«الكبتاغون»... سلاح سوري ـ إيراني جديد يهدد الإقليم

وزير الداخلية اللبناني بسام مولوي يعلن الكشف عن شحنة مخدرات في 25 الشهر الجاري (أ.ف.ب)
وزير الداخلية اللبناني بسام مولوي يعلن الكشف عن شحنة مخدرات في 25 الشهر الجاري (أ.ف.ب)
TT

«الكبتاغون»... سلاح سوري ـ إيراني جديد يهدد الإقليم

وزير الداخلية اللبناني بسام مولوي يعلن الكشف عن شحنة مخدرات في 25 الشهر الجاري (أ.ف.ب)
وزير الداخلية اللبناني بسام مولوي يعلن الكشف عن شحنة مخدرات في 25 الشهر الجاري (أ.ف.ب)

في الساعات الأولى من 27 يناير (كانون الثاني) 2022، حاول عدد من المهرّبين من سوريا العبور إلى الأردن، مستغلين عاصفة ثلجية شديدة وضباباً كثيفاً اعتقدوا أنه يمكن أن يخفيهم عن قوات إنفاذ القانون. ومع ذلك، بمجرد أن شاهدت الدوريات الأردنية المهرّبين يقتربون من السياج الحدودي، بادرها المهرّبون بإطلاق النار، فدارت اشتباكات انتهت بوقوع 27 قتيلاً وعدة جرحى في صفوف المهرّبين.
كان هذا رابع اشتباك عنيف مسجل علناً بين قوات الأمن الأردنية والمهرّبين الذين يعبرون الحدود من سوريا خلال فترة تقل عن شهر، بعد تصاعد نشاطات الاتجار غير المشروع إلى الأردن على مدار فترة طويلة منذ أن فُتح معبر «جابر - النسيم» الحدودي في أواخر سبتمبر (أيلول) 2021.
مع ذلك، يبقى العدد الكبير للقتلى (27 قتيلاً) تطوراً غير مسبوق، ويكشف نظرة الأردن الجادة لتجارة المخدرات السورية بوصفها تهديداً أمنياً خطيراً. والأهم من ذلك، أن الحادث يكشف النطاق المتسع لعمليات التهريب التي تزايدت باطّراد على طول الحدود الأردنية - السورية، مع ارتفاع أعداد المهرّبين المعتمدين أساليب أكثر تطوراً والمزودين أسلحة متطورة وعلى استعداد للتورط في اشتباكات عنيفة.
في أعقاب هذه الاشتباكات، ضبطت قوات حرس الحدود الأردنية كميات هائلة من المخدرات بحوزة المهرّبين، مخبّأة داخل أكياس من الخيش مليئة بالحشيش (القنب) ومادة من نوع الأمفيتامين، التي أصبحت محرّكاً لديناميات الأمن الإقليمي، تسوّق على نحو واسع تحت اسم «الكبتاغون».
الكبتاغون هو الاسم التجاري لعقار كان مسموحاً به قانونياً سابقاً، وهو الفينيثيلين، الذي ابتكرته شركة الأدوية الألمانية «ديغوسا إيه جي» في الستينات لمعالجة اضطرابات نقص الانتباه وفرط النشاط والاكتئاب وتعزيز فقدان الوزن. بعد جدولة الفينيثيلين من جانب منظمة الصحة العالمية عام 1986 بسبب آثاره السلبية على القلب والأوعية الدموية، وخطر إدمانه، إلى جانب ظهور بدائل أكثر أماناً في السوق، ظل الإنتاج غير القانوني من هذه المادة شائعاً لفترة وجيزة في دول البلقان خلال حقبة ما بعد الاتحاد السوفياتي، وتحديداً في بلغاريا حيث يوجد عدد كبير من مصانع الأدوية.
واكتسب الفينيثيلين شعبية بوصفه المخدر الأول للحفلات في جنوب أوروبا، وانتشر كذلك في الأسواق البعيدة في الخليج العربي أيضاً. ودفعت حملات إنفاذ القانون في البلقان، في أواخر التسعينات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، التجارة نحو بلاد الشام وتركيا، أي أقرب إلى الأسواق الاستهلاكية مع تزايد الطلب. وأصبحت سوريا على وجه التحديد مركزاً لإنتاج الكبتاغون، بسبب علاقاتها الوثيقة بشركات الأدوية والمجتمع العلمي في بلغاريا، الأمر الذي أتاح نقل المعرفة التقنية والخبرة الكيميائية حول عملية تصنيع الكبتاغون المجدية نسبياً.
اندلاع الحرب الأهلية السورية خلّف فراغاً كبيراً في السلطة وعجزاً في جهود الرقابة والمساءلة وإنفاذ القانون وحفظ النظام، ما خلق بيئة مثالية لازدهار تجارة الكبتاغون. وأثبتت الآثار الجانبية المبهجة للعقار أنها جذابة للمستخدمين الذين يسعون للحصول على راحة من الصدمات النفسية والجسدية التي يخلقها عنف الحرب، في الوقت الذي يحفّز العقار كذلك مشاعر شجاعة وجرأة كبيرتين لا تقدر بثمن من وجهة نظر الجماعات المسلحة المشاركة في الحرب على جبهات مختلفة.
وعلى الرغم من حظر تعاطي المخدرات في دول الشرق الأوسط، فإن وضع الكبتاغون السابق كسلعة دوائية مشروعة وعدم تناوله عن طريق الوريد يوفر للعقار درجة من الشرعية في نظر المستخدمين. ومن وجهة نظر كثيرين، كان يجري النظر إلى العقار بوصفه مساعداً لأولئك الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي وعدم اليقين المالي، بفضل قدرته على درء الشعور بالجوع والتعب. وسواءً داخل سوريا أو في أسواق المقصد، أصبح الكبتاغون مادة تلبّي الكثير من الاحتياجات: عقار ترفيهي للشباب يعينهم على التغلب على الملل؛ وملاذ آمن لضحايا الحرب المصابين بصدمات نفسية؛ ومحفّز للمقاتلين في صفوف الجماعات المسلحة؛ ومنقذ لحياة عمال الطبقة الوسطى والأدنى الذين يعملون لساعات طويلة والذين لا يعرفون متى يمكنهم تأمين وجبتهم التالية.
وتستهدف الشبكات عدداً من الدول العربية والخليجية، في كونها الوجهة الرئيسية لتهريب الكبتاغون. كما كشفت دراسات محدودة ارتفاع معدلات استهلاك هذا العقار وإدمانه على طول بلدان العبور البري لهذه التجارة، مثل لبنان والأردن والعراق.
خلال السنوات الـ11 التي اشتعلت خلالها الحرب الأهلية السورية، تغير التركيب الكيميائي للكبتاغون بشكل ملحوظ. وتبعاً للتحليلات المختبرية القليلة التي أُجريت على التركيب الكيميائي للأقراص، التي يجري تسويقها بوصفها كبتاغون، يلاحَظ أن التركيب بات منذ العقد الأول من القرن الحالي يحتوي على قاعدة أكبر من الأمفيتامين، ولم يعد من الممكن التعرف عليها بوصفها فينيثيلين.
إلى جانب ذلك، حدّد التحليل الكيميائي آثاراً أكبر لإضافات كيميائية ضارة أحياناً، مثل الكافيين والكينين والمخلفات المعدنية التي يجري دمجها في أثناء عملية الكبس. ويرجع السبب المحتمل وراء تطور صيغة الكبتاغون إلى عدم توفر مواد التصنيع الأولية، بسبب العنف المستمر في البلاد والعزلة النسبية عن أسواق الأدوية الخارجية. ومع ذلك، فإن مسار تطور الكبتاغون من تركيبته الأصلية (فينيثيلين) ينطوي بشكل ملحوظ على مخاطر صحية على القلب والأوعية الدموية، وكذلك مخاطر عصبية، ومخاطر صحية مزمنة أخرى على المستهلكين.
- تورط النظام
على امتداد فترة الحرب، جرى إنتاج الكبتاغون إلى حد كبير في مختبرات صغيرة ومتوسطة الحجم داخل مساكن ومواقع عسكرية سابقة ومبانٍ مهجورة، سهلة التنقل ويصعب على أنظمة إنفاذ القانون رصدها. وفي حين أن استهلاك الكبتاغون وإنتاجه وتهريبه كان مرتبطاً بتنظيم «داعش» خلال منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، جرى كذلك تداول العقار بين مجموعة من الجهات الحكومية وغير الحكومية التي رأت فيه مصدراً بديلاً مفيداً للإيرادات، مثل قوات المتمردين والجهات الفاعلة غير الحكومية مثل «حزب الله» والمسؤولين الموالين للدولة السورية الذين استغلوا مواقع التصنيع الموجودة في المناطق التي يسيطر عليها النظام.
وشهدت السنوات الثلاث الأخيرة من الحرب الأهلية السورية ازدهاراً في شحنات الكبتاغون ذات الحجم الصناعي، التي تتدفق ليس فقط إلى الأسواق الاستهلاكية الحالية في الخليج العربي، وإنما كذلك إلى مواقع عبور جديدة في البحر المتوسط وشرق آسيا. وفي عامي 2020 و2021 فقط، جرى ضبط الملايين من أقراص الكبتاغون على يد موظفي الجمارك وإنفاذ القانون في موانئ: و«بيرايوس» اليوناني، و«ساليرنو» الإيطالي، و«دمياط» و«بورسعيد» المصريين، و«كونستانتا» الروماني، و«سالزبورغ» النمساوي، و«أبابا» النيجيري، و«مجمع كواي تشونغ» المخصص للشحن في هونغ كونغ، و«كلانغ» في ماليزيا. وكشفت غالبية مضبوطات الكبتاغون زيادة طفيفة في حجم الشحنات الفردية منذ عام 2019، وغالباً ما تحتوي المضبوطات على أقراص تقدر قيمتها بمئات الآلاف، بل والملايين، ويجري تهريبها إلى موانئ دول العبور والمقصد بوتيرة أكبر.
وأصبح تجار الكبتاغون أقدر على التكيف مع إجراءات إنفاذ القانون وازدادت عمليات التهريب تعقيداً. وغالباً ما يجري إخفاء الأقراص داخل شحنات مع منتجات أخرى مشروعة (مثل العنب، وداخل الرمان المفرغ والبرتقال البلاستيكي المزيف، أو حتى داخل الأغنام الحية)، الأمر الذي يمكن أن يقلل مخاطر الرصد والضبط، علاوة على تحويل الكبتاغون عبر الطرق البحرية التجارية المشروعة إلى مواقع عبور البلدان الثانية والثالثة لتقليل الشكوك حول مصدرها، وغالباً ما يجري التنسيق مع جماعات إجرامية منظمة في دول المقصد.
يشير الحجم الكبير للتهريب وأساليبه المتقدمة إلى قدرة إنتاجية أكبر وخبرة فنية تفتقر إليها الكثير من الجهات الفاعلة غير الحكومية. وعلى الرغم من عدم وجود سياسة حكومية رسمية مباشرة، بخصوص إنتاج الكبتاغون غير المشروع، تبقى هناك أدلة محدودة على وجود معرفة بهذا الخصوص على مستوى الوزارة والتواطؤ في التجارة، فضلاً عن المشاركة النشطة في إنتاج المخدرات بين الجماعات المدعومة من النظام والقطاعات الأمنية في معاقل النظام في الجنوب وعلى طول ساحل البحر المتوسط السوري. والكثير من منشآت إنتاج الكبتاغون التابعة للنظام أكبر حجماً للتمكن من تصنيع ملايين الأقراص بثمن بخس، وتقع بالقرب من الموانئ المملوكة للدولة مثل «اللاذقية» (الذي استأجرته إيران جزئياً)، وكذلك الشبكات الداعمة التابعة النظام أو الدائرة المقربة من عائلة الأسد، التي تسهل نقل الشحنات وتوفر المواد الزراعية أو الصناعية المشروعة لإخفاء الأقراص، والتنسيق مع الجهات المسلحة غير الحكومية والمنظمات الإجرامية المنظمة لتسلم الشحنات في مراحل مختلفة من العملية.
من العناصر البارزة في إنتاج الكبتاغون والتهريب، «الفرقة الرابعة» السورية، التي يشرف عليها اللواء ماهر، شقيق الرئيس السوري بشار الأسد، إلى جانب أثرياء الحرب الرئيسيين، الذين تفضلهم عائلة الأسد وأبناء عمومتهم وأقاربهم، ورجال الأعمال المشاركين في تشغيل نظام النقل والبناء في سوريا وإنتاج الأدوية والشحن البحري وصيانة الموانئ وفرض الضرائب على الحدود ونظام رسوم الطرق السريعة، والعلاقات الأمنية مع الجهات الحليفة من غير الدول، مثل الجماعات المرتبطة بـ«حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني.
ويلعب «حزب الله» والجماعات المسلحة المدعومة من «الحرس الثوري» دوراً داعماً في هذه التجارة، وعبر حماية منشآت الإنتاج ودعم جهود التهريب إلى جبال القلمون، وتوفير الوصول إلى الموانئ الأجنبية (مثل ميناء بيروت في لبنان) أو تسهيل حركة السلائف والمواد المضافة. ويرتبط «حزب الله» بشبكة تضم ما لا يقل عن عشرين موقعاً لتصنيع الكبتاغون على نطاق أصغر على طول الحدود اللبنانية - السورية بالقرب من طرق التهريب الرئيسية، وهي مواقع وأنشطة جرى رصدها بشكل متكرر والتصدي لها من سلطات إنفاذ القانون اللبنانية.
- التداعيات الجيوسياسية
أدى تسارع وتيرة تجارة الكبتاغون خلال فترة زمنية قصيرة إلى زيادة الاهتمام الدولي والضغط على بعض الوكلاء المرتبطين بهذه التجارة، لكنه وفرّ للحكومة السورية كذلك درجة من النفوذ على طاولة المفاوضات، في وقت يفكر جيرانها في إنهاء عزلة سوريا الإقليمية والسعي وراء فرص التطبيع مع نظام الأسد.
وتكثف السعودية جهودها لمكافحة التهريب والمخدرات. وشكّل ما يقدر بـ190 مليون قرص من الكبتاغون، دخلت الموانئ عام 2021 وحده، حافزاً لفرض حظر على الواردات الزراعية اللبنانية في أبريل (نيسان) الماضي، ثم على جميع الواردات اللبنانية في أكتوبر (تشرين الأول)، على أمل كبح جماح تجارة الكبتاغون.
الكثير من شحنات الكبتاغون الكبيرة كان يجري توجيهها عبر الموانئ اللبنانية أو الطرق البرية. مع ذلك، تستمر المعدلات المتكررة لشحنات الكبتاغون ذات الأحجام الكبيرة في إغراق موانئ الدخول البرية والبحرية للخليج العربي، ما يمثل تحدياً رئيسياً لأنظمة إنفاذ القانون والجمارك المحلية.
علاوة على ذلك، يمثل الارتفاع المفاجئ في أعمال العنف الاستباقية بين المهرّبين، الذين يعبرون من سوريا، والكثير منهم على صلة بالميليشيات المسلحة والوكلاء المدعومين من إيران، تحدياً أمنياً كبيراً أمام الأردن. وكافحت قوات الجيش الأردني ودوريات الحدود عمليات التهريب المستمرة، الأسبوعية بعض الأحيان، التي بلغ مجموع حجمها أكثر عن 15 مليون قرص عام 2021 وحده. وفي حين تسفر الاشتباكات عادةً عن سقوط ضحايا بين المهرّبين، فإن مقتل الضابط الأردني الكابتن محمد الخضيرات في 16 يناير 2022 في اشتباكات عنيفة مع نحو 200 مهرب، حفّز الأردن على تخفيف قواعد الاشتباك ما سمح لقوات الأمن بإطلاق النار لردع المهربين عن استخدام الأردن كطريق عبور لهم.
قد يؤدي التهديد بالعنف المستمر بين القوات الأردنية والمهربين السوريين إلى خلق جيوب من انعدام الأمن يتعذر السيطرة عليها، على طول المنطقة الحدودية، ويتسبب باشتباكات واسعة النطاق. في حين أن الارتفاع المستمر في التهريب قد يؤدي إلى توقف مؤقت أو طويل الأمد في جهود التقارب مع سوريا من جانب المسؤولين الأردنيين.
من ناحيته، تأثر لبنان بشكل كبير بتجارة الكبتاغون، إذ كانت الزيادة الأخيرة في الشحنات الدولية واسعة النطاق التي تتم عبر موانئه البرية والبحرية، ما أدى إلى فرض حظر خليجي على الصادرات اللبنانية. وكان هذا حافزاً للحكومة اللبنانية لزيادة الرقابة والتفتيش في الموانئ، والقيام باعتقالات في صفوف المشتبه في تورطهم بتجارة الكابتاغون، مثل حسن دقو، رجل الأعمال اللبناني المرتبط بالفرقة الرابعة في سوريا و«حزب الله» والذي يُعرف على نطاق واسع باسم «ملك الكبتاغون»، وكان متورطًا في شحنة الكبتاغون التي ضُبطت في مارس (آذار) 2021 متجهة إلى ميناء «كلانغ» الماليزي.
وكان لبعض عمليات الضبط اللبنانية الأخيرة تأثير إيجابي على العلاقات اللبنانية - الخليجية. ودفعت عملية ضبط كبرى في ديسمبر (كانون الأول) 2021 الكويت ولبنان إلى الموافقة على تعزيز التعاون الأمني وتبادل المعلومات حول تجارة الكبتاغون. ومع ذلك، وعلى الرغم من أن سلطات إنفاذ القانون اللبنانية اتخذت سلسلة من الخطوات للقضاء على تجارة الكبتاغون المحلية، فإن الاستخدام المستمر للبلاد كموقع عبور للتهريب، إلى جانب نفوذ «حزب الله» الكبير سياسياً وأمنياً في لبنان، يستمر في الإضرار بهذه الجهود.
استفادت دمشق بدورها من تضاؤل مستوى المساءلة، في الوقت الذي استجابت فيه لزيادة الاهتمام الدولي بحجم ونطاق شحنات الكبتاغون. وعلى الرغم من استمرار تدفق شحنات الكبتاغون ذات الحجم الصناعي من الموانئ التي يسيطر عليها النظام السوري ومراكز الإنتاج في اللاذقية ودرعا، أقدمت القوات الأمنية للنظام على اعتراض نادر لشحنة كبتاغون كبيرة مخبأة داخل عبوات المعكرونة المعدة للشحن إلى الخليج في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، واتهمت جهات فاعلة منافسة في الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون بأنهم بمثابة الوكلاء الأساسيين للتجارة.
بالإضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من المناقشات المعلنة مع الأردن والتي وافقت فيها سوريا على قمع مجموعات التهريب، كانت هناك زيادة مطردة في الاشتباكات العنيفة وعمليات المصادرة على طول الحدود السورية - الأردنية، ما يعد مؤشراً على ضعف الرقابة الحكومية على المهرّبين أو محاولة متعمدة من جانب الحكومة السورية لبناء نفوذ لها في إطار مفاوضات مستقبلية مع الأردنيين.
خلاصة القول، تمثل تجارة الكبتاغون تحدياً أمنياً معقداً وتنطوي على مخاطر صحية كبرى، كما أنها أصبحت تشكل بعداً جديداً للعلاقات المتطورة بين سوريا وجيرانها في الشرق الأوسط. وبسبب التداعيات متعددة الأوجه للكبتاغون، وتوافقه مع فراغات السلطة في المنطقة، أصبح يشكل تحدياً خطيراً لجهود إنفاذ القانون والنظام الإقليمي والأمن البشري. ونظراً لتنوع طيف الجهات الفاعلة في هذه التجارة، فإن أنشطة التصنيع واسعة النطاق من جانب مسؤولين مدعومين من النظام السوري ومواطنين عاديين، سمحت للتجارة بالازدهار في السنوات الثلاث الماضية، وتضاعف حجمها في أسواق الخليج العربي وفي بلدان العبور الجديدة، في شرقي البحر الأبيض المتوسط وشمالي أفريقيا وحتى شرقي آسيا.


مقالات ذات صلة

توقيف «بلوغر» مصرية لحيازتها مخدرات يجدّد أزمات صانعات المحتوى

يوميات الشرق «البلوغر» والمذيعة المصرية داليا فؤاد بقبضة الشرطة (صفحتها في «فيسبوك»)

توقيف «بلوغر» مصرية لحيازتها مخدرات يجدّد أزمات صانعات المحتوى

جدَّدت واقعة توقيف «بلوغر» أزمات صانعات المحتوى في مصر، وتصدَّرت أنباء القبض على داليا فؤاد «التريند» عبر «غوغل» و«إكس».

محمد الكفراوي (القاهرة )
أوروبا ساحة بلازا دي كولون في إسبانيا (رويترز)

إسبانيا: العثور على 20 مليون يورو مخبأة بجدران منزل رئيس مكافحة الاحتيال السابق

اعتقلت السلطات الإسبانية الرئيس السابق لقسم مكافحة الاحتيال وغسل الأموال في الشرطة الوطنية الإسبانية، بعد العثور على 20 مليون يورو مخبَّأة داخل جدران منزله.

«الشرق الأوسط» (مدريد)
أوروبا الأميركي روبرت وودلاند داخل قفص المحكمة (أ.ب)

رفض استئناف أميركي مدان بتهريب المخدرات في روسيا

تتهم واشنطن موسكو باستهداف مواطنيها واستخدامهم أوراق مساومة سياسية، بيد أن المسؤولين الروس يصرون على أن هؤلاء جميعاً انتهكوا القانون.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
المشرق العربي كميات كبيرة من حبوب الكبتاغون صودرت شمال غربي سوريا أبريل 2022 (أ.ف.ب)

دمشق ترفع وتيرة القبض على شبكات ترويج المخدرات

تشهد سوريا ارتفاعاً ملحوظاً في نشاط حملة مكافحة المخدرات التي تشنّها الحكومة على شبكات ترويج وتعاطي المخدرات في البلاد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي جنود من الجيش الأردني عند نقطة حدودية (أرشيفية - أ.ف.ب)

مقتل مهرب مخدرات في اشتباك مع حرس الحدود الأردني

قُتل مهرب مخدرات على الحدود الأردنية السورية في اشتباك بين حرس الحدود الأردني ومجموعة من مهربي المخدرات حاولوا التسلل إلى أراضي المملكة، اليوم الأحد.

«الشرق الأوسط» (عمان)

«حماس» في ميزان الربح والخسارة بعد حرب طاحنة

TT

«حماس» في ميزان الربح والخسارة بعد حرب طاحنة

يوشك هجوم 7 أكتوبر على تغيير وجه الشرق الأوسط بعد عام من حرب طاحنة (د.ب.أ)
يوشك هجوم 7 أكتوبر على تغيير وجه الشرق الأوسط بعد عام من حرب طاحنة (د.ب.أ)

حتى بعد مرور عام على 7 أكتوبر (تشرين الأول)، لم يعرف أحد على وجه الدقة الهدف من الهجوم المباغت لحركة «حماس» الفلسطينية على إسرائيل، الذي يوشك اليوم على تغيير وجه الشرق الأوسط، ويجرّ خلفه 3 حروب، واحدة مدمرة في غزة، وثانية دموية في لبنان، وثالثة صامتة طويلة الأمد في الضفة الغربية، وعدة حروب باردة مع إيران وأذرعها في العراق واليمن وسوريا.

من المبكر الحكم على نتائج الهجوم الذي فاجأ إسرائيل، تحديداً لجهة إقامة دولة فلسطينية. ثمة وجهتا نظر، تفيد الأولى بأن 7 أكتوبر ستنتهي إلى مسار الدولة، ويزعم الثاني أن الباب قد فُتح لإسرائيل، ليس للقضاء على حل الدولتين، بل احتلال أجزاء من دول أخرى في المنطقة.

لكن بالنسبة لـ«حماس» التي بدأت الهجوم وتلقت الردّ عليه، يمكن القول إنها دفعت ثمناً لم تكن تتخيله يوماً. فماذا حدث خلال عام؟ وكيف أصبحت الحركة في ميزان الربح والخسارة؟

قبل الهجوم، كانت «حماس» بالنسبة للفلسطينيين والإسرائيليين قوة لا يستهان بها، وليس من الوارد أن تضحي بموقعها ومكاسبها في حرب مدمرة، وكان هذا سر الهجوم، قبل أن يكلفها الكثير لاحقاً.

وإذا كانت الحرب قد بدأت بضربة «حماس» وغارات جوية إسرائيلية لاحقة، فالأكيد أن الحركة لم تكن تتوقع أن الحرب البرية ستكون بهذا الزخم الذي طال جميع مناطق غزة، متراً بمتر، وشبراً بشبر.

اليوم، فقدت «حماس» وجناحها المسلح، الكثير من الأشياء، كما أنها في المقابل كسبت أشياء أخرى.

خسرت «حماس» الكثير في هجوم 7 أكتوبر المباغت لكنها ربحت أشياء أيضاً (أ.ب)

حساب الربح... إحصاء الخسارة

على الأقل، فقدت «حماس» دعماً سياسياً ولو كان خافتاً من قبل دول أوروبية ودولية، ومثله دعم مالي لتمويل مشاريع حكومية ومؤسساتية وخدماتية لسكان غزة، وإلى حد ما تضررت علاقة الحركة بدول إقليمية دعمتها في الصراع ضد إسرائيل، أو ما يتعلق بالمصالحة مع حركة «فتح».

وبعد هجومها الكبير، نّدت دول بـ«حماس»، وبقي هذا الموقف يتصاعد مع مرور الأيام في ظل الحملة الإعلامية الإسرائيلية التي صاحبت هجوم 7 أكتوبر.

وخلال ذلك، ظهرت مؤشرات قوية على خسارة الحركة لكثير من شرعيتها التي اكتسبتها لسنوات بتطوير علاقات كانت صعبة مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول عربية، وعلى وجه الخصوص تضررت إلى حد ما العلاقة مع مصر وقطر، إذ قالت مصادر موثوقة لـ«الشرق الأوسط»، إن «علاقة (حماس) بهاتين الدولتين العربيتين لم تعد كما كانت».

ويفهم قياديون في «حماس»، وفقاً للمصادر، أنه «في لحظة ما قد تطالبهم قطر بالخروج (...) كما أن الوضع مع مصر لم يعد على أحسن حال».

وتطالب مصر اليوم، وتعمل على عودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، ويشمل ذلك تسليمها معبر رفح البري، وليس إسرائيل أو «حماس».

مقابل ذلك، زاد دعم «حماس» في «محور المقاومة» المدعوم من إيران، لكن هذا الأخير تعرض لخسائر عدة على أصعد مختلفة بفعل الحرب.

وكسبت الحركة أيضاً تأييداً من دول مثل تركيا وروسيا، وإلى حد ما من الصين، الأمر الذي دفع مراقبين إلى الاعتقاد بأن «حماس» تموضعت في استقطاب إقليمي حاد، في لحظة تقترب فيها المنطقة من شفا حرب مفتوحة.

شعبية «حماس» ونفوذها

أيام قليلة بعد 7 أكتوبر 2023، ارتفعت شعبية «حماس» بشكل كبير في مناطق غزة والضفة الغربية. كان يمكن ملاحظة كيف أن الإعجاب بالهجوم المباغت طغى على كل شيء، ولكن سرعان ما تبدد كل ذلك، خصوصاً في القطاع، مع استمرار الهجمات الإسرائيلية التي كبدت الغزيين خسائر مريرة في الأرواح والأملاك.

وباتت غالبية من سكان غزة يُحمّلون «حماس» مسؤولية ما حلّ بهم، الأمر الذي أدى إلى تراجع تأييد الحركة بشكل كبير، وأفقدها ميزة الدعم الكبير.

رغم كل هذا التراجع، فإن الحركة ما تزال ترى نفسها جزءاً واضحاً من مستقبل غزة والقضية الفلسطينية، وأن لديها القدرة على البقاء سياسياً وعسكرياً ومدنياً وشعبياً حتى حكومياً.

ومع ذلك، فإن الحكم على قدرة «حماس» على البقاء من عدمه سيكون حين تنتهي الحرب، ويتبين شكل الشرق الأوسط في اليوم التالي، لكن الأكيد أن الحركة لم تعد قادرة على حكم القطاع الذي يحتاج إلى دعم دولي واسع لإنقاذ سكانه وإعادة إعماره، وإحياء اقتصاده المنهار.

يرى خبراء عسكريون أن بقاء السنوار حياً يحرم إسرائيل من «صورة المنتصر» (أ.ف.ب)

قيادات «حماس»... مَن بقي؟

فقدت «حماس» أهم قياداتها السياسية والحكومية والعسكرية، وجزءاً لا يستهان به من مسلحيها، إلى جانب ناشطين في المجالات الدعوية والاجتماعية والاقتصادية.

مع بداية الحرب، وصلت إسرائيل إلى زكريا أبو معمر وجواد أبو شمالة من أعضاء المكتب السياسي للحركة، وأيمن نوفل وأحمد الغندور وهما قائدا لواءي الوسط والشمال في «كتائب القسام»، إلى جانب أيمن صيام قائد الوحدة الصاروخية في الكتائب.

وقد دأبت «حماس» على نعي جميع الشخصيات التي فقدتها خلال الحرب وإعلان أسمائهم، قبل أن تغير هذا النهج لتخفي معلومات قادتها والمسلحين الذين يتم قتلهم.

لاحقاً، نجحت إسرائيل باغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» في طهران، ونائبه صالح العاروري في الضاحية الجنوبية ببيروت، وكلاهما نعتهما الحركة.

لكن بعيداً عن إعلانات «حماس»، أكدت إسرائيل اغتيال قائد «كتائب القسام» والمطلوب الأول منذ عقود محمد الضيف في ضربة جوية نفّذتها بمنطقة مواصي خان يونس، جنوب غزة، في 13 يوليو (تموز) الماضي، إلى جانب رافع سلامة، قائد لواء خان يونس، وقبلهما أكدت اغتيال مروان عيسى، نائب الضيف، في نفق وسط مخيم النصيرات، وسط قطاع غزة، في 10 مارس (آذار) الماضي.

وكانت مصادر من «حماس» قد أكدت لـ«الشرق الأوسط» اغتيال سلامة وعيسى، لكنها لم تدلِ بأي معلومات حول الضيف.

وكشفت «الشرق الأوسط» في وقت سابق، عن مقتل اثنين من أعضاء المكتب السياسي، هما روحي مشتهى وسامح السراج في ضربة استهدفت نفقاً جنوب مدينة غزة، إلى جانب قيادات عسكرية وازنة في «القسام».

ومن بين الاغتيالات المؤثرة في «القسام»، استهداف أيمن المبحوح أحد أهم قادة الكتائب والمسؤول الأول عن استخبارات الكتائب وأسرارها الأمنية، الذي كان لسنوات مسؤولاً عن الدائرة الأمنية الخاصة بحماية محمد الضيف.

ولم تؤكد «حماس» اغتيال أي من هؤلاء، بل إنها تشدد على أن الضيف ما زال حياً، فيما تصرّ إسرائيل على نجاحها باغتياله.

وفقدت «القسام» مئات من قياداتها الميدانيين، منهم قادة «كتائب» و«سرايا» و«فصائل» و«مجموعات»، وهي مسميات عسكرية بالترتيب وفق تقسيمات معينة ومحددة، ورغم أنها خسائر فادحة فإن المحلل العسكري العقيد المتقاعد منير حمد من غزة يميل إلى الاعتقاد بأنها «لا تعني القضاء تماماً على الكتائب».

وقال حمد، لـ«الشرق الأوسط»، إن «حماس» استطاعت حتى الآن الحفاظ على حياة قائدها يحيى السنوار، خاصة بعد اغتيال هنية في طهران، ما يعني «توفق الحركة استخبارياً، على الأقل حتى الآن».

ورأى حمد أن «إبقاء السنوار حياً يحرم إسرائيل من صورة النصر التي تحاول الحصول عليها منذ أشهر».

ويُحسب لحركة «حماس» أنها وضعت قضية اغتيال قياداتها وعناصرها رهن التكهنات، سواء بالنسبة لإسرائيل أو غيرها، ما يؤشر على صعوبات أمنية واجهتها وما زالت تواجهها المخابرات الإسرائيلية في الوصول لقيادات «حماس» و«القسام»، على عكس ما يجري حالياً على الجبهة اللبنانية مع «حزب الله».

ولا تكتفي إسرائيل بملاحقة السنوار، بل إنها تبحث عن شقيقه محمد، أحد أبرز قادة «القسام» والرجل الثاني بعد الضيف، كما تبحث عن قائد لواء رفح محمد شبانة، وعن قائد لواء غزة عز الدين الحداد الذي تلقبه بـ«الشبح»، وعن قيادات أخرى من المجلس العسكري مثل رائد سعد، وأبو عمر السوري، اللذين نجيا من عمليتي اغتيال في غزة.

وتدفع هذه المعطيات العقيد المتقاعد منير حمد إلى الجزم بأن «حماس» قادرة على النهوض مجدداً، خاصة أن عدداً من قياداتها المؤثرة ما زال على قيد الحياة.

ويؤكد مراقبون أنه في حال تم التوصل لاتفاق تهدئة، يمكن لـ«حماس» أن تعيد بناء نفسها وقوتها مجدداً، خاصة مع وجود العامل البشري الذي يمكن أن تستغله، كما أن هناك قيادات بارزة قادرة على قيادة الحركة من جديد، بمن فيهم شخصيات تنشط في الخارج لم تتأثر بالضربات الإسرائيلية.

ويتفق حمد مع مراقبين على أن «حماس» نجحت حتى الآن في الاحتفاظ بعشرات الإسرائيليين المحتجزين كأسرى في غزة، بعد عام من حرب مدمرة طالت كل شبر من القطاع، وهو ما يمنحها مكاسب أكبر لفرض شروطها في التفاوض الذي يسير ببطء شديد في ظروف معقدة.

الحرب الأخيرة في غزة أظهرت خطأ التقدير الإسرائيلي لحجم شبكة الأنفاق في غزة (أ.ف.ب)

أنفاق «حماس»

فقدت «حماس» كثيراً من قوتها خلال عام من الحرب. وبعد ضربات متتالية، شملت الخدمة العامة، والمرافق التنظيمية والعسكرية والاقتصادية، تكاد الخسائر تكون شاملة على نحو واسع.

لكن فقدان معظم أنفاق «حماس» قد يكون الخسارة الأبرز لجهة أنها «سلاح استراتيجي» كان بيد الحركة.

واستخدمت «حماس» تلك الأنفاق في التحكم السيطرة، ولحماية قياداتها، وكذلك لإخفاء الإسرائيليين، ومن ثم في إدارة المعركة لتنفيذ هجمات، مباشرة أو صاروخية.

وبحسب مصادر «الشرق الأوسط»، فقد «نجحت إسرائيل في تدمير كثير من أنفاق الحركة». وقالت إن «الجيش الإسرائيلي عثر على كثير من الأنفاق الاستراتيجية الهجومية والدفاعية».

واستخدمت «حماس» الأنفاق في مناسبات مختلفة كمخابئ لبعض قادتها الذين تمت ملاحقتهم فوق وتحت الأرض، وهو الأمر الذي جرى مع عضو المكتب السياسي للحركة روحي مشتهى وقيادات أخرى، ما أدى لمقتلهم في أحد تلك الأنفاق.

تقدر مصادر مطلعة لـ«لشرق الأوسط» أن «حماس» تمتلك في كل منطقة داخل غزة (شمال القطاع مثلاً) ما لا يقل عن 700 نفق بأحجام ومهمات مختلفة، لكن ذلك يرتبط بجغرافيا وطبيعة التربة التي يمكن من خلالها حفر عدد أكبر أو أقل من الأنفاق.

وتقول المصادر: «في خان يونس جنوب القطاع، يختلف عدد الأنفاق كلياً، وربما هو الأكبر على مستوى القطاع، وخاصة في المناطق الشرقية منها باعتبارها مناطق زراعية وسهلة الحفر، ويمكن فيها العثور على أكثر من مسار للنفق الواحد بتفرعات مختلفة وبتوزيعات جغرافية مختلفة من مكان إلى آخر، ويقدر عددها بنحو ألف نفق».

وقدرت إسرائيل سابقاً أن تكون «حماس» حفرت أكثر من 500 كيلومتر من الأنفاق، لكن الحرب الحالية أظهرت أن تقديراتها خاطئة، وكانت أكبر بكثير.

وتفسر هذه المعطيات كيف نجحت «حماس» حتى اللحظة في تسهيل حركة قياداتها ومقاتليها بين مواقع، فوق الأرض وتحتها، إذ الواقع الفعلي لشبكة الأنفاق يتيح لهم المناورة مع إسرائيل.

«حماس» أطلقت في «الرشقة الأولى» صبيحة 7 أكتوبر ما لا يقل عن 4 آلاف صاروخ (أ.ف.ب)

ترسانة الصواريخ

مثّلت الصواريخ سلاحاً فارقاً لدى «حماس»، وشكّلت في مرحلة ما أحد أهم وسائل الردع، بعدما كانت الحركة قادرة على ضرب المدن والمستوطنات الإسرائيلية وقتما تشاء، خاصة تلك التي كانت تصل إلى تل أبيب والقدس.

تقول مصادر موثوقة، لـ«الشرق الأوسط»، إن «حماس» فقدت غالبية مخزونها من الصواريخ. ومع ذلك يعتقد مراقبون أن الحركة تخفي عدداً منها، وسوف تستخدمها في وقت ما.

وتزعم مصادر ميدانية من «حماس» أن جناحها المسلح كان يمتلك قبيل الحرب ما يزيد على 60 ألف صاروخ، ما بين صواريخ بعيدة المدى وأخرى متوسطة وقصيرة.

وكانت «حماس» قد أطلقت في «الرشقة الأولى» صبيحة 7 أكتوبر، ما لا يقل عن 4 آلاف صاروخ، غالبيتها متوسطة وقصيرة المدى تزامناً مع بدء الهجوم العسكري.

ومع ذلك، يصعب معرفة العدد الدقيق للصواريخ التي تمتلكها «حماس» قبل الحرب، وما تبقى خلال عام بعد اندلاعها.

وتزعم إسرائيل أنها نجحت في تدمير كثير من الصواريخ، إلى جانب ضرب أماكن تصنيعها وتخزينها، ومنصات إطلاقها.

خسرت حماس الكثير من قياداتها لكن وجود عدد منهم خارج غزة يمنحها القدرة على المناورة (غيتي)

بنك المال والمعلومات السرية

لم تتوقع «حماس» أن القوات البرية الإسرائيلية ستتعمق داخل غزة، كل هذا الوقت وبهذا العمق والسعة، ما منعها من نقل أو إتلاف ملفات بالغة السرية، من بينها ملفات اجتماعات مغلقة، وملفات أمنية ومالية، نجحت إسرائيل في السيطرة عليها، كما الفيديو الذي ظهر فيه قائد «كتائب القسام»، محمد الضيف، الذي كان يوصف بأنه رجل الظل الذي لا تعرف صورته.

وأكدت مصادر في الحركة، لـ«الشرق الأوسط»، أن «الوقت لم يسعف عناصر (حماس) لتدمير ما لديها من ملفات، وإلا كان تم زرع عبوات ناسفة لتفخيخ المواقع التي تحوي مثل هذه الملفات على الأقل».

على الصعيد الحكومي، يمكن الجزم أن «حماس» خسرت جميع مقراتها، كما فقدت قيادات حكومية بارزة كانت تقود عملها الخدمي وغيره، إلى جانب كثير من أركان هيئة الطوارئ التي شكّلتها لإدارة العمل الحكومي للسكان خلال الحرب، وليس آخرهم على الأغلب المهندس ماجد صالح، المدير في وزارة الأشغال، الذي كان هدفاً لإسرائيل مرات عدة خلال هذه الحرب، وقد فقد زوجته وعدداً من أبنائه.

ترافق ذلك مع خسارة «حماس» كثيراً من مواردها المالية التي كانت تعتمد عليها، فهي إلى جانب الدعم الخارجي والدخل الحكومي، ثمة مصانع ومحال وعقارات وغيرها كانت تدرّ على الحركة شهرياً مبالغ طائلة.

وخلال الحرب تعمدت إسرائيل استهداف جميع مصادر تمويل «حماس»، وقصفت بنكاً تابعاً للحركة، وغرفاً محددة كان تخزن أموالاً، وهاجمت مركبات نقل أموال، واستولت على ملايين «الشواقل» من أماكن داهمتها، الأمر الذي أفقد «حماس» في كثير من الفترات قدرتها على صرف رواتب موظفيها وعناصرها، سواء الحكوميون أو المنضمون لجناحها العسكري وغيرهم.

في نهاية المطاف، طال الدمار كل شيء، كل شارع وحي، وجميع العائلات التي رزحت تحت نار الحرب طوال عام. لكن حسابات الربح والخسارة بالنسبة لـ«حماس» أمر بلاغ التعقيد، ولا يمكن الجزم به. ففي اليوم التالي للحرب، ستكون المعطيات حاسمة لمعرفة أن الحركة انتهت بالفعل، أم أنها طبقاً للظروف قادرة على العودة والنهوض مجدداً.