ماسة سوداء غامضة عيار 555.55 قيراط في مزاد للمرة الأولى

مدرجة في «غينيس» منذ 2006

الماسة السوداء (أ.ف.ب)
الماسة السوداء (أ.ف.ب)
TT

ماسة سوداء غامضة عيار 555.55 قيراط في مزاد للمرة الأولى

الماسة السوداء (أ.ف.ب)
الماسة السوداء (أ.ف.ب)

كُشف أمس، في معرض سوذبيز دبي عن ماسة سوداء غامضة عيار 555.55 قيراط، وستُعرض لأول مرة في المزاد بمركز دبي المالي العالمي من 17 وحتى 20 يناير (كانون الثاني).
ومن المقرر أن تسافر إلى لوس أنجليس من 24 وحتى 26 يناير، ولندن من 2 إلى 9 فبراير (شباط)، قبل عرضها في مزاد الإنترنت للقطعة الواحدة من 3 وحتى 9 فبراير، حيث ستُقدّم من دون حد للسعر مع قبول الشراء بالعملة المشفرة.
تقول دنيكيتا بيناني، اختصاصية المجوهرات ورئيسة قسم المبيعات في دار سوذبيز لندن: «لقد أُطلق على هذه الماسة اسم (إنيغما) بمعنى (اللغز)، وهي فعلاً ظاهرة طبيعية غريبة وغامضة. وتعد هذه الماسة أكثر من مجرد جوهرة، فهي شيء فريد وثمين يثير فضول الجميع، وتزن 555.55 قيراط وتضمّ 55 وجهاً بالضبط، وهي أعجوبة نادرة بشكلها وحجمها، كما أنّها متألقة ومصقولة بطريقة مثالية كدليل على المهمة الدقيقة والمهارة العالية التي استخدمت في قطع الماسة. وحفظت هذه الماسة لأكثر من عقدين لدى المالك، ولم تُعرض علناً أو في السوق المفتوحة، لذلك يسعدنا أن تتاح لنا فرصة إخبار العالم بقصتها. ويمثل بيعها فرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة في العمر لاكتساب واحدة من أندر العجائب الكونية التي عرفتها البشرية».
وتقول كاتيا نونو بويز، رئيسة دار سوذبيز في الإمارات العربية المتحدة: «يشرفنا اختيار دبي لتكون المحطة الأولى لهذه الأعجوبة النادرة والاستثنائية، ويسعدنا أن نلعب دوراً في رحلتها التي بدأت منذ ملايين السنين. وهذه هي المرة الأولى التي نقدم فيها عرضنا لإمكانية الشراء بالعملات المشفرة في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي خطوة تتماشى مع التزام الحكومة باستكشاف التطورات الرقمية والتقنية والعلمية الجديدة. ويعتبر الكشف عن هذا الحجر الفريد من نوعه سواء في معرض مركز دبي المالي العالمي أو بورصة دبي للماس استمراراً واضحاً لتفانينا في عرض أفضل ما في دولة الإمارات».
وماسة «إنيغما» هي كنز نادر يزن 555.55 قيراط، وهي ماسة سوداء رائعة ونادرة للغاية، وأكبر ماسة ذات لون أسود طبيعي في العالم أُبلغ عنها من قبل Gubelin وGIA اعتباراً من عام 2004. وأُدرجت أكبر ماسة مقطوعة في العالم في كتاب غينيس للأرقام القياسية في عام 2006. ويعتبر الحصول على ماسة سوداء ذات جوانب طبيعية بهذا الحجم، أمراً نادر الحدوث للغاية، وأصولها محاطة بالغموض، ويُعتقد أنّها جاءت من نيزك اصطدم بالأرض أو أنّها أتت بالفعل من كويكب يحمل الماس كان قد اصطدم بالأرض.
ويعدّ تصميم الماسة ذا أهمية كبيرة فهو مستوحى من الرمز شرق الأوسطي على شكل كف اليد «الخمسة»، علامة الحماية والقوة والطاقة. وترتبط «الخمسة» بالرقم خمسة ذي المعنى الرمزي، ويبلغ حجمها 555.55 قيراط وتحتوي أيضاً على 55 وجهاً بالضبط، لتكون إنجازاً تقنياً لواحدة من أقسى الماسات الموجودة في العالم.
لم تُعرض ماسة «إنيغما» من قبل في السوق أو للعامة، وستكون اليوم نجمة المزاد المخصص والمفتوح للمزايدة عبر الإنترنت من 3 وحتى 9 فبراير، وستُقبل العملات المشفرة لشرائها، في خطوة تعكس حقيقة أنّ العملة المشفرة بدأت تترك بصمتها في عالم الفن المادي. وتتصدر «سوذبيز» الطريق في سوق المجوهرات. وستُقدم هذه الماسة «من دون حد للسعر»، مما يعني أنّ الفائز بها سيكون أعلى سعر مقترح من الحاضرين بغض النظر عن قيمتها أو القيمة الجوهرية للماسة ذاتها.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)