تعرّف «اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC)» في مادتها الأولى تغير المناخ بأنه «التغير في المناخ الذي يُعزى بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى النشاط البشري الذي يغير من تركيب الغلاف الجوي العالمي، والذي يشكل إضافة إلى تقلبية المناخ الطبيعية الملاحظة خلال فترات زمنية متماثلة». وعلى ذلك؛ فإن «الاتفاقية الإطارية» تميز بين تغير المناخ الذي يُعزى إلى الأنشطة البشرية التي تغير من تركيب الغلاف الجوي، وتقلبية المناخ التي تُعزى إلى أسباب طبيعية.
البراكين والمناخ
ومن أسباب تغير المناخ التي تُعزى إلى الأنشطة البشرية حرق الوقود الأحفوري، وحرق الغابات، وقطع الأشجار. أما الأسباب الطبيعية لتغير المناخ؛ فتشمل الإشعاع الشمسي، وثورات البراكين، وأيضاً «التذبذب الجنوبي لظاهرة إل نينيو (ENSO)». ورغم أن الثورات البركانية قد تكون أقل تواتراً، فإنها قد تكون أكبر وأبعد تأثيراً على المناخ، والأمن الغذائي، والنقل؛ بحسب بعض الدراسات. كما أشارت دراسات أخرى إلى أن حوادث ثوران البراكين إذا حدثت على نطاق واسع فستكون لها تأثيرات أكبر مع استمرار احترار المناخ.
أخيراً أظهرت النماذج التفصيلية لتأثير الثورات البركانية على «التذبذب الجنوبي لظاهرة إل نينيو» أن استجابة المناخ لتلك الأحداث تتوقف على توقيت الثورة البركانية والظروف التي تسبقها.
في هذا الإطار؛ تُسهم دراسة بحثية حديثة قادها الباحثان إيفجينيا بريديبايلو والبروفسور جورجي ستنشيكوف، أستاذ علوم وهندسة الأرض في «جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)»، في حسم جدل طال أمده بشأن دور الثورات البركانية في اضطرابات المناخ العالمي.
توضح بريديبايلو قائلة: «إن (التذبذب الجنوبي لظاهرة إل نينيو) سمة من سمات المناخ الاستوائي في المحيط الهادي، حيث تتأرجح أنماط درجات الحرارة، وهطول الأمطار، والرياح، بين مراحل (إل نينيو) الأكثر دفئاً ومراحل (لا نينيا) الأكثر برودة، وتحدث كل فترة تتراوح بين عامين و7 أعوام»، موضحة أنه نظراً للمساحة الشاسعة التي تشغلها المنطقة الاستوائية من المحيط الهادي، يتحكم «التذبذب الجنوبي لظاهرة (إل نينيو)» في المناخ في أجزاء أخرى كثيرة من العالم، «وهو مسؤول عن أحداث الجفاف والفيضانات والأعاصير وموجات الحر الشديد، وغيرها من الظواهر الجوية القاسية... وإذا ما أردنا تقييم تلك المخاطر، فمن الضروري أن نضع تصورات وتنبؤات مناسبة للسلوك الذي يمكن أن يسلكه في المستقبل»؛ حسب قولها.
تشير النماذج المناخية إلى أن «التذبذب الجنوبي لظاهرة (إل نينيو)» شديدة الحساسية للاضطرابات الخارجية، مثل زيادة معدلات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، أو الثورات البركانية. ومن المعلوم أن الثورات البركانية الكبرى، مثل ثوران بركان جبل بيناتوبو في الفلبين عام 1991، أحدثت حالة من البرودة واسعة النطاق؛ نتيجة لانعكاس أشعة الشمس، غير أنه كان يصعب إثبات تلك التأثيرات باستخدام النماذج.
نموذج مناخي
يقول سيرغي أوسيبوف، أحد أفراد الفريق البحثي: «تعذر في السابق الوصول إلى إجماع من خلال النمذجة بشأن كيفية استجابة المحيط الهادي مناخياً لمثل تلك الثورات البركانية الضخمة، وذلك في ظل تنبؤ النماذج المناخية باستجابات متنوعة؛ بل ومتناقضة في كثير من الأحيان».
ونظراً إلى أن مناخ المنطقة الاستوائية من المحيط الهادي هو ذاته شديد التباين، فلا بد من إجراء عملية النمذجة بعناية؛ للتمييز بين استجابة المحيط المدفوعة بالثورات البركانية، وتلك الناتجة عن التغيرات العشوائية. وهذا يتطلب عدداً كبيراً من عمليات المحاكاة المناخية، باستخدام نموذج قادر على محاكاة كل من التأثير الإشعاعي للثورات البركانية ودورة واقعية من دورات «التذبذب الجنوبي لظاهرة (إل نينيو)». ولتحقيق هذا الهدف، تعاون الفريق مع الدكتور آندرو ويتنبرغ من جامعة «برينستون» بالولايات المتحدة لتشغيل النموذج المناخي المعروف باسم «CM 2.1» باستخدام الكومبيوتر العملاق لدى «كاوست».
تقول بريديبايلو: «بعد إجراء أكثر من 6000 آلاف عملية محاكاة مناخية تغطي نحو 20 ألف سنة نموذجية، وتحليل البيانات، وجدنا أن استجابة (التذبذب الجنوبي لظاهرة إل نينيو) للثورات البركانية الستراتوسفيرية تعتمد اعتماداً شديداً على التوقيت الموسمي للثورة البركانية، وحالة الغلاف الجوي والمحيط في منطقة المحيط الهادي في ذلك الوقت».
وقد أظهرت الدراسة، على وجه الخصوص، أنه حتى الثورات البركانية الضخمة للغاية يكون لها تأثير ضئيل على «التذبذب الجنوبي لظاهرة (إل نينيو)» في الشتاء أو الربيع، في حين أن الثورات البركانية الصيفية تؤدي في جميع الأحوال تقريباً إلى استجابة مناخية قوية. وتضيف بريديبايلو: «من الممكن أيضاً تطبيق المبادئ والأساليب التي ابتكرناها في دراستنا على أنواع مختلفة من بيانات الرصد ودراسات التغير المناخي متعددة النماذج في المستقبل، بما يشمل تأثيرات الاحترار العالمي».