لا تحب الفنانة التشكيلية هلا آل خليفة الواقعية الفجة. تترك في أعمالها، سواء كانت لوحات، أو تجهيزات، مكاناً لخيال المتأمل. حتى حين استوحت من أقفاص الصيد تجهيزاتها، أخرجتها من تقليديتها لتعطيها بُعداً رومانسياً، جمالياً، وهي تزينها بشرائط زرقاء صغيرة، كأنما هي أجنحة لطيور، وحوّلتها من مجرد أداة يستخدمها الصيادون، إلى دوائر أو نصف دوائر من الشباك التي تستعد للتحليق.
مؤخراً، عرضت الفنانة مجموعتها الجديدة، المكونة من 17 عملاً من الحجم الكبير، بينها جدارية لافتة، في قلعة الرفاع التاريخية في البحرين. والأعمال جميعها مستوحاة من رمز واحد هو «البرقع»، الذي يستخدم أثناء تدريب الطيور للاقتراب منها وترويضها.
هي لم تبتعد كثيراً عما شغلها باستمرار، أي البقاء على صلة بالبيئة المحيطة بها والتراث البحريني الذي لا يزال حياً، وتلفتها دائماً تلك العلاقة بين الماضي وما نعيش. «أحب أن آخذ عناصر من التراث وأطورها وأعطيها بُعداً معاصراً، وأنا أقدمها بقالب جديد»، تقول هلا آل خليفة لـ«الشرق الأوسط». «البرقع هو الغطاء الذي يستخدم لتغطية عيني الطير أو الصقر في رياضة الصيد، كي نهدئ من روعه. تلك رياضة مهمة لآبائنا وأجدادنا، ولا أزال أتذكر كيف كنت أرى وأنا طفلة طيور أبي». خلال الجائحة ولدت الفكرة. «ثمة شبه ما بين البرقع الذي يستخدم لتغطية عيون الطيور، كي تشعر بالطمأنينة والهدوء، وتكف عن التوثب، والكمامة التي هي نوع آخر من البرقع، استخدمناه نحن كبشر ليحمينا ونشعر معه بشيء من الأمان، في مواجهة فيروسات لا نراها، لكننا نعرف أنها موجودة».
الفكرة تقول هلا «قد تبدو بسيطة لكنها شغلتني بالفعل أثناء الحجر. كان لهذا الشبه تأثيره الكبير في نفسي. رسمت كثيراً جداً، لم أتوقف عن الرسم، إلى أن توصلت لأن أختار هذه المجموعة، من بين كل الرسوم التي وضعتها».
أخذت هلا هذه الرمزية تحديداً، لأنها لا تزال حية. «نحن في البحرين، نصنع هذه البراقع، ودائماً هم رجال الذين ينجزونها يدوياً من الجلود والخيوط، وبكثير من العناية».
اللوحات الجديدة لولا عنوان المعرض «البرقع» لربما يشعر الناظر إليها، أنها تذهب به إلى عوالم أخرى. أعمال فيها الكثير من القسوة، بسبب طغيان الألوان المائلة إلى البرتقالي والأحمر، ما يعطي انطباعاً بأن ثمة عنفاً ما، دماً ربما يسيل. تلفت الفنانة إلى أن البرقع ليس أسود دائماً كما كررته في جداريتها التي تصدرت مكان العرض، وإنما يصنع من مختلف الألوان بما فيها الأحمر والأزرق. تصوير وجه الطائر ووضعية البرقع في كل لوحة، والزاوية التي ينظر منها إلى المشهد، تجعل من كل عمل مشهداً حمال أوجه واحتمالات. لا تمانع الفنانة، لا بل تشجع، أن يرى كلٌّ العمل من وجهة نظره. «أنا لست رسامة ناعمة. حين أرسم كأنما هناك شيء ما يغلي في داخلي ويريد أن يخرج مني، لكنني أتمنى أن يكون غلياناً حميداً. أريد لكل شخص أن يرى في لوحاتي ما يحب وما يحلو له. قد تبدو للبعض بعض اللوحات قلقة لا تبعث على الطمأنينة، وأشعر ربما العكس أنها تحمل جمالاً ما. هذه هي أهمية الرسم التشكيلي».
سعيدة هلا بنت محمد آل خليفة لأن أعمالها عرضت في قلعة الرفاع العريقة. هو أمر يتناسب مع موضوع اللوحات، وربما يعطيها المزيد من الوهج، خاصة أن براقع خشبية بحجم كبير، لوّنت بالأزرق، احتلت هي الأخرى مساحة من باحة القلعة. فهي حريصة على ألا تكون الأعمال الفنية دخيلة على مكان له مهابته.
رسمت هلا خلال الحجر عشرات اللوحات المستوحاة من البرقع. وكان المشهد بالنسبة لها ذا مغزى، وهي ترى زوار المعرض يطوفون بلوحاتها المستوحاة من البرقع وهم يضعون كماماتهم، وكأنما المقابلة بين المشهدين، أكملت فكرة المعرض، ولم تكن لتكتمل دون هذا. «المعروضات ليست سوى جزء صغير من كل ما رسمت. واخترت ما اعتقدته الأفضل».
لا تزال هلا آل خليفة مشغولة بالفكرة نفسها. الجدارية التي رسمت عليها براقع بالجملة، واللوحات الأخرى من الحجم الكبير، إضافة إلى التجهيزات، وعشرات الأعمال التي لم تعرض بعد، لم تكن كافية، لتجعلها تقتنع بأنها وصلت إلى منتهى هذه التجربة في المقابلة بين أداتين، كلتاهما لها وظيفة محدودة، لدى الطير والإنسان لكنها شديدة الأهمية والفائدة، وربما أن لها قدرة على الترويض أيضاً.
هلا آل خليفة تقابل في لوحاتها بين «برقع» الطير والكمامة
مجموعة جديدة مستوحاة من حجر الجائحة
هلا آل خليفة تقابل في لوحاتها بين «برقع» الطير والكمامة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة