المصممان دولتشي وغابانا لـ «الشرق الأوسط»: نتمنى أن نكون كسبنا القلوب

يوم الخميس الماضي، وفي الوقت الذي كانت فيه باريس تحتضن أسبوعها الخاص بالأزياء الراقية «الهوت كوتور» بحركة شبه طبيعية ولأول مرة بعد عامين تقريباً، كانت المملكة العربية السعودية تحتضن بدورها حدثاً لا يقل إثارة يتمثل في عرض «ألتا موضة» للثنائي «دولتشي آند غابانا».
عرض تنافست فيه التصاميم الحالمة مع معالم العلا الواقعة شمال غربي المملكة. معالم شكلت خلفية رائعة لعرض مثير، لكنها كانت أيضاً منافساً قوياً له، لما تثيره تشكُلاتها الصخرية وتاريخها من رهبة في النفوس. عن تجربتهما هذه عبّر الثنائي ستيفانو غابانا ودومينيكو دولتشي لـ«الشرق الأوسط» عن سعادتهما قائلَين إن التحدي كان لذيذاً للغاية، من ناحية تحفيزه لمخيلتهما، وهو «أقصى ما يتوق له أي فنان أو مُبدع». هيبة المكان لم تُقيّد خيالهما، حسب تأكيدهما. فقد تعوّدا على تنظيم عروض «ألتا موضة» في أماكن تاريخية مهمة مثل المعابد الأثرية في صقلية، وساحة سان مارك الشهيرة في البندقية، وحتى داخل دار الأوبرا المتروبولية في نيويورك. المحطة الجديدة في العُلا قد تكون مختلفة كونها تنتمي إلى ثقافة وجغرافيا غير أوروبية، إلا أن تجارب السنوات الماضية علّمتهما كيف يتعاملان معها بحنكة واحترام. إضافةً إلى هذا فقد سبق وخاطبا المنطقة بلغة «العباءات» منذ بضع سنوات وتعلما من ردود الأفعال الكثير. لا ينكر المصممان أن التجربة كانت مختلفة هذه المرة. فهي لم تكن اجتهاداً شخصياً بل دعوة شرفية في المقام الأول لتقديم أفخم ما تجود به مخيلتهما وأناملها من أزياء نسائية ورجالية ومجوهرات لمنطقة تقدر الفن والجمال، حيث بدأت المفاوضات مع الهيئة الملكية لمحافظة العلا منذ عدة أشهر، وتم الاتفاق حينها على أن يتزامن العرض مع مهرجان شتاء طنطورة.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الخطوة تتوافق مع توجه المملكة في الاحتفال بكل ما هو ثقافي وترفيهي، وطبعاً ليس هناك أفضل من الموضة لتعزيز هذا التوجه كونها صناعة قائمة بذاتها كما تربطها بالقطاع السياحي خيوط متينة.
لم يخفِ الثنائي سعادتهما بالدعوة. يقول ستيفانو غابانا في حديثه: «مجرد فكرة أن نأخذ (ألتا موضة) و(ألتا سارتوريا) ومجوهراتنا إلى المملكة السعودية جعلنا نشعر بنشوة لم نشعر بها من قبل. فهي تجربة غير مسبوقة ونعتز بها أكثر لأن العُلا مكان ساحر وأخّاذ ليس فقط من ناحية طبيعته ومناظره بل أيضاً بغناه التاريخي والثقافي».
يلتقط دومينيكو دولتشي خيط الحديث من شريكه ستيفانو ليضيف: «ليست هذه أول مرة نحمل تشكيلات (ألتا موضة) وأخواتها إلى أماكن متنوعة، ولا أخفيك أننا في كل الحالات نشعر بسعادة نابعة من كوننا نسرد قصصاً بلغة جديدة تأخذ المكان وتقاليد البلد الذي نتوجه إليه بعين الاعتبار».
هذه المرة كانت التجربة غير مسبوقة، كما كان مكان العرض، وإلى عهد قريب، اكتشافاً لم يسمع به الأغلبية في الخارج. من هذا المنظور، لم يكن بإمكان الثنائي دولتشي وغابانا مقاومة إغراء تنظيم عرضهما في هذا المكان «وتحديداً في جبل عكمة، الواقع بالقرب من مدينة دادان القديمة والتي كانت تعد عاصمة مملكتي دادان ولحيان القديمتين». كان الحديث معهما بمثابة درس في التاريخ وهما يشرحان لي كيف اكتشفا أن الجبل بمثابة مكتبة مفتوحة لما به من نقوش وكتابات تاريخية بعدة لغات وفنون صخرية. بيد أنه بقدر ما كان المصممان متحمسين لخوض التجربة، كانا يعرفان حجم التوقعات وأن جمال المكان وهيبته سيف ذو حدين من ناحيةِ أنه من السهل أن يسرق الأضواء من أي تشكيلة عادية. لم يكن أمامهما من حل سوى أن تأتي كل قطعة قوية تتضمن تفاصيل رفيعة، ربما لن تستطيع أن تسرق الأضواء من المكان لكن على الأقل تتماهى معه وتحترم تاريخه.
يُعلق دولتشي أن المكان فرض نفسه، ومن بين الأهداف الرئيسية التي رسماها أن تأتي التشكيلة مفعمة «بالحلم والتفاؤل، لأن هذا ما لمسناه في المكان وفي المملكة ككل». هذا الحلم والتفاؤل ترجماه في الألوان المستوحاة من الصحراء كما في ورود متفتحة وتصاميم اتسمت بالانسيابية في الكثير من الأحيان بعضها مستوحى من العباءات وبعضها من القفاطين لكنّ القواسم المشتركة بينها كانت الحرفية العالية والفخامة العصرية، مع الابتعاد التام عن أي تفاصيل أو استسهال قد يوقعهما في مطب الفولكلور. كانا يُدركان أن الأنظار ستتجه نحوهما، بعضها بحماس وروح منفتحة على الحب، وبعضها الآخر متوثبة ومُستنفرة للانتقاد، وبالتالي فإن أي شيء يمكنه تفسيره خطأ قد يحوّل حلاوة التجربة إلى مرارة. يكرر ستيفانو أن المشروع مع ذلك «كان تحدياً لذيذاً لأننا تعلمنا منه الكثير»، مضيفاً: «مهمتنا الأولى والأخيرة كمصممين أن نُبدع أزياء تروق العين... هذا ما نعرفه ونتقنه، لكن عندما ننجح في تقديمه بطريقة تحترم الآخر وتلمس شغاف قلبه فهذا يُضاعف من سعادتنا».
كانا يدركان أيضاً أن العالم يتغير وأن جيلاً جديداً من زبائن المنطقة كغيرها في جميع أنحاء العالم، أصبحوا مؤثرين ومحركين لصناعة الموضة، لهذا لم يكن وارداً أن يستسهلا الفكرة بتقديم تشكيلة عادية لمنطقة معروف عنها تاريخياً أنها متذوقة لـ«الهوت كوتور» إلى حد القول إن فضلاً كبيراً في بقاء هذا الخط وصموده في وجه التغيرات الكثيرة التي مر بها العالم إلى اليوم، يعود إليها. يعلق المصممان وهما يضحكان: «نتمنى من قلبنا أن نكون قد كسبنا قلوب المنطقة».
نظرة سريعة إلى الصور والفيديوهات التي انتشرت سريعاً، تكشف أن التشكيلة لم تكن نسخة حرفية ممّا قدماه في البندقية منذ فترة وتخللتها قطع خاصة جداً. يشرح دولتشي: «فكّرنا في تقسيم التشكيلة إلى أربعة مواضيع: الليل، والشمس، والأميرات، وتفتح الورود. وهو ما تجسد في مجموعة من فساتين السهرة والمساء مطرزة بالورود والكثير من الذهب إلى جانب تصاميم أخرى بألوان داكنة تحاكي ليالي الصحراء العربية الرومانسية». أما القاسم المشترك بينها فكانت الخفة والراحة وتلك الانسيابية التي تتوق إليها المرأة عموماً.
يُنهي دومينيكو لقاءنا بجدية وهو يقول: «نحن دائماً نعمل بجد ولا نستهين بأي شيء، وإذا كان هناك شيء تعلمناه واستوعبناه جيداً فهو أن النجاح يتطلب الشغف وضرورة احترام ثقافات وتاريخ الآخر».
يُعزز ستيفانو رأيه قائلاً: «صدقيني أن كل تصميم في هذه التشكيلة كان ثمرة أبحاث طويلة وفترات تأمل أخذنا فيها كل التفاصيل بعين الاعتبار من باب قناعتنا بأنه على المصمم أن يُنصت جيداً لما يريده الزبون، أو بالأحرى ما يحلم به، ليحوله له إلى واقع».
تجدر الإشارة إلى أن الفعالية تُشكل مرحلة جديدة في المسار الإبداعي الذي بدأته دار «دولتشي آند غابانا» في عام 2012 مع أول تشكيلة لها من علامتها «ألتا موضة»، وهي تشكيلة يحرصان على عرضها في أماكن تاريخية ومعمارية مهمة من قصور تاريخية أو متاحف أو معالم طبيعية. بالنسبة إلى الدار فإن «ألتا موضة» و«ألتا سارتوريا» وغيرها بمثابة رحلة لاكتشاف الحرف اليدوية وإعادة كتابة التقاليد القديمة بلغة شاعرية وعصرية.