«علّي صوتك»... صورة شبابية تجدد آمال المجتمعات

الفيلم العربي الوحيد الذي شارك في «مهرجان كان» 2021

يحاكي «علّي صوتك» آمال الشباب المغربي
يحاكي «علّي صوتك» آمال الشباب المغربي
TT

«علّي صوتك»... صورة شبابية تجدد آمال المجتمعات

يحاكي «علّي صوتك» آمال الشباب المغربي
يحاكي «علّي صوتك» آمال الشباب المغربي

«علّي صوتك» (كازابلانكا بيتس) شريط مفعم بالحيوية والشباب، استوحيت قصته من واقع بلاد المغرب. وبدعوة من شركة «إم سي» الموزعة له، لبّى أهل الصحافة والإعلام الدعوة لحضور الفيلم الذي تنطلق عروضه اليوم في بيروت.
يعكس الفيلم بشكل أو بآخر قصة مخرجه المغربي نبيل عيوش؛ إذ تدور أحداثه في مركز لتنمية المواهب الفنية. وهي النقطة التي انطلق منها عيوش في مشواره الإخراجي عندما انتسب إلى مركز مشابه في باريس. حتى أبطال الفيلم اختارهم من طلاب هذا المركز الذي شارك في تأسيسه، في حي سيدي مومن في كازابلانكا. فبرأيه، ليس هناك من هو أفضل منهم ليجسد شخصياتهم ويترجم أفكارهم.
يحكي الفيلم قصة مغني راب سابق يعيَّن معلماً في مركز لتنمية المواهب بأحد الأحياء الشعبية في الدار البيضاء. هناك يلتقي بمجموعة مراهقين يعيشون ظروفاً اقتصادية صعبة، مع تشتت أفكارهم غير الناضجة. لكنهم بمساعدة الأستاذ الجديد يحاولون التعبير عن أنفسهم بموسيقى الهيب هوب. فيتحدّون مشكلاتهم بشكل مختلف ويواجهون بأدائهم الفني عدم القبول من مجتمعاتهم.
ترشح الفيلم المغربي إلى جوائز عدة، أهمها في مهرجان كان السينمائي. وشكّل بذلك الشريط العربي الوحيد المشارك في هذه المسابقة العالمية لعام 2021.
يذكّرك «علّي صوتك» للوهلة الأولى بالشريط السينمائي «فايم» (الشهرة) لمخرجه آلان باركر الذي أُنتج في عام 1980، ولاقى يومها نجاحاً باهراً. فعناصره التمثيلية التي يغلب عليها الشباب، وتركيزه على فنون الـ«هيب هوب» والرقص والغناء تشبه من حيث قالبها فيلم «فايم». كما أنّ قصة الأول تحكي وقائع من حياة العديد من المراهقين، الذين يرتادون المدرسة الثانوية في نيويورك، للطلاب الموهوبين في الفنون المسرحية. وفي الثاني نتابع قصص طلاب المركز المغربي، ونتعرف على استخدامهم الـ«هيب هوب» وغناء «الراب» للتعبير عن هواجسهم.
يجذبك «علّي صوتك» منذ مشاهده الأولى بصورته الذكية وألوانه الزاهية، وكذلك بحالات الفقر التي يولّد منها غالبية طلاب المركز. استغرق تحضير الفيلم مع عيوش نحو ثلاث سنوات، وهو رغب في تمضية نحو عام كامل في المركز الفني؛ كي يتعرف بشكل أفضل إلى طلابه ويقف على طبيعة أفكارهم.
ونلمس في مجريات الفيلم مدى تمسك الشباب برغبتهم في التغيير، فيرفعون الصوت لتحقيقه. ولذلك؛ هو يحاكي ليس فقط المجتمع المغربي بل العالم العربي وحتى الأوروبي. ويعلق المخرج في أحد أحاديثه «لمست قصصاً في المركز المغربي تشبه إلى حد كبير تلك التي شهدتها في مركز مشابه في باريس».
سر نجاح الفيلم يكمن في واقعيته التي اعتمدها مخرجه في موضوعاته، وكذلك في شخصياته. فهو يتناول مواضيع الدين والحريات والمساواة وحقوق المرأة، وغيرها من الأمور التي تدخل في حياتنا اليومية، ويغنيها الحوار ومشاركة الآراء على اختلافها.
هذا التنوع الذي يحمله الفيلم في مجرياته، وكذلك في أداء ممثليه، يحقن مشاهده بجرعات أمل تذكّره بعمر الشباب. يعود بمخيلته إلى زمن الحركات الشبابية الكثيرة التي أحيت الانتفاضات على التقاليد وبمقدمها مع فريق الـ«بيتلز».
يغوص نبيل عيوش بكاميرته في الأحياء الفقيرة التي تحتضن تلك المواهب الفنية. ونرى من خلال عدسته واقع حياتهم الذي كان المحرك الأول لبحثهم عن التغيير من خلال الـ«هيب هوب». فهم ينامون مع باقي أفراد عائلاتهم في غرفة واحدة، ويدندنون أغاني الراب بصمت أو على أسطح عماراتهم الترابية. أما أفكار أغانيهم فيستوحونها من هذا الواقع ومعاناتهم معه. الصراع مع أفكار عتيقة تحيط بهم، وممارسات غير عادلة يلاقونها من الأخ البكر، وحواجز دينية تربوا عليها، وغيرها تشكل موضوعات أغانيهم وعناوينها.
أتقن نبيل عيوش عمله إلى حد كبير، فأجاد نقل أفكار الشباب وهواجسهم إلى الطرف الآخر المتمسك بتقاليده الاجتماعية. برع في اختيار الحوارات مع أداء عفوي جداً. واتبع الأحداث التصاعدية لتحميل الفيلم رسائل جمة في الإنسانية والاستقلالية. كما سرق الانتباه عندما قدم أكثر من أغنية ووصلة موسيقية يرددها المشاهد تلقائياً وهو يخرج من صالة العرض.
عيوش الذي رافقه على السجادة الحمراء في مهرجان «كان»، أبطال عمله، أصرّ على تقديمهم إلى الجمهور الغربي، سيما أنّها المرة الأولى التي يسافرون فيها خارج المغرب. فزوّدهم بالثقة بالنفس وكشف عن مواهبهم وأعطاهم الفرص كي يتحولوا نجوماً معروفين في عالم الفن. وهو يعتز بهدفه الذي حققه من جراء نجاح الفيلم ومشاركته في أكثر من مهرجان سينمائي، كان أحدثها في الجونة المصري.
ولفت مغني الراب المغربي الشهير أنس بسبوسي بحضوره وأدائه مجسداً شخصية أستاذ الغناء في المركز. شارك في بطولة الفيلم مجموعة من طلاب المركز، تتراوح أعمارهم بين 12 و18 عاماً. ومن بينهم مريم نقاش، ونهيلة عارف، وعبد الإله بسبوسي، وزينب بوجمعة، ومهدي رزوق وأمينة كنعان. أما الممثل إسماعيل أدواب (طالب في المركز) فقد أثر بأدائه المحترف وبصوته الرخيم في مشاهده وهو يشق طريقه نحو النجومية.
«علّي صوتك» أو «Casablanca beats» شريط سينمائي يخاطب مشاهده من دون تكلفة وضمن حوار شيق وأحداث مؤثرة ومثيرة معاً.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».