شبح الانقسام يطل على ليبيا من باب «العودة لحكومتين»

سياسيون يحذرون من الفوضى إذا لم يتم تدارك أجواء الخلافات

ويليامز خلال لقائها بمجموعات نسائية وشبابية ونقابية في طرابلس (حسابها الشخصي عبر «تويتر»)
ويليامز خلال لقائها بمجموعات نسائية وشبابية ونقابية في طرابلس (حسابها الشخصي عبر «تويتر»)
TT

شبح الانقسام يطل على ليبيا من باب «العودة لحكومتين»

ويليامز خلال لقائها بمجموعات نسائية وشبابية ونقابية في طرابلس (حسابها الشخصي عبر «تويتر»)
ويليامز خلال لقائها بمجموعات نسائية وشبابية ونقابية في طرابلس (حسابها الشخصي عبر «تويتر»)

رغم التقارب بين معسكري شرق ليبيا وغربها حول المسار العسكري خلال الأشهر الماضي، فإن تعقد المشهد السياسي بينهما بات يلقي بظلاله على البلاد، ويفتح الباب لسيناريوهات مختلفة قد تؤدي حسب مراقبين إلى «الفوضى والانقسام»، ما قد يسمح بالعودة إلى حكومتين متناحرتين، كما كان قبل عام مضى.
وتسعى المستشارة الأممية إلى ليبيا، ستيفاني ويليامز، إلى قطع الطريق على مجلس النواب، ومنع الإجراءات التي بدأها لتعيين شخصية جديدة لتشكيل حكومة جديدة وعزل عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» الحالية.
وفي ظل تمسك أطياف الشعب الليبي بضرورة تحديد موعد لإجراء الانتخابات العامة، قال النائب الدكتور محمد عامر العباني أمام مجلس النواب، أمس، إن «الليبيين يطالبون بسرعة إجراء الاستحقاق الانتخابي، وليس تعيين حكومة جديدة»، قبل أن يلفت إلى أن إنهاء حكومة الدبيبة يعني أيضاً «إسقاط المجلس الرئاسي»، الذي يترأسه محمد المنفي.
وللحيلولة دون انقسام البلاد بين حكومتين، وعدت ويليامز، التي التقت في العاصمة طرابلس نخبة من ممثلي النقابات والاتحادات والمنظمات النسوية والشبابية والمجتمع المدني، إضافة إلى أكاديميين وناشطين، أن الأمم المتحدة «ستواصل إعلاء وتكرار أصوات ما يقارب 3 ملايين ناخب مُسجل، والعمل مع المؤسسات ذات الصلة لإجراء الانتخابات الوطنية ضمن الإطار الزمني، الذي حددتهُ خريطة طريق ملتقى الحوار السياسي الليبي».
وقالت ويليامز إن اللقاء كان «فرصة رائعة للاستماع مباشرة إلى الشواغل الحقيقية للمواطن الليبي والقوى العاملة»، التي استعرضت وجهات نظر مختلفة حول كيفية المضي قدماً في إجراء الانتخابات، لافتة إلى أنهم «اتفقوا جميعاً على وجوب إجرائها في أسرع وقت ممكن، ودون مزيد من التأخير غير المبرر».
وفيما رأى سياسيون ليبيون أنه إذا لم يتم تدارك أجواء الانقسام، التي تخيم على البلاد راهناً، بالشكل الذي يمنع وجود حكومتين في ليبيا، فإن الأمور مرشحة لمزيد من التوتر، الذي قد يفضي إلى «ضياع مجهود عامين على الأقل من التفاوض السياسي حول وجود سلطة موحدة، والمصالحة وإنهاء الانقسام».
وللمرة الأولى وجهت المستشارة الأممية لوماً صريحاً للنخبة السياسية في ليبيا، كما غمزت من قناة مجلس النواب، وقالت إن «مدة تفويضه الممنوحة بموجب الانتخابات، التي جرت عام 2014 انتهت»، لافتة إلى أن «صلاحية المجلس الأعلى للدولة المنتخب قبل عشر سنوات انتهت» هي الأخرى.
وبحسب تصريحات لصحيفة «ذا غارديان» البريطانية، نقلتها وسائل إعلام محلية أمس، عبرت ويليامز عن استغرابها من تجاهل عملية الانتخابات، وماذا جرى بشأنها، ورأت أنه «من الممكن أن يعيد مجلس النواب الانتخابات إلى مسارها الصحيح، وأن يُنظم الانتخابات بحلول يونيو (حزيران) المقبل».
وقالت ويليامز بهذا الخصوص: «بدلاً من ذلك، حولوا انتباههم إلى لعبة الكراسي الموسيقية، وتشكيل حكومة جديدة»، مشددة على أنه «كان يجب على مجلس النواب تحديد موعد لإجراء الانتخابات قبل مناقشة الحكومة الجديدة، التي يكون تفويضها غير معروف».
وعبرت ويليامز عن خشيتها من أن «البعض قد يناور الآن لمزيد من التأخير، ويظل الصراع في النهاية قائماً على الأصول والسلطة والمال، وهو سبب وجيه للتشبث بالسلطة».
ولا تخفي بعض الشخصيات الدولية مخاوفها من انفلات الأوضاع في ليبيا، في ظل عدم تحديد موعد لإجراء الانتخابات، والمضي في تشكيل حكومة جديدة، إذ رأى ماركو مينيتي، وزير الداخلية الإيطالي الأسبق، أن «هناك مخاطر من حدوث تصدعات جديدة في ليبيا»، مبرزاً أن «ليبيا تجازف بالانقسام» بعد إرجاء الانتخابات التي كانت مقررة في 24 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وقال مينيتي وفقاً لوكالة «أكي» موضحاً أنه «إذا أصبحت هناك حكومتان من خلال فرضية الدولتين، فإن هذا المنحى قد يصبح خطيراً للغاية، فتنزلق الأوضاع في النهاية إلى أسوأ موقف ممكن، أو تقسيم ليبيا إلى مناطق نفوذ».
وكانت المستشار الأممية قد التقت رئيس حزب «السلام والازدهار» في طرابلس، محمد خالد الغويل، وأطلعته على أهداف مهمتها في ليبيا. وقالت عبر حسابها عبر «تويتر» مساء أول من أمس، إنها أجرت «نقاشاً جيداً حول رؤية الحزب لمستقبل البلاد، ومناقشة إعادة الانتخابات إلى مسارها كأولوية». وشددتُ على أهمية دور الأحزاب السياسية في الحياة المؤسسية والسياسية للبلاد، ورفع أصوات قرابة ثلاثة ملايين مواطن ليبي سجلوا أسماءهم للتصويت، قبل أن تؤكد على أن «السبيل الوحيد لحل أزمة الشرعية في ليبيا يتمثل في صناديق الاقتراع».



تحركات عربية مكثفة لحشد الدعم لخطة «إعمار غزة»

صورة جماعية للزعماء والقادة العرب المشاركين في القمة العربية الطارئة (الرئاسة المصرية)
صورة جماعية للزعماء والقادة العرب المشاركين في القمة العربية الطارئة (الرئاسة المصرية)
TT

تحركات عربية مكثفة لحشد الدعم لخطة «إعمار غزة»

صورة جماعية للزعماء والقادة العرب المشاركين في القمة العربية الطارئة (الرئاسة المصرية)
صورة جماعية للزعماء والقادة العرب المشاركين في القمة العربية الطارئة (الرئاسة المصرية)

في إطار تحركات عربية مكثفة لحشد الدعم لخطة «إعمار غزة»، يشارك وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي في اجتماعات «خليجية» و«إسلامية» بالمملكة العربية السعودية. وهي خطوة قال مصدر دبلوماسي عربي مطلع تحدث لـ«الشرق الأوسط» إنها «تأتي في إطار تفعيل مخرجات (قمة فلسطين) العربية الطارئة» التي عُقدت أخيراً بالقاهرة.

وبحسب إفادة رسمية لوزارة الخارجية المصرية، فقد «توجه عبد العاطي صباح الخميس إلى مكة المكرمة، للمشاركة في الاجتماع الوزاري المشترك مع دول مجلس التعاون الخليجي»، والذي يهدف إلى «تنسيق الجهود الإقليمية وتبادل الرؤى حول مختلف القضايا والموضوعات ذات الاهتمام المشترك».

وأضافت «الخارجية» المصرية أن عبد العاطي سيشارك، الجمعة، في الاجتماع الاستثنائي لوزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي الذي ينعقد بجدة، لبحث سبل دعم الشعب الفلسطيني في ظل مواصلة العدوان الإسرائيلي.

إسرائيل منعت دخول المساعدات إلى قطاع غزة في شهر رمضان (أ.ف.ب)

واستضافت مكة المكرمة، الخميس، اجتماعات مشتركة لوزراء خارجية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية مع نظرائهم في مصر وسوريا والمغرب والأردن، تزامناً مع انعقاد الدورة الـ163 للمجلس الوزاري الخليجي.

عربية - إسلامية

وكان عبد العاطي أشار في مؤتمر صحافي في ختام أعمال «قمة فلسطين» العربية الطارئة بالقاهرة الثلاثاء الماضي، إلى أن «بلاده ستسعى إلى اعتماد خطة إعمار غزة خلال الاجتماع الوزاري الاستثنائي لدول منظمة التعاون الإسلامي، حتى تكون خطة عربية وخطة إسلامية».

وفي السياق نفسه، عوّلت السلطة الفلسطينية على دعم إسلامي ودولي لخطة إعادة الإعمار، وفق رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى الذي أشار في مؤتمر صحافي مشترك مع أمين عام جامعة الدول العربية في ختام القمة، إلى تطلع السلطة لـ«اعتماد الخطة في الإطار الإسلامي وحصولها على دعم أعضاء المنظمة الـ57، قبل أن تنتقل للحصول على دعم من أوروبا والولايات المتحدة».

وأشار البيان الختامي لـ«قمة فلسطين» العربية الطارئة بالقاهرة إلى «التنسيق في إطار اللجنة الوزارية العربية - الإسلامية المشتركة لإجراء الاتصالات والقيام بالزيارات اللازمة للعواصم الدولية من أجل شرح الخطة العربية لإعادة إعمار قطاع غزة، والتعبير عن الموقف المتمسك بحق الشعب الفلسطيني بالبقاء على أرضه وحقه في تقرير مصيره».

حشد الدعم

ووفق مصدر دبلوماسي عربي مطلع، فإنه «من المنتظر أن تبدأ اللجنة التي ترأسها السعودية تحركاتها لحشد الدعم والتأييد الدولي في أقرب وقت»، مشيراً في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «اجتماع وزراء خارجية دول منظمة التعاون الإسلامي قد يكون نقطة البداية لعملها». وقال: «اللجنة ستبني على الجهود السابقة التي بذلتها منذ بدء حرب غزة».

يُذكر أن «القمة العربية - الإسلامية المشتركة غير العادية» التي عُقدت في الرياض في 11 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، كلفت لجنة وزارية ببلورة تحرك دولي لوقف الحرب على غزة، والضغط من أجل إطلاق عملية سياسية جادة وحقيقية لتحقيق السلام الدائم والشامل وفق المرجعيات الدولية المعتمدة.

وأجرت اللجنة الوزارية مباحثات في عدة دول، والتقت عدداً من رؤساء الدول والحكومات ووزراء الخارجية، وعدداً من المسؤولين في الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن، وعدداً من البلدان الفاعلة على الصعيد الدولي، لوقف الحرب في غزة.

بدوره، قال عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير محمد حجازي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحصول على الدعم الإسلامي سيقوي الخطة العربية لإعادة الإعمار»، لافتاً إلى «أهمية الدور الذي ستلعبه اللجنة العربية - الإسلامية لعرض الخطة على الإدارة الأميركية وشرحها للأطراف الدولية المعنية بهدف كسب الدعم لتنفيذها».

صورة من الجو التقطتها مسيّرة تُظهر حجم الدمار في بيت حانون بشمال قطاع غزة الأربعاء (رويترز)

مستشار رئيس «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور عمرو الشوبكي، عدّ التحركات العربية لحشد التأييد «محاولة لإيجاد آلية لتنفيذ خطة إعادة الإعمار عبر حشد الدعم والتأييد الدولي لها».

وقال الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «مخرجات (قمة فلسطين) تحتاج إلى الحشد في اتجاه إنهاء حرب غزة وبدء إعادة الإعمار لإنهاء مشروع التهجير». وأضاف: «من المهم إقناع الجانب الأميركي بالخطة البديلة»، مشيراً إلى أن «التمويل هو أحد التحديات الرئيسية التي تواجه تنفيذ خطة إعادة الإعمار».

وبعد ساعات من إعلان البيان الختامي للقمة رفضت إسرائيل المقترح، في حين قال البيت الأبيض إن الخطة «لا تعالج الأزمة الإنسانية المتفاقمة في القطاع»، واعتبرت وزارة الخارجية الإسرائيلية أن «القمة فشلت في معالجة الواقع بعد 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023».

خطة مرنة

ورداً على ذلك، قال الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، في تصريحات متلفزة مساء الأربعاء، إن خطة إعمار قطاع غزة «مرنة تماماً»، معرباً عن اعتقاده بأن الجانب الأميركي سيطرح استفسارات عند عرضها عليه، و«تستطيع مصر التجاوب معها وتطوير الخطة دون إخراج السكان من القطاع»، مستشهداً في هذا الصدد بتجارب مدن عدة دُمرت خلال الحرب العالمية الثانية ولم يخرج سكانها منها.

وفي هذا السياق، قال حجازي إن «الخطة العربية التي اعتمدتها (قمة فلسطين) الطارئة تعتبر مبادرة متكاملة تجيب عن كل التحديات، بما في ذلك إعادة الإعمار ووضع غزة في (اليوم التالي)»، مشيراً إلى أن «الخطة أُعدت بالاستعانة بتقارير المنظمات الدولية، وتتضمن إعادة الإعمار على مراحل، تبدأ بمرحلة الإغاثة المبكرة ومدتها 6 أشهر بتكلفة 3 مليارات دولار، تعقبها مرحلة إعادة الإعمار التي تستمر من ثلاث إلى خمس سنوات بتكلفة تصل إلى 50 مليار دولار».

ولفت عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية إلى أن «الخطة تتضمن أفقاً سياسياً أكبر، وتدعم الجهود الدولية للسلام».