تحديات واشنطن الأمنية في أفغانستان

تعزيز السلام والاستقرار في أفغانستان مهم لأسباب إنسانية من أجل التعامل مع الأزمة الاقتصادية الخانقة (أ.ف.ب)
تعزيز السلام والاستقرار في أفغانستان مهم لأسباب إنسانية من أجل التعامل مع الأزمة الاقتصادية الخانقة (أ.ف.ب)
TT

تحديات واشنطن الأمنية في أفغانستان

تعزيز السلام والاستقرار في أفغانستان مهم لأسباب إنسانية من أجل التعامل مع الأزمة الاقتصادية الخانقة (أ.ف.ب)
تعزيز السلام والاستقرار في أفغانستان مهم لأسباب إنسانية من أجل التعامل مع الأزمة الاقتصادية الخانقة (أ.ف.ب)

في أعقاب سيطرة حركة «طالبان» على السلطة في أفغانستان، في منتصف أغسطس (آب) الماضي، بعد انسحاب القوات الأميركية من البلاد، طفت على السطح تحديات أمنية لدى واشنطن بات يتعين عليها التعامل معها على أنها أمر حتمي. ويقول المحلل الأكاديمي الأميركي الدكتور بول بيلار، زميل «مركز الدراسات الأمنية» بجامعة جورج تاون، في تقرير نشرته مجلة «ناشيونال إنتريست» الأميركية، إن أفغانستان اليوم تشكل مثالاً بارزاً على وضع مضطرب لا يبرر تحمل الولايات المتحدة العبء الرئيسي لإدارة الوضع، رغم أنه يبرر الاهتمام السياسي الأميركي.
ويضيف أنه علاوة على ذلك؛ فإن الأنظمة الحاكمة الأكثر ملاءمة والأكثر احتمالاً أن تكون في المقدمة في مثل هذه الإدارة تشمل تلك التي يزدريها الأميركيون أو لا يثقون بها لأسباب متنوعة. ويتعين على الولايات المتحدة أن تنظر إلى ما هو أبعد من هذه المشاعر، وأن تدرك أن زيادة مشاركة الخصم ونفوذه في مثل هذا المكان ليست بالضرورة أمراً سيئاً؛ إذ يمكنه تعزيز الأهداف التي تتقاسمها معه الولايات المتحدة. ويرى بيلار أن النظام الأكثر مشاركة بشكل مباشر هو، بطبيعة الحال، النظام الذي يحكم أفغانستان نفسها الآن؛ أي طالبان. ولا تزال هناك أسباب وجيهة لكراهية العديد من سياسات وممارسات «طالبان»، رغم التأكيدات التي قدمها المتحدثون باسم الحركة عندما اجتاحت كابل في العام الماضي... «ولكن شئنا أم أبينا، فقد انتصرت (طالبان) في الحرب الأهلية الأفغانية. وفي المستقبل المنظور، سيعني تحقيق أي شيء يقترب من السلام والاستقرار في أفغانستان أن تعزز (طالبان) انتصارها وتتغلب على أي جيوب مقاومة متبقية». ويضيف أن «تعزيز هذا السلام والاستقرار مهم جزئياً لأسباب إنسانية، فإشعال الحرب الأهلية من جديد يعني جعل الأزمة الإنسانية القائمة تتجه للأسوأ. كما أن هذا مهم أيضاً لأسباب أمنية تهم الولايات المتحدة. وكانت أسوأ نكسة تعرضت لها (طالبان) على الإطلاق، وهو ما يتعلق بطردها من موقع سابق للسلطة من جانب تدخل عسكري بقيادة الولايات المتحدة، كنتيجة مباشرة لعملية إرهابية ضد الولايات المتحدة قام بها حليف (طالبان) في زمن الحرب، تنظيم (القاعدة). وحركة (طالبان) لديها سبب قوي لعدم السماح بحدوث أي شيء من هذا القبيل مرة أخرى. والظروف التي من شأنها أن تميل أكثر من غيرها إلى إعادة بناء هذا التحالف هي تجدد الحرب الأهلية التي تشعر فيها (طالبان) مرة أخرى بالحاجة إلى هذه المساعدة».
ومن بين القوى الخارجية، «تأتي باكستان، الأكثر انخراطاً في الشؤون الأفغانية، ولديهم سبب وجيه ليكونوا كذلك. ولطالما رأت باكستان مصلحة قوية لها في أفغانستان، وعدّتها (عمقاً استراتيجياً) في الوقت الذي تواجه فيه منافستها التقليدية الهند». وتعاملت الولايات المتحدة في كثير من الأحيان مع باكستان على أنها حليف أكثر من تعاملها معها على أنها خصم، وذلك بالعودة إلى «دورها في تسهيل أول رحلة لهنري كيسنجر إلى الصين، وفي دعم التمرد الأفغاني ضد السوفيات لوجيستياً في ثمانينات القرن الماضي». ولكن عندما يتعلق الأمر بالتطرف العنيف في جنوب آسيا، فإن «باكستان كانت تمثل مشكلة أكثر من أنها حل. وكانت باكستان دائماً الداعم الأكبر لحركة (طالبان الأفغانية)، وكانت مساعدتها حاسمة في تمكين (طالبان) من تحقيق مآربها». ويقول بيلار: «إذا كنت تريد إلقاء اللوم على (طالبان) في أي شيء، فأنت تحتاج إلى إلقاء اللوم على الباكستانيين أيضاً». والآن بعد أن أصبحت «طالبان» تسيطر على كابل وما دامت لم تشتعل الحرب الأهلية في أفغانستان مرة أخرى، فإن «لدى باكستان سبباً وجيهاً لاستخدام نفوذها في اتجاه الاستقرار والاعتدال. وتؤثر الأحداث على كل جانب من جانبي خط (ديورند) الحدودي بين أفغانستان وباكستان، تأثيراً كبيراً على الجانب الآخر، في كلا الاتجاهين؛ بما في ذلك تواصل (طالبان) في الآونة الأخيرة مع الأفغان المقيمين في باكستان للعودة والمساعدة في إدارة نظامهم. والحدود نفسها مسألة خلاف وسبب لحوادث العنف المحتملة». لعل الأمر الأكثر أهمية بالنسبة لباكستان هو «أي تأثير نشط أو متطرف قد يكون لـ(طالبان الأفغانية) على الجماعات المناهضة للحكومة في شمال غربي باكستان، مثل المعروفة باسم (طالبان الباكستانية)، والتي أظهرت في الآونة الأخيرة انبعاثاً جديداً. ولم تعط إسلام آباد، التي تلعب لعبتها عبر الحدود مع حركة «طالبان الأفغانية»، أولوية كافية للتعامل مع هذا الشكل من التطرف على أراضيها لفترة طويلة جداً. والآن يعلم الباكستانيون أن لديهم مشكلة خطيرة».
وعلى الجانب الآخر من أفغانستان؛ عبر حدود لمسافة 582 ميلاً، «توجد إيران. وقد تعلم الإيرانيون بالطريقة الصعبة مدى المتاعب التي يمكن أن يسببها لهم عدم الاستقرار واليأس في أفغانستان. وقد قتل دبلوماسيون لهم هناك، كما ولدت تجارة المخدرات الأفغانية مشكلات كبيرة داخل إيران؛ ليس فقط من حيث الاتجار بالبشر، ولكن أيضاً من حيث تعاطي المخدرات من قبل الإيرانيين».
وتجلى توازي العديد من «المصالح الإيرانية والأميركية في أفغانستان عندما عمل الدبلوماسيون الإيرانيون والأميركيون معاً بشكل فعال لصياغة نظام سياسي جديد في أفغانستان بعد إطاحة نظام (طالبان) السابق في 2001 - 2002. وللأسف؛ انتهى ذلك الفصل القصير من التعاون عندما أعلن الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، ضمن الإعداد الخطابي للحرب في العراق، بعد ذلك بوقت قصير، (محور الشر) وأصبح النبذ التام لإيران سياسة أميركية».
لكن «المصالح الإيرانية الإيجابية ذاتها في إضفاء مزيد من الاستقرار على أفغانستان والحد من تجارة المخدرات لا تزال قائمة»، وفقاً لبيلار. ويقول إنه «في كثير من الأحيان، كان تفكير الولايات المتحدة في إيران هو أن أي تمدد في نشاطها ونفوذها في أي مكان وعلى أي شيء، أمر سيئ بحكم الواقع». ويضيف أنه «من الواضح أن مثل هذا الموقف خاطئ عندما يتعلق الأمر بأفغانستان».
وهناك قوة أجنبية أخرى في الجوار هي الصين، التي لا تشترك إلا في حدود قصيرة مع أفغانستان في نهاية ممر واخان، ولكنها تشعر مع ذلك بمخاطر القرب الجغرافي. ويتمثل القلق الرئيسي لبكين في أي تأثير قد يكون للتشدد الإسلامي في أفغانستان على أقلية الإيغور بمقاطعة شينجيانج شمال غربي الصين. كما أن الصين لها مصالح اقتصادية في أفغانستان؛ خصوصاً في استغلال الموارد الطبيعية، مثل النحاس، وهي أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي في البلاد.
ويرى بيلار أن «الأمن والمصالح الاقتصادية على حد سواء يعنيان ضمناً مصلحة صينية في تحقيق قدر أعظم من السلام والاستقرار في أفغانستان. وتماشياً مع ذلك، استخدمت الصين مساعيها الدبلوماسية الحميدة للتوسط بين أفغانستان وباكستان واستضافت محادثات بين (طالبان) والحكومة الأفغانية السابقة».



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».