«عنبر 6» في مهبّ الريح

الجزء الأول من المسلسل ينتهي بإجابات معلّقة

السجينات داخل «عنبر 6»
السجينات داخل «عنبر 6»
TT

«عنبر 6» في مهبّ الريح

السجينات داخل «عنبر 6»
السجينات داخل «عنبر 6»

لا يُبرر وجود جزء ثانٍ من مسلسل «عنبر 6» تقديم جزء أول شبه مبتور. 12 حلقة عن معاناة نساء في السجون أمكن تميّزها بمزيد من مهارة الحبكة. تكاد القصص تصطدم بجدار عريض. أسئلة من دون أجوبة، ومصائر في مهبّ الريح. الفكرة في ذاتها مهمّة: سيدات يتعايشن قسراً داخل القضبان، ماضيهن مأساوي وحاضرهن عذابات في مجتمع لا يرحم. التنفيذ يضيّع البوصلة، رغم الإنتاج الكبير لشركة «إيغل فيلمز». أمكن الاكتفاء بالغموض المدوزن إن كان القصد حبس الأنفاس، لكن المسلسل فضّل التيه.
ينتهي الجزء الأول بحريق في السجن قد يطال لهيبه أحداثاً كثيرة. ذلك مشوّق، يحمل إمكان الانتظار. ما لا يُغتفر، هو اللامبالاة بفك الألغاز التي يُفترض فكها. أبسطها، مثلاً، قضية «ليلى» التي تؤدي دورها صبا مبارك. هي ابنة بالتبني لـ«عليا» (رندة كعدي) المنتحرة في السجن، ليتبيّن أنّ مَن زعما أنهما والداها الحقيقيان، ليسا والديها. كيف ولماذا وما الغاية؟ انتظروا الجزء الثاني. في الدراما، هذا بتر، لا شطارة.
تتفرع القصة من دون أن تحمل كل الفروع ثماراً ناضجة. يُقتل «آدم» (السعودي نواف الظفيري، بأداء جيد) من دون أن يُفهم ما الدافع. ويتبيّن، بشيء من السذاجة، أنّ «رهف» (سلاف فواخرجي) تحمّلت مسؤولية مقتل والدها لظنها أنّ أخاها هو المرتكب، فتدخل السجن من دون حتى سؤاله لمَ فعل هذا! بمشهد هشّ، تسأله في الحلقة الأخيرة (كان قد كرر زيارتها في السجن) إن كان هو المرتكب. تأجّل السؤال 12 حلقة.
ما يحتمل التأجيل، كمصير «فواز» (علي منيمنة) الطمّاع، لا بأس بتأجيله. صراع المال والنفوذ يخوضه زوج «رهف» الانتهازي، مع شقيقها «رابح» (أنس طيارة، بدور جيد). الحقيقة ليست دائماً ما يظهر، فهناك النيات وما يُحاك وراء الظهر. و«فواز» ماكر، يرشو حارسة السجن لتضيّق الخناق على زوجته الحامل. المال هو الوحش الأكبر، يُذكّر المسلسل.
للنساء حكايات في سجن صغير يشكّل اختزالاً تراجيدياً لسجن شاسع هو الحياة. كأنّ ما يجري ضمن مساحته نسخة طبق الأصل عمّا يجري ضمن الحيّز الخارجي «الحر». كثر يأتون إلى السجن الصغير لاستحالة تحمّل السجن الكبير، وحين تنتهي مدة العقاب، يفضلون البقاء في دائرتهم الضيقة، خوفاً من خارج مفترس يهدد بابتلاعهم، كما تُبتلع قطرة الماء في البحر.
تستعيد كاميرا المخرج علي العلي ماضي السجينات وصولاً إلى ارتكابهن الجرائم. وهي استعادة غير وافية بالنسبة إلى سجينات مررن من دون خلفية، كرانيا عيسى في دور «حليمة»، التي لم يُفهم سبب تسلّطها وطبيعة علاقتها بابنتها، و«أم سيف» (جناح فاخوري) وما تخبئه من أسرار. رشّ المسلسل القليل من الملح في طبخة لقرية.
يخيّط العمل أحداثه على مهل، كمن يسير في طريق طويل وحده، ولا يكترث للمزاحمين من الخلف. وإن عددنا المنعطفات الدرامية، فلن نجهد في العد. المسلسل، تقريباً، من دون أحداث كبرى. المفترق الأول، اكتشاف «فواز» على حقيقته، وذلك مُتوقّع. المفترق الثاني، تخبّط «ليلى» بين حبيب يتقبلها بشروطه وصديق ينتظرها من دون شروط. تحمل صبا مبارك الشخصية كما تحمل أمٌّ طفلها، وتعتني بها. تُقنع في تشرذم هويتها، والدوران بين الصداقة والحب. في الإجمال، الأداء بمستوى جيد، من سلاف فواخرجي وتقلّب شخصيتها من الخوف والضعف إلى الشجاعة، والكويتية فاطمة الصفي بدور «أحلام» الطيبة، لتكون تسديداً لأثمان يدفعها البشر تحت ضغط الظروف؛ والمصرية أيتن عامر، فرحة المسلسل المغمّسة بالأسى، بما تختزله من اختناق للأحلام، فتشكل مع رنين مطر بدور «صافي» ثنائية لطيفة تهوّن خشونة السجن.
تتعدد اللهجات حد التأثير على الاقتناع بمنطق الأحداث. سجينات خليجيات ولبنانيات ومصريات وسوريات في سجن لبناني، تحرسه نساء أمن لبنانيات، وتراعي أحواله الصحية طبيبة لبنانية ومشرفة اجتماعية لبنانية. ستبدو الخلطة أكثر إبداعاً لو سُكبت في قالب درامي ممسوك، لا يتسرّب الهواء من فجواته. للتسويق ضروراته، لكن الشطارة في مهارة الطهي على نار معتدلة.
السجون عالم هائل، في كل زواياه قصة. يقول المسلسل إنّه مستوحى من أحداث حقيقية، كتبتها دعاء عبد الوهاب وهاني سرحان. يحمل لحظات مؤثرة أكثر مما يحمل قصصاً مكتملة. حبله قصير، فلا يطال شرايين القلب. يمكن التعاطف مع الشخصيات بما يفوق التعاطف مع القصة، ومع قضايا النساء السجينات، لا مع ترجمتها الدرامية وفق ما شاهدناه. ينجح العمل المعروض على «شاهد» في تحريك أسئلة من وحي الحياة، حول الوجود الإنساني المُكبّل والتكيّف بعد تبدّل الأحوال، وصراع البقاء؛ وعن العطاء الذي لا ينتظر مقابلاً، كالمرور اللطيف لشخصية «جود» (نتاشا شوفاني) بدور المساعدة الاجتماعية داخل السجن، وحارسة السجينات «دلال» (غريتا عون) برأفتها وعطفها.
يطال العقاب البعض ويغفل البعض الآخر، وإن كان لا يقل ارتكاباً للأخطاء عن الآخرين. العدالة استنسابية، بعضٌ يُحاسب وبعضٌ ينجو من الحساب. كثر يحملون سجنهم في دواخلهم، ولا يعود مهماً إن زُجّوا خلف القضبان أم خارجها. العبرة من المسلسل تمسح خيبته.



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».