مهمات 2022 الفضائية: صواريخ عملاقة... ومحطة مدارية صينية

9 دول تستعد للمساهمة في رحلات إلى القمر

صاروخ «ناسا» العملاق لمشروع «أرتميس» لرحلات القمر
صاروخ «ناسا» العملاق لمشروع «أرتميس» لرحلات القمر
TT

مهمات 2022 الفضائية: صواريخ عملاقة... ومحطة مدارية صينية

صاروخ «ناسا» العملاق لمشروع «أرتميس» لرحلات القمر
صاروخ «ناسا» العملاق لمشروع «أرتميس» لرحلات القمر

تتابعت الرحلات الفضائية عام 2021 في استعراضات مثيرة، حتى أنها كانت كثيفة في بعض الأحيان. فقد هبطت عربتان جوالتان على سطح المريخ تتبع إحداهما طوافة تجريبية، وحلَّق مليارديران في رحلة إلى حافة الفضاء، بينما تجاوزهما ثالثٌ وحلق أكثر في المدار. بعدها، سافر ويليام شاتنر إلى الفضاء، واستمتع مليونير رابع بالإقامة في المحطة الفضائية الدولية.
لكن العروض لم تنتهِ هنا؛ لأن الصين بدأت في بناء محطتها الفضائية الخاصة التي تعتمد على صاروخٍ كبير وصل إلى الفضاء، إلا أن التحكم به خرج عن السيطرة؛ لأن جزءاً منه عاد ودخل إلى الغلاف الجوي. كما تسببت بعض الهفوات في اهتزازات غير متوقعة في المحطة الفضائية الدولية في المدار، وودعت وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) كويكباً، وعادت إلى الأرض تحمل عينات منه. وعمدت الوكالة عينها إلى إطلاق بعثة جديدة مهمتها الاصطدام بكويكب آخر، لدراسة حماية البشرية من ضربات الصخور الفضائية مستقبلاً.
توقعات فضائية
بينما شهد العام الماضي كثيراً من الأحداث الفضائية الأخرى، فإنه يمكن القول إن سنة 2022 تبدو مزدحمة أيضاً.
إذن، ماذا عن التوقعات الفضائية للعام الجاري؟
> مزيد من الصواريخ العملاقة: من المتوقع أن يشهد العام الجاري إطلاق صاروخين يقلعان إلى الفضاء لأول مرة، هما نظام إقلاع الفضاء التابع لوكالة «ناسا»، ومركبة «ستارشيب» المملوكة لشركة «سبيس إكس». ويتميز كلاهما بحجمٍ كبير جداً، ويختلفان تماماً عن أي نوع آخر من الصواريخ.
صُمم نظام الإقلاع الفضائي «Space Launch System» التابع لـ«ناسا» ليؤدي دور مركبة الإطلاق بين الكواكب، ولكنه سيأتي متأخراً سنوات عن موعده الذي كان محدداً ومتجاوزاً ميزانيته الأساسية بمليارات الدولارات. وقد طور هذا الصاروخ الأحادي الاستخدام متعاقدون متخصصون في الصناعات الجوفضائية، وتبلغ كلفة الإطلاق الواحد منه حوالى ملياري دولار.
تقول «ناسا» إن برنامج «أرتميس» (Artemis program) لا يمكنه إرسال رواد الفضاء من جديد إلى القمر دون صاروخٍ عملاق. ومن المقرر أن يحمل الصاروخ في إقلاعه التجريبي غير المأهول الأول كبسولة «أوريون» في دورة حول القمر، ومن ثم يعود إلى الأرض، على أن يحصل هذا الإطلاق في مارس (آذار) أو أبريل (نيسان).
في المقابل، صممت شركة «سبايس إكس» صاروخ «ستارشيب» (Starship) القابل لإعادة الاستخدام وحده، ليشكل ركيزة أساسية لرؤية مؤسس الشركة إيلون ماسك، الهادفة لإرسال البشر إلى كوكب المريخ. تخطط الشركة أيضاً لتطوير نسخة من «ستارشيب» ستُستخدم مستقبلاً لإرسال رواد «ناسا» إلى سطح القمر. وقد أتم القسم الأعلى من الصاروخ اختبارات طيران على ارتفاعات عدة، انتهت بانفجارات كبيرة، ولم يكن النجاح حليفه إلا في اختبار واحد. وفي وقتٍ غير محدد من العام الجاري، من المتوقع أن يتزاوج نموذج تجريبي غير مأهول من «ستارشيب» مع منصة داعمة كبيرة قابلة لإعادة الاستخدام. وبعد إقلاعه من موقع إطلاق تابع لشركة «سبيس إكس» في تكساس، سيتوجه الصاروخ للدوران حول المدار قبل العودة والسقوط في البحر مقابل إحدى جزر هاواي.
مهمات القمر
> زوار كثر متوقعون على القمر: وُصف العام الماضي بأنه عام البعثات المريخية، ولكن القمر هو الوجهة الفضائية المسيطرة على الأرجح في 2022، إذ يُقدر عدد الرحلات التي تخطط لها دول وشركات خاصة للدوران حول مدار القمر أو الهبوط على سطحه بتِسع. ترعى «ناسا» خمساً من هذه البعثات، ويبدو أن مواعيد إطلاق بعضها واضح أكثر من الأخرى. فبالإضافة إلى كبسولة «أوريون» التي ستدور حول القمر وتتجه للعودة إلى الأرض، قد ينطلق قمر صناعي مصغر اسمه «كابستون» بواسطة صاروخ «روكيت لاب» من موقع إطلاق في نيوزيلندا في مارس، لدراسة مدارٍ قمري يمكن استخدامه مستقبلاً لبناء قاعدة مشتركة بين «ناسا» وأوروبا. وتتولى تنظيم 3 من هذه الرحلات المتجهة إلى سطح القمر شركات خاصة برعاية برنامج «ناسا» للخدمات التجارية للحمولة القمرية. وتهدف هذه الجهود إلى تكرار تجربة «ناسا» الناجحة في الاعتماد على شركات كـ«سبيس إكس» لنقل الحمولات ورواد الفضاء لاحقاً إلى المحطة الفضائية. ومن المتوقع أن تكون الرحلة الأولى من نصيب شركة «إنتويتيف ماشينز» في هيوستن.
وتأتي سائر الرحلات القمرية من دولٍ أخرى، كالهند التي ستحاول من جديد بعد هبوطها الفاشل على سطح القمر في صيف 2019. وصرحت روسيا بدورها بأنها تعتزم الهبوط على القمر للمرة الأولى منذ 1976، بالإضافة إلى مركبة كورية جنوبية ستدور في مدار القمر، وقد تصعد على متن صاروخ «سبيس إكس» في أغسطس (آب) على أبعد تقدير.
من جهتها، تعمل شركة «آي سبيس» اليابانية على إنزال مركبة من تطويرها تنقل حمولات متنوعة، أبرزها عربة جوالة تابعة للإمارات العربية المتحدة، على سطح القمر. ولكن تجدر الإشارة إلى أن مواعيد إطلاق وهبوط هذه الرحلات غير ثابتة، وتحددها الرياح القمرية.
محطة صينية
> استكمال المحطة الفضائية الصينية: التزمت الصين أخيراً بكلامها الذي أعلنت فيه أن برنامجها الفضائي سيتحقق وفق جدولٍ زمني محدد. لذا، إذا قالت إنها ستنهي بناء محطة «تيانغونغ» في المدار عام 2022، فهذا يعني أن حظوظ اكتمالها كبيرة جداً. وفي 2021، عمدت الصين إلى إضافة وحدة «تيانهي» الفضائية في مدار الأرض المنخفض، وأرسلت بعثتين مختلفتين من رواد الفضاء، وقد تطلق وحدتها المخبرية «وينتيان» في منتصف العام إلى المدار، لتلتحم مع «تيانهي». وفي وقتٍ لاحقٍ من 2022، قد ينضم مختبر «منغتيان» لتكملة محطة «تيانغونغ» الفضائية.
وتجدر الإشارة إلى أن وحدتي «وينتيان» و«منغتيان» ستنطلقان على متن «لونغ مارش 5 بي»، أكبر صاروخ صنعته الصين حتى اليوم.
وسبق لهذا الصاروخ أن أذهل العالم في مايو (أيار) الماضي، عندما سجل انطلاقة خارجة عن السيطرة إلى غلاف الأرض الجوي، معززاً بذلك احتمالاً مستبعداً ولكن غير مستحيل، بالتسبب في الأضرار والإصابات عند هبوطه. صحيحٌ أن الصاروخ سقط في مياه المحيط الهندي دون التسبب في حادثة، ولكن لم يتضح بعد ما إذا كانت الصين ستغير طريقة إدارتها له، ما يعني أننا قد نعيش في عام 2022 حالتين أخريين من «أين سيسقط الصاروخ»؟
التصدي للكويكبات
درست وكالة «ناسا» كثيراً من الكويكبات عن قرب، ولكنها اليوم تخطط للاصطدام بأحدها عمداً. وقد يشهد سبتمبر (أيلول) المقبل اختبار «إعادة توجيه مزدوج» لصدم كويكب «ديمورفوس» الصغير بكويكب أكبر منه اسمه «ديدايموس».
يعتبر الاصطدام بالكويكب تكتيكاً محتملاً للدفاع عن الأرض؛ فإذا اتجهت صخرة ضخمة نحو كوكبنا، فإن بعض العلماء يعتقدون أن الرهان الأضمن للبشرية سيكون على تغيير مسار الصخرة لتجنب صدمها لنا.
وتهدف حملة «إعادة التوجيه المزدوج» إلى توفير البيانات حول فعالية هذه المقاربة. لكن كويكبات أخرى تلوح في الأفق! إذ ظهر «سايكي» (Psyche)، وهو جسمٌ ضخم في حزام الكويكبات الممتد بين المريخ والمشتري، مكون بمعظمه من الحديد وأنواع أخرى من المعادن. ترجح هذه التركيبة أن «سايكي» شكل في بداية حياة النظام الشمسي نواة جسمٍ فشل في التحول إلى كوكب. وتخطط «ناسا» لإطلاق بعثة سُميت تيمناً بهذا الجسم الصيف المقبل، على متن صاروخ «فالكون هيفي» من إنتاج «سبيس إكس»، تصل إلى وجهتها بحسب جدولها الزمني عام 2026، لتوفر للعلماء أول نظرة قريبة على هذا العالم المعدني الغريب.
* خدمة «نيويورك تايمز»


 


مقالات ذات صلة

ابتكار علمي يُخفض استهلاك الطاقة في معالجة البيانات

علوم المادة الجديدة فائقة الرقة تدمج قوى مغناطيسية متعاكسة لتقليل استهلاك شرائح الذاكرة عشرة أضعاف (جامعة تشالمرز للتكنولوجيا)

ابتكار علمي يُخفض استهلاك الطاقة في معالجة البيانات

مع الارتفاع الهائل في حجم البيانات الرقمية والتوسع المتسارع في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، يزداد الضغط على أنظمة تخزين ومعالجة المعلومات بشكل غير مسبوق.

محمد السيد علي (القاهرة)
علوم «نيو»... روبوت بشري منزلي متطور جديد

«نيو»... روبوت بشري منزلي متطور جديد

بحركة واحدة، رفع دار سليبر الروبوت البشري عن الأرض، وقد أسنده من ظهره بذراع، ومن ساقيه بالذراع الأخرى، ثم حمله بلطف عبر الغرفة ووضعه على أريكة،

هاري ماك كراكن (واشنطن)
تكنولوجيا النموذج الجديد يجعل النتائج أكثر واقعية ويختصر مراحل المونتاج التقليدي (غوغل)

«Veo 3» من «يوتيوب» يصل إلى «شورتس» في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

إطلاق «Veo 3» من «يوتيوب» في السعودية يفتح عصر الفيديو التوليدي بالذكاء الاصطناعي، مانحاً المبدعين أدوات إنتاج متكاملة.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا تعيد المتصفحات الذكية تعريف تجربة البحث والتفاعل عبر التلخيص والتفسير والمساعدة التفاعلية ( شاترستوك)

كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تعريف التصفح عبر الإنترنت في الشرق الأوسط؟

يشهد الإنترنت تحولاً جديداً مع دخول الذكاء الاصطناعي إلى المتصفحات، محولاً إياها من أدوات عرض إلى شركاء تفكير، يعيدون تشكيل تجربة التصفح في الشرق الأوسط.

نسيم رمضان (لندن)
خاص رأس المال البشري أصبح ركيزة النضج السيبراني مع تركيز متزايد على التدريب ومراكز التميز (شاترستوك)

خاص كيف تحوّل السعودية الأمن السيبراني من درع دفاعية إلى محرك للنمو الاقتصادي؟

السعودية تحوّل الأمن السيبراني إلى محرك للنمو عبر الذكاء الاصطناعي، والاستثمار في المواهب الوطنية، ما يعزز الثقة الرقمية، ويمهد لريادتها الاقتصادية العالمية.

نسيم رمضان (لندن)

طفرة جينية تغيّر فهمنا لعلاقة السمنة بأمراض القلب

طفرة جينية تغيّر فهمنا لعلاقة السمنة بأمراض القلب
TT

طفرة جينية تغيّر فهمنا لعلاقة السمنة بأمراض القلب

طفرة جينية تغيّر فهمنا لعلاقة السمنة بأمراض القلب

كشفت دراسة علمية رائدة أن السمنة لا تؤدي دائماً إلى نفس مخاطر أمراض القلب، إذ توصل باحثون بريطانيون إلى أن تغيرات جينية معينة في الدماغ قد تحمي بعض الأشخاص الذين يعانون من السمنة الشديدة من ارتفاع الكوليسترول والمشكلات القلبية المرتبطة به.

نُشرت الدراسة في مجلة Nature Medicine في 16 أكتوبر (تشرين الأول) 2025 وأشرفت عليها البروفسورة صدف فاروقي بمعهد علوم التمثيل الغذائي جامعة كمبريدج المملكة المتحدة. وتركزت أبحاث الفريق العلمي على مستقبل دماغي يُعرف باسم «مستقبل الميلانوكورتين 4» (MC4R) melanocortin 4 receptor وهو مستقبل مرتبط ببروتين G يشارك في تنظيم توازن الطاقة والشهية والوزن والوظيفة الجنسية.

السمنة من دون ارتفاع الكوليسترول

عادة ما ترتبط السمنة بارتفاع مستويات الكوليسترول الضار (LDL) والدهون الثلاثية وانخفاض الكوليسترول النافع (HDL) وهي عوامل تزيد خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. لكنّ الآليات البيولوجية التي تربط السمنة بهذه التغيرات في الدهون ظلت غير واضحة.

> طفرات نادرة. ولفهم العلاقة بشكل أفضل درس الفريق أكبر مجموعة في العالم من الأشخاص الذين لديهم طفرات نادرة تؤدي إلى تعطّل وظيفة جين أو مستقبل الميلانوكورتين، وهي حالة تسبب السمنة المفرطة منذ الطفولة.

وبشكل مفاجئ وجد الباحثون أن البالغين الذين يعانون من نقص مستقبل الميلانوكورتين لديهم مستويات أقل من الكوليسترول الكلي و الكوليسترول الضار والدهون الثلاثية حتى عند مقارنتهم بأكثر من 300 ألف شخص من نفس العمر وبمؤشر كتلة الجسم من قاعدة بيانات البنوك الحيوية في المملكة المتحدة يمتلكون جيناً طبيعياً.

وقالت فاروقي كانت هذه مفاجأة، فعلى الرغم من السمنة بدا أن الأشخاص الذين لديهم طفرات في مستقبل الميلانوكورتين محميون من ارتفاع الكوليسترول والدهون الذي نراه عادة مع زيادة الوزن.

> إشارات الدماغ تتحكم في تمثيل الدهون. وأظهرت تحليلات إضافية أن حاملي طفرات مستقبل الميلانوكورتين لديهم مستويات أقل من الكوليسترول والدهون الثلاثية ولم تكن هناك أي علاقة بين النقص في هذا المستقبل وزيادة خطر أمراض القلب.

وعند دراسة كيفية استجابة الجسم للدهون بعد وجبة غنية بالدهون لاحظ الباحثون أن الأشخاص الذين يعانون من نقص في ذلك المستقبل أظهروا ارتفاعاً أقل في البروتينات الدهنية الغنية بالدهون الثلاثية/ وتغيرات تشير إلى زيادة كفاءة تخزين الدهون في الأنسجة الدهنية بدلا من بقائها في الدم.وتشير هذه النتائج إلى أن إشارات الدماغ عبر مستقبل الميلانوكورتين تلعب دوراً رئيسياً في تنظيم عملية التمثيل الغذائي للدهون. وقد يسهم فهم هذه الآلية في تطوير علاجات جديدة لمشكلات الكوليسترول المرتبطة بالسمنة وأمراض القلب.

خفض «الوزن العنيد»

> «مونجارو» يمنح أملاً جديداً. وفي دراسة مرافقة نُشرت أيضاً في Nature Medicine في 18 سبتمبر (أيلول) 2025 تعاون فريق فاروقي مع شركة ليلي Lilly (وهي شركة أدوية أميركية متعددة الجنسيات) المصنعة لدواء تيرزيباتايد المعروف تجارياً باسم مونجارو Mounjaro لعلاج السكري وإنقاص الوزن.

وبتحليل بيانات التجارب وجد الباحثون أن دواء مونجارو أدى إلى انخفاض في الوزن بنسبة 19 في المائة لدى الأشخاص الذين يعانون من نقص في مستقبل الميلانوكورتين وهي مجموعة كانت تواجه صعوبة في إنقاص الوزن حتى مع الحميات أو الأدوية الأخرى.

وقالت فاروقي إن هذا اكتشاف مهم، إذ واجه الأشخاص المصابون بسمنة مرتبطة بمستقبل الميلانوكورتين خيارات علاج محدودة لسنوات. وتُظهر نتائجنا أن المونجارو أو (تيرزيباتايد) يمكن أن يكون فعالاً حتى مع وجود هذه الطفرة الجينية.

> اتجاه جديد في أبحاث السمنة وصحة القلب. تسلط الدراستان الضوء على أهمية فهم الآليات الجينية والدماغية للسمنة والتي قد تغير طريقة تعامل الأطباء مع إدارة الوزن وصحة القلب. وبينما تبقى معظم حالات السمنة مرتبطة بمضاعفات أيضية تشير النتائج إلى أن ليست كل أنواع السمنة تحمل المخاطر نفسها وأن دور الدماغ في تنظيم تخزين الدهون والتمثيل الغذائي أعقد مما كان يُعتقد سابقاً.

ويأمل الباحثون أن يساعد فهم كيفية حماية إشارات مستقبل الميلانوكورتين من ارتفاع الكوليسترول في تحديد أهداف علاجية جديدة لاضطرابات الدهون في الدم مما قد يقلل من خطر أمراض القلب لدى الملايين حول العالم.


ابتكار علمي يُخفض استهلاك الطاقة في معالجة البيانات

المادة الجديدة فائقة الرقة تدمج قوى مغناطيسية متعاكسة لتقليل استهلاك شرائح الذاكرة عشرة أضعاف (جامعة تشالمرز للتكنولوجيا)
المادة الجديدة فائقة الرقة تدمج قوى مغناطيسية متعاكسة لتقليل استهلاك شرائح الذاكرة عشرة أضعاف (جامعة تشالمرز للتكنولوجيا)
TT

ابتكار علمي يُخفض استهلاك الطاقة في معالجة البيانات

المادة الجديدة فائقة الرقة تدمج قوى مغناطيسية متعاكسة لتقليل استهلاك شرائح الذاكرة عشرة أضعاف (جامعة تشالمرز للتكنولوجيا)
المادة الجديدة فائقة الرقة تدمج قوى مغناطيسية متعاكسة لتقليل استهلاك شرائح الذاكرة عشرة أضعاف (جامعة تشالمرز للتكنولوجيا)

مع الارتفاع الهائل في حجم البيانات الرقمية والتوسع المتسارع في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، يزداد الضغط على أنظمة تخزين ومعالجة المعلومات بشكل غير مسبوق. وتشير تقديرات علمية إلى أن تشغيل مراكز البيانات وشبكات الحوسبة المتقدمة قد يصل، خلال العقود القليلة المقبلة، إلى نحو 30 في المائة من إجمالي استهلاك الطاقة العالمي.

هذا الواقع يطرح تساؤلاً محورياً: هل يمكن أن يشكّل استهلاك الطاقة عقبة حقيقية أمام مستقبل الذكاء الاصطناعي ومعالجة البيانات المتطورة؟

يرتبط الجواب بالقدرة على تطوير تقنيات أكثر كفاءة في التعامل مع المعلومات؛ إذ تُعد شرائح الذاكرة القلب النابض لكل الأجهزة الذكية، بدءاً من الهواتف المحمولة والحواسيب وصولاً إلى السيارات ذاتية القيادة والمعدات الطبية. غير أن هذه الشرائح تعتمد على مواد تقليدية تستهلك طاقة كبيرة عند تبديل اتجاهات الإلكترونات لتخزين البيانات، وهو ما يفتح المجال أمام أبحاث مكثفة لإيجاد بدائل تحقق الكفاءة ذاتها بسرعة أعلى وبطاقة أقل.

اختراق علمي

في السياق، برز اختراق علمي من جامعة تشالمرز للتكنولوجيا في السويد، حيث طوّر الباحثون مادة ثنائية الأبعاد فائقة الرقة تجمع بين قوتين مغناطيسيتين متعاكستين داخل بلورة واحدة. وبحسب الفريق البحثي، فإن المادة الجديدة، وهي سبيكة مكوّنة من عناصر مغناطيسية وغير مغناطيسية (الكوبالت والحديد والجرمانيوم والتيلوريوم)، قادرة على دمج حالتي المغناطيسية الحديدية والمغناطيسية المضادة في بنية بلورية ثنائية الأبعاد واحدة.وأوضح الباحثون أن هذه الميزة النادرة تولّد ما أطلقوا عليه «المغناطيسية المائلة»، حيث تنشأ قوة تبادل داخلية تسمح للإلكترونات بتغيير اتجاهها بسهولة وسرعة من دون الحاجة إلى مجالات مغناطيسية خارجية. وكانت النتيجة انخفاضاً في استهلاك الطاقة داخل شرائح الذاكرة بمعدل يصل إلى عشرة أضعاف مقارنة بالمواد التقليدية، ونُشرت النتائج بعدد 29 سبتمبر (أيلول) 2025 من دورية (Advanced Materials).

يقول الدكتور بينغ تشاو، الباحث الرئيسي بالدراسة من قسم تكنولوجيا النانو والعلوم الدقيقة في جامعة تشالمرز للتكنولوجيا، إن المغناطيس يلعب دوراً جوهرياً في الشرائح الإلكترونية، وخاصة في الذاكرة، إذ يعتمد عملها على حركة الإلكترونات واتجاهها؛ فعندما تصطف الإلكترونات في اتجاه واحد (كما في حالة المغناطيسية الحديدية)، يمكن استخدام ذلك لتخزين المعلومات في الحواسيب.

وأوضح: «من خلال التحكم في هذه الاتجاهات باستخدام مجالات مغناطيسية أو تيارات كهربائية، تستطيع الشرائح تخزين البيانات واسترجاعها بسرعة وكفاءة، مما يجعل المغناطيس الأساس الذي يسمح بتحويل الظواهر الفيزيائية إلى بيانات رقمية قابلة للاستخدام».

وأشار تشاو إلى أن ما توصّل إليه الفريق البحثي يمثل مساراً جديداً كلياً في تصميم شرائح الذاكرة، من خلال دمج قوتين مغناطيسيتين متعاكستين (المغناطيسية الحديدية والمغناطيسية المضادة) داخل بلورة ذرية رقيقة ثنائية الأبعاد.

الشرائح والذكاء الاصطناعي

وعلى خلاف الأنظمة التقليدية متعددة الطبقات، التي تتطلب تصنيعاً معقداً وتعاني غالباً من مشكلات في نقاط التقاء الطبقات، فإن المادة الجديدة تبسّط عملية الإنتاج وتوفر موثوقية أعلى بكثير. والأهم أنها تتيح تقليل استهلاك الطاقة في أجهزة الذاكرة بمعدل يصل إلى عشرة أضعاف، وهو ما قد يغيّر مستقبل تكنولوجيا الذاكرة بجعل الشرائح أسرع وأكثر كفاءة واستدامة، مع انعكاسات مباشرة على الحواسيب، وأنظمة الذكاء الاصطناعي، والهواتف الذكية.

ونوه تشاو بأن بساطة عملية التصنيع تُعد ميزة إضافية بارزة، إذ إن تجنّب التكديس متعدد الطبقات ومشكلاته يسمح بتسريع تبني التقنية صناعياً وخفض تكاليف الإنتاج. كما أن الخصائص المغناطيسية الفريدة للمادة قد تفتح الباب أمام تطبيقات جديدة تتجاوز حدود الذاكرة التقليدية، مثل تطوير أجهزة كمومية، وحساسات متقدمة، وهياكل حوسبة مبتكرة.

ويرى الباحث بقسم تكنولوجيا النانو والعلوم الدقيقة في جامعة تشالمرز للتكنولوجيا، أن كفاءة استخدام الطاقة عامل أساسي لاستمرار النمو السريع للذكاء الاصطناعي، في ظل النمو المتسارع للبيانات الرقمية، ومن دون ابتكارات في تكنولوجيا الذاكرة الموفرة للطاقة، سيواجه التوسع السريع في الذكاء الاصطناعي والأنظمة المستقلة والتقنيات المعتمدة على البيانات تحديات استدامة كبيرة، وبالتالي، فإن خفض استهلاك الطاقة في أجهزة الذاكرة يعد شرطاً ضرورياً لضمان استمرارية تطور هذه المجالات.

ويضيف تشاو أن نهج خفض استهلاك الطاقة في الذاكرة يمثل استجابة مباشرة لأحد أكبر التحديات في تطوير الذكاء الاصطناعي، وهو الطلب الهائل على الطاقة، وإذا ما جرى تطبيق هذه المواد على نطاق واسع، فإنها ستؤدي لتقليص كبير في احتياجات الطاقة للبنية التحتية الحاسوبية المستقبلية، وهذا لن يجعل نمو الذكاء الاصطناعي أكثر استدامة فحسب؛ بل سيسمح أيضاً بانتشاره على نطاق أوسع وبقدرات أقوى، من دون أن يشكّل استهلاك الطاقة ضغطاً على النظم العالمية.


«نيو»... روبوت بشري منزلي متطور جديد

«نيو»... روبوت بشري منزلي متطور جديد
TT

«نيو»... روبوت بشري منزلي متطور جديد

«نيو»... روبوت بشري منزلي متطور جديد

بحركة واحدة، رفع دار سليبر الروبوت البشري عن الأرض، وقد أسنده من ظهره بذراع، ومن ساقيه بالذراع الأخرى، ثم حمله بلطف عبر الغرفة ووضعه على أريكة، حيث استلقي كما لو أنه يحصل على قيلولة سريعة.

روبوت «نيو» المنزلي

كان المشهد برمته سريالياً بعض الشيء، لكنه حمل رسالة جادة. كنت في زيارة للمقر الرئيس لشركة «وان إكس تكنولوجيز»، في بالو ألتو. وكان سليبر، نائب رئيس الشركة لشؤون النمو، يستعرض أمامي كيف أن روبوتهم المنزلي «نيو» (Neo) خفيف الوزن، إذ لا يتجاوز وزنه 66 رطلاً (نحو 30 كيلوغراماً). وهذه ميزة تصميمية بالغة الأهمية، لأن روبوتاً منزلياً ثقيلاً قد يشكل خطراً إذا سقط بالقرب من إنسان، أو حيوان أليف، حتى مزهرية باهظة الثمن.

ومن المقرر أن يخوض «نيو»، قريباً، التحدي الحقيقي لأي روبوت منزلي: الاستخدام في البيوت الفعلية. وأعلنت الشركة أنها بدأت في تلقي الطلبات المسبقة، وتخطط لشحن الوحدات إلى أوائل زبائنها، العام المقبل. يبلغ سعر الروبوت 20000 دولار، أو 499 دولاراً شهرياً كخدمة اشتراك، بحد أدنى 6 أشهر. ومثل الهواتف الذكية، سيُطرح الروبوت بعدة ألوان: البيج، والرمادي، والبني الداكن.

مهلاً، 20,000 دولار؟ لا يوجد كثير من المنتجات الاستهلاكية في هذا النطاق السعري. ربما السيارات، بالطبع (فمتوسط سعر السيارة الجديدة تجاوز حديثاً 50,000 دولار). وربما القوارب؟ حتى إن استطعت أن تضيف مثالاً أو اثنين آخرين، تظل القائمة قصيرة.

تنفيذ كل المهمات البيتية

ومع ذلك، نجد أنه من جهة أخرى، تتجاوز أهداف مؤسس الشركة ومديرها التنفيذي بيرند بورنيش، المتعلقة بالروبوتات التي تنتجها شركته، ما حققته معظم الاختراعات في التاريخ من فائدة؛ إذ يسعى إلى تعليم «نيو» تنفيذ كل مهمة منزلية يضطلع بها الإنسان، لأنه مضطر، وليس لأنه يريد ذلك. حتى إن كان الوقت الموفر لا يزيد عن دقائق متفرقة (5 دقائق لتفريغ غسالة الصحون، أو 15 دقيقة لطيّ الغسيل)، فإن هذا لدى تجميعه في النهاية يتحول إلى ساعات كثيرة متاحة لأشياء أكثر جدوى ومتعة.

الآن، اضرب ذلك في مئات الآلاف من روبوتات «نيو»، الرقم الذي يتحدث عنه بورنيش عند عرض خطط «وان إكس تكنولوجيز» طويلة الأمد لسعة التصنيع. وخلال مقابلة عبر تطبيق «زوم»، قال لي بعد زيارتي للشركة: «من المحتمل أن يكون هذا أعظم شيء على الإطلاق، من حيث زيادة الإنتاجية على مستوى المجتمع». ولا يعد بورنيش الوحيد من رواد الأعمال الذين ينسجون رؤى لعالم يتعايش فيه البشر مع جيوش من الروبوتات المصممة على شاكلتهم. جدير بالذكر هنا أن شركات مثل «أجيليتي روبوتكس» و«أبترونيك» و«فيغر إيه آي»، تعكف جميعها على تطوير روبوتات بشرية خاصة بها. وكذلك تفعل شركة «تسلا»، التي كان يعمل لديها سليبر من قبل، والتي يبدو أن الروبوت الخاص بها، «أوبتيمس»، قد جذب اهتماماً كبيراً من جانب إيلون ماسك، بعيداً عن السيارات الكهربائية «المملة».

اللافت أن معظم تركيز هذه الفئة الناشئة من الروبوتات يدور حول البيئات الصناعية، مثل المصانع والمخازن، حيث يمكن للروبوتات أن تتولى أعمالاً خطيرة أو متكررة، دون الحاجة إلى دفع أجر. أما شركة «وان إكس تكنولوجيز»، فهي تركز حالياً على الاستخدام المنزلي، إلا أنها ذكرت أنها «تخطط لتقديم روبوتات بشرية بيئية لمواقع العمل في وقت لاحق».

وبحسب تقرير صادر عن مؤسسة «مورغان ستانلي» في مايو (أيار)، فإنه بحلول عام 2050 قد يكون هناك أكثر من مليار روبوت بشري قيد الخدمة بالفعل، غالبيتهم العظمى في البيئات التجارية والصناعية. ويتوقع التقرير كذلك أن يكون من بينهم 80 مليوناً فقط في المنازل. ومع ذلك، فإن هذا الرقم يعني 80 مليون روبوت منزلي بشري تقريباً أكثر مما هو موجود اليوم.

روبوت مرن

ورغم روعة خطة «وان إكس تكنولوجيز» لتحويل الطريقة التي نقضي بها أوقاتنا، تعترف الشركة صراحة بأن «نيو» ليست على استعداد بعد لتحمل كل المهام الشاقة التي قد ترغب في تفويضها لروبوت منزلي. على سبيل المثال، فإن بعض المهام التي يستطيع أداءها تجري من خلال تحكم موظفي الشركة به عن بُعد فقط، الذين ينسقون حركته وكأنه دمية متحركة.

قد تكون هذه المساعدة البشرية مجرد حلّ مؤقت، علاوة على أنها في الوقت نفسه تزوّد الشركة ببيانات تدريب للذكاء الاصطناعي يمكن استخدامها لاحقاً لجعل «نيو» أكثر استقلالية. من ناحيتي، دفعتني تجربتي مع «نيو» داخل مقر «وان إكس تكنولوجيز» نحو خفض سقف توقعاتي بشأن قدراته الحالية بقدر ما زادت إعجابي بها

. في أثناء اللقاء، كان الروبوت يتجول بعزيمة، بمشية لا تشبه كثيراً مشية الإنسان، لكنها كانت أكثر مرونة مما كنت أتوقع. كما استعرض الروبوت قوته بحمل كيس أرز ضخم، وقدّم لي زجاجة ماء باردة، رغم أن هذه المهمة جمعت بين الاستقلالية (المشي إلى الثلاجة) والتحكم عن بُعد (فتح الثلاجة وإخراج الزجاجة)، لكنها استغرقت وقتاً أطول مما لو قمت بها بنفسي.

لكي ينجح «نيو»، لن تحتاج شركة «وان إكس تكنولوجيز» إلى مجرد إكمال بناء مهارات الروبوت فحسب، بل سيتعين عليها كذلك أن ترتقي إلى مستوى التوقعات التي لطالما ارتبطت بأفلامٍ بارزة، مثل «ذا جيتسونز» و«ستار وورز».

ويكمن جزء كبير من ابتكار «نيو» تحت بذلته المحبوكة ذات الياقة المدورة. وابتكرت «وان إكس تكنولوجيز» محركاتها الخاصة، التي تقول إنها تتمتع بعزم دوران أكبر 5 مرات من أي محرك آخر في العالم، وتساعد الروبوت على رفع ما يصل إلى 154 رطلاً، وحمل ما يصل إلى 50 رطلاً.

وجرى تزويد الروبوت بنظام نقل حركة وتريّ، يهدف إلى تقليل الوزن مع زيادة السلامة وتوفير سعر في المتناول. كما صُمّمت الأيدي بحيث تتمتع بحرية حركة 22 درجة، أي أقل 5 درجات فقط من الأيدي البشرية، ورُبطت بأذرع أطول من أذرع الإنسان، لأن الروبوتات لا تحتوي على شفرات كتف.

كما صممت الشركة بطارياتها الخاصة. يذكر أن «نيو» يعمل رسمياً لمدة 4 ساعات بالشحنة الواحدة، مع إمكانية شحن بطاريته عند الحاجة. وهنا، أطلق سليبر وعداً: «لن تضطر أبداً للتفكير في الأمر».

يبلغ طول «نيو» «170 سنتيمتراً»، أي أطول بـ«6.5 سنتيمتر» من متوسط طول المرأة الأميركية، وأقصر بـ« 7.5 سنتيمتر» من متوسط طول الرجل.

واللافت أن بنيته الجسدية ليست أنثوية ولا ذكورية عن عمد. وبغضّ النظر عن مدى كفاءة أجهزة «نيو»، ستحدد منصة الذكاء الاصطناعي الخاصة بشركة «وان إكس تكنولوجيز» «ما يمكنه فعله فعلياً داخل المنزل». وتتضمن عناصره الرؤية الآلية، والتعرف على الصوت، وبرنامج إدارة التعلم المدمج، مع ذاكرة توفر سياقاً مستمراً. وسيسمح دمجها جميعاً للروبوت بالاستماع إلى التعليمات، والتنقل في محيطه والأشياء الموجودة فيه، وأداء مهام مفيدة.

كما سيعزز برنامج «النموذج اللغوي الكبير» شخصية «نيو». وسيظهر ذلك عندما يتحدث الناس إليه، الأمر الذي تعتقد «وان إكس تكنولوجيز» أنه قد يفعّله كثيراً. من جهته، قال سليبر إنه بدلاً من تقليد الرفقة البشرية، تهدف الشركة إلى جعل الروبوت رفيقاً محبوباً يشبه الحيوانات الأليفة.

• مجلة «فاست كومباني»،

خدمات «تريبيون ميديا».