بعد أن خلدها السياب في شعره.. «شناشيل» البصرة إرث معماري في طريقه للزوال

بيت تراثي عند نهر العشار يجسد فن عمارة «الشناشيل» في البصرة ويلاحظ آثار الخراب ادية عليه («الشرق الأوسط»)
بيت تراثي عند نهر العشار يجسد فن عمارة «الشناشيل» في البصرة ويلاحظ آثار الخراب ادية عليه («الشرق الأوسط»)
TT

بعد أن خلدها السياب في شعره.. «شناشيل» البصرة إرث معماري في طريقه للزوال

بيت تراثي عند نهر العشار يجسد فن عمارة «الشناشيل» في البصرة ويلاحظ آثار الخراب ادية عليه («الشرق الأوسط»)
بيت تراثي عند نهر العشار يجسد فن عمارة «الشناشيل» في البصرة ويلاحظ آثار الخراب ادية عليه («الشرق الأوسط»)

خلال التجوال في مدينة البصرة، مدينة النخيل والثقافة والأدب، مدينة الخليل بن أحمد الفراهيدي وبدر شاكر السياب، مدينة الموانئ والخير، حيث يتدفق من أرضها الذهب الأسود، لا بد أن يشدك بقوة تراثها المعماري الذي ميزها عن بقية المدن العراقية، حيث تستطيع أن تشاهد «شناشيلها» التي تعبر عن مدى التقدم الحضاري في مدينة كانت من أوائل الأمصار الإسلامية التي أمر بتشييدها ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب.
«الشناشيل» أصبحت أساسا في إلهام أغلب الشعراء لجمال وتميز بنائها عن غيره من فنون العمارة، حيث كانت حاضرة في قصيدة لشاعر البصرة الكبير بدر شاكر السياب «شناشيل ابنة الجلبي نور حوله الزهر... عقود ندى من اللبلاب تسطع منه بيضاء»، لكن بعد مرور قرن من الزمن على قصيدة السياب، لم يعد النور يسطع من تلك الشبابيك «المشنشلة»، حيث بدت في طريقها إلى الزوال.
وفي الوقت الذي تعاني فيه أغلب المؤسسات الحكومية في العراق ما بعد عام 2003 من آفة التجاوز على ممتلكات الدولة من قبل مواطنين يطلقون عليهم تسمية «الحواسم»، الذين ساعدتهم قرارات رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قبيل كل انتخابات برلمانية أو محلية، تمنع إخلاء تلك الممتلكات بالقوة، بقيت تلك «الشناشيل» التي أغلبها ملك للحكومة المحلية في البصرة وخاصة في منطقة نظران (وسط البصرة القديمة)، أشبه ببقايا أطلال في طريقها للزوال، في حين غابت وبحسب عدد من المهتمين بالتراث البصري المشروعات الحكومية لإعادتها كسابق عهدها.
مدير آثار البصرة هاشم محمد قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «عدد بيوت (الشناشيل) المسجلة رسميا لدى دائرة الآثار في البصرة تبلغ 42 عقارا، جميعها مشغولة من قبل العوائل المتجاوزة أو المؤجرة أو من قبل مؤسسات حكومية أو ثقافية». وأضاف أن «القانون العراقي يمنع تغيير شكل أي مرفق آثاري أو حضاري أو تراثي تعد (الشناشيل) جزءا منها، لكن هناك الكثير من التغيرات طرأت على تلك المباني مما غير في معالمها».
وتابع مدير آثار البصرة قائلا إن «الوضع الحالي حد من تنفيذ تلك القوانين بحق المتجاوزين، وخاصة أن الجهات التنفيذية لم تبدِ التعاون في ذلك رغم مطالبنا المتكررة».
وأشار إلى أن «أغلب بيوت (الشناشيل) في البصرة معرضة اليوم للزوال بسبب الإهمال والتغيرات التي طرأت عليها من قبل مستغليها، والحل يكون بتنفيذ مشروع وطني لحمايتها، وهذا الذي نطالب به باستمرار، ونتمنى أن نجد الأذن الصاغية له».
إلى ذلك قال الفنان والنحات البصري أحمد السعد، إنه «من الصعب أن أتكلم عن (الشناشيل) وأنا أشاهد كل يوم موتها بصمت دون محاولة من أي شخص لإنقاذها»، مبينا أن «أغلب من يسكنون تلك البيوت من المتجاوزين لا يعرفون حتى قيمتها التاريخية».
وأضاف السعد، وهو من أهالي البصرة وعارف بتراثها، حيث يستلهم بأعماله التشكيلية مفرجات مدينته الحميمة، أن «(الشناشيل) كانت من أجمل الأماكن التي يقصدها السياح سابقا، واليوم هي أماكن لتربية الدجاج والطيور، حيث لا مشروعات حكومية لإعادتها والتجاوز والإهمال سبب تدميرها، والكل يلوذ بالصمت عندما تطلب منهم الاهتمام».
من جانبه قال النجار أحمد سالم، صاحب محل نجارة في منطقة السيف القديمة: «في منطقتي لم يقم أحد ومنذ زمن طويل بترميم أو إعادة بناء دار تحتوي على (شناشيل) مع أن غالبية الدور هنا مبنية وفق هذه العمارة البصرية التراثية». وأضاف أن «أغلب بيوت المنطقة التي يوجد فيها (شناشيل) تشوهت بسبب الإهمال، بل إن هناك أناسا قاموا بهدم تلك الدور التراثية وبناء بيوت حديثة، وأتألم كثيرا وأنا أرى تلك (الشناشيل) تزول وتذهب معها ذكريات الطفولة».
وعرفت البصرة فن عمارة «الشناشيل» أيام الاحتلال العثماني في القرن الـ17 وهناك في منطقة نظران اليوم 42 بيتا تابعا لأملاك ديوان المحافظة، من أشهرها بيت الشيخ خزعل، أمير منطقة المحمرة سابقا، وهي كل ما بقيت اليوم حاضرة من «شناشيل» البصرة.
وقال الرئيس السابق لقسم الهندسة المعمارية في جامعة البصرة الدكتور وسام صبيح، لـ«الشرق الأوسط»، إن «العراقيين عرفوا (الشناشيل) منذ القرن السابع عشر على يد العثمانيين، حيث تعد هندسة العمارة المستخدمة في الشبابيك التي تعد مزخرفة، ذات أصول هندية أو تركية عثمانية، لكن الأخيرة هي الأقرب، فيما جاء اسم (شناشيل) من مفردة فارسية الأصل مركبة (شاه نشين) أي مكان جلوس الشاه».
وأضاف أن «(الشناشيل) هي عبارة عن شرفات خشبية مزخرفة تغطي الطابق العلوي للبيت أو غرفا من الطابق الأول، وتكون مصنوعة من الخشب، وقد زينت بزخارف غالبيتها إسلامية، بها إما تشكيلات متداخلة من الخشب الخفيف أو من الزجاج الملون»، مبينا أن «استخدامها جاء جماليا، بالإضافة إلى أن استخدام الخشب في البناء يزيد من برودة البيوت، ويمنع أشعة الشمس من الدخول في مدينة تمتاز بارتفاع درجات الحرارة فيها، كما أن امتداد تلك الشناشيل خارج البيوت وعلى طول الأزقة الضيقة في منطقة نظران حجب أشعة الشمس عن تلك الأزقة ووفر ظلا أدى إلى تلطيف الجو فيها».
وتابع الدكتور صبيح قائلا إن «(شناشيل) البصرة تطابق الذوق العام للمدينة والحاجات البيئية والحالة الاجتماعية، حيث تكون سهلة الحركة، وبها زخارف وفسيفساء، وبها خصائص فنية جعلتها الأولى بين جميع (الشناشيل) في مدن العراق الأخرى، كبغداد والموصل والنجف، كما تلك المدن، وبحسب المصادر التاريخية نقلت (شناشيلها) من البصرة»، لافتا إلى أن «الجنس المعماري في كل شناشيل العراق متشابهة، إلا أن الاختلاف في الشناشيل ما بين البصرة وبغداد يكمن في أن شناشيل بغداد تعتمد على القضبان الحديدية، فيما (شناشيل) البصرة تعتمد على الأعمدة الخشبية مع الاعتناء بالزخارف، فيما يكون الخشب في العمائر البصرية هو (الجاوي) نسبة إلى جزيرة جاوة في إندونيسيا».
ونوه الرئيس السابق لقسم الهندسة المعمارية في جامعة البصرة بأن «هناك بعدا اجتماعيا في بناء الشناشيل في البصرة، هو تقارب الشرف (جمع شرفة) بين الجيران، حيث يكون حديث النساء في تلك البيوت بسهولة ودون اطلاع من في الشارع عليهن، مما زاد الحميمية بين أبناء المنطقة الواحدة، وهذا ما نفتقده اليوم في فن العمارة الحديث».
يذكر أن عددا من المؤسسات الثقافية في مدينة البصرة تبنت أخيرا مشروعا لإعادة إحياء «الشناشيل» في البصرة، وذلك من خلال جعل تلك البيوت مقار لبعض تلك المؤسسات، فيما لم تستطع الحكومة المحلية في البصرة رفع التجاوزات على أبرز معالم المدينة التراثية.



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».