منتدى الغد يطلق النسخة السعودية من «تيدكس الرياض»

مركز شبابي يحظى بمشاركة واهتمام أكثر من 1800 متطوع

يهدف مؤتمر الغد لتنمية الشباب وقيمهم وإتاحة الفرص لهم لتقديم خبراتهم ويظهر أمير الرياض في صورة جماعية مع شباب الغد
يهدف مؤتمر الغد لتنمية الشباب وقيمهم وإتاحة الفرص لهم لتقديم خبراتهم ويظهر أمير الرياض في صورة جماعية مع شباب الغد
TT

منتدى الغد يطلق النسخة السعودية من «تيدكس الرياض»

يهدف مؤتمر الغد لتنمية الشباب وقيمهم وإتاحة الفرص لهم لتقديم خبراتهم ويظهر أمير الرياض في صورة جماعية مع شباب الغد
يهدف مؤتمر الغد لتنمية الشباب وقيمهم وإتاحة الفرص لهم لتقديم خبراتهم ويظهر أمير الرياض في صورة جماعية مع شباب الغد

استوقفت لوحة في العاصمة الرياض أميرها فيصل بن بندر بن عبد العزيز أول من أمس وهو في طريقه لتدشين حفل انطلاق فعاليات منتدى الغد الرابع كتب عليها «نحن فداء للوطن بقيم لا تتغير»، ليحمل معه هذه الكلمات مخاطبا جمهور الشباب في منتداهم، أن «تلك اللوحة تعبر عن القيم الإسلامية والعربية والسعودية، والتي لا يمكن أن تتغير وتحيد عن خطها المستقيم»، مضيفا أن «هذا العطاء من أبناء وبنات الوطن يجعلنا جميعًا نعمل مع هذه الحاضنة في إيجاد عمل مفيد للوطن».
وتنطلق خلال الفعاليات النسخة السعودية من «تيدكس الرياض» الذي يحظى بمشاركة واهتمام أكثر من 1800 متطوع، كان محط اهتمام القيادة السعودية وهو الذي يحمل جملة من الأفكار التي تستحق الانتشار. وتتلخص مهمة المنتدى بهذه الفعالية في الوصول إلى المجتمع وتبادل ومناقشة الأفكار ذات القوة والقدرة على إحداث التغيير في عالمنا العربي.
«تيدكس الرياض»، هو مؤتمر سنوي يقام في كاليفورنيا بالولايات المتحدة اﻷميركية، ويهتم بنشر اﻷفكار التي تستحق التقدير والاهتمام في مجالات متعددة من ضمنها التقنية والتصميم والترفيه.
وأشار أمير الرياض إلى أن ما يقدمه الشباب السعودي لبلده محل اعتزاز وتقدير، ويجب أن يقدر حق قدره، مضيفا أن «ما يفعله الشباب السعودي من حماية حدود هذا الوطن واحتفاء بالمنجزات داخل الوطن معادلة من الصعب تحققها في أماكن كثيرة لكنها تحققت في السعودية على منهج سليم وواضح».
وزاد أمير الرياض بقوله إن «فعاليات منتدى الغد الرابع التي تحمل قيمنا في عالم متغير الذي تنظمه جمعية الغد يعبر في الواقع عما كنا نخطط له منذ سنوات وهناك من سبقنا في تقديمه».
«تيدكس الرياض» شهد إعلان مؤسسته الأميرة نوف بنت فيصل بن تركي رئيس مجلس إدارة جمعية الغد عن إطلاق مركز الغد لتنمية القيم، وذلك بالتعاون والشراكة مع المؤسسات الوطنية ذات العلاقة بالشباب والمراكز الدولية المتخصصة بالبرامج والتدريب لتنمية القيم. وأشارت الأميرة نوف أن «منتدى الغد يأتي في وقت يعيش فيه الشباب مرحلة متقدمة من الطموح والنضج»، وأضافت «لدينا كفاءات وطنية يحق لنا أن نفخر بها دائمًا، ومن واجبنا أن نقدم لهم كل الدعم من خلال منتدى الغد، وهو الأمر الذي نسعى إلى تحقيقه».
ومن جانبه أشار الأمير خالد بن فيصل بن تركي عضو مجلس إدارة جمعية الغد إلى أن أهم عامل في أي دولة هو الوقت والشباب، الأمر الذي من المهم استغلاله الاستغلال الأمثل وتنميته، مشيرا إلى أن ملتقى الغد لديه خطة تعاون مع جميع الجهات الحكومية والخاصة فيما يخص الشباب، محاولين من ذلك تنمية القيم لدى الشباب وتطويرها لتكون عامل الغد في تطور وتنمية هذا البلد، خاصة وأن الشباب هم أكبر وأهم استثمار.
ويأتي منتدى الغد في وقت بات فيه الشباب السعودي، يمثل ساعدًا حقيقيًا من سواعد التنمية في البلاد، في وقت تسعى فيه السعودية إلى الاستفادة من هذه السواعد في مختلف المجالات، وأتاح المنتدى مساء الأمس الفرصة للشباب للتحاور بصورة مباشرة مع الدكتور توفيق الربيعة وزير التجارة والصناعة في لقاء فريد من نوعه، فيما سبق ذلك جلسات نقاش أخرى تتناول موضوعات الابتكار، والنجاح، وأهمية الرياضة في المساهمة بمشروعات التنمية.
ويُعد منتدى الغد، أول منتدى للشباب السعودي، أطلقته رئيسة المنتدى الأمير نوف بنت فيصل بنت تركي، في عام 2009 تحت شعار «نحن والشباب والشراكة»، ليكون محركا رئيسيا في تهيئة بيئة مناسبة ومحفزة للشباب السعودي ودعم مشاركتهم في تحقيق التنمية المستدامة بمجالاتها كافة.
ويتميز منتدى الغد باختيار وطرح القضايا التنموية، وتناولها من مختلف الزوايا، وفقًا لمنهجية علمية واضحة، وتأسيس شراكة هادفة وفاعلة مع مختلف الأطراف ذات العلاقة بالتنمية والتطوير المستمر للفعاليات المقدمة، والاستفادة من مراكز الأداء المتميز.
وجاء تركيز المنتدى على فئة الشباب انطلاقا من القناعة الراسخة بأن الشباب من الجنسين من اللبنات الأساسية لتحقيق التنمية الشاملة، حيث يمثل من هم دون سن الثلاثين نحو 70 في المائة من سكان السعودية، وذلك من خلال تعزيز دور الشباب كشريك في الرؤى والأعباء والطموحات، وأنه يجب بناء قدراتهم وتطوير مهاراتهم وتنمية ثقافة المبادرة لديهم، للمساهمة بدور فعال في تحقيق التنمية الشاملة.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)