لم يكن ليتصور يوماً بول غيراغوسيان وحسن جوني وأمين الباشا وشوقي شمعون وغيرهم من كبار الفنانين التشكيليين في لبنان، أن أعمالهم ستخضع لعمليات تجميل من نوع آخر؛ فلوحاتهم التي تركوها لنا إرثاً غنياً من أيام لبنان المضيء، تعرضت إلى التحطم والتمزق بفعل انفجار بيروت. فقدت الأعمال شبابها وقبعت في أماكن معزولة تنتظر من يمسح عنها جراحها ويعيد ترميمها. ومع معرض «ليفت» (Lift) الذي أقامه مكتب «اليونيسكو» و«متحف بيروت للفن» (Bema) في باحة تابعة لجامعة القديس يوسف (هوفلان) في الأشرفية، تنفست هذه اللوحات الصعداء واستعادت ملامحها الطبيعية. التشوهات التي أصابتها أُزيلت بفضل مبادرة اليونيسكو «لبيروت». هذه المبادرة أطلقتها المديرة العامة لليونيسكو أودري أوزلاي في عام 2020 إثر تفجير المرفأ، وهدفها إعادة تأهيل مدارس ومبانٍ تاريخية ومتاحف ومعارض.
واعتبرت كوستانزا فارينا مديرة، مكتب اليونيسكو في بيروت خلال افتتاح المعرض أن المباني التاريخية والتراث الثقافي والأعمال الفنية، تمثل روح الشعب وبالتالي روح بيروت. وأضافت «هذه اللوحات تحكي قصص مجتمع وشعبه. ونحن نفتخر بتعاوننا مع المهنيين المتفانين لترميم هذه الأعمال الفنية». وختمت «أن الثقافة تغذي الابتكار وتعزز الإبداع، وهي رصيد للتنمية الاقتصادية. إنه استثمار بالغ الأهمية يجب دعمه بشكل جماعي».
17 لوحة تحمل توقيعات فنانين لبنانيين مشهورين أمثال جميل ملاعب وحسين ماضي وإدغار مازجي ونزار ضاهر وبيبي زغبي وغيرهم. وقد اختيرت من السراي الكبير، ومن غاليرهات، وبعض منازل هواة جمع اللوحات القيمة وعرضت في «ليفت».
استغرقت عملية الترميم نحو 6 أشهر، شارك فيها سبعة متخصصين وخبراء ترميم لوحات، من بينهم 4 لبنانيين من فريق متحف «بيروت للفن» و3 طلاب من خريجي معهد الترميم في جامعة كولونيا الألمانية. ومن خلال عمليات ترميم دقيقة عرضت بعض مراحلها في فيديو قصير أثناء افتتاح المعرض، أُصلحت هذه اللوحات وأُزيلت تمزقاتها باستخدام المكبرات وأضواء خاصة لتنقيح الخدوش، فترميم القماش المتمزق للوحات الرسم يلزمه حرفية عالية، وهو ما دفع بـ(Bema) إلى تمديد برنامج تدريب داخلي لطلاب الدراسات العليا لمدة ستة أسابيع من أجل دعم هذا المشروع.
إحدى اللوحات للراحل بول غيراغوسيان التي اختيرت من مجموعة هدى وناجي سكاف، عُرضت حالتها ما قبل وما بعد عملية ترميمها كغيرها من لوحات المعرض. وتقول نايري كتكليان التي شاركت في عمليات الترميم: «كان بين أيدينا 17 لوحة تحتاج إعادة تأهيل، وكل واحدة منها كان لها صعوبتها. طبيعة عملنا لا ترتكز على نفس تقنية الرسام. لوحة زيتية مثلاً لا تُرمم بالزيت بل بالأكواريل والـ«غواش»، كي نستطيع إزالة التصحيح بسهولة في حال تعرضت إلى التشوه مرة أخرى. وتتابع لـ«الشرق الأوسط»: «إن لوحة بول غيراغوسيان كانت من النماذج الشديدة الصعوبة في ترميمها، فقد أصابتها شظايا الانفجار بشكل كبير بحيث وصل طول التمزق في وسطها إلى نحو المتر الواحد».
ومن القطع الفنية المتضررة بشكل كبير، التي كانت عملية ترميمها دقيقة جداً نظراً لتشوهاتها الكبيرة، منحوتة للفنان رفيق مجذوب، «كانت محطمة بشكل كبير ومنقسمة إلى قطعتين منفصلتين، فجمعناها تماما كالـ(بازل) واضطررنا أيضاً إلى استخدام قطع خشبية نردم فيها فجوات طالتها كي نعيد لها شكلها الطبيعي. توضح نايري في سياق حديثها.
نفذ «متحف بيروت للفن» أعمال الترميم هذه بمنحة من حكومة آيسلندا لإحياء الحياة الثقافية في العاصمة اللبنانية بعيد الانفجار. وحضر افتتاح المعرض وزير الثقافة محمد وسام المرتضى، فتنقل في أرجائه وتمعن في كيفية ترميم اللوحات لا سيما أن إحداها كان يحتضنها مبنى الوزارة. وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: إن «هذا العمل جبار. إعادة إحياء اللوحات وبث الروح فيها من جديد تترجم صلابة لبنان، فمهما لحقته من أضرار يبقى قادراً، في حال توفرت الظروف المواتية، أن ينتصب من جديد تماماً كهذه اللوحات».
بدورها أكدت مديرة «متحف بيروت للفن» ميشيل حداد أن سعادة المتحف كبيرة بتعاونه مع الـ«يونيسكو» ضمن مبادرة «لبيروت». وتضيف لـ«الشرق الأوسط» «لقد آثرنا عرض حالة اللوحات قبل وبعد تصليحها، فهي احتاجت عملية ترميم دقيقة جداً تدخل في صميم اللوحة وصولاً إلى شعيرات قماشها الممزق. وفريق الترميم في المتحف سيواصل عمله الدقيق هذا في ترميم وحفظ قطع مجموعة المتحف ووزارة الثقافة، فهي مجموعة مذهلة تمثل التاريخ المرئي للبنان الحديث».
عرض 17 لوحة لكبار الرسامين رُمّمت من أضرار انفجار العاصمة اللبنانية
«ليفت» يقام بالتعاون بين «اليونيسكو» و«متحف بيروت للفن»
عرض 17 لوحة لكبار الرسامين رُمّمت من أضرار انفجار العاصمة اللبنانية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة