محمد القاسمي في معرض بمراكش

«العمل مكشوفاً» يرصد ثلاث مراحل من تجربته

TT

محمد القاسمي في معرض بمراكش

بعد «عبق الحرية» في 2017. يعود رواق «لو كومبتوار دَي مين» بمراكش ليقترح على عشاق الفن التشكيلي معرضاً ثانياً للفنان التشكيلي المغربي الراحل محمد القاسمي، تحت عنوان: «العمل مكشوفاً».
وبالنسبة للمنظمين، فالمعرض، الذي يتواصل إلى التاسع من فبراير (شباط) المقبل، يسعى إلى سرد تاريخ وتجربة الفنان الراحل عبر المعارض.
ويمكن القول إن المعرض يرسم بورتريهاً لتجربة هذا الفنان المتميز الذي طبع مسيرة الفن التشكيلي المغربي بأعماله، وذلك من خلال ثلاثة محاور حملت عناوين: «نهاية آيديولوجيا جماعية لحركة الدار البيضاء» (1979 - 1982) و«محيطات لقطعها» (1982 - 1988)، و«نحو عالمية» (1988 - 1995).
يدعو المعرض زواره لاكتشاف فترات فنية متنوعة ومتلاحقة من تجربة الفنان الراحل، وذلك ما بين ثمانينيات ومنتصف تسعينيات القرن الماضي، تناول خلالها الراحل التغييرات العميقة التي شهدها العالم خلال هذه الفترة.
ويقترح المعرض لوحات بأحجام متفاوتة وصفت بالخاصة والنادرة، تتخللها صور فوتوغرافية بالأبيض والأسود تنقل لجانب من «حياة» الفنان، بينها صور من داخل مرسمه. وبالنسبة لإدارة الرواق، فـالصور الأرشيفية تسعى الكشف عن بعدين قويين للغاية عند القاسمي، بعدٌ أول يهم الجانب الحميمي، فيما يهم الثاني الجانب الأثري لبعض أعماله التي تم إنتاجها خلال بعض المشاريع الكبرى، تشمل بيناليات وعروضاً في الفضاء العام.
وحرصت إدارة الرواق على توفير كتاب فني حول المعرض، يعرف بالمعروضات كما يوفر فرصة للوقوف على آراء كتاب بارزين جاوروا وعايشوا تجربة الراحل، بينهم عبد اللطيف اللعبي وعبد الكبير الخطيبي ومحمد بنيس.
ومما نقرأ لبنيس عن تجربة القاسمي: «يجتمع القاسمي باستمرار إلى السكن في ليل المغامرة. هناك يختار الإنصات لما يهيئ انفجار ذاته بتواجه لا يستقر مع ما يؤطر هذه الذات ويقعدها. وفي هذه الأعمال الأخيرة يختبر القاسمي فعل جسد الآخر في الجسد الشخصي. إنه فعل سديمي منفتح على شبقية الحياة كشعلة زرقاء. دفعة واحدة يمزق حجاب القواعد الباردة ليقتحم الخلايا في هذيانها. بهجيج الماء أو هجيج النار (لا فرق) يكون الاتصال رحيلاً متوتراً عبر خطوط تأكل تكوينها وترعى أنساق تفتتها، حتى تبلغ الألوان والأشكال حد الالتئام والتلاشي. لا صمتاً تخطفك اللوحة، بل جموحاً تستولي على الحواس. ضربة فرشاة أو ضربة نرد. ربما. عندها ينهض فيضان الرغبة في اختراق عقال القياسات. أزرق. رمادي. بني. أسود. نشيد يعيد إيقاع الشهوة، وفي الاسترسال تفرح الأعضاء باحتفال سفرها الليلي بين خلجان الآخر جسداً تتعشقه لغة تسمى بدورها من غير تمنع ولا مواربة. في جسد الآخر تتعرف على جسدك بانعطافة تتحصن ضد ذوبانك. تسمية مضاعفة لاختلاط دم بما يجعل من هبوب قوة حيوية لغناء لا يقبل التأجيل».
وكان القاسمي، هذا «الفنان المثقف، الذي لامست أعماله أقسى وأقصى درجات تشظي الكائن ومعاناته في عالم ممسوخ»، حسب قول الشاعر والفنان التشكيلي المغربي عزيز أزغاي، قد توفي في 2003. بعد مرض، هو الذي عاش، بحسب الناقد الفني عبد الله الشيخ» مناضلاً في فنه كما في حياته، فظل «داعية لترسيخ قيم السلم والتسامح في العالم ضد تيارات العولمة المادية الكاسحة»، منتصراً لكل القضايا العادلة، معتبراً الفن «فعل مساندة وتضامن»، و«الرسم طريقة لإسماع صوت المستضعفين والمقهورين وشكل من أشكال مقاومة التسلط والاستبداد»؛ لذلك، يبقى «من صناع الجمال القلائل بالمغرب الذين التزموا بميثاق التشكيل كخرائطية الترحال في كل مدارات الكائن المهووسة بالبحث عن الكينونة»، حيث «كل الخلفيات اللونية (السوداء، الزرقاء، الغمراء، الترابية...) بمثابة حلقات طقوسية تنشد الحلم الذي لا مبتدأ له ولا منتهى عبر حركة داخلية منسابة تنفي الحدود الوسائطية بين الأعلى والأسفل».
وبالنسبة للشيخ، فالقاسمي «لم ينخدع، قط، بأوهام سوق الفن وتهافتاته المرضية ولم ينبطح أمام أصنام الفن التشكيلي المعاصر بالمغرب ومدعي أبوته التاريخية، فظل طيلة حياته منصتاً لحسه وتفكيره العميقين، منخرطاً في كل قضايا عصره الحقوقية والسياسية والاجتماعية والثقافية، حيث ساهم في الحركة الأدبية داخل المغرب وخارجه رافضاً التقليعات الأسلوبية المكرسة بالقوة لا بالفعل. إن الراحل بشهادة أصدقائه وكل معاصريه لا يفتعل الهم الثقافي العضوي، بل يحرص على تقديم عمل فني بكل معنى الكلمة منفتح باستمرار على دينامية القراءة والتأويل لأنه بكل بساطة يسائل البصر والبصيرة».
في معرض «العمل مكشوفاً»، بمراكش، بعد نحو عقدين من الزمن على رحيله، نتعرف على وجه آخر للقاسمي. وجه الشاعر، من خلال قصيدة باللغة الفرنسية تحت عنوان: «شهرزاد والحرب»، اختيرت لمرافقة بعض أعمال الفنان في مرحلتها الثالثة، هو الذي صدر له بباريس عمل شعري باللغة الفرنسية تحت عنوان «صيف أبيض» (1989)، علاوة على عمل مشترك مع الشاعر والروائي حسن نجمي، تحت عنوان «الرياح البنية» (1993)، مثَّل، على رأي الشاعر والناقد عبد الحق ميفراني، «تجربة إبداعية متميزة جعلت الشعر واللوحة أفقهما الفعلي لإعادة تأثيث لحظة الخراب التي خلفتها صدمة الحرب بما هي لحظة مرجعية لفعل الكتابة لغة ومادة».
ولد القاسمي بمكناس عام 1942. وبدأ مشواره الفني منذ بداية الستينيات قبل أن يطبع المشهد الفني التشكيلي المغربي بتجربته التي أكدت قيمته داخل وخارج البلد، ليتوج مسيرته بالحصول على الجائزة الكبرى للإبداع في المغرب لسنتين قبل رحيله.



هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.