في يوم الانتخاب في ألاباما عام 1874، ظهر كودجو لويس، وبولي ألين، وتشارلي لويس في مكان اقتراعهم للإدلاء بأصواتهم ليوقفهم تيموثي ميهير، الرجل الذي استعبدهم ذات مرة.
صاح ميهير لمسؤولي الانتخابات: «هل ترى هؤلاء الأفارقة؟ لا تدعهم يصوتون. إنهم ليسوا من هذا البلد»، وبالفعل أُبعدوا.
حدثت مثل هذه المواجهات خلال إعادة الإعمار في الجنوب حين سعى الرجعيون البيض لانتزاع بطاقة الاقتراع من الناخبين السود. لكن هذه التجربة كانت فريدة من نوعها. فعلى عكس الأميركيين الأفارقة الذين عانى أسلافهم من «الممر الأوسط» (ممر تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي حيث نُقل ملايين الأفارقة المستعبدين قسراً إلى الأميركتين كجزء من تجارة الرقيق) في الأجيال السابقة، وُلد هؤلاء الرجال الثلاثة في أفريقيا ولم يُحضروا إلى الولايات المتحدة إلا في عام 1860، على متن سفينة «عبيد» تسمى «كلوتيلدا».
بتمويل من ميهير وقبطانها ويليام فوستر، أبحرت السفينة من ألاباما إلى بنين الحالية، حيث اشترى فوستر العبيد، في تحدٍ للحظر الفيدرالي والدولي على تجارة الرقيق في المحيط الأطلسي. وبعد رحلة عودة محفوفة بالمخاطر استغرقت ستة أسابيع، وصلت «كلوتيلدا» بالقرب من نهر «موبايل» وعلى متنها 110 أفارقة أجبروا على النزول عراة تحت جنح الليل.
كان أحدهم يبلغ 19 من العمر ويدعى كوسولا، وأُطلق عليه لاحقاً، اسم كودجو لويس، وظل في ألاباما حتى وفاته في عام 1935. وفتاة تدعى سالي «ريدوشي» سميث، التي عاشت حتى عام 1937. كانا آخر الناجين من آخر رحلة مسجلة لسفينة العبيد القادمة من أفريقيا إلى الولايات المتحدة.
أحرق كلٌ من ميهير وفوستر السفينة «كلوتيلدا» وأغرقاها لدفن جريمتهما، وظلت بقاياها مفقودة حتى عام 2018، عندما رفع المؤلف بن رينز قطعة من الخشب بمسمار كبير مربع من حطام سفينة مغمورة قبالة جزيرة «تويلف مايل» في نهر «موبايل». وبعد عام، أكد علماء الآثار أنّه عثر على «كلوتيلدا»، مما ساهم في تنشيط الجهود لإحياء ذكرى رفقاء السفينة. ففي «سفينة الرقيق الأخيرة»، يقدم رينز تقريراً عن هذا الاكتشاف وعواقبه.
يبدأ السرد المتسارع بالرحلة ويتتبع الناجين من «كلوتيلدا» بعد الحرب الأهلية. وبعد التحرر، جرى لم شمل العديد من الأسرى من المزارع حيث قسمهم ميهير. كانوا يأملون بالعودة إلى ديارهم، وعندما ثبت أنّ هذا مستحيل ورفض ميهير تقديم الأرض لهم بديل أجرهم، وفّرت المجموعة المال لشراء قطعة أرض منه ومن العبيد السابقين الآخرين، لإنشاء مجتمع في ألاباما سمي «أفريكاتاون».
وصلتنا هذه القصة لأن رفقاء السفينة تجرأوا لاحقاً على روايتها. ففي أوائل القرن العشرين، في ذروة «قوانين جيم كرو»، أجرت إيما لانغدون روش مقابلات مع سكان «أفريكاتاون» ونشرت العديد من قصصهم. في عام 1927، زار زورا نيال هورستون كودجو لويس وأخبرها بنبأ الهجوم على قريته من قبل محاربي «داهوميون»، الذين قتلوا أفراد عائلته وخطفوا أولئك الذين أجبروا فيما بعد على ركوب السفينة «كلوتيلدا». وقد نُشرت رواية «باركون» حسب سرد هورستون عن تلك المحادثات في عام 2018.
يستند رينز إلى هذه الروايات وغيرها لإعادة سرد قصة الأسرى، بينما يرسم أيضاً السياق الجيوسياسي الذي دفع ميهير للمراهنة بشكل صحيح على أنّه يمكن أن ينتهك حظراً في الكونغرس على العبودية الدولية (ساري المفعول منذ عام 1808) ويفلت من العقاب.
تضمن الكتاب عدة أخطاء. فلم يكن مؤسسو «أفريكاتاون» أول الأشخاص المحررين الذين يسعون للحصول على الأرض أو التعويضات، كما يشير رينز. لم تكن الجهود المبذولة لإعادة فتح تجارة الرقيق في خمسينات القرن التاسع عشر مدفوعة في الواقع بالمخاوف من «انهيار اقتصاد الجنوب». يجب على القراء الذين يتطلعون إلى فهمٍ أفضل للتواطؤ الأميركي في العبودية عبر المحيط الأطلسي قبل الحرب الأهلية، الرجوع إلى كتاب جون هاريس «آخر سفن الرقيق».
ما يميز كتاب رينز ليس فقط قصة هذا الاكتشاف، ولكن أيضاً وجهة نظره كمرشد في دلتا نهر «موبايل - تنسو»، وهو موضوع كتابه السابق، «إنقاذ أمازون أميركا». يستحضر رينز بوضوح المشهد المائي الذي خطى فيه الأفارقة، وهو مستنقع مليء بالتماسيح كان في يوم من الأيام مليئاً بالنباتات العشوائية الطويلة، الذي تغيرت ملامحه الآن بفعل السدود الكهرومائية. وأدت معرفة هذه الممرات المائية أيضاً إلى تحديد رينز موقع «كلوتيدا» في مكان كان الباحثون السابقون يتجاهلونه.
ساعدهم عمل رينز مراسلاً بيئياً، في تعزيز قدرته على شرح صراعات «أفريكاتاون» الحديثة أيضاً. ففي عام 1927، بُني جسر جديد للطريق السريع أدى إلى تقسيم المكان، وانتقلت الصناعة الثقيلة حيث أجّر أحفاد ميهير، الذين ما زالوا ملاكاً للأراضي، العقارات لمصانع الورق. وعبأت مداخن الرماد وغيرها من الملوثات الضارة المدينة التي بناها رفاق السفينة.
أدى دمج «أفريكاتاون» في الستينات بمنطقة «موبيل» إلى إنعاش مرافق المدينة وإلى جلب المزيد من الصناعات. ونظراً لأنّ المطورين وأصحاب العقارات دمروا المساكن، فقد رحل العديد من سكان مجتمع السود المزدهر. هُدم منزل كودجو لويس وباتت المنطقة الآن مدمرة بسبب مدافن النفايات السامة التي يشرف عليها المسؤولون الذين ينظرون إلى التنظيم البيئي الفيدرالي بازدراء، كما كان ميهير ينظر في السابق إلى حظر الكونغرس لتجارة الرقيق. ودمر إعصار كاترينا مركز استقبال صغيراً يقع في منزل متنقل.
اليوم، يأمل النشطاء وأحفادهم بأن تجلب المنح الجديدة للسياحة التي ركزت على السفينة «كلوتيلدا» مؤخراً، الموارد اللازمة للمجتمع. وذكر أحدهم هدفه أمام رينز قائلاً: «عليهم تصحيح ما فعلوه بأفريكاتاون طيلة هذه السنوات».
ماذا يعني «عودة الحق»؟ يعالج رينز هذا السؤال في فصلين آخرين. تدور المحاور الأولى حول رحلة إلى بنين، حيث يجد رينز جهوداً موازية لتعزيز السياحة المتعلقة بتجارة الرقيق، ويقابل قساً يدعو إلى «المصالحة» بين أحفاد الجناة والناجين من العبودية. في كودا، يكتب رينز عن اجتماع بين دارون باترسون، رئيس جمعية أحفاد كلوتيلدا، ومايك فوستر، حفيد حفيد شقيق قبطان سفينة «كلوتيلدا». وبعد اعتذار متوتر من فوستر، تناول هو والعديد من أحفاد قبطان «كلوتيلدا» وجبات الهامبرغر سوياً وتبادلوا العناق والضحك والدموع في حانة تسمى «كازولا» تكريماً لاسم كودجو لويس الأفريقي، وهنا كتب رينز يقول إن «المصالحة قد بدأت».
ورغم ذلك، وبالنظر إلى ما رواه رينز عن صدمات العبودية والظلم العنصري والقوى الجبارة التي سلبت المدينة الأفريقية، فإنّ تلك اللحظة لا تبدو كأنها إصلاح، بل مجرد بداية صغيرة.
لم يتمكن رينز من لقاء أحفاد مباشرين لفوستر أو ميهير للتحدث أو تبادل التحف الفنية. قبل وفاته في عام 2020، أخبر جو ميهير، حفيد ممول السفينة، كاتباً آخر أنّه ووالده قد فجرا سراً أجزاء من الحطام بالديناميت. ومؤخراً في عام 2012، بينما تعثرت شركة «أفريكاتاون»، امتلك جو ميهير وإخوته عقارات بقيمة 35 مليون دولار. واليوم عندما يأخذ رينز الزوار إلى حطام السفينة، فإنه يطلق قاربه من حديقة حكومية سميت باسم أحد أفراد عائلة ميهير، الذين «بدوا غير مهتمين في الغالب بالمصالحة».
أعلن علماء الآثار مؤخراً أنّ «كلوتيلدا» محفوظة بطريقة جيدة، مما يؤكد أهميتها الدولية. لكن أفراد المجتمع لا يزالون على خلاف مع المسؤولين المحليين، وأحياناً مع بعضهم البعض، بشأن الأسئلة الرئيسية فيما إذا كان يجب رفع كلوتيلدا؟ وما نوع المتحف الذي تستحقه؟ وما الذي يتطلبه «إرجاع الحق»؟
من الواضح أن قصة آخر سفينة عبيد لم تنته بعد، وبالكاد بدأ «الحساب غير العادي» الذي لمح إليه العنوان الفرعي لكتاب رينز.
حطام آخر سفينة «للرقيق» يفضي إلى محاسبة الجناة
القصة الحقيقية للعثور على «كلوتيلدا»
حطام آخر سفينة «للرقيق» يفضي إلى محاسبة الجناة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة