، ودخول إيران على خط المواجهة، ويشدد العمري على أن «الأولوية الآن هي ضمان بقاء إيران خارج هذه الحرب»، مشيراً إلى أن هذا الأمر ضروري للحد من انتشار الصراع، و«لإضعاف مصداقية إيران الإقليمية ونفوذها مع وكلائها»، لكنه يرى في الوقت نفسه أنه «لا يمكن تحقيق مثل هذه النتيجة إلا إذا كانت إيران مقتنعة بأن الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام العمل العسكري».

عنصران من الدفاع المدني الفلسطيني في دير البلح في غزة (أ.ف.ب)

أما الترمان الذي يؤكد ضرورة استمرار الولايات المتحدة «في تقديم مسار للمضي قدماً لجميع الأطراف»، فيحذّر من أن هذا لا يعني أنها يجب أن «تحمي الأطراف من العواقب الناجمة عن أفعالهم»، ويختم قائلاً: «هناك مفهوم يسمى (الخطر الأخلاقي)، يعني أن الناس يميلون إلى اتخاذ سلوكيات أكثر خطورة إذا اعتقدوا أن الآخرين سيحمونهم من الخسارة».