أوباما والصحافيون يتندر بعضهم على بعض

حفل عشاء بدا متواضعًا عام 1921 لمراسلي البيت الأبيض ثم أصبح حديث الساعة في واشنطن

السيدة الأولى ميشيل أوباما مع الكوميدية سيسيلي سترونغ (إ.ب.أ)
السيدة الأولى ميشيل أوباما مع الكوميدية سيسيلي سترونغ (إ.ب.أ)
TT

أوباما والصحافيون يتندر بعضهم على بعض

السيدة الأولى ميشيل أوباما مع الكوميدية سيسيلي سترونغ (إ.ب.أ)
السيدة الأولى ميشيل أوباما مع الكوميدية سيسيلي سترونغ (إ.ب.أ)

في العشاء السنوي الذي يقيمه اتحاد صحافيي البيت الأبيض، قال الرئيس باراك أوباما، ليلة السبت أول من أمس، إنه بقي له فقط عشاءان، مع اقتراب نهاية أعوامه الـ8 في البيت الأبيض. وتندر: «عندي قائمة هامة جدا يجب أن أنفذها قبل أن أترك البيت الأبيض، اسمها: قائمة المهملات..»..
كل عام، يجتمع المشاهير في الإعلام والسياسة والاقتصاد والترفيه في فندق «هيلتون» في واشنطن، في حفل رسمي، يرتدي فيه الرجال بدلات بربطات عنق سوداء، وترتدي النساء فساتين طويلة. ولأن كل مراسل صحافي في البيت الأبيض يقدر على دعوة شخص واحد، أي شخص، صاروا يدعون مشاهير هوليوود، ونجوم السينما والتلفزيون. لهذا، صارت المناسبة تسمى «هوليوود على نهر بوتوماك»، وكان هناك عدد من أعضاء مجلس الشيوخ، وقضاة المحكمة العليا، وبليونيرات الإنترنت. وطبعا، الرئيس والسيدة الأولى.
خلال حديثه الفكاهي، غمز أوباما وعلق على حملة الانتخابات الرئاسية لهيلاري كلينتون. وربطها بحالة عدم اليقين وسط الأميركيين بسبب المشكلات الاقتصادية. وقال: «كانت لي صديقة تكسب الملايين من الدولارات كل سنة. الآن تعيش في حافلة في ولاية أيوا».
وتندر على قادة الحزب الجمهوري في الكونغرس لأنهم دعوا رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، ليتحدث إلى الكونغرس، بينما كانت الولايات المتحدة تتفاوض على معاهدة حظر الانتشار النووي مع إيران. وقال أوباما: «هل تعلمون أن جون بوينار (رئيس مجلس النواب الذي دعا نتنياهو) دعا نتنياهو لإلقاء كلمة في جنازتي؟».
وطبعا، تندر أوباما على الصحافيين. وأشار إلى ممثلة في البرنامج الفكاهي «ساترداي نايت لايف» (ليلة الجمعة على الهواء) تندرت على مذيعة في قناة «سي إن إن». وقال أوباما: «شيء غريب. لماذا تتندر ممثلة على مذيعي (سي إن إن) بينما مذيعو (سي إن إن) هم أحسن من يتندرون على أنفسهم؟».
وتندر على قناة «إم إس إن بي سي» وقال: «كان الشتاء هذا العام باردا جدا، سجل أرقاما قياسية في هبوط درجات الحرارة، حتى صار يسمى (شتاء إم إس إن بي سي)»، إشارة إلى انخفاض الإقبال على القناة.
لكن أوباما ابتعد عن التندر، وأشار في جدية إلى حزنه العميق على الصحافيين ستيفن سوتلوف وجيمس فولي اللذين قتلتهما منظمة داعش في العام الماضي. وأشار إلى صحافي صحيفة «واشنطن بوست»، جاسون رزايان، الذي حوكم في إيران بتهمة التجسس. وقال إن رزايان «لم يفعل أكثر من الكتابة عن آمال ومخاوف المواطن الإيراني العادي. وأنا قلت له: لن يهدأ بالنا حتى تعود إلى عائلتك آمنا وسليما».
وصف بول فارحي، صحافي صحيفة «واشنطن بوست»، عشاء الصحافيين بأنه «حفل القوة والجمال».
كان هناك الذين جاءوا لمشاهدة الحاضرين، خصوصا نجوم هوليوود. وتجمع عدد كبير من الناس عند مدخل الفندق. وجاء بعضهم قبل ساعات من موعد العشاء، وصارت الصفوف طويلة، وأخرت موعد العشاء، ووصول الرئيس أوباما (كان هناك 2600 ضيف).
بدأت عادة عشاء مراسلي البيت الأبيض للرئيس في عام 1921. كان عشاء متواضعا للصحافيين، ثم بدأ رؤساء الجمهورية يحضرونه. ومثل حفلات «أوسكار» في هوليوود، صار مناسبة مثيرة لمدة أسبوع تقريبا، إذ تسبقه، وتعقبه، حفلات أخرى.
في الماضي، كان العشاء خاصا، لا يذاع، ولا يغطى مباشرة إلا بعد أن يخرج الصحافيون منه، لكن ليلة السبت أول من أمس نقلت الحفل مباشرة قنوات تلفزيونية، منها: «سي إن إن» و«فوكس» و«إم إس إن بي سي».
ومثل تغطية حفلات «أوسكار»، غطت القنوات وصول الضيوف، وعلقت على بدلات الرجال وفساتين النساء. ولساعتين، أهملت هذه القنوات الأخبار العاجلة، مثل زلزال نيبال المدمر، ومن ولاية ماريلاند مظاهرة كبيرة ضد قوات الشرطة بسبب قتلها رجلا أسود أعزل.
يمثل كثير من نجوم ونجمات هوليوود الذين حضروا في مسلسلات تلفزيونية لها صلة بواشنطن والسياسيين فيها، مثل: «هاوس أوف كاردز» (بيت أوراق اللعبة، عن الكونغرس)، و«فيب» (نائب الرئيس، عن نائب الرئيس)، و«سكاندل» (فضيحة، عن نساء الكونغرس)، و«هوملاند» (الوطن، عن الحرب ضد الإرهاب).
وفي الحفل، التقت بطلة مسلسل «مدام سكراتيري» (السيدة الوزيرة. وزيرة الخارجية)، تيا ليوني، مع مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الحقيقية السابقة. في وقت لاحق، قالت أولبرايت: «تحدثنا عن مجموعة متنوعة وواسعة من المواضيع، خصوصا وزارة الخارجية. سألتني عن نصيحة. قلت: في واشنطن، افتحي عينيك، وتابعي كل شيء (كوني حذرة)».
مثل حفل «أوسكار»، كانت هناك حفلات جانبية، منها: أولا حفل وكالة «رويترز»، إذ وضعت شاشة عملاقة ليشاهد الناس البث المباشر على البساط الأحمر (وصول الضيوف والمشاهير). وثانيا حفل وكالة «بلومبيرغ»، إذ وضع استوديو لنقل أخبار الحفل الرئيسي داخل مكان الحفل الصغير. وثالث حفل تلفزيون «إيه بي سي»، إذ شوهدت المذيعة كاتي كوريك مع قاضي المحكمة العليا أنتونين سكاليا. وأخيرا، كشف الصحافي بول فارهي قول «مصدر موثوق به» في البيت الأبيض له أن خطاب أوباما الفكاهي استغرق إعداده شهرا كاملا. واشترك في إعداده كتّاب نكات برامج فكاهية تلفزيونية، مثل «ساتدرداي نايت لايف» (ليلة السبت على الهواء)، و«ديلى شيو» (العرض اليومي).



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».