مواجهة بين الماضي والحاضر في إصدارات «كارتييه» لعام 2024

بيير رينيرو المسؤول عن صورتها وإرثها لـ«الشرق الأوسط»: مواكبة العصر لا تعني تجاهل الأصل

مجموعة «ريفلكسيون دو كارتييه» عبارة عن مقابلة جريئة بين المينا ومرآة يبدو فيها الوقت معكوساً لكل نسخها   (كارتييه)
مجموعة «ريفلكسيون دو كارتييه» عبارة عن مقابلة جريئة بين المينا ومرآة يبدو فيها الوقت معكوساً لكل نسخها (كارتييه)
TT

مواجهة بين الماضي والحاضر في إصدارات «كارتييه» لعام 2024

مجموعة «ريفلكسيون دو كارتييه» عبارة عن مقابلة جريئة بين المينا ومرآة يبدو فيها الوقت معكوساً لكل نسخها   (كارتييه)
مجموعة «ريفلكسيون دو كارتييه» عبارة عن مقابلة جريئة بين المينا ومرآة يبدو فيها الوقت معكوساً لكل نسخها (كارتييه)

«كارتييه ولادة»، هذا ما قاله بيير رينيرو، في لقائه مع «الشرق الأوسط»، على هامش معرض «ساعات وعجائب لعام 2024». يستدل على قوله برسالة كتبها لوي كارتييه، في النصف الأول من القرن الماضي، لمصممة الدار آنذاك جان توسان يُثني فيها على تصميم اقترحته له، وجاء فيها: «إنها فكرة رائعة تكمن روعتها في أنها خصبة يمكن أن تُولد منها أفكار كثيرة».

بيير رينيرو (جون فراسوا روبير)

بيير رينيرو هو مدير الصور والأسلوب والتراث في «ميزون كارتييه» منذ عام 2003، يرى نفسه مسؤولاً عن صورة الدار وإرثها الغني، يعرف كل صغيرة وكبيرة في أرشيفها، ويشم نفَسها في كل تصميم، يؤمن بأن هذا المبدأ الذي أرساه جاك كارتييه والقائم على تخصيب أفكار قديمة لتوليد أفكار وأشكال معاصرة، يجب عدم الحياد عنه، مشيراً إلى أن «من فات قديمه تاه»، وهذا، تحديداً، ما كان واضحاً في معرض «ساعات وعجائب» الذي تحتضنه جنيف سنوياً.

تكشف النسخة الجديدة من مجموعة «كارتييه بريفيه» عن ساعة «تورتو» بالبلاتين أو الذهب الأصفر (كارتييه)

عادت الدار مثلاً إلى مجموعتها «كارتييه بريفيه»، وتحديداً ساعة «تورتو» التي ظهرت في عام 1912، لتعيد صياغتها، ولسان حالها يقول لجيل الشباب إنها، بشكلها المميز ووظائفها الجديدة، ابتُكرت لهم وليس لأجدادهم. كذلك الأمر لمجموعة «سانتوس» التي صممها لوي كارتييه للطيار سانتوس في عام 1904، عادت هي الأخرى بحُلة لم تتأثر بالزمن، بالعكس زادتها السنوات قوة وجاذبية، فضلاً عن ساعات «كراش» و«ريفلكسيون دو كارتييه»، وغيرها، كلها أُعيدَ النظر فيها وتعزيزها بتقنيات جديدة تخدم مواصفاتها الجمالية. «الظروف والناس والأذواق، بل العالم أجمع تغيّر، لهذا لا يمكننا أن نكتفي بتكرار أو استنساخ ما قدمناه في الماضي، مهما كان جماله»، وفق قول بيير رينيرو، مضيفاً «ثم إن النظرة إلى الجمال نسبية تختلف عبر الزمن، ومن جيل إلى آخر. من هذا المنظور، نحرص على أن تبقى عجلة التطوير في الدوران لتواكب إصداراتنا متطلبات العصر والحياة». يقول هذا وهو يعبّر عن سعادته بأن المجال الذي يعمل فيه لا يتطلب التقيد بقواعد تُكبّل الإبداع. «بالعكس تماماً، إنه قابل للتفكيك والتغيير وفق ما تُمليه الحالة الزمنية والأحاسيس والمشاعر».

مجموعة «سانتوس دومو» إصدار محدود بثلاث نسخ حصرية: تتميز بالأناقة بفضل طلاء اللَّكر الذي يغطي المينا ويسلط الضوء على الإطار الخارجي والعُلبة. تتوفر نسخة باللون الأخضر والبلاتين ونسخة بلون الطاووس الأزرق والذهب الوردي والثالثة بالرمادي الداكن والذهب الأصفر (كارتييه)

لا يُخفي بيير أن العملية تتضمن نوعاً من المغامرة بحُكم أن نتائج المشاعر غير مضمونة مسبقاً، لكن ما يُطمئن ويُحفز فريق العمل أن الدار تتقبل الأخطاء، تعترف بأخطائها وتملك جرأة التراجع عنها؛ بدليل أن «هناك تصميمات جرى اختبارها ولم تر النور، وأخرى توقّف إنتاجها لأنها لم تعد مناسبة»، وهذا، بنظره، أمر صحي وإيجابي.

لكنه يعود ليؤكد أن مواكبة التغييرات لا تأتي على حساب الأصول والجذور، ولا سيما إذا كانت قوية وراسخة في المخيلة والوجدان. «خذي باريس مثلاً، هي اليوم غير باريس القرن الماضي، توسعت وازدحمت بالسيارات وغيرها من التطورات التي غيّرت إيقاعها، لكنها لا تزال تسكن وجداننا ومخيلتنا عاصمة الأناقة والرومانسية والجمال، كذلك إبداعاتنا».

تعمل ساعة بآلية حركة ميكانيكية ذاتية التعبئة تدمج التوقيت المزدوج لإتاحة قراءة وقت منطقتين في آن واحد. وشكلاً تعزز الأناقة بشكل علبتها وسوارها وأيضاً بعقاربها المصممة على شكل سيف ومطلية بالروديوم المكسو بمادة مضيئة

إصدارات «ميزون كارتييه» الأخيرة تؤكد رأيه، فالماضي والحاضر فيها وجهان لعملة واحدة، وفي كل حالاتها وتجلياتها تثير الرغبة فيها، بغضّ النظر عن الزمن والثقافات. الفضل، وفق شرح رينيرو، أن أرشيفها الغني لم يكن يوماً مرجعاً يتقيد به مصمموها، بقدر ما هو قاموس يستلهمون منه تصميمات تتجدد باستمرار. الشرط الوحيد، الذي يُفرض على مصمميها وصُناعها، أن يتقيدوا بجينات الدار وأسلوبها الخاص. ساعة «تورتو» مثلاً كان الهدف من تصميمها في عام 1912، ابتكار شكل إبداعي مختلف. في عام 2024 عادت بشكلها الأصلي نفسه، مع إضافة ميزات جديدة مثل وظيفة الكرونوغراف المعقدة أحادية الزر، وعروات امتدت على طول السوار، ما جعل المظهر الجانبي يبدو نحيفاً، ووزن الساعة خفيفاً، كما ظهرت فيها عقارب على شكل سكة حديدية تدور حول علامات الساعة، جعلت المينا أوضح.

يُكرر بيير رينيرو مدى أهمية «أسلوب كارتييه» في كل عملية ابتكار، قائلاً: «إنه المركز الأساس لكل شيء»، فهو ما يُميزها، هذا الأسلوب اكتسبته من مهارتها وخبرتها في التصميم والترصيع وصقل الأحجار الكريمة أولاً، بحكم أنها لم تبدأ صانع ساعات، بل صائغ مجوهرات، وهو ما يتجسد في عنصر جذب لا يقام لمُنتجاتها على المستويين الفني والتجاري.

من مجموعة «ريفلكسيون دو كارتييه» النسائية التي تنافس كلاً من ساعات «كلاش» و«كوسان» بتصميمها الذي يجمع خبرة الدار في صناعة الساعات وصياغة المجوهرات، ويظهر هذا في التصميم الهندسي للسوار المفتوح، فهو يجمع الأسطح المخرَمة والذهب المصقول العاكس والخطوط الممدودة والزوايا الدقيقة (كارتييه)

أرقام المبيعات تؤكد أن مكانة «كارتييه» لا تهتز أو تتزعزع، على الرغم من الاضطرابات الاقتصادية التي مر بها قطاع المنتجات المترفة ولا يزال. اسمها يتحدى الأجيال، ويكفي ليُحرك مشاعر الهواة والعارفين على حد سواء. ما يُحسَب لها أنها لم تستثن في أي مرحلة من مراحل تطورها الكل، بمن فيهم المتطلعون لدخول نادي الفخامة من بابها، لم تُقلقها احتمالية أن يؤثروا عليها سلباً. أخذت دائماً موقفاً ديمقراطياً، تخاطبهم باللغة الأنيقة نفسها والراقية التي تخاطب بها هواة الاقتناء من العارفين، وتُقدم لكل شريحة بُغيتها، سواء من خلال قطعة مجوهرات صغيرة تناسب إمكانياتهم المتواضعة، أم ساعة مرصعة بالماس تتضمن حركات ووظائف معقدة تُقدَّر بمئات الآلاف.

من مجموعة «سانتوس دومو» بإصدار محدود لا يتعدى الـ200 قطعة، وفيه بتصميمها أناقة التصميم الأصلي لعام 1904 صُنع المينا من العقيق الأحمر بتدرجات لونية خفيفة تُسلط الضوء على البلاتين (كارتييه)

يشرح بيير رينيرو أن هذه الشمولية تدخل في صُلب جينات «كارتييه» منذ تأسيسها في عام 1847، ولم تتخلَّ عنها على مر العقود؛ بفضل رؤية جماعية تحترم السيناريو الذي كتبه المؤسس جاك كارتييه وأبناؤه من بعده. قبل بدء أي عمل، أياً كان حجمه وقيمته، تجري حوارات كثيرة بين المصممين وفريق العمل في الاستديو، وعلى رأسهم رينيرو بوصفه مدير الصور والأسلوب والتراث؛ للتأكد من أن التصميم سيكون إضافة لتاريخ الدار واستمراريتها. يقول: «أنا واحد من هذه الرؤية الجماعية. دوري يتركز في رسم صورة تليق باسمها والحفاظ على تاريخها وإرثها، ننسج منه قصصاً مثيرة، لكن نحرص على أن ترتبط بشكل أو بآخر بالمستقبل، استناداً لما قاله جاك كارتييه لجان توسان في رسالته».

مجموعة «سانتوس دومو» إصدار محدود بثلاث نسخ حصرية: تتميز بالأناقة بفضل طلاء اللَّكر الذي يغطي المينا ويسلط الضوء على الإطار الخارجي والعُلبة. تتوفر نسخة باللون الأخضر والبلاتين ونسخة بلون الطاووس الأزرق والذهب الوردي والثالثة بالرمادي الداكن والذهب الأصفر (كارتييه)

يأخذني الحماس وأسأله عن المعرض الذي نظمته «كارتييه» في اللوفر منذ فترة قصيرة، وركزت فيه على تأثير الفن الإسلامي، وما إذا كان التوجه إلى ثقافات معينة من الاستراتيجيات التسويقية التي تتبعها الدار، فينفي بشدة: «أبداً، وهذا ليس تعجرفاً أو تعالياً منا، كل ما في الأمر أن لدينا منطقنا وأسلوبنا الخاص الذي لا نحيد عنه، إنه أسلوب عالمي منفتح على كل الثقافات، ومن ثم لا يعترف بمكان ولا زمان».

لا ينكر أن الجانب التجاري مهم ولا يمكن تجاهله، إلا أن أهميته تتساوى مع قيمة المنتج وضرورة أن يلمس مشاعر الناس من جهة، ويبقى معهم كاستثمار يحمل اسم الدار للأبد، من جهة ثانية. هذا الانفتاح على الغير، وفق قوله، يفتح مساحة أكبر للإبداع، «فعوض أن نبقى سجناء ثقافة معينة تضعنا في إطار ضيق ومحدود، نُفضل أن نحلّق بخيالنا ونستكشف ثقافات جديدة وبعيدة نرى من خلالها الأشياء من زوايا مختلفة، أما علاقة (كارتييه) بمنطقة الشرق الأوسط، والعالم الإسلامي ككل، فهي ليست وليدة اليوم أو عملية تسويقية»، كما يؤكد. إنها تعود إلى أكثر من قرن عندما زارها جاك كارتييه وانبهر بثقافتها وفنونها، «وهذا يعني أنها بدأت حتى قبل افتتاح أي محل لنا بالمنطقة، وتبدأ معاملاتنا التجارية فيها، لهذا يمكنني القول بثقة إنها بُنيت على حب الجمال والاحترام، والدافع لها كان الانفتاح على ثقافات العالم. لم نقتصر على الاستلهام من الفن الإسلامي، من خلال أشكال هندسية من فن الآرت ديكو تحديداً، استلهمنا أيضاً من الفنون اليابانية والصينية وغيرها، فكلما استكشفنا ثقافات وحضارات بعيدة، جغرافياً وتاريخياً، توسعنا فنياً ليترسخ اسم الدار في الذائقة العامة».


مقالات ذات صلة

تانيا فارس أول لبنانية تفوز بجائزة الموضة البريطانية وجوناثان أندرسون يحقق ثلاثية ذهبية

لمسات الموضة تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)

تانيا فارس أول لبنانية تفوز بجائزة الموضة البريطانية وجوناثان أندرسون يحقق ثلاثية ذهبية

حفل جوائز الموضة البريطانية السنوي من أهم فعاليات عالم الموضة وتُقدَّم فيه جوائز لأهم المصممين العالميين والشباب إلى جانب صناع الموضة والمؤثرين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)

أسبوع الموضة المصري... آمال كبيرة في ترسيخ مكانته بالخريطة العالمية

يأتي أسبوع الموضة المصري ليكون خطوة مهمة في رحلة القاهرة لاستعادة دورها بوصفها عاصمة ثقافية وفنية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق فرض الجيل زد الملابس الواسعة والمريحة في أماكن العمل والجامعات والمدارس (بكسلز) play-circle 01:18

موضة الجيل زد... وسّع وسّع وارتدِ الأرخص

تتجه الأجيال الجديدة إلى توسيع الملابس، ولذلك أسباب كثيرة، منها ما هو نفسي، ومنها ما يعبّر عن ثورة اجتماعية على ثقافة الفلتر، والأحكام المسبقة على الجسد.

كريستين حبيب (بيروت)
لمسات الموضة بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)

لبان ظُفار من الشجرة إلى الزجاجة في وادي دوكة

يدار وادي دوكة بأسلوبٍ حديثٍ ومستدام، بتحديد مواقع آلاف أشجار اللبان، واستخدام تقنية التتبُّع الجغرافي، ليُصبح أول غابة ذكية في منطقة الخليج.

جميلة حلفيشي (صلالة - عُمان)
لمسات الموضة زهير مراد يفوز بجائزة الريادة وبقلوب النجمات

زهير مراد يفوز بجائزة الريادة وبقلوب النجمات

فاز المصمم اللبناني العالمي زهير مراد خلال حفل فاشن تراست أرابيا (FTA) في نسخته السابعة بجائزة تقدير لمساهمته في إثراء المشهد الإبداعي في المنطقة ودوره في…

«الشرق الأوسط» (الدوحة - قطر)

تانيا فارس أول لبنانية تفوز بجائزة الموضة البريطانية وجوناثان أندرسون يحقق ثلاثية ذهبية

تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)
تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)
TT

تانيا فارس أول لبنانية تفوز بجائزة الموضة البريطانية وجوناثان أندرسون يحقق ثلاثية ذهبية

تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)
تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)

في الوقت الذي كان فيه لبنان يحتفل بزيارة البابا روبرت بريفوست (ليو الـ14) التاريخية، كانت اللبنانية تانيا فارس تكتب التاريخ في مجال الموضة بوصفها أول لبنانية تفوز بجائزة التقدير الخاص (Special Recognition Award) عرفاناً لها بـ15 عاماً من مبادرة BFC Fashion Trust، وتقديراً لدورها في تأسيس هذه المبادرة.

تانيا فارس عبَّرت عن فخرها بكونها أول لبنانية تحصل على الجائزة (غيتي)

بكلمات تُعبّر عن فخرها بهويتها قالت تانيا وهي تتسلم الجائزة، إن لا شيء يضاهي سعادتها سوى فخرها بأصولها اللبنانية وكونها أول لبنانية تحصل عليها.

جدير بالذكر أن حفل جوائز الموضة البريطانية السنوي من أهم فعاليات عالم الموضة، حيث تُقدَّم فيه جوائز لأهم المصممين العالميين والشباب إلى جانب صناع الموضة والمؤثرين من رؤساء تنفيذيين ومصممين ومبدعين في مجالات فنية مختلفة أخرى. كما يحضره أفراد من الحكومة دعماً لصناعة تدر على البلد الملايين وتوظف الآلاف.

عمدة لندن صادق خان يتوسط المصممة روكساندا والنجمة كيت بلانشيت لدى وصولهم الحفل (رويترز - أ.ف.ب)

هذا العام، وفي أول ليلة من ديسمبر (كانون الأول)، وبين زخّات مطر خفيفة تلامس شوارع لندن، ازدانت قاعة رويال ألبرت هول بالبريق: أضواء مشعة ونجوم في فساتين مثيرة، وكأنها بهذا الكم من الأناقة الراقية، تطوي عاماً حافلاً بالإبداع والفن والتغييرات الجريئة.

منذ اللحظة الأولى وحتى قبل بدء الحفل، بدت الأجواء خارج القاعة واعدة. مشاهير من عالمي الفن والموضة تحدّوا الطقس اللندني وتألقوا على السجادة الحمراء. من شارون ستون وكيت بلانشيت وصادق خان، عمدة لندن، وهلمّ جراً من الأسماء الكبيرة، والتي كان عدد لا يستهان منها يأمل في أن يسمع اسمه من بين الفائزين.

أندرسون... ثلاثية ذهبية

من هؤلاء كان الآيرلندي جوناثان أندرسون، المدير الإبداعي الحالي في دار «ديور» والذي فاز بجائزة مصمم العام، محققاً بهذا إنجازاً قياسياً. فهذه المرة الثالثة التي يفوز بها باللقب على التوالي، وإن كان هذا العام يحمل قيمة إضافية بالنسبة له؛ لأنه فاز بالجائزة عن علامته الخاصة «جي دبليو أندرسون» وعن دار «ديور» التي التحق بها مؤخراً وقدم لها أول مجموعة من إبداعه منذ أشهر قليلة.

جوناثان أندرسون بعد تسلمه جائزة مصمم العام للمرة الثالثة على التوالي (غيتي)

وقف أندرسون وسط تصفيق حار، وقال بروح مرحة: «سأكون سريعاً... أعلم أن الجميع يرغب في الاحتفال». ثم عبّر عن شكره لدلفين أرنو، الرئيسة التنفيذية للدار وإلى فريقه قائلاً: «أؤمن بأن التعاون طريق النجاح». إنجاز أندرسون لا يقتصر على تحقيقه الرقم القياسي هنا، بل يمثل لحظة تحول مهمة لدار «ديور» التي من المتوقع أن يضخها بروح جديدة تجمع بين الحداثة والحرفية وبين الماضي والمستقبل.

جوائز تُكرّم الإبداع البريطاني

وفي سياق الجوائز التي تحتفي بالفعل الإبداعي البريطاني، فازت سارة بيرتون بجائزة مصمّمة الأزياء النسائية البريطانية للعام عن عملها في دار «جيفنشي»، التي التحقت بها مؤخراً، مؤكدة استمرار تأثيرها الراسخ في عالم الأزياء النسائية.

وعلى الجانب الآخر، توّجت غريس ويلز بونر بجائزة مصمّم الأزياء الرجالية البريطانية للعام عن علامتها Wales Bonner، بعد عام شهد حضوراً قوياً لها على منصات العرض وفي النقاشات الثقافية المرتبطة بالهوية والموضة، لا سيما بعد دخولها دار «هيرميس» خليفة لفيرونيك نيشانيان التي تولت القسم الرجالي لنحو 37 عاماً.

أما جائزة Vanguard، التي تُمنح للمواهب الواعدة، فكانت من نصيب المصمّمة ديلارا فندك أوغلو، التي واصلت خلال العام الماضي فرض نفسها بوصفها واحدةً من أكثر الأصوات الشابة إثارة للاهتمام في عالم الأزياء التجريبية.

برونييلو كوتشينيلي

شارون ستون وبرونيلو كوتشينلي قبل دخولهما قاعة الحفل (أ.ف.ب)

ومن بين الجوائز المهمة أيضاً في الأمسية، كانت جائزة الإنجاز المُتميز التي ذهبت هذا العام إلى المصمّم الإيطالي برونيلو كوتشينيلي، المعروف ببناء إمبراطورية عالمية للرفاهية الهادئة من مقره في قرية سولوميو الحالمة بوسط إيطاليا. وكان توم فورد هو الفائز بهذه الجائزة في العام الماضي؛ الأمر الذي يؤكد استمرار الاعتراف بالأسماء التي تركت بصمتها على الصناعة بأبعادها الإنسانية والحرفية.

الجانب الإنساني يسرق الأضواء

رغم أن أسماء الفائزين ببعض الجوائز كانت معلنة قبل الحدث، فإن اللحظات التي عاشها الضيوف داخل القاعة لم تفقد تأثيرها.

كانت أنوك ياي، الفائزة بجائزة عارضة العام، من أبرز هذه اللحظات. العارضة السودانية - الأميركية التي تصدرت أغلفة المجلات العالمية مثل «فوغ» فرنسا، وظهرت في حملات سان لوران وفيرساتشي، وقدّمت عطراً من تييري موغلر، اعتلت المسرح وهي تتلقى الجائزة من الفائزة السابقة أليكس كونساني. وقالت ياي بخفة ظل: «قيل لي إن مسيرتي لن تتجاوز ستة أشهر... ويبدو أنها كانت ستة أشهر طويلة، أليس كذلك؟»، ثم تحوّلت عباراتها رسالة تمس القلوب: «إلى كل الفتيات السود الصغيرات اللواتي يشاهدنني الآن... لونكن ليس لعنة. أنتنّ أقوى مما تتخيلن». كلمات جعلت القاعة تصمت في لحظة إجلال، قبل أن تنفجر بالتصفيق.

إبداع يربط الموضة بالثقافة

جائزة المبتكر الثقافي كانت من نصيب ليتل سيمز، الفنانة التي تجمع بين الموسيقى والتمثيل، والتي أهدت جائزتها «لنسختها الصغيرة» التي لم تكن لتتخيل هذا اليوم، لكنها «رأته حتى النهاية».

كما شهد الحفل منح جائزتي تقديراً خاصاً في هذا المجال لكل من دلفين أرنو وBFC Fashion Trust متمثلة في تانيا فارس بمناسبة مرور 15 عاماً على تأسيسه.

وحصلت لولو كينيدي ورافاييل مور على تكريم 25 عاماً من Fashion East، بينما ذهبت جائزة «لحظة باندورا الأسلوبية» للعام إلى سام وولف.

أما جائزة «إيزابيلا بلو للإبداع»، فقد مُنحت لكلٍّ من راي كاواكوبو، وأدريان جوفي، وديكون باودن عن Dover Street Market.

تخللت الحفل أنشطة فنية وترفيهية عدة عربوناً على لقاء الموضة والفنون (رويترز)

وهكذا اختُتمت أمسية جمعت بين الأزياء وعروض حية من الموسيقى والباليه، إضافة إلى القصص الإنسانية، وفي الوقت ذاته كرّست مكانة جوائز الموضة بين أكثر الأحداث تأثيراً في روزنامة الموضة العالمية. ليلة كتبت فيها لندن فصلاً جديداً، وكان بطلاها الأساسيان لبنانيةً وآيرلندياً.


أسبوع الموضة المصري... آمال كبيرة في ترسيخ مكانته بالخريطة العالمية

انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)
انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)
TT

أسبوع الموضة المصري... آمال كبيرة في ترسيخ مكانته بالخريطة العالمية

انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)
انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)

بين افتتاح المتحف المصري الكبير وفضول عالمي متزايد بسوق الموضة وصعود مصممين من أبناء البلد يطمحون لترك بصمتهم على العالم، يأتي أسبوع الموضة المصري ليكون خطوة مهمة في رحلة القاهرة لاستعادة دورها بوصفها عاصمة ثقافية وفنية. سلاحها، العودة إلى الجذور وإلى حكايات ملهمة إلى جانب توظيف خامات طبيعية محلية.

يبدو واضحاً أن معظم المصممين والمبدعين متمسكون بالجذور رغم تطلعهم للعالمية (خاص)

تحت عنوان «التطور» انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري في احتفال يعكس خطوات واثقة بدأت تحققها صناعة الأزياء منذ إطلاق الحدث لأول مرة في عام 2023. في هذه الدورة برزت رغبة محمومة من قبل المصممين المشاركين في توظيف خامات طبيعية كالقماش والقطن. وطبعاً إحياء حرف يدوية تقليدية في مسار يُعبِد الطريق نحو مستقبل مستدام وهوية تصميم مصرية معاصرة.

فتحت الفعاليات أبوابها للجمهور داخل مبنى كونسوليا وبيت بدير في قلب وسط البلد، بعدما أعادت إحياءهما شركة Coterie الشريك الرئيسي لهذا العام.

من علامة «باز القاهرة» تصاميم مستوحاة من التراث بلغة معاصرة (خاص)

كان هناك حرص على أن تُجرى كل فعاليات الحدث في مكان محدد، حتى لا يضطر الحضور إلى التنقل بين الأماكن في زحمة سير القاهرة، وما يمكن أن يترتب عليه من تأخير وضغوط. ثم إن المكان يتوفر فيه كل شيء، بدءاً من فناء أخضر فيه مقهى إلى طوابق مختلفة يحتضن كل واحد منها فعاليات معينة. الطابق الخامس مثلاً خُصص لأعمال أبرز المصممين المصريين عبر معارض ومنصات تفاعلية وورش عمل، فيما خصصت الطوابق العليا، كمسرح لعروض الأزياء وصالونات للماكياج وتصفيف شعر العارضات.

هناك رغبة في العودة إلى الجذور واستعمال خامات طبيعية مستدامة (خاص)

لكن ما ميز أسبوع هذه الدورة أيضاً، تعدد برامج الحوارات، التي شارك فيها أكثر من 30 شخصية محلية ودولية مؤثرة، من ضمنهم الأرشيدوقة كاميلا فون هابسبورغ-لوتيرينغن والمصممة أمينة غالي من عزة فهمي، و كاميلا فراكاسو ديافيريا من White Milano

والباحثة التراثية شهيرة محرز وشرين رفاعي مؤسسة أسبوع الموضة الأردني.

وشاركت ثمانٍ من أبرز مؤسسات تعليم الموضة في مصر إما بعروض أو معارض تبرز أفكاراً مبتكرة لطلاب يدعمهم برنامج GTEX التابع للمركز الدولي للتجارة ومؤسسة دروسوس بعد عملية انتقاء دقيقة لكل واحد منهم.

كانت القاعات تنبض بالنقاشات حول الاستدامة، الملكية الفكرية، تعليم الحرف والتمويل. وفي ورش العمل، قدّم المصمم الأردني ليث معلوف عروضاً تطبيقية على الأقمشة، بينما شرح مشرفون من مبادرة MSNJ كيف أصبح الصبار خيطاً ناعماً يمكن إدخاله في أزياء صديقة للبيئة.

تقول سوزان ثابت، أحد مؤسسي الأسبوع، إن مصر تزخر بالموارد والمواهب، وتاريخ غني في مجال الموضة لا يعرفه كثيرون ويستحق التعريف به وتسليط الضوء عليه بعد أن طاله غبار الزمن.

المصمم بريهان أبو زيد من علامة «باز» (خاص)

من هذه الفكرة أو الرغبة تبدأ قصة أسبوع الموضة في مصر تحت عنوان «التطور».

كانت التصاميم تشبه دفاتر يوميات مفتوحة ترجم فيها الطلاب رؤية لعالم يريدون أن يكونوا جزءاً منه عن استحقاق.

لكن وراء الألوان والقصات والأضواء وتسريحات الشعر الأنيقة، يقف اقتصاد ضخم. فصناعة النسيج مثلاً من أهم ركائز الاقتصاد المصري، وكذلك القطن المصري الذي يعد علامة فارقة في المنتجات العالمية من ناحية جودته وفخامته. تقول سوزان: «هذا تحديداً ما يرتكز عليه أسبوع الموضة ليعيد صياغة هذه الصناعة، ليس فقط عبر تصدير الخامات، بل عبر خلق علامات مصرية قادرة على المنافسة عالمياً وتحمل مفهوم (صنع في مصر)».


لبان ظُفار من الشجرة إلى الزجاجة في وادي دوكة

بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)
بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)
TT

لبان ظُفار من الشجرة إلى الزجاجة في وادي دوكة

بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)
بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)

وأخيراً أصبح في المنطقة العربية مصنع عطور يُجرى فيه تقطير اللبان محلياً، بعدما كان السفر إلى مدينة غراس الفرنسية الخيار الوحيد. أهمية هذه الخطوة لا تقتصر على بناء صناعة متكاملة من الشجرة إلى العطر فحسب؛ بل تمتد أيضاً إلى خفض البصمة الكربونية، وإفادة المجتمعات المحلية، والحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة. واليوم بات بإمكان صُنَّاع العطور التوجه إلى صلالة، وتحديداً وادي دوكة، لمعاينة هذه النقلة في مجالهم عن قُرب، بعد أن كان المشهد محصوراً في صورة شاعرية لطقوس جمع اللبان وترحاله.

تسمع حكايات وتقرأ في كتب التاريخ الكثير عن منطقة ظفار وعلاقتها بالبخور واللبان. تترسخ في مخيلتك صورة شاعرية عن قوافل تجارية وثقافات متنوعة تمر منها إلى أوروبا وإلى آسيا، محملة بالبضائع النادرة، ولكن ما من وصف يضاهي الواقع.

يتم التعامل مع عملية استخراج اللبان بحذر حتى لا تتأثر الأشجار وتعطي الكثير (أمواج)

كانت الرحلة التي نظمتها دار «أمواج» للعطور بمناسبة افتتاح مصنعها الجديد «عين دوكة» لاستخلاص زيت اللبان، فرصة لاكتشاف هذا العالم عن قرب. أقل ما يمكن قوله عن الرحلة إنها بدأت بفضول وانتهت بانغماس في تاريخ قد يكون ضارباً في القدم، إلا أنه لم يفقد في أي مرحلة بوصلته نحو المستقبل.

ففي وادي دوكة، المدرَج على قائمة التراث العالمي لـ«يونيسكو»، تترامى أكبر محمية في العالم لأشجار «بوسويليا ساكرا»، مصدر راتينغ اللبان (إفراز عضوي) الذي شكَّل عبر آلاف السنين ركيزة لثقافات وتجارة وطقوس روحانية لا تُحصى. والآن تريد ظفار تسويقه للعالم بوصفه واحداً من أهم المكونات وأجملها في صناعة العطور، باستخراجه وتقطيره في عقر داره.

بخور المناسبات المهمة

هنا، خلف جبالها وبمحاذاة المنحدرات المنخفضة، وفي بطون الأودية والسهول، تنمو هذه الأشجار المتقشفة التي لا يثير شكلها النظر، إلا أنها بصبرها على مواجهة الرياح والرمال، لا تزال شامخة. جذوعها الخشنة لا تبخل براتينغ مميَّز جعل الإغريق يصفون المنطقة كلها بالبلاد السعيدة «أرابيا فيلكيس».

أنوف مشهورة مثل دومينيك روبيون وباسكال غورين وبيير غيروس وغيرهم انبهروا بطقوس استخراج اللبان (أمواج)

لم تكن الرحلة عادية وتقليدية من ناحية استضافتها وسائل الإعلام وحدها كما جرت العادة. نصف الحضور أو أكثر، كانوا «أنوفاً» عالمية من كبار العطارين، مثل: دومينيك روبيون، وباسكال غورين، وبيير غيروس، وغيرهم. أضفوا على التجربة بُعداً احترافياً. فهذه الأنوف تعوَّدت على أجود أنواع العود والياسمين والنباتات النادرة، ومن الصعب مفاجأتهم بالجديد، ومع ذلك كانوا منبهرين بالمكان وما تبوح لهم به هذه الأشجار من أسرار.

لم تفارق الابتسامة العطار بيير غيروس، فأخذني الحماس لأسأله أن يقارن لي بين هذا المكان وبين مدينة غراس الفرنسية وحقولها التي تعدُّ عاصمة العطور في العالم، فيرد مازحاً: «هناك وُلدت العطور من رحم روائح كريهة كانت تنبعث من دباغة الجلود، أما هنا فالعطر يولد من الأرض نفسها، من هوائها وشجرها ودفئها الصحراوي». هذا الإعجاب لا تلمسه لدى العطارين هنا فحسب؛ بل تلمسه في كل مكان ممزوجاً بفخر، كما تشي حكايات سكان المنطقة عن ارتباطها بالعطر.

بداية الحلم

طقوس محددة وأيادٍ محلية متمرسة تتقن التعامل مع الشجر لاستخراج أفضل ما فيه (أمواج)

كان السلطان الراحل قابوس بن سعيد صاحب فكرة تأسيس دار عطور فاخرة تُعرِّف العالم بالثقافة العمانية و«ذهبها الأبيض». كان ذلك في عام 1983 عندما أطلق مشروعاً كان طموحاً لدرجة الحلم: بناء صناعة محلية متكاملة لا تعتمد على الخارج، تبدأ في استخراج زيت اللبان وتنتهي بابتكار عطور تُعرف عالمياً بـ«هدية الملوك» تُصنع من الألف إلى الياء في أرض اللبان.

بعد أربعة عقود تقريباً، يكتمل هذا المشروع، بوضع حجر الأساس لمصنع «عين دوكة». مصنع لاستخلاص زيت اللبان من الراتينغ، وبه يتم إحياء حِرفة شكَّلت عبر العصور جوهر صناعة العطور في عُمان.

وادي دوكة... حكاية مستمرة

ثقافة اللبان ضاربة في التاريخ... ولكن البوصلة موجهة نحو المستقبل والعالم (أمواج)

في هذا الوادي المدرج على قائمة التراث العالمي لـ«يونيسكو» منذ عام 2000، تمتد أكبر محمية لأشجار «بوسويليا ساكرا» في العالم. أشجار منحت عُمان مكانتها بين الحضارات القديمة، ووفرت لإمبراطوريات عظيمة البخور للتطهير والاحتفال. فاللبان لم يكن مجرد بضاعة فواحة؛ بل لغة روحية وثقافية ودبلوماسية وحلقة وصل بين الشرق والغرب. لم يتردد الإغريق مثلاً -شأنهم شأن الرومان وغيرهم من الثقافات القديمة- في دفع أثمان باهظة لقاء الحصول على اللبان العماني تحديداً. فهو يحتوي على نسبة تتجاوز 70 في المائة من المركب العضوي العطري «ألفا بينين»، مما يجعله مختلفاً بفارق عن زيوت اللبان المستخرجة من المواقع الأخرى.

طقوس محددة وأيادٍ محلية متمرسة تتقن التعامل مع الشجر لاستخراج أفضل ما فيه (أمواج)

هذا التاريخ وُضع في الحسبان عند تصميم المكان؛ حيث يتجلَّى المعمار امتداداً للأرض التي تحتضنه؛ تتماهى ألوانه وتفاصيله مع طبيعة الوادي المدرج على قائمة التراث العالمي لـ«يونيسكو»، فيبدو من بعيد كصخرة ناعمة. ومع الاقتراب، تظهر هندسته الدائرية المستوحاة من التواصل بين الإنسان والطبيعة، تحتضن في قلبها حديقة لشجر اللبان، رمزاً للاستدامة واستمرارية الحياة.

يُدار المكان بأسلوبٍ حديثٍ ومستدام؛ إذ تم تحديد مواقع أكثر من خمسة آلاف شجرة لبان، باستخدام تقنية التتبُّع الجغرافي، ليصبح وادي دوكة أول غابة ذكية في منطقة الخليج. هذه الأشجار تُحصد وفقاً للمعايير الدولية لممارسات الحصاد الأخلاقي والمسؤول، وهو ما أكده اعتماد مؤسسة «فيروايلد» الدولية في أغسطس (آب) الماضي.

رينو سالمون المدير الإبداعي في «أمواج» يشرح تاريخ اللبان وأهميته وطرق استخراجه (أمواج)

يُعلِّق رينو سالمون، المدير الإبداعي في «أمواج»: «كانت رؤيتنا لعين دوكة واضحة منذ البداية. أردناه مكاناً يعكس جمال البساطة وعمق العلاقة بين الأرض والعطر. فالتصميم يبدو وكأنه ينمو من طبيعة المكان ويتناغم معها. ولذا؛ راعينا توفير مساحات مفتوحة لتضفي شعوراً خاصاً وتترك طابعاً يعبر عن شخصية الدار وطبيعة الأرض، وتتيح للحرفة العُمانية أن تكون جزءاً أساسياً من التجربة؛ حيث يرى الزائر كيف يتحوَّل اللبان من مادته الطبيعية إلى عطر بنغمات دافئة ومميَّزة».

ما بدأ بحصاد محلي تحول إلى صناعة عالمية (أمواج)

ما بدأت عطوراً خاصة جداً لتكون هدايا تليق بالملوك، أصبحت اليوم صناعة متكاملة الجوانب. فالدار توسعت، وكلما زاد نجاحها زادت طموحاتها. وللمرة الأولى في تاريخها، تجاوزت مبيعاتها 100 مليون دولار في الربع الأول من عام 2025. وعلى مستوى الإبداعات، حافظ عطر «جايدانس» (Guidance) على مكانته بصفته الأكثر مبيعاً، أما مجموعة «إسينسيس» فقد انضمت عطورها الثلاثة إلى قائمة أفضل 15 عطراً مبيعاً لدى «أمواج» خلال الفترة نفسها.