بريطانيا تحذر من «مأزق خطير» في محادثات فيينا

مصادر دبلوماسية لـ «الشرق الأوسط»: المسار يسير ببطء كبير... والضمانات التي تطالب بها إيران معقدة للغاية

وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس تتحدث أمام مجلس العموم في لندن أمس (الشرق الأوسط)
وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس تتحدث أمام مجلس العموم في لندن أمس (الشرق الأوسط)
TT

بريطانيا تحذر من «مأزق خطير» في محادثات فيينا

وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس تتحدث أمام مجلس العموم في لندن أمس (الشرق الأوسط)
وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس تتحدث أمام مجلس العموم في لندن أمس (الشرق الأوسط)

مع اقتراب المهلة التي حددتها الأطراف الغربية لوقف المحادثات مع إيران، بدأت التحذيرات تزداد من مسؤولين أوروبيين حول بطء سير المفاوضات الجارية في فيينا. وفيما حذرت بريطانيا من «مأزق» في المحادثات، حضت فرنسا الطرف الإيراني على «التحرك» لإنقاذ الاتفاق، فيما وعدت طهران بتغيير شكل المفاوضات مع واشنطن إذا كان «اتفاق جيد» في متناول اليد.
وقالت وزيرة الخارجية البريطانية، ليز تراس، أمام مجلس العموم في لندن، إن المحادثات تقترب «من طريق مسدودة»، مشيرة إلى أن التقدم الحاصل «ليس سريعاً بالقدر الكافي». وأضافت تراس أن على إيران أن تختار الآن «ما إذا كانت ترغب في إبرام اتفاق أو تكون مسؤولة عن انهيار الاتفاق النووي»، وأعقبت ذلك بتحذير بأن انهيار المفاوضات يعني أن «كل الخيارات ستكون مطروحة على الطاولة». ووصف وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، من جهته المفاوضات بأنها «في وضع دقيق»، وحض إيران على «التحرك» لإنقاذ الاتفاق. وحذر لودريان بأن فشل المفاوضات يعني أن العقوبات على إيران ستبقى قائمة، معبراً عن تخوفه كذلك من أزمة انتشار نووي.
ولكن مصادر دبلوماسية غربية رفيعة في فيينا قالت لـ«الشرق الأوسط» إن المفاوضات «لم تصل بعد إلى طريق مسدودة»، رغم اعترافها بأنها «تسير ببطء كبير» وأن «بعض الأيام أفضل من غيرها». وقالت المصادر إنها غير واثقة الآن بما إذا كانت المهلة الزمنية التي حددتها الأطراف الغربية لإنهاء المحادثات؛ أي نهاية الشهر الحالي أو مطلع فبراير (شباط) المقبل، سيكون الالتزام بها ممكناً. وقالت المصادر إن مسألة الضمانات التي تطالب بها إيران «معقدة للغاية»، وإنها «ستبقى مفتوحة حتى النهاية»، رغم أنه «جرى تحقيق بعض التقدم» في هذه الناحية. ورداً على سؤال حول ما إذا كانت النهاية في الأفق، قالت المصادر: «ليس بعد».
وكان السفير الروسي لدى المنظمات الدولية، ميخائيل أوليانوف، قد قال قبل يومين إن موسكو «تعارض التواريخ الوهمية لإنهاء المفاوضات، ولكنها مع ذلك تتشارك شعور الغربيين بضرورة التعجيل بالتوصل لاتفاق»، مضيفاً أنه «لا يمكن التفاوض لأشهر وأشهر مقبلة»، وأنه «يجب إنهاء المفاوضات في فبراير» المقبل.
وأكدت المصادر التي تحدث لـ«الشرق الأوسط» كذلك أن المفاوضات تناقش «فقط» العودة للالتزامات المذكورة في اتفاق عام 2015 «ولا تناقش جوهر الاتفاق»، في رد على سؤال حول ما إذا كانت المحادثات تناقش تمديد بعض القيود داخل الاتفاق و«بند الغروب» المتعلق ببرنامج إيران النووي وقدرتها على استيراد الأسلحة، والتي تبدأ الانتهاء بعد 3 سنوات؛ أي في عام 2025.
وواصلت الأطراف المفاوضة اجتماعاتها المكثفة في فيينا أمس على مستوى الخبراء، بينما بدأ كبير المفاوضين الإيرانيين، علي باقري كني، يومه التفاوضي باجتماع روتيني مع المنسق الأوروبي للمحادثات، إنريكي مورا، لمراجعة مسار المحادثات، قبل أن يتوسع نطاق اللقاء، بانضمام مفاوضي الثلاثي الأوروبي (فرنسا، بريطانيا وألمانيا)، والصين وروسيا.
وأطلع السفير الروسي ميخائيل أوليانوف نظيره الكويتي صادق معرفي على مسار المحادثات في فيينا، وناقشا آفاق الحوار الأمني في الخليج.
وفي وقت لاحق، قال أوليانوف، في تغريدة: «عقد اجتماع بين أطراف الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة من دون ايران، لتقييم وضع المحادثات. كالعادة الروس أكثر تفاؤلاً بينما زملاؤنا الغربيون اكثر تشاؤماً. (هذا يعكس) الجدل الدائم هل الكأس نصفه ملآن أم فارغ؟».
وفي طهران، قال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي: {لم نجر محادثات مع الأميركيين. ولكن كما أعلنا في وقت سابق ونعلن مجدداً، إذا كانت الأطراف (الأخرى) مستعدة لرفع العقوبات الجائرة عن الأمة الإيرانية، فهناك مجال لأي اتفاق»، حسب رويترز.
وكرر الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، شروط طهران لتغيير شكل المفاوضات مع الولايات المتحدة. وقال في تغريدة على «تويتر» إن «التواصل» بين الوفدين الإيراني والأميركي في محادثات فيينا «كان حتى الآن عبر تبادل رسائل خطية غير رسمية، ولم ولن تكون هناك حاجة إلى أكثر من هذا»، لكنه أضاف أن «هذا الأسلوب من التواصل تُستبدل به أساليب أخرى فقط عندما يكون الاتفاق الجيد في متناول اليد».
ودافعت صحيفة «جوان» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن الاستعداد المشروط الذي أبداه وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، أول من أمس، بشأن التفاوض المباشر مع الولايات المتحدة في حال ساعد ذلك في التوصل إلى اتفاق جيد بضمانات عالية. وقالت إن «المحادثات التقنية في مستقبل قريب ستصل إلى مرحلة التشبع».
وأبلغ المتحدث باسم اللجنة البرلمانية للأمن القومي والسياسة الخارجية، محمود عباس زاده مشكيني، وكالة «إيسنا» الحكومية أن عبد اللهيان سيحضر اجتماعاً للجنة اليوم، لشرح آخر تطورات المباحثات في فيينا، إضافة إلى زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى موسكو الأسبوع الماضي.
وكتب الناشط محمد مهاجري في صحيفة «اعتماد» الإصلاحية: «كان من الأفضل أن تنتهي المفاوضات في زمن عباس عراقجي، لو حدث ذلك لكان جني ثمارها الآن ممكناً، لكن لعبة السياسة أهدرت المصالح الوطنية حتى وصلنا إلى مفاوضات فيينا الجارية منذ أسابيع بإدارة علي باقري». وأشار إلى أن «الطريق تصبح وعرة أكثر وتظهر عقبات جديدة»، موضحاً أن الأطراف الأخرى «تزداد حرصاً وتستفيد من نقاط ضعفنا والنزاعات السياسة الداخلية»، لافتاً إلى أن الاتفاق المؤقت «الخيار الأكثر جديدة على طاولة المفاوضات».
وقال: «الاتفاق المؤقت في الظروف العادية ليس خياراً جيداً، لكن في ظل أوضاع هذه الأيام ليس اختياراً سيئاً»، ودعا إلى اغتنام فرصة العامين على دخول الولايات المتحدة في أجواء الانتخابات الرئاسية لتعافي الاقتصاد الإيراني، مرجحاً عدم فوز الرئيس جو بايدن بولاية ثانية.



إسرائيل تمهد لضربة عسكرية لإيران بعد تدمير قدرات الجيش السوري

نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)
نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)
TT

إسرائيل تمهد لضربة عسكرية لإيران بعد تدمير قدرات الجيش السوري

نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)
نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)

إلى جانب الأهداف المتعددة، بما في ذلك الإقليمية والداخلية، التي حققتها الهجمات الإسرائيلية ضد القدرات العسكرية للجيش السوري، حقق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خطوة كبيرة نحو التحضير لهجوم واسع على إيران. فالحلم الذي راوده منذ 13 عاماً بتوجيه ضربة للمشروع النووي الإيراني أصبح، من وجهة نظره، أمراً واقعاً. ولديه شريك مهم يشجعه على ذلك، وهو الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

كان نتنياهو، ومن خلفه الجيش والمخابرات، مقتنعين بأن توجيه ضربة قاصمة للمشروع النووي الإيراني هو مشروع ضخم يفوق بكثير قدرات إسرائيل.

لذلك، حاول نتنياهو خلال الحرب جرّ أقدام الولايات المتحدة للقيام بالمهمة، لكنه فشل. فالرئيس جو بايدن ظل متمسكاً بموقفه مؤيداً للحوار الدبلوماسي مع طهران. غير أن الهجوم الذي شنته إسرائيل على إيران في 26 أكتوبر (تشرين الأول) غيّر القناعات. فقد كانت نتائج الهجوم قاسية على القدرات الدفاعية الإيرانية، وإيران أول من يعلم بذلك لكنها تفضل الصمت. وإذا أضفنا إلى ذلك أن خطة طهران لتطويق إسرائيل بأذرع عسكرية فتاكة تلقت ضربة قوية، حيث تم تدمير 60 إلى 70 في المائة من قدرات «حماس» العسكرية في غزة والضفة الغربية، وتدمير نصف قوة «حزب الله» على الأقل، فإنها قلّمت أظافر «الحرس الثوري» الإيراني.

طائرة مقاتلة إسرائيلية في مكان غير محدد في صورة نشرها الجيش في 26 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

ومع سقوط نظام بشار الأسد، أتيحت لإسرائيل فرصة مفاجئة ونادرة لضرب الجيش السوري، فاستغلتها دون تردد. وفي غضون أيام قليلة، دمرت سلاح الجو السوري وقواعده، وكذلك سلاح البحرية وموانئه، إلى جانب معظم الدفاعات الجوية وبطاريات الصواريخ. وكل ذلك دون أن تتعرض لإطلاق رصاصة واحدة، ليخرج الجيش الإسرائيلي من الهجوم بلا أي إصابة.

كما هو معروف، نفذ الجيش الإسرائيلي هذه العملية ليؤكد مكانته كأقوى جيش في المنطقة، ولإظهار أنه يرد على المساس به بمقاييس ضخمة غير مسبوقة في الحروب. كما كانت رداً على الانتقادات الداخلية في إسرائيل، خصوصاً بعد نقاط ضعفه التي ظهرت في 7 أكتوبر 2023 وخلال الحرب.

بالنسبة لنتنياهو، كانت العملية وسيلة لإثبات قوته السياسية لخصومه الذين يرونه «قائداً فاسداً ومحتالاً»، ولإظهار أنه يدير حرباً تحقق مكاسب هائلة. ومع سهولة انهيار نظام الأسد وتحطيم الجيش السوري، أصبحت هذه العملية تحقق مكسباً استراتيجياً لم تتوقعه أي مخابرات في العالم، ولم تتخيله أعتى الساحرات، حيث مهدت الطريق أمام نتنياهو للضربة التالية: إيران.

القبة الحديدية في إسرائيل تعترض الصواريخ الإيرانية (أرشيفية - رويترز)

اليوم، تناقلت جميع وسائل الإعلام العبرية تصريحات صريحة لمسؤولين كبار في الحكومة والجيش الإسرائيليَّيْن، يؤكدون فيها أن «الهدف المقبل للجيش الإسرائيلي هو توجيه ضربة لإيران». وذكر هؤلاء المسؤولون أن العمليات العسكرية الجارية في سوريا تهدف إلى «تنظيف الطريق، جواً وبراً»؛ لتمهيد الطريق لضربة مباشرة ضد إيران. كما أشار البعض إلى أن سلاح الجو الإسرائيلي يدرس توجيه ضربة قاصمة للحوثيين في اليمن كجزء من هذه الاستعدادات.

بالطبع، يعتقد الخبراء أن ضرب إيران «ليس بالمهمة السهلة. فهي لا تزال دولة قوية، تخصص موارد هائلة لتعزيز قدراتها العسكرية، وتتبع عقيدة لا تعترف بالهزيمة أو الخسارة».

بالنسبة لإيران، حسابات الربح والخسارة ليست محورية؛ إذ تحتفل بالنصر دون هوادة مهما كان الثمن الذي تدفعه باهظاً، خصوصاً عندما يكون الآخرون هم من يتحملون التكلفة.

وفي إسرائيل، كما في دوائر سياسية عديدة في الولايات المتحدة والغرب، يزداد الاقتناع بأن القيادة الإيرانية تدرك التحديات والأخطار المتراكمة ضدها. ويُعتقد على نطاق واسع أنها قد ترى الحل الوحيد أمامها يكمن في تسريع تطوير قدراتها النووية العسكرية، وصولاً إلى إنتاج قنبلتها الذرية الأولى.

صورة جوية تظهر سفناً للبحرية السورية استهدفتها غارة إسرائيلية في ميناء اللاذقية الثلاثاء (أ.ف.ب)

هذا الواقع يشجع إسرائيل على المضي قدماً في تدمير المنشآت النووية الإيرانية، ليس فقط دفاعاً عن نفسها، بل أيضاً نيابة عن دول الغرب وحماية لمصالحها المشتركة. تدعم دول الغرب هذا التوجه. وقد بدأت إسرائيل بطرح هذا الملف منذ عدة أشهر أمام حلفائها، لكنها تطرحه الآن بقوة أكبر بعد انهيار نظام الأسد وتدمير قدرات الجيش السوري.

رغم إعجاب الغرب بالقدرات الإسرائيلية وإشادته بجيشها، الذي استطاع قلب الموازين وتحقيق مكاسب عسكرية بعد إخفاقه المهين أمام هجوم «حماس» في 7 أكتوبر، حيث يُتوقع أن تصبح هذه المكاسب مادة دراسية في الكليات الحربية، فإن هناك تساؤلات ملؤها الشكوك: هل هذه الحسابات الإسرائيلية واقعية ودقيقة؟ أم أنها تعتمد بشكل كبير على الغرور والغطرسة أكثر من التحليل المهني والتخطيط الاستراتيجي؟

إعلان مناهض لإسرائيل في طهران يظهر صواريخ إيرانية أبريل الماضي (إ.ب.أ)

وماذا سيكون موقف إسرائيل إذا تبين أن القيادة الإيرانية بدأت بالفعل الاستعداد للتحول إلى دولة نووية منذ التهديدات الأولى لها، وقد تُفاجئ العالم اليوم بإعلان تجربة نووية ناجحة، على غرار ما فعلته كوريا الشمالية عام 2007؟

وفي الداخل الإسرائيلي، تُطرح تساؤلات صعبة؛ أبرزها: «هل نخوض مغامرة كهذه، نخدم فيها الغرب وكل خصوم إيران في المنطقة، بينما ندفع نحن الثمن كاملاً؟».