«الدانتيل» ينسج أحلام المرأة ومكوناتها برومانسية مفرطة

معرض مصري يضم 20 لوحة للفنانة إيمان أسامة

لوحات المعرض تعد محاكاة لعرض أزياء (الشرق الأوسط)
لوحات المعرض تعد محاكاة لعرض أزياء (الشرق الأوسط)
TT

«الدانتيل» ينسج أحلام المرأة ومكوناتها برومانسية مفرطة

لوحات المعرض تعد محاكاة لعرض أزياء (الشرق الأوسط)
لوحات المعرض تعد محاكاة لعرض أزياء (الشرق الأوسط)

«الدانتيل» قماش الأنوثة الرومانسي الناعم الذي يرحب دوماً بلعبة الخفي والمرئي أو الغموض والوضوح في الوقت ذاته، اختارته الفنانة الدكتورة إيمان أسامة، عنواناً لمعرضها المستمر حتى 30 يناير (كانون الثاني) الحالي، في غاليري «بيكاسو إيست» بالقاهرة.
يحاول المعرض الاقتراب أكثر من دواخل الأنثى ومكنوناتها، فمن خلال نحو 20 لوحة من الإكريلك تقدم الفنانة وصفاً دقيقاً لعالم المرأة ومشاعرها وأحلامها، وما تنتظره من الرجل، بأسلوب تعبيري رمزي يتماهى مع عذوبة قماش «الدانتيل».
تقول أسامة لـ«الشرق الأوسط»، «ينبعث من بين ثنايا هذا القماش طاقة عاطفية ولمسات رومانسية غير محدودة، نسجت منه القماش الأنثوي المميز لدى المرأة بلا منازع، لذلك حين قررت التعبير عن أسرار الأنوثة ومكنوناتها لم يكن هناك أجمل أو أكثر صدقاً ورمزية منه».
تحمل زيارة المعرض أحاسيس مختلفة وأجواء خاصة، كما لو أن الزائر في حضرة أحد عروض الأزياء الباريسية، يستمتع بأناقة «التوتال لوك» لبعض الفساتين المصنوعة من الدانتيل، أو ربما فتح خزانة الجدة، وتنقل بين ثيابها ومقتنياتها وذكرياتها، وما بين تسريحات النساء وتصميم ملابسهن في لوحاتها وما يصاحبهن من مفردات قديمة مثل الآلة الكاتبة، أو آلة الهاتف الكلاسيكية، نعيش أجواء من النوستاليجا المحببة، فهذه الإطلالة الحالمة للمرأة في أعمالها الفنية ربما تقود المتلقي إلى الحنين للماضي، حيث الحضور القوي للأنوثة الطاغية والرومانسية المفرطة بعيداً عن الضغوط والمنغصات، التي تواجه المرأة العصرية في واقع تصارع فيه الكثير من المشكلات.
وكأن بذلك أيضاً «الدانتيل» الذي اعتمدته الفنانة، وكللته بنظرات رقيقة يغلب عليها الحزن والشرود، والترقب إنما يمثل دعوة للعودة إلى الرومانسية المشروطة بحسن معاملة المرأة ومساعدتها على تجاوز أزماتها ومشكلاتها، تقول د. إيمان أسامة: «الدانتيل قماش رقيق وجميل، ولكنه هش أحياناً ويتطلب تعامل من نوع خاص، وهكذا هي المرأة أيضاً».
وتتابع: «تقدم المرأة كثيراً من التضحيات طوال حياتها، تبني الأسرة وتجمع أفرادها حولها بحنان وسخاء عاطفي مفرط، وترسخ الإحساس بالجمال والطمأنينة، وهي لا تحتاج مقابل ذلك كله سوى أن تلقى الأمان والحب والمساندة، وقد جعلت الشخوص في لوحاتي يعبرن عن ذلك من خلال نظراتهن الحالمة والباحثة عن الاهتمام من جانب الرجل والمجتمع على السواء». تضيف: «الاهتمام بالمرأة هو الاهتمام بنصف المجتمع وأكثر، وما تدور حوله إشكاليات المرأة كثير ومتنوع، ويحتاج إلى من يعبر عنه دائماً، وهذا هو محور اهتمامي وأعمالي».
من خلال تأمل اللوحات بالمعرض قد يستبعد المتلقي رؤيته السابقة عن غموض المرأة، فهذه النعومة المغلفة بالشفافية للشخوص لا تسمح بتكرار مفهوم الغموض، الذي يلحق دوماً بالأنثى، تقول أسامة: «في حين يصر الكثيرون على أن المرأة تتصف بالغموض، وأنها غير قابلة للفهم في معظم الأحيان، فإن الأعمال تسلم الرجل مفاتيح المرأة ببساطة، وهي التقدير والحب والتعامل معها بما يتماهى مع فطرتها الأنثوية، وهو ما يظهر جلياً في نظراتها باللوحات».
تعتبر الفنانة علاقتها بزوجها مصدر إلهامها في هذا المعرض: «ما أتمتع به من استقرار وما ألقاه من دعم ومساندة لي من جانب زوجي في مختلف مجالات حياتي أعتبره نموذجاً لما تنتظره المرأة دوماً من شريك حياتها كي تنجح في تحقيق أحلامها وأهدافها».
يُعد المعرض استمراراً لمشروع أسامة الفني، الذي يحتفي بالتعبير عن عوالم المرأة، وإثبات قدرتها على التحدي، وشراكة الرجل في المجتمع، ولكن انطلاقاً من رؤية مختلفة ومن زاوية جديدة، يقوم على استخدام تناول بصري مبتكر من حيث التشخيص والتعبير والرموز والدلالات.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».