بايدن يناقش استفحال الجريمة والسلاح خلال زيارة إلى نيويورك

69 % من الأميركيين غير راضين عن سياسات بايدن لمواجهة العنف المرتبط بالسلاح (رويترز)
69 % من الأميركيين غير راضين عن سياسات بايدن لمواجهة العنف المرتبط بالسلاح (رويترز)
TT

بايدن يناقش استفحال الجريمة والسلاح خلال زيارة إلى نيويورك

69 % من الأميركيين غير راضين عن سياسات بايدن لمواجهة العنف المرتبط بالسلاح (رويترز)
69 % من الأميركيين غير راضين عن سياسات بايدن لمواجهة العنف المرتبط بالسلاح (رويترز)

يخوض الرئيس الأميركي جو بايدن في قضايا الجريمة والسلاح المحفوفة بالمخاطر السياسية، خلال زيارة يجريها اليوم الخميس إلى نيويورك، حيث سلطت حوادث إطلاق نار قتل فيها عناصر من الشرطة الضوء على مخاوف متزايدة من اضطرابات عنيفة في كبرى المدن الأميركية.
ويلتقي بايدن الذي يرافقه وزير العدل ميريك غارلاند، رئيس البلدية الجديد للمدينة الديمقراطي الصاعد، إريك أدامز، في مقر شرطة نيويورك قبل أن يزور مسؤولين محليين في كوينز. ويؤكد المشهد المؤثر أمس الأربعاء لآلاف من عناصر شرطة نيويورك اجتمعوا في مانهاتن تكريماً لاثنين من زملائهم قتلا خلال استجابتهما لاتصال طلباً للمساعدة من أحد الأهالي في يناير (كانون الثاني)، على الضغط الذي سيواجهه الرئيس.
وقد تعرض ستة من عناصر الشرطة في ولاية نيويورك لإطلاق نار منذ مطلع العام وهم من بين قرابة 36 عنصراً تعرضوا لإطلاق نار على مستوى البلاد في يناير (كانون الثاني)، بحسب مركز Gun Violence Archive. وقد سجلت الجرائم الكبيرة ارتفاعاً بنسبة 38 في المائة هذا العام حتى الآن، بما يعكس زيادة في معظم المناطق الحضرية الكبرى.
وأظهرت دراسة أجراها «مجلس العدالة الجنائية» أن «الجرائم في 22 مدينة ارتفعت بنسبة 22 في المائة في 2021 مقارنة بعام 2020. وبنسبة 44 في المائة مقارنة بعام 2019. ومن سرقة سيارات في واشنطن أو هجمات خاطفة على متاجر في سان فرانسيسكو بداعي السرقة، تعكس نشرات الأخبار صورة قاتمة لبلد يسعى بصعوبة للإمساك بزمام الأمور في فترة ما بعد جائحة «كوفيد».
ويرجع خبراء موجة الجريمة، التي تظهر رغم ذلك أن المدن الأميركية أكثر أمناً مما كانت عليه في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، إلى مزيج من الاضطرابات الاجتماعية المرتبطة بالوباء وتداعيات عمليات توقيف فاشلة قتل فيها أشخاص من السود أو أصيبوا بجروح بالغة، على قوات الشرطة.
غير أن المسؤولية تُلقى بشكل متزايد على بايدن. فقد أظهر استطلاع أجرته «إيه بي سي-إيبسوس» ونشرت نتائجه الأسبوع الماضي أن 69 في المائة من الأميركيين غير راضين عن سياسات الرئيس الأميركي لمواجهة العنف المرتبط بالسلاح و64 في المائة لا يوافقون على تدابيره لمكافحة الجريمة.
وقال جو غآمالدي، نائب رئيس «جمعية إخوة الشرطة»، عبر محطة فوكس نيوز الأسبوع الماضي «مدننا ساحات حرب، بلدنا مضطرب وضباط الشرطة يُطاردون في الشارع. أين أنت سيدي الرئيس». ويتعرض بايدن لضغوط ليس فقط من اليمين، الذي يعتبره ضعيفاً في التصدي الجريمة، إنما أيضاً من اليسار الذي يطالب بإصلاحات شرطة، بل حتى تفكيك بعض أقسامها.
ويعتبر الجمهوريون، الذين يأملون في السيطرة على الكونغرس في انتخابات منتصف الولاية في نوفمبر (تشرين الثاني)، تحميل المسؤولية لبايدن والجناح الديمقراطي المطالب بـ«وقف تمويل الشرطة»، ورقة رابحة. غير أن العمل مع أدامز يعطي الرئيس فرصة لإثبات قدرته على سلوك المسار الصعب الفاصل بين أنصاره اليساريين ومنتقديه من اليمين.
سيناقش بايدن «استراتيجية شاملة لمكافحة الجريمة المرتبطة بالسلاح»، حسبما أعلن البيت الأبيض. وهذا «يتضمن مستويات تمويل قياسية لمدن وولايات لوضع مزيد من عناصر الشرطة في الخدمة والاستثمار في برامج منع أعمال العنف في المجتمعات والتصدي لها، إضافة إلى تعزيز الجهود الفيدرالية لتطبيق القانون في مواجهة مهربي الأسلحة غير الشرعيين». وهذا هو النهج الوسطي الذي يسعى أدامز إلى اتباعه.
وتولى أدامز الشرطي السابق في نيويورك، رئاسة البلدية في يناير (كانون الثاني) بعد فوزه مع وعود باعتماد أساليب أكثر صرامة على صعيد الشرطة مثل إعادة نشر وحدة سرية كان تم حلها. ويملك أدامز الديمقراطي الأسود الذي يزداد بروزاً على المستوى الوطني، رصيداً سياسياً ويبدو سعيداً بتشارك بعض منه مع بايدن.
وأشاد أدامز، الذي وصف نفسه سابقاً بأنه «بايدن منطقة بروكلين»، الاثنين بالرئيس وناداه بالصديق المقرب ومن «فئة العمال». وقال أدامز: «إنه رجل يمكنه تحمل مسؤوليات المدينة».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟