توفيق الراجحي: مطلوب عقلنة نفقات تونس وإنجاز «الإصلاحات الكبرى»

وزير الإصلاحات الاقتصادية الكبرى السابق قال لـ «الشرق الأوسط» إن «الوظيفة العمومية» أصبحت نوعاً من أنواع «المنوال التنموي»

الوزير السابق للشؤون الاقتصادية والإصلاحات الكبرى في رئاسة الحكومة التونسية توفيق الراجحي
الوزير السابق للشؤون الاقتصادية والإصلاحات الكبرى في رئاسة الحكومة التونسية توفيق الراجحي
TT

توفيق الراجحي: مطلوب عقلنة نفقات تونس وإنجاز «الإصلاحات الكبرى»

الوزير السابق للشؤون الاقتصادية والإصلاحات الكبرى في رئاسة الحكومة التونسية توفيق الراجحي
الوزير السابق للشؤون الاقتصادية والإصلاحات الكبرى في رئاسة الحكومة التونسية توفيق الراجحي

يعد الوزير السابق للشؤون الاقتصادية والإصلاحات الكبرى في رئاسة الحكومة التونسية توفيق الراجحي، الشخصية الوحيدة التي حافظت على موقعها حوالي 5 أعوام كاملة. وبذلك عمل مع 4 حكومات في عهدي الحبيب الصيد ويوسف الشاهد مكلفاً بـ«الإصلاحات الكبرى»، لكن النقابات والسياسات «الشعبوية» عرقلت إنجاز تلك الإصلاحات، فاستقال وتفرغ للعمل مجدداً في المؤسسات الدولية والجامعات العالمية.
كيف ينظر الراجحي إلى التحديات الجديدة التي تواجه اقتصاد تونس، وسياسات حكوماتها، في ظل تحذيرات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي ومؤسسات أوروبية وأميركية؟ وما هي خريطة الطريق التي يقترحها لإجهاض سيناريوهات «الانهيار الاقتصادي الشامل» و«تفكك الدولة»؟
بهذه الأسئلة وغيرها واجهت «الشرق الأوسط» الراجحي في حوار صحافي جاء كالتالي:

> كيف تقيم تطورات الوضع الاقتصادي في ظل استفحال مؤشرات الأزمة في كل القطاعات وتراكم عجز ميزانية الدولة وديونها بشكل غير مسبوق؟
- تعاني تونس مثل العديد من الدول النامية من اختناق في تمويل منوال تنمية اجتماعي خذله ضعف النمو الاقتصادي وتراجع «خلق الثروات» وارتفاع سقف المطالب والاحتجاجات الاجتماعية والنقابية في ظرفية تراكمت فيها الآثار السلبية لجائحة «كورونا».
وتفتح تونس عام 2022 في ظل أزمة تمويل المنوال العمومي الاجتماعي، فاستفحلت أزمة المالية العمومية، وهو ما سيتسبب في كوارث مالية واقتصادية واجتماعية وعواقب أمنية وسياسية خطيرة، إذا لم تنجز الإصلاحات الاقتصادية في أقرب وقت.
> لكن نقطة قوة السياسات الاقتصادية والاجتماعية منذ عقود في تونس أنها استثمرت في قطاع تنمية الموارد البشرية؟ فهل بلغ «المنوال التنموي» المعتمد مداه وبات ضرورياً تغييره؟ وما حقيقة المنوال التنموي الاجتماعي بتونس؟
- من بين المفارقات الكبرى أن ترتيب تونس الدولي متقدم، فهو 58 بين 168 دولة في مؤشر التقدم الاجتماعي العالمي لعام 2021، وهي تتصدر قائمة الدول الأفريقية والعربية، ما عدا الكويت، وذلك بمؤشر يساوي 73 فاصل 95 نقطة من بين 100 نقطة.
علماً بأن مؤشر التقدم الاجتماعي يحصي كل التدخلات والخدمات الاجتماعية التي تقدمها الدولة من صحة وتعليم وتحويلات اجتماعية.
زد على ذلك تصنف تونس الأولى أفريقياً من حيث ضعف مؤشر الفقر المتعدد الأبعاد لسنة 2021، تليها الجزائر، بما يعني أن تونس قطعت خطوات كبيرة في مجال مكافحة الفقر والتنمية البشرية.
يدعم هذا الترتيب النفقات العمومية الكبيرة التي ترصدها الدولة في مجال تدخلاتها الاجتماعية في سنوات «الانتقال الديمقراطي» منذ 2011، وهو خيار أكدته ميزانية 2022.
تونس تنفق أكثر من 6 في المائة من ناتجها الوطني الخام في دعم المحروقات والكهرباء والغاز والمواد الأساسية، وهو ما يقارب 18 في المائة من المداخيل. بالإضافة إلى ذلك تخصص الدولة المبلغ نفسه تقريباً من مداخيلها الذاتية للمساعدات الاجتماعية المباشرة.
هذه الإحصائيات تؤكد أن الدولة في تونس تلعب دور «الدولة الراعية»، فزادت أعباؤها الاجتماعية رغم ضعف مواردها الذاتية... وهو ما يهدد المنوال التنموي في حد ذاته.
> في هذا السياق المتأزم، كيف يمكن لتونس أن توفر تمويلات موازنتها لعام 2022؟
- في ظل ضعف الموارد الذاتية للدولة وضعف معدلات النمو الاقتصادي تلجأ الدولة إلى الاقتراض الداخلي والخارجي، مما يزيد مخاطر أزمة المالية العمومية.
كما ارتفع معدل المديونية إلى حوالي 90 في المائة من الناتج الوطني الخام، بينما لم يتجاوز الـ40 في المائة في 2010، أي قبل انتفاضة 2011، وبدء مرحلة الانتقال الديمقراطي. وقد اضطرت الدولة إلى أن تقترض من البنك الدولي عام 2021 وحده حوالي 300 مليون دولار لتمويل برامج المساعدات الاجتماعية للمتضررين من وباء «كورونا».
يحصل هذا في ظل نمو ضعيف وتراجع مردود قطاعات مهمة مثل الفوسفات والنفط... وتراكم فشل العديد من المؤسسات العمومية للدولة التي كانت توفر مداخيل ذاتية للدولة عبر صادراتها ومرابيحها مثل شركات الطيران والموانئ والكهرباء والغاز.
يضاف إلى ذلك أن الدولة تنفق حوالي 17 في المائة من الناتج الوطني و17 في المائة من مداخيلها الذاتية في كتلة الأجور، وهو رقم قياسي عالمياً.
وأصبحت «الدولة الراعية» تدعم القدرة الشرائية للمواطنين عبر زيادات كبيرة في الأجور، تحت ضغط نقابات الموظفين والنقابات، وتعتمد على الانتدابات في القطاع العام لمحاولة امتصاص البطالة بسبب تراجع فرص إحداث مواطن شغل في القطاع الخاص.
وبذلك أصبحت «الوظيفة العمومية» نوعاً من أنواع «المنوال التنموي» الاجتماعي، الذي تعجز الدولة عن تمويله، عبر مواردها الذاتية فتعمقت أزمة المالية العمومية وارتفعت نسب المديونية.
> هل الأزمة في تمويل المنوال التنموي الاجتماعي أم في المنوال في حد ذاته؟
- المنوال الاجتماعي التونسي حصيلة تطور تاريخي منذ الاستقلال وهو متجذر في الثقافة التونسية، لكنه يشكو من أمرين: نقص موارد الدولة وعدم نجاعة كثير من الأنشطة والخدمات التي يقدمها.
كيف يمكن إيجاد حل لمعضلة التمويل؟ لا يمكن ذلك إلا إذا تحقق النمو الاقتصادي والإصلاحات الكبرى... ولا بد من تحقيق نسبة نمو لا تقل عن 4 في المائة سنوياً، وهو ما استحال تحقيقه طوال العشرية الماضية لأسباب عديدة.
الحل الثاني هو إنجاز «الإصلاحات الكبرى» بجرأة وشجاعة، خصوصاً تلك التي لديها علاقة بالمالية العمومية وحوافز النمو والاستثمار.
إن إصلاح المالية العمومية يستوجب في العمق النظر في العناصر المكونة لنفقات الدولة وترشيدها وعقلنتها بما يخدم الطبقات الضعيفة والمتوسطة.
ولا يمكن إهدار مزيد من المال العام بتعلة عدم توفر ظروف ملائمة للإصلاح أو تزايد تأثير الشعبوية السياسية والمطلبية الاجتماعية. هذه عوامل عمقت أزمة البلاد خلال العشرية الماضية، ثم استفحلت بعد انتخابات 2019.
الشعبوية عدوة الإصلاحات وتناميها في تونس رغم مركزية السلطة يعني مزيداً من تأخر الإصلاحات، التي تبدو غير شعبية ومكلفة انتخابياً وسياسياً، وتتعارض مع منطق «المصالح المكتسبة». لذلك تتباطأ الحكومات في إعلانها، خصوصاً في مرحلة التجاذبات السياسة التي تمر بها تونس منذ أعوام.
الحل يبدأ بالتوافق الاجتماعي والتحكم السياسي في الإصلاحات، وفي وجود قيادة سياسية حكيمة مؤمنة بالإصلاحات مدعومة بفريق اقتصادي متماسك وموحد.
إن الفشل في تحقيق الإصلاحات قد يؤدي إلى اضطرابات وانفجارات وأزمة اجتماعية اقتصادية أمنية كبرى وغير مأمونة العواقب.



السعودية تسطر التاريخ باعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم

جانب من المؤتمر الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم في الرياض (الشرق الأوسط)
جانب من المؤتمر الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم في الرياض (الشرق الأوسط)
TT

السعودية تسطر التاريخ باعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم

جانب من المؤتمر الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم في الرياض (الشرق الأوسط)
جانب من المؤتمر الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم في الرياض (الشرق الأوسط)

سطرت السعودية التاريخ، بعد أن جمعت البلدان الأعضاء في المنظمة العالمية للملكية الفكرية، المكونة من 193 دولة، للاتفاق على معاهدة الرياض لقانون التصاميم، وهي تركز على تعظيم الأثر والقيمة على المنظومة بشكل عام، وذلك بعد مرور 20 عاماً على هذه المعاهدة التي لم تر النور إلا من عاصمة المملكة.

جاء ذلك مع ختام أعمال مؤتمر الرياض الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم، في حدث لأول مرة منذ أكثر من عقد من الزمن تعقد فيها المنظمة العالمية للملكية الفكرية «الويبو» مؤتمراً دبلوماسياً خارج جنيف، وهو الأول الذي يُقام في السعودية والشرق الأوسط، ليمثل المرحلة الأخيرة للمفاوضات الخاصة باعتماد معاهدة هذا القانون، التي تستهدف تبسيط إجراءات حماية التصاميم، من خلال توحيد المتطلبات.

وشهد الحدث، خلال الأسبوعين الماضيين، نقاشات وحوارات مكثفة بين البلدان الأعضاء من أجل الوصول إلى معاهدة تلتزم فيها الدول الأعضاء بالمتطلبات الأساسية لتسجيل التصاميم، وأثرها الإيجابي على المصممين، لتصبح هناك إجراءات موحدة تُطبَّق على جميع الدول.

العائد الاقتصادي

وفي رده على سؤال لـ«الشرق الأوسط»، خلال المؤتمر الصحافي مع ختام هذا الحدث، اليوم الجمعة، قال الرئيس التنفيذي للهيئة السعودية للملكية الفكرية، عبد العزيز السويلم، إنه من خلال الدراسات يوجد هناك نسب عالية جداً للشباب والفتيات في إبداع التصميم بالمملكة، وستكون ذات أثر اقتصادي بمجرد أن يكون المنتج قابلاً للحماية، ومن ثم للبيع والشراء.

وأكد الرئيس التنفيذي أن اختيار اسم «معاهدة الرياض» يعكس المكانة التي تحتلها المملكة بوصفها جسراً للتواصل بين الثقافات، ومركزاً لدعم المبادرات العالمية، كما أن اعتماد المعاهدة يُعد إنجازاً تاريخياً يعكس تعاون ومساهمة البلاد في الإطار الدولي للملكية الفكرية، وفتح آفاق جديدة للتعاون بين الدول الأعضاء.

ووفق السويلم، هذه المعاهدة ستسهم في وضع أسس قانونية مهمة تحقق الفائدة للمصممين، وتدعم الابتكار والإبداع على مستوى العالم.

وتعكس «معاهدة الرياض» رؤية المملكة في تعزيز التعاون الدولي بمجال الإبداع ودورها القيادي في صياغة مستقبل مستدام للمصممين والمبتكرين؛ وقد استكملت المفاوضات في الوصول إلى اتفاق دولي للمعاهدة.

توحيد الإجراءات

وتُعد نقلة نوعية في مجال توحيد إجراءات إيداع التصاميم، لتسجيلها على مستوى دول العالم، وتوفير بيئة قانونية تدعم الابتكار والإبداع في مختلف القطاعات.

هذا الإنجاز يرسخ مكانة المملكة بصفتها وجهة عالمية لدعم المبادرات المبتكرة، ويعكس التزامها بتوفير بيئة مشجِّعة للإبداع تحمي حقوق المصممين وتسهم في ازدهار الصناعات الإبداعية على مستوى العالم.

وكانت الهيئة السعودية للملكية الفكرية قد استضافت، في الرياض، أعمال المؤتمر الدبلوماسي المعنيّ بإبرام واعتماد معاهدة بشأن قانون التصاميم، خلال الفترة من 11 إلى 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، بمشاركة الدول الأعضاء في المنظمة العالمية للملكية الفكرية، بحضور رفيع المستوى من أصحاب القرار.