أهرامات السودان مهجورة وسط رمال الصحراء من غير سياح

عددها 220 هرمًا وهي أقدم من نظيراتها في الجيزة

مرشد سياحي سوداني ورجل أمن يعاينان أحد المعابد بالقرب من أهرامات مروي شمال الخرطوم.. التي تعتبر مهجورة على الرغم من كونها مشمولة بموقع اليونيسكو للتراث العالمي مثل تلك التي في الجيزة بمصر (أ.ب)
مرشد سياحي سوداني ورجل أمن يعاينان أحد المعابد بالقرب من أهرامات مروي شمال الخرطوم.. التي تعتبر مهجورة على الرغم من كونها مشمولة بموقع اليونيسكو للتراث العالمي مثل تلك التي في الجيزة بمصر (أ.ب)
TT

أهرامات السودان مهجورة وسط رمال الصحراء من غير سياح

مرشد سياحي سوداني ورجل أمن يعاينان أحد المعابد بالقرب من أهرامات مروي شمال الخرطوم.. التي تعتبر مهجورة على الرغم من كونها مشمولة بموقع اليونيسكو للتراث العالمي مثل تلك التي في الجيزة بمصر (أ.ب)
مرشد سياحي سوداني ورجل أمن يعاينان أحد المعابد بالقرب من أهرامات مروي شمال الخرطوم.. التي تعتبر مهجورة على الرغم من كونها مشمولة بموقع اليونيسكو للتراث العالمي مثل تلك التي في الجيزة بمصر (أ.ب)

تعتبر الحضارة النوبية والأهرامات السودانية التي يبلغ عددها 220 هرما هي الأقدم، لأن أهرامات الجيزة الكبيرة بنيت ردا على الأهرامات النوبية الصغيرة الحجم نسبيا.
وقبل 1500 عام من الميلاد أمر الفرعون تحتمس الثالث ببناء مدينة «نبتة» عقب احتلاله لأراضي النوبة لتكون مركزا للإقليم الجنوبي من مصر، وبقي شمال السودان (الذي عرف بكوش فيما بعد) تابعا للحكم الفرعوني لخمسة قرون كاملة خلفت خلالها الكثير من الآثار كهذا المعبد للإله آمون:
وإذا كانت إخوتها أهرامات الجيزة المصرية الثلاثة الشهيرة تجذب ملايين الزوار المحليين والأجانب سنويا، فالأهرام المائتان والعشرون السودانية يزورها بالكاد عشرات السودانيين وحفنة من الأجانب العارفين بوجود هذا الكنز المكنون. عند سفح أهرامات السودان، لا يزعجك أصحاب الجمال أو الخيل ليعرضوا على الزائر الركوب، فليس هناك زوار.
هدوء وسكينة لا يقطعهما سوى صوت الريح التي تغرف من رمال الأرض لتنثرها على الآثار مهددة إياها بالتأكل. لا يزاحم الزائر سوى سحال استوطنت أحد الأحجار العتيقة التي تستمد منها الظل من أشعة شمس حارقة. أربع ساعات تستغرقها الرحلة بين الخرطوم ومدينة «مروي» في الشمال، للوصول إلى سفح جبل بركل. ولكن قبل الأهرامات، تتوجب زيارة إلى موقع نقعة الأثري حيث معبد أبادماك، الإله الأسد.
على جدرانه الخارجية التي ترتفع بطول 5 أمتار نقوش رائعة تمثل الملك «نتك أماني» والملكة «آماني تيري». وإن كانت النقوش في خطوطها تشبه النقوش الفرعونية فإنها لا تخالفها في الجوهر.
فإذا كان الفنان الفرعوني المصري القديم قد جنح إلى المثالية في تصوير الأشخاص، فنظيره الفرعوني السوداني اختار أن يخرج فنا جميلا من الواقع بكل عيوبه. فالملكة لا تظهر منمقة رشيقة كمثيلاتها الفراعنة بل بأظافر طويلة غير مقلمة وبجسد ضخم يزداد امتلاء في جزئه السفلي إلى حد كاريكاتوري.
مروى كانت آخر عاصمة لمملكة كوش، أو النوبة. مملكة تمركزت على روافد النيل الأبيض والنيل الأزرق وبحيرة عطبرة. كانت مروي العاصمة الشمالية لمملكة نبتة مروي، ووفقا للنصوص المروية التي لم تفك شفرتها كليا فإن المملكة امتد عمرها من عام 800 قبل الميلاد حتى عام 350 ميلادية وكان اسمها ميدوي أو بيدوي (بحسب العالم لازولا توروك 1998). وقد كشفت الأبحاث الآثارية بجوار مناطق التكدس البشري أدلة هامة خصوصا في المدافن الملكية الكوشية في المقابر الغربية التي تعود لحقبة نبتة 800 قبل الميلاد إلى 200 قبل الميلاد. ويعود تطور الثقافة المروية للأسرة النوبية الخامسة والعشرون التي نشأت في كوش، وينسب تطور مفهوم الحياة المدنية في مروي لنظام الملك ارككماني الذي بدأ عام 280 قبل الميلاد عندما تم تحويل المدافن الملكية من جبل البركل في نبتة إلى مروي.وكانت كوش من أوائل الحضارات التي ظهرت في وادي النيل وسيطرت عليها مصر في البداية، حتى استقل النوبيون ووصلوا إلى أوج قوتهم، فانقلبت الآية واحتلوا مصر في القرن الثامن قبل الميلاد.
سيطر النوبيون على مجمل وادي النيل لمدة قرن من الزمان قبل أن يهزموا ويضطروا إلى التراجع إلى ما يعرف حاليا بالسودان.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».