مصر تتوسع في استخدام تقنيات «الاستشعار عن بُعد» أثرياً

مصر تتوسع في استخدام تقنيات «الاستشعار عن بُعد» أثرياً
TT

مصر تتوسع في استخدام تقنيات «الاستشعار عن بُعد» أثرياً

مصر تتوسع في استخدام تقنيات «الاستشعار عن بُعد» أثرياً

القاهرة: عصام فضل

في محاولة لتوظيف التقنيات التكنولوجية الحديثة في مجال الآثار، تتوسع مصر بشكل لافت في استخدام تقنيات الاستشعار عن بُعد للكشف عن الكنوز الأثرية المدفونة في باطن الأرض، مما أسهم في إحداث طفرة كبيرة في عدد الاكتشافات الأثرية خلال العامين الماضيين، وفق خبراء الآثار.
ويتم حالياً تنفيذ الكثير من المشروعات الأثرية عبر استخدام تقنيات المسح الجيوفيزيقي للحفاظ على سلامة المعالم الأثرية ومراقبة حالتها على مدار الوقت باستخدام الرادار وطائرات من دون طيار، خصوصاً في المناطق الأثرية التي شهدت زحفاً عمرانياً كبيراً ووضعها وسط مناطق سكانية شديدة الازدحام.
تقنيات الاستشعار عن بُعد بأنواعها العلمية المختلفة، تعمل على استكشاف باطن الأرض ورسم خريطة تفصيلية لمحتوياتها كي تتمكن البعثات الأثرية من التنقيب في المكان الصحيح.
ويقول الأثري الدكتور هشام حسين، المشرف على شؤون المجلس الأعلى للآثار في جنوب سيناء لـ«الشرق الأوسط»: إنّ «استخدام تقنيات الاستشعار عن بُعد أحدث طفرة هائلة في الاكتشافات الأثرية، إذ تُستخدم الأقمار الصناعية أو الرادار، أو يُركّب جهاز في الطائرات لتمسح بعض المناطق المستهدفة وترسم خريطة تفصيلية للآثار الموجودة في باطن الأرض».
ويشير حسين إلى أنّ «أحد الأقمار الصناعية الأميركية كان قد التقط صوراً كثيرة لسيناء خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي، وعقب رفع السرية عن هذه الصور ونشرها علمياً استعنّا بها في الكثير من الاكتشافات، حيث استخدمت إحدى البعثات الأجنبية الصور التي تعود إلى عام 1956، وقارنّاها بالصور الحالية للمنطقة والوضع على الأرض، ووجدنا أنّه حدث تغيير جغرافي كبير، لكن الصور القديمة للقمر الصناعي أظهرت مكان الكثير من الآثار التي اختفت تحت سطح الأرض، وبينها إحدى القلاع».
ومن بين الاكتشافات الأثرية الحديثة التي استُخدمت فيها تقنيات الاستشعار عن بُعد، منطقة آثار تل الفرما في شمال سيناء، التي شهدت اكتشافات متنوعة خلال العام الماضي، أبرزها الكشف عن بقايا مبنى ضخم من العصر اليوناني الروماني مشيّد بالطوب الأحمر والحجر الجيري كان مقراً لمجلس الشيوخ، حيث أشارت الدراسات المبدئية أنّ التخطيط المعماري للمبنى ومكان إنشائه يرجحان أنّه قد استُخدم لعقد اجتماعات شيوخ المدينة وممثلي المواطنين إبان حكم البطالمة والرومان، كما كُشف أيضاً عن كهف أثري في منطقة وادي الظُّلمة بداخله مجموعات متنوعة وفريدة من المناظر المنحوتة في الصخر.
وشملت الاكتشافات الأثرية بواسطة تقنيات الاستشعار كذلك، بعض المواقع المهمة في مدينة صان الحجر بمحافظة الشرقية (شرق دلتا مصر) المعروفة باسم «تانيس»، وهي مدينة متكاملة تضمُّ آثاراً من العصور الفرعوني واليوناني والروماني، ومنطقة وادي النصب في جنوب سيناء، التي شهدت الكشف عن بقايا مبنى تاريخي كان يُستخدم مقراً لقائد بعثات التعدين المصرية في سيناء خلال عصر الدولة الوسطى، ويقع المبنى في وسط مناطق تعدين النحاس والفيروز، وعُثر داخل إحدى غرفه على ورشة لتجهيز الفيروز تحتوي على أحجار لتشكيل وتجهيز وتنظيف الفيروز التي لا تزال تستخدم مثيلاتها حتى الآن، كما عُثر في المنطقة المجاورة للمبنى على ثلاث مغارات لاستخراج خام النحاس.
ويُعدّ المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية شريكاً علمياً رئيسياً في مجال الآثار بالتعاون مع وزارة السياحة والآثار المصرية، والبعثات الأجنبية العاملة في مصر، حيث يتولى المعهد الكثير من المهام العلمية في عمليات التنقيب والترميم والحفاظ على سلامة المعالم الأثرية، عبر تقنيات حديثة، منها «التنقيب الجيوفيزيقي»، وفقاً للدكتور جاد القاضي، رئيس المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، عضو اللجنة العلمية الدائمة للآثار في وزارة السياحة والآثار، الذي يقول لـ«الشرق الأوسط»: إنّ «التنقيب الجيوفيزيقي يتم بطرق علمية كثيرة، من بينها استخدام الرادار الجوي (الستالايت) أو الأرضي، وهذا يتضمن وسائل متنوعة، من بينها الوسائل المغناطيسية، والكهرومغناطيسية، والتصوير الكهربي، والتصاقلية الأرضية، والليزر ثلاثي الأبعاد، وباستخدام هذه الأجهزة نقوم بعمل تخطيط متكامل للمنطقة».

مشيراً إلى أنّه «يتم رسم صورة تفصيلية لما يوجد تحت سطح الأرض من خلال دراسة الطبيعية الفيزيائية لتكوين التربة، للتعرف على تفاصيل كل ما يوجد في الباطن على أعماق كبيرة، سواء طوباً أحمر أو لَبِناً أو تكوينات صخرية، وهو ما يجعل بعثة التنقيب تحفر في مناطق محددة وتعرف مسبقاً ما تبحث عنه».
ومن أبرز الاكتشافات الأثرية التي استُخدم فيها التنقيب الجيوفيزيقي، اكتشاف «المدينة الذهبية المفقودة» في مدينة الأقصر (جنوب مصر) في منتصف العام الماضي، التي وُصفت بأنّها أكبر مستوطنة صناعية وإدارية في العصر الفرعوني، وهي مدينة متكاملة يعود تاريخها إلى عهد الملك أمنحتب الثالث الذي حكم مصر بين عامي 1391 و1353 قبل الميلاد.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».