قناصة الحوثي يواصلون تعطيل عمل المستشفيات.. والجثث ملقاة في الشوارع

مدير مستشفى الجمهوري لـ {الشرق الأوسط} : الوضع في تعز مأساوي بسبب الحوثيين

قناص عضو في المقاومة الجنوبية أثناء المواجهات مع ميليشيا الحوثيين في عدن أمس (رويترز)
قناص عضو في المقاومة الجنوبية أثناء المواجهات مع ميليشيا الحوثيين في عدن أمس (رويترز)
TT

قناصة الحوثي يواصلون تعطيل عمل المستشفيات.. والجثث ملقاة في الشوارع

قناص عضو في المقاومة الجنوبية أثناء المواجهات مع ميليشيا الحوثيين في عدن أمس (رويترز)
قناص عضو في المقاومة الجنوبية أثناء المواجهات مع ميليشيا الحوثيين في عدن أمس (رويترز)

تعيش مدينة تعز وسط اليمن أوضاعا إنسانية متدهورة في ظل المعارك المسلحة غير المتكافئة ما بين ميليشيات الحوثي والقوات الموالية للرئيس السابق بأربعة ألوية عسكرية، والمقاومين من أبناء المدينة ووجهائها مسنودين بكتيبة واحدة من اللواء 35 مدرع المؤيد للقيادة السياسية الشرعية للبلاد.
وتزايدت بشكل ملحوظ خلال الأيام القليلة الماضية أعداد النازحين من مدينة تعز وسط اليمن إلى منطقة «وادي الضباب» المنطقة السياحية الخلابة، والآمنة في الوقت الراهن، على بعد 30 كلم من مركز المدينة جراء اشتداد وطأة المعارك المسلحة.
وتعاني جميع مستشفيات المدينة نقصًا شديدًا في المواد والمستلزمات الطبية، وبخاصة مواد التخدير والأكسجين، وكل ما هو متعلق بالإسعافات الأولية الخاصة بالطوارئ، إضافة إلى امتلاء ثلاجات الموتى في جميع مستشفيات المدينة حسبما علمت «الشرق الأوسط» من أطباء وممرضين في المدينة.
وقال الدكتور راجح المليكي مدير مستشفى الجمهوري الحكومي، ثاني أكبر مستشفى في المدينة، في حديث موسع لـ«الشرق الأوسط» إن «الوضع الصحي والإنساني في المدينة مأساوي بكل معنى الكلمة»، مشيرًا إلى «وجود جثث ملقاة في شوارع المدينة في موقع المواجهات الدائرة في شارع المطار القديم لم تتمكن الطواقم الطبية من انتشالها رغم نجاحها في انتشال 6 جثث، على الأقل، خلال الساعات الثماني والأربعين الماضية». وأضاف: «لدينا مشكلة في امتلاء ثلاجة الموتى في المستشفى إلى درجة أن فيها ضعف قدرتها الاستيعابية، وعدم قدرتنا على استقبال المزيد من الحالات. اليوم مثلاً قامت الفرق الطبية بانتشال جثتين من الشارع مجهولتي الهوية، كما وصلتنا 6 حالات وفيات لم نتمكن سوى من قبول حالتين فقط، وتم توزيع بقية الحالات على ثلاجات خاصة سعتها صغيرة»، معللاً أسباب ذلك بـ«القدرة الاستيعابية المتدنية»، إضافة إلى «وجود بعض الجثث في الثلاجة منذ سنوات، رغم مطالبتنا المتكررة للنيابة»، حسب قوله.
ونوّه المليكي بأن أحد أكثر أسباب تفاقم الوضع الصحي في المدينة يعود إلى «صعوبة الوصول إلى مناطق الاشتباك ومحيطها السكاني، بسبب عدم الامتثال للقوانين والأعراف العالمية المتعلقة بالحرب وسلامة الفرق الطبية وعمال الإغاثة، وانتشار القناصة وتمركزهم في المباني والأماكن المرتفعة، إضافة إلى حالات القتل قنصًا التي شهدتها المدينة مؤخرًا»، في إشارة إلى مقتل سائق سيارة الإسعاف عبد الحليم الأصبحي في 20 أبريل (نيسان) برصاص قناصة أثناء محاولته نقل وإسعاف عدد من الجرحى في أطراف المدينة.
وأوضح مدير مستشفى الجمهوري أن تلك الجريمة صعّبت مهام العاملين في الإغاثة الطبية، وقيّدت إلى حد كبير حركة طواقم الإسعاف، مشيرًا إلى أنه «تم الاتفاق بعد الحادثة، فيما بين المستشفيات الحكومية (الجمهوري والثورة) والخاصة، بالتنسيق مع الهلال الأحمر، بعدم السماح لطواقم الإسعاف بالتحرك والاستجابة الفورية لنداءات الاستغاثة إلا بعد إبلاغ دائرة أمن المحافظة، وغرفة العمليات في مكتب الصحة بتعز الذي يتولى بدوره الربط والتنسيق ما بين الأمن والوحدات والطواقم الطبية».
وذكر المليكي في اتصال أجرته معه «الشرق الأوسط» أن مستشفى الجمهوري، شأن بقية مستشفيات المدينة، «يعاني نقصًا شديدًا في الأدوية والمستلزمات الطيبة وبخاصة مواد التخدير والأكسجين والأدوية والمواد المتعلقة بقسم الطوارئ والإسعافات الأولية، إضافة إلى المياه والوقود». وأضاف: «انعدام المشتقات النفطية في السوق المحلية وارتفاع أسعارها في السوق السوداء زاد الطين بلة وتسبب في تفاقم الوضع الصحي أكثر». وقال بشيء من التفصيل: «أساسًا لدينا مشكلة في المخصص الشهري المعتمد من قبل وزارة الصحة للمستشفى لشراء الوقود والمشتقات النفطية، إذ لا يلبي 10 في المائة من الاحتياج الفعلي في الأوضاع الطبيعة وليس في الوضع الحالي؛ فالمبلغ المعتمد من وزارة المالية للمستشفى الجمهوري لشراء الزيوت والمحروقات 200 ألف ريال (تعادل ألف دولار) بينما احتياجاتنا الفعلية تتخطى 350 ألفا شهريًا في الأوضاع الاعتيادية، وتشمل بطبيعة الحال نقل وحركة الطاقم الطبي فكيف في الوضع الحالي وفي ظل انعدام الوقود وتضاعف أسعاره؟!».
وزاد: «نحن من دون كهرباء منذ 9 أيام، وبالكاد وفي أحسن الأحوال تعود لساعتين فقط نهارًا وساعتين ليلاً». واستطرد قائلاً: «نحن مستشفى كبير. السعة السريرية في المستشفى 520 سريرًا في حين أن السعة السريرية الفعلية بحدود 340 سريرًا، فضلاً عن المراكز المتخصصة داخل المستشفى كالغسيل الكلوي، انقطاع الكهرباء بالنسبة لنا كارثة إنسانية. لدينا في المستشفى مولدان كهربائيان كبيران يستهلك كل منهما على حدة، دبتي ديزل في الساعة (أي 40 لتر ديزل)، وبالتالي وفي الوضع الحالي وانقطاع التيار الكهربائي لعشرين ساعة يوميًا نحتاج في المستشفى إلى شراء مشتقات نفطية بقيمة مليون و200 ريال (ستة آلاف دولار) قيمة الديزل فقط دون البترول، وبالسعر الحكومي لا أسعار السوق السوداء».
وحول الحالات التي استقبلها مستشفى الجمهوري منذ اندلاع المواجهات وزحف ميليشيات الحوثيين والقوات الموالية لصالح، قال الدكتور المليكي: «معظم الإصابات، سواء الجرحى أو القتلى، كانت بالرصاص الحي في مناطق البطن والصدر والأرجل والأيدي مسببة كسورا للمرضى. بعض الإصابات كانت ناجمة عن طلقات معدّل (مضاد) وليس كلاشنيكوف وكان أثر إحداها مروعًا حتى إن الرجل اليمني الجريح وكل عضلات وعظام الفخذ انشالت بفعل الطلقة».
وأضاف: «بالمجمل أجرينا عشرات العمليات الجراحية خلال الأيام الماضية. الإصابات الناجمة عن الشظايا والانفجارات تأتي بدرجة أقل من الإصابات بالرصاص الحي. وصلت إلينا أيضا بعض الإصابات بالحروق وتمت إحالتها لمستشفى الثورة لكونه مجهزًا بمركز متخصص في علاج الحروق. إضافة إلى إصابات ناجمة عن القذائف التي سقطت هنا في حارة الجمهوري، وكذا في الشارع المقابل للواء 35 مدرع حيث تدور المعارك قرب مطار تعز، وقد استقبلنا أول من أمس جريحًا أصيب إصابات بليغة بشظية سببت تمزقًا في الأمعاء وضرب الجهاز البولي ولكن تم إنقاذه والحمد لله».
ودعا الدكتور راجح المليكي إلى سرعة إغاثة مستشفيات المدينة وتزويدها بالأكسجين ومواد التخدير والمشتقات النفطية والمياه على نحو الخصوص، مشيدًا بجهود «الهلال الأحمر والمنظمات التي وفرت الكثير من احتياجات المستشفى من الأدوية».
وكانت مدينة تعز وريفها، الشاسع والمترامي الأطراف، قد شهدا خلال الأسابيع الأولى من غارات عاصفة الحزم موجات نزوح كبيرة، حيث توافد إليها النازحون من محافظات عدة أبرزها صنعاء وعدن وإب، مما أسهم في تفاقم الوضع الإنساني والمعيشي في المدينة. وتعد تعز أكبر محافظة يمنية من حيث عدد الكثافة السكانية بتعداد سكاني تجاوز 4 ملايين نسمة، وأكثرها مدنية وتعليمًا وأقلها، حتى وقت قريب، حملاً للسلاح وثقافة تمجيده المتفشية، بحكم طبيعتها وتركيبتها الاجتماعية غير القبلية.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.