معرض «المتنفس» يحكي عن الوطن والمجتمع بريشة شبابية

يضم نحو 45 لوحة لخريجي الجامعة اللبنانية

TT

معرض «المتنفس» يحكي عن الوطن والمجتمع بريشة شبابية

لم يفلت غاليري «اكزود» في الأشرفية من انفجار بيروت. فهو يقع في شارع العكاوي الذي يتلاقى مع شارع مار مخايل المنطقة الأكثر تضرراً من هذا الحدث المأساوي. واليوم بعد مرور نحو سنتين على هذا الانفجار يستعيد «اكزود» حياته الطبيعية ويفتح أبوابه أمام رواده من جديد. واختار أن يحتفل بهذه المناسبة مع معرض يحمل عنوان «المتنفس» (Breather)، يشارك فيه نحو 45 فناناً تشكيلياً من خريجي كليات الفنون في الجامعة اللبنانية.
ومن خلال لوحات زيتية وميكسد ميديا وأكريليك ومنحوتات خشبية وغيرها من الفنون التشكيلية، ينقل لنا المعرض موضوعات تحاكي الوطن والمجتمع بريشة شبابية.
يستمر المعرض حتى 25 يناير (كانون الثاني) الجاري، وهو من تنظيم «ملتقى الألوان الفني».
وتقول باسكال مسعود، المشرفة على تنظيمه: «أردناه مساحة تعبير لفنانين من الجامعة اللبنانية لمساندتهم وتشجيعهم في مشوارهم. وكوني إحدى خريجات كلية الفنون الجميلة في هذه الجامعة، أحرص دائماً على توفير الفرص للخريجين فيها. فهم يفتقدون أي اهتمام بمواهبهم من قبل جهات رسمية، خاصة من الدولة اللبنانية».
اختارت باسكال اللوحات المعروضة في المعرض شخصياً، إثر تلقيها اتصالات لعدد كبير من الطلاب يرغبون في المشاركة. «رغبت في أن تكون اللوحات منوعة تتناول موضوعات مختلفة. وكما ترين فهناك لوحات تحكي عن بيروت وكذلك عن الطبيعة اللبنانية، وأخرى تحكي عن الطفولة أو تواكب التطور الفني وتعرفنا بالفن الرقمي».
تتفاوت عناوين اللوحات بين «بيروت تبكي» و«العالم هو الأم» و«الولادة من جديد» و«الضياع في حلم» و«زمن الصمت» و«حرية الرقص» و«أمي وأبي» وغيرها. ومن الرسامين المشاركين فاطمة سامي وفاطمة شمص ودينا عبد القادر وداني طنوس وكلارا فخري وقمر عمري ورجاء حطيط وغيرهم. «هناك بينهم أكاديميون ودكاترة في الجامعة ونقابيون». تعلق باسكال مسعود، أمينة الصندوق في نقابة الفنانين التشكيليين، وعضو في جمعية الفنان للرسم والنحت.
رياض سانتينا يعد الفنان الأكبر عمراً في هذا المعرض الذي يزدحم بريشة شبابية. فهو يعطي دروساً خاصة في فن الرسم لهواته منذ أكثر من 30 عاماً. يشارك في المعرض من خلال لوحة بعنوان «الفتاة الخشبية». يقول لـ«الشرق الأوسط»: «استوحيتها من فكرة لرسام هولندي، وعدلت فيها على طريقتي. هي مصنوعة من الخشب المدهون بمادة لماعة، وطليته بالذهبي لأنه برأيي يليق بإطلالة المرأة». وعن سبب مشاركته في المعرض يقول: «نريد أن نؤكد أن لبنان الثقافة والجمال باقٍ، كما أننا نحن الفنانين نحتاج إلى مساحة حرة للتعبير بعد قيود كثيرة كبلتنا لأكثر من عامين».
ومن اللوحات التي تلفتك في معرض «المتنفس» واحدة أكريليك للأستاذة في الجامعة اللبنانية رجاء حطيط، تصور فيها الانفجار الذي طال المرفأ وعنوانها «عيون بيروت». أما اللوحة الزيتية «الأحلام المسروقة» لفاطمة ضيا فهي تتناول موضوع زواج القاصرات. وتخبرنا من خلال عدة رسمات متداخلة عن قصة فتاة قاصر انقلبت حياتها رأساً على عقب إثر تزويجها. وتقول، في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «تلفتني المواضيع الخاصة باضطهاد المرأة وبينها العنف الأسري والزواج المبكر. وفي لوحتي أروي قصة إحدى الفتيات الصغيرات التي سرقت منها أحلامها، فوجدت نفسها فجأة تنتقل من مقاعد الدراسة إلى المنزل الزوجي بالرغم عنها». وعن كيفية اختيارها ألوان لوحتها تقول فاطمة: «إنها تأتي ترجمة لأحاسيس ومشاعر تنتابني وأنا أقوم بتنفيذ اللوحة. فعادة ما أضع نفسي مكان الشخص الذي يعاني، ولذلك ترين الألوان قاتمة يدخلها النور بخجل من النافذة. فالضوء هنا يعني الحلم والأمل اللذين سرقا من هذه الفتاة القاصر».
تطبع اللوحات المعروضة البيئة التي يعيش فيها الفنانون المشاركون، وكذلك معاناتهم وهمومهم. توضح باسكال مسعود: «بعض الرسامين جاءوا من بيروت والجنوب والبقاع، وبعضهم الآخر ينتمي إلى مناطق أخرى كطرابلس وبعلبك».
وفي لوحة لقمر عمري، عن الأم، نستشف مدى عطشها لحضور الوالدة في حياتها. وتعلق كريستيان غسطين صاحبة الغاليري: «قمر تعاني من رحيل والدتها منذ صغرها، وهي تتخذ من الأم عنواناً لغالبية لوحاتها». وضمن فن الميكسد ميديا تطالعنا قمر في هذه اللوحة بمشهدية تذكرك بحياكة الصوف والأعمال اليدوية بشكل عام. ولكنك تكتشف أنها كناية عن طبقات من الكرتون والورق تقدمها ضمن ألوان زاهية كتب عليها «الأم».
ويتألف المعرض من قسمين أساسيين؛ أحدهما خاص بالمتخرجين حديثاً في الجامعة اللبنانية ويبلغ عددهم نحو 15 شخصاً. فيما القسم الثاني يتضمن لوحات لنقابيين ومتخرجين ورسامين لديهم خبرة أكبر في عالم الرسم.
رحلة اللوحات التي تقوم بها في معرض «المتنفس» تأخذك أيضاً إلى العالم الرقمي.
وتوضح كريستيان غسطين: «إننا نحضر للقاء نجريه عبر تطبيق (زوم) الإلكتروني كي نشارك من خلاله في معرض افتراضي. وستكون لوحة الفنانة هالا جميل (Passing punk) القطعة الفنية التي نقدمها في هذا المعرض الرقمي».
هالا جميل ابنة عكار يجذبها العالم الرقمي وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «في هذا النوع من اللوحات نواكب عالماً آخر بدأ يتسلل إلى لبنان بشكل ملحوظ. وفي لوحتي التي تنتمي إلى عالم الـ(إن إف تي)، جمعت رموزاً افتراضية تعرف بـ(كريبتو بانك) و(بورد آيب)، بعد أن أنسنتها على طريقتي».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».