تُشبع قرية «الجديدة» في العُلا رغبات زوار المدينة الواقعة شمال غربي السعودية، باحتضان الفنون كافة، فهي قلب ودماغ وروح الفن في العُلا، والمكان الذي لا يعرف زائره كيف يبدو الملل، حيث السينما والمسرح والغرافيتي والحِرف اليدوية والورش الفنيّة والمقاهي الإبداعية والحياة الملهمة الرحبة، في موقع مُجدد يحتفي بالفن والفنانين، ويعد نافذة إلى عمق التاريخ والإبداع والبهجة.
«الجديدة» هي وجهة يحلو استكشافها سيراً على الأقدام، فما يميزها أنها مكان مفتوح للمشاة، بأرصفة ملونّة وبديعة، زُينت قبيل أسابيع، لتصبح بمثابة السجادة الحضرية للمكان، ولوحته الفنيّة على الأرض. يرافقها رسوم «الغرافيتي» المتفرقة على الجدران، بألوان قوية ولافتة.
وفي الأعلى صُفت المصابيح بعشوائية جميلة لتُنير ظلمة المكان ليلاً، وتُكسبه صخباً ماتعاً.
وسابقاً، كانت المنطقة تبدو باهتة وفاقدة للحياة ليلاً، إلا أنها اليوم صارت حيّة ومنتعشة، مع ضجيج المارة وحراك المقاهي وعروض العزف الموسيقي المقامة مساءً من وقت لآخر، مما يضاعف متعة المكان الذي يجذب هواة السهر وجلسات الليل الطويل.
وتشهد «الجديدة» عملية تطوير ضمن جهود الهيئة الملكية لمحافظة العُلا في تمكينها كوجهة نابضة بالحياة لسكان العلا والفنانين والزوار، يشمل ذلك مناطق مشاة، مع السماح لسكانها بالوصول إليها بسهولة، لتعزيز تجربة متكاملة تضم البلدة القديمة والواحة الثقافية.
ولعشاق السينما المُتفردة ولغتها البصرية الرفيعة مكانهم في «الجديدة»، حيث تقع «سينما الحوش» التي تُقدم عروضها في الهواء الطلق، بقائمة من روائع الأفلام العربية والعالمية، ومقهى يتسع لرحابة الأفكار الإبداعية والنقاشات الفنية. وتسعى «سينما الحوش» إلى إثبات مكانتها كمركز للفنون والإرث الثقافي، معتمدة على جدول الأفلام المنتقاة والمنسجمة مع هذا التوجه.
وهذا الأسبوع، تُمجّد السينما الواقعة في «الجديدة» فلسفة الحياة الحلوة، إذ تعرض فيلم «لا دولتشي فيتا» ويعني بالإيطالية (الحياة الحلوة)، وهو فيلم كلاسيكي أنتج 1960 ويُعرض لأول مرة في السعودية. والأمر ذاته مع فيلم «يوم مر... يوم حلو» من تأليف وإخراج المصري خيري بشارة، عام 1988.
ليس هذا كل شيء، إذ تضم «الجديدة» ساحة واسعة لورش العمل، يقف عليها مدربون يشرفون على أعمال النحت والتلوين والتشكيل، لإنتاج قطع إبداعية من الخشب، مستوحاة من تراث وروح العُلا، يصنعها المتدربون المشاركون في الهواء الطلق، على أن يقوموا بالتسجيل مسبقاً عبر موقع إلكتروني مخصص لذلك، لحصر العدد وزيادة التركيز على متعة التجربة.
وقرية «الجديدة» غنية بالساحات المتنوعة، ورغم أن مساحتها محدودة فإنها مُستغلة بشكل جيد، ففي كل زاوية هناك شيء مختلف، إذ توجد ساحة الواحة التي تضم مجموعة من المقاهي والمطاعم ذات الجلسات المطلة على المزارع الرئيسية في العُلا، حيث تبدو النخيل كثيفة بلونها الأخضر وخلفها مجموعة من الجبال، وهناك ساحة السوق التي تقف عليها عربات «الفودترك»، وهناك ساحة الفنون الغنية بالتصاميم والأعمال المدهشة.
ويستوقف زائر «الجديدة» مطعم بتصميم ريفي غريب، وكراسي من الخوص بلا مساند للظهر، إنه «مون شِل» الذي يأتي بإدارة وطهي فتيات سعوديات من سُكان العُلا، يقدمن المأكولات في أطباق عضوية مصنوعة من غلاف جوز الهند، وتأتي غنية بالألوان والمكوّنات الصحية التي تتحوّل معها وجبة الطعام إلى مهرجان من النكهات الاستثنائية.
يوضح عاملات المطعم لـ«الشرق الأوسط» أن الحليب الطازج لا يُستخدم في تحضير الأطعمة، بل يستبدلن به حليب اللوز أو حليب الصويا أو حليب جوز الهند، حسب اختيار الزبون. والأمر ذاته مع الشاي الأحمر المفقود، والذي يُستعاض عنه بشاي الماتشا الياباني الأخضر، مما يجعل الزائر يشعر فعلياً بأنه جرّب شيئاً مختلفاً عن المُعتاد.
وتضيف الدكاكين المنتشرة في «الجديدة» حياة أخرى للمنطقة، ومعظمها يبدأ نشاطه بعد الرابعة عصراً، إذ تعرض نسوة وشبان العُلا منتجاتهم الحرفيّة وصناعاتهم التقليدية، ومن أهمها الخوص الذي يُصنع منه كثير من أثاث المنزل، كالحصير وسُفر الطعام والمراوح اليدويّة والسلال والزنابيل وأوعية التمور والحبوب وبعض أدوات المزارعين والبنائين.
وتجاور «الجديدة» البلدة القديمة في العُلا، على بُعد خطوات سيراً على الأقدام، والتي تحولت من بقعة مهجورة إلى موقع نابض بالحياة، وهي أيضاً جاذبة للسياح الذي تستهويهم المشغولات اليدوية والقطع الحرفية، بحيث يبدأ الزائر جولته من السوق الشعبية الواقعة في البلدة القديمة، ويختمها بقرية الجديدة، ليتلذذ بالفنون والمتعة البصرية والسمعية والحسية اللامحدودة.
قرية «الجديدة» في العُلا... شوارع رحبة تُمجّد الفنون
مزيج من الفن المعاصر والموروث المطوّر... مع تجارب خارج المألوف
قرية «الجديدة» في العُلا... شوارع رحبة تُمجّد الفنون
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة